تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

رأي

أين طريق البحر رجاءًا؟

8 فبراير, 2024
الصورة
Badda Cas
Share

ينشر موقع جيسكا الترجمة العربية لهذه المقالة المطولة للكاتب والروائي الصومالي نور الدين فارح حول البحث الايثوبي التاريخي لموطئ قدم في ساحل البحر الأحمر. ونُشرت المقالة في مجلة القرن الأفريقي، في تاريخ أكتوبر/ديسمبر 1978، المجلد 1، العدد 4، الصفحات 31-36 وهي أول مرة تترجم إلى العربية. ترجمها: عبدالحفيظ محمد من اللغة الانجليزية.

 

الجزء الأول:

أنَدع النيران تضيء الجزء المعتم من ذاكرتنا؟ سنعرف على سبيل المثال، إن قمنا بذلك، أنه كانت ثمة حروبٌ اندلعت من أجل السيطرة على القرن الأفريقي وخطّه الساحلي الممتد. ونعلم أن القوى الأجنبية تناوبت، لقرون، على القدوم إلى هذه المنطقة وغزو شعوبها واستعمارها. فقد ظلّ القرن لقرون ساحة للمواجهات الحاسمة ودبلوماسية المناورة بين القوى العظمى، بجانب الغزو وإعادة الغزو. سيطر أكثر من حاكم عام لخديوي مصر والإمبراطورية العثمانية على كافة الأجزاء الساحلية لإثيوبيا وأريتريا، كما فعلت فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والبرتغال، ولو لفترةٍ قصيرةٍ، حيث يكفي ذكر أحد المستعمرين دون الآخرين. ولكن لما كل هذا التلاعب الدبلوماسي؟ لما كل هذه الحروب من أجل القرن؟ لماذا؟ تتوارى في الظلال الأكثر ظلمةً من لظى النار شخصيات يوحَنس[2] ومنليك[3] وهيلا سلاسي[4] الشبحية، بأصواتٍ خافتةٍ ومترددةٍ، وحركةٍ هادئةٍ. يتواجدون الآن في الأروقة الدبلوماسية بوصفهم موقعِين على رسائلٍ مختومةٍ في طريقها إلى ملوكٍ وأباطرة أوروبيين. يتواجدون الآن وهم يحشدون الأسلحة النارية. لكن لنتريّث، لنسأل: هل الحرب  الحالية في القرن مختلفةٌ بدرجة كبيرة من الحروب السابقة؟ لنسلّم أن السماء تمطر طائرات من طراز ميج، وتقذف دباباتِ تي-62. لنسلّم أنها حربٌ تدعم فيها قوة عظمى إثيوبيا ذات الثلاثون مليون نسمة، ضد الصومال ذات الثلاثة ملايين نسمة. لكن لنفكر في شوا[5]، المملكة الداخلية الصغيرة، والتيغر[6] أيضًا. لنفكر في الصومال التي تفوح شواطئها الرملية بعبق البخور، لنفكر في أريتريا أيضًا. أتتخيلون!

أقترح أن نتصفح بعضًا من التاريخ الموثق؛ أقترح بالطبع أن يخرج ملوك وأباطرة إثيوبيا من مخابئهم والتحدث بأنفسهم. أقترح أن نراقب إثيوبيا وهي تغيّر جلدها النمري وننصت لملوكها وهم يناقضون أنفسهم. أخشى مع ذلك أننا نحتاج، قبل أن نتمكن من فعل ذلك، أن نزيل الأحراش عن تناقضات اليوم. على سبيل المثال، هل لدى الصومال أي مبررٍ للخوف من أن إثيوبيا (مدعومةً من قوة أجنبية سمّها ما شئت) قد تغزو الصومال بنية الاستيلاء على بربرة[7] وزيلع[8]؟ أهناك واقعة أخرى مماثلة في تاريخ القرن، أي حدث أو واقعة تبعثنا على التفكير أن إثيوبيا قد تمد أذرعها الطويلة وحدها لقبض واحتلال ميناءيْ بربرة وزيلع؟ سأتجاهل السوفيتيين والكوبيين، إن لم يكن لديكم مانع، باعتبارهم صنيعة حديثة لتاريخ الأيديولوجيا إن أردتم، أو بالأحرى تاريخ تكنولوجيا القرن العشرين. لكن هل استعانت إثيوبيا مسبقًا، في التاريخ القريب أو البعيد، بقوة أجنبية أو خدمات قوة أجنبية للاستيلاء على أي ميناء في القرن الأفريقي؟ هل أقنعت أثيوبيا من قبل أو حثّت أي من القوى الأخرى على احتلال مواني بلدان أخرى على نحو مباشر أو غير مباشر؟ هل خطّطت من قبل أن تناور الظروف دبلوماسيًا حتى تتحصل على منفذ إلي  البحر؟ سأدع إثيوبيا، للإجابة على هذه الأسئلة، تتحدث بنفسها عبر شيوخ قبائلها وملوكها وملوك ملوكها وأباطرتها.

 

الجزء الثاني:

كانت شوا مملكة داخلية بحجم صغير صغرِ وضع ملكها، والذي كان لديه، رغم ذلك، طموحٌ كبيرٌ، بكبرِ ولا-محدودية مياه البحر. كانت شوا، المملكة الصغيرة، معزولة، ولسنين طويلة محشورة بين مرتفعات الجبال مثل كاسر الحجر[9]، ومحاطة بممالك معادية مثل غوندَر[10] وكوجام[11] والتيغر[12]. كانت هنالك حروب زلزالية بين هذه الممالك، حروب زلزالية هزت أساس الهياكل البنيوية الإقطاعية الهشة لها. لقّن التاريخ هؤلاء الحكّام بعض الدروس، مثل أن من لديه الأسلحة والدعم الأوروبي ستكون له الغلبة في النزاع. أثبت يوحَنس، ملك التيغر، هذه الأمر؛ فقد نالت مملكته بِرّ الحكومة البريطانية وفيضًا من عطايا الأسلحة لأنها أسدت لبريطانيا خدمةً. وُعدَ، مقابل هذه الخدمة، بأن يُسمح له باستخدام ميناء، ميناءٌ للصادر والوارد بالتأكيد، بعد كل هذه السنوات، ميناء مهم: ساحل!

لكن لطاما كان الخط الساحلي ملكيةَ آخرين، سواء كانوا قوىً أجنبية مستعمِرة، أم سكانًا محليّين مثل الأريتريّين والصوماليّين والدناكيل[13]. لذا نرى هؤلاء الملوك والأباطرة الأحباش ومعاونيهم يغيّرون التكتيكات، يغيّرون الاستراتيجيات، نبرات أصواتهم وطلباتهم؛ نراهم يتبنون مناظيرًا مختلفةً، نراهم يغيرون مواقفهم. ننصت لهم وهم يطلبون التضامن المسيحي لأوروبا، بينما البحر الأحمر تحت سيطرة الأتراك والمصريين (المسلمين). ننصت لمطالباتهم بالأراضي، بعد ذلك، الكبيرة وغيرالمبرّرة حينما لا تسمح لهم قوة أوروبية، لأسباب سياسية، باستخدام ميناء. على سبيل المثال، أعلن منليك، ملك شوا وإمبراطور الأراضي المستعمَرة لاحقًا، عن حدود مبتغاه المُتخَيّل، وهو يمتطي السرير من الحمى الشديدة والغضب. نلاحظ بما يكفي من الوثائق، سواء بالنسبة ليوحنس أو منليك، أن السلعة المهمة في المملكة هي الأسلحة والسواحل. ومن يملك السابقة، في رأيهم، لديه فرصة الوصول إلى الأخيرة بالاحتلال. ومن يملك السواحل (أو سهولة الوصول إليها بتيسير من قوة أوروبية) يملك فرصة أكبر لحيازة الأسلحة حتى يمتد جغرافيًا. 

يرمي كلٌّ من يوحنس ومنليك، بالإشارة إلى ملكين هنا، بأوراقهم الرابحة؛ الإثنين يرميان بورق الآس[14]. وأعلى هذه الأوراق الرابحة قيمةً هي المزايا التي تمنحها القوى الأوروبية للملك المَعنِي، القوى الأوروبية التي تألّب ملك ضد الآخر، القوى الأوروبية التي تسلّح ملكًا دون الآخر، القوى الأوروبية، دون النظر إلى أنها ترتضي استخدام يوحنس أو منليك للمواني، التي لا  تشاوِر الشعوب المُخضَعة، أكانوا الأريتريّين أم الصوماليين أم الدناكل، الشعوب المُخضَعة اللا-مسلّحين واللا-مشاوَرين واللا-محميّين من الغزو الحبشي. سواء كان أمير التيغر، أم ملكه، أو كان ملك شوا أم إمبراطور بتنصيب ذاتي، أو كان هيلا سيلاسي الحداثة: أغلال هذه الحاجة إلى منفذ إلى البحر، مقولات الدبلوماسية، أفي ماريا[15]، العبارة التي تُردّد كثيرًا، الساحل. نراقب كل ملك وهوي يرمي بكل أوراقه الرابحة في سبيل أن ينجرف حلمه إلى مغسلة رمال شاطئ البحر الأحمر، في سبيل أن تُنظّف أرضه بالملوحة الصحية للمحيط الهندي، والساحل، والسلاح. ويحمل هؤلاء الملوك صليب المسيح بوضوح تام، وكأنما سيغفل الأوروبيون عن القضية بغير ذلك. يرسم هؤلاء الملوك الصليب على جبهات جبالهم كأنه منارة.

سأجيب، ولذا سأقتبس التالي:

"بلدي بعيد جدًّا عن بلدك. وطريقي إلى  الساحل وزيلع وتاجورا[16] وعدن مغلق في الوقت الراهن بواسطة المسلمين. يمنعونني من استلام المؤن والأسلحة والمعينات الزراعية والحرفيّين وحتى رسل الإنجيل. هلّا رفعت صوتك القوي حتى يُفتح لي هذا الطريق، لأنني أود تدشين الحضارة الأوروبية وفنها وعقلها في بلدي."[17]

نحن لسنا في 1978، كلا، بل في 1878، نعم، قبل مئات السنين. والنص المقتبس مأخوذ من رسالة كتبها منليك، ملك شوا وقتها، كانت مُرسلة إلى رؤساء حكومات إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. ولم يكن المسلمون الذين أغلقوا الطريق في وجهه صوماليّي زيلع وتاجورا، بل خديوي مصر الذي أحكمت قبضته على كامل مساحات الساحل الصومالي، والذي بحوزته مفتاح باب المندب وحافون[18] وزيلع وبربرة وأوغادين[19] التي تضم هرر[20]. وكان منليك يلوّح، مثل غريمه ومعاصره يوحَنس، ملك التيغر، بالصليب المسيحي ويلعب الأوراق الدبلوماسية قدر استطاعته حتى يحصل على الساحل. لكن نلاحظ أن منليك، في هذه الفترة، لم يطالب بالحصول على أي مدينة ساحلية. لن أستبعد احتمالية أن منليك لم يسمع من قبل بمقديشو ومركا وبراوي، ثلاث من المدن الساحلية في الصومال، بذكر بعضها فحسب، والتي عرفت روعة الشهرة العالمية باعتبارها مراكز تجارية كبيرة[21]. لكنه سمع بزيلع وتاجورا (السابقة الآن في جمهورية الصومال، والأخيرة في جمهورية جيبوتي، صومايلانك الفرنسية السابقة) لأنهما كانتا الميناءين اللذان جلب من خلالهما "المؤن والأسلحة والمعينات الزراعية والحرفيّين وحتى رسل الإنجيل."

وقد استخدم هذه المواني لصادرات بلاده[22]. منليك جندي شطرنج السياسة الدولية وقتها، منليك الشخص غير المعروف، منليك الرجل الصغير ذو الأحلام الكبيرة، نعم، نلاحظ أن بمقدور الرجل إرسال مناشدة إلى رؤساء الحكومات الأوروبية لكي يستخدمو "صوتهم القوي" حتى "يُفتح لي هذا الطريق"، الطريق إلى الساحل. لم يوصِيهم برفع العصا، بل الصوت القوي وحسب، آملًا أن الطريق إلى البحر الأحمر سيُفتح. بما يشبه إحدي معجزات موسى، تمنّى امتلاك البحر، على نحو ديني ... ذات البحر عظيم الجمال، ذات البحر بضخامة الحياة! ربما لا ينبغي أن ننجرف بعيدًا، ربما حان الوقت لنسأل: لكن لما على هذه القوى الأوروبية مساعدة منليك؟ أيستحق هذا؟

"رغم أن بلدي بعيد جدًّا عن بلدك، إلا أنني مسيحي أيضًا مثلك."[23] لا تزال النبرة معتدلة، والطلب بسيط، والمقصد واضح: لا يود منليك من القوى الأوروبية حمل السلاح ضد المصريين المسلمين، ولا الاستيلاء على المواني أو منحها له. يود منهم إظهار تضامنهم المسيحي برفع صوتهم القوي.

أقترح مع ذلك أن نترك منليك في هذه اللحظة؛ أقترح أن نُبقي على طعم بطلان هذه العبارة في طرف لساننا؛ أقترح أن نعود أبعد فأبعد إلى رحم أمّنا الزمن. سنجد تاريخًا كريمًا، سنجدها رفيقًا مخلصًا للغافل. نحن في التيغر، مملكة مرموقة لاحقًا ودائمًا في الفسيفساء الحبشية (أو إثيوبيا) لسياسة الوصول إلى المواني، بملكها وقتها، يوحَنس، خصم منليك الكبير. لكن هذا قبل عصر يوحنس، سنة 1827، قبل خمسين سنة من كتابة منليك رسالته إلى رؤساء الحكومات الأوروبية. كان هذا في الحقيقة في الربع الأول من سنة 1827. وقد كتب دجازماخ سيباقاديس ولدو[24]، السياسي التيغري البارز، رسالة إلى الملك جورج الثالث أن بلاده "تحتاج إلى الأسلحة النارية التي لا يمكن الحصول عليها سوى بمساعدة الأوروبيين عبر ميناء مصوّع."[25]

أسلحة نارية مرة أخرى؟ سندع الأمر في الوقت الراهن، رغم أنه عليّ أن أذكّركم أن مصوّع في قبضة الأتراك حاليًا، وليس المصرييين، الأتراك المسلمين أنفسهم. لكن ما يتقرحه ولدو: "نريدكم أن تنتزعو مصوّع من الأتراك والاستيلاء عليها أنفسكم أو منحها لنا، لأن بلادنا ضائعة بها ... والمسلمون في ساحل البحر الأحمر."[26]

ذات ورطة منليك، ذات الحاجة لكن بوصفة مختلفة. يتخذ دجازماخ موضعًا أكثر حسمًا بكثير، رغم أنه أيضًا، على عكس يوحَنس عندما نتناوله، لم تكن له أي مطالب في الأراضي في الساحل. ولم يتحدث، مثل البقية، عن شعب الساحل. تمنى منليك أن "يُفتح لي الطريق،" أما دجازماخ اقترح لحكومة الملك جورج انتزاع الساحل و"الاستيلاء عليه أنفسكم أو منحه لنا." من المهم أن نتذكّر أن زعماء وملوك التيغر لا يذكرون ميناءيْ بربرة وتاجورا بالاسم، بافتراض أنهم لم يستخدموهما من قبل. رغم ذلك، مرة أخرى، يقول آخر في حالة استحالة الحصول على أيٍّ من المواني، سيُسرُّ ملك التيغر إذا "وصل أرضًا، وليس استخدامًا، إلى البحر."[27]

 

الجزء الثالث:

هلّا نعود الآن إلى منليك مرة أخرى!

رغم أن مليك زرع بذور حلمه في المنام، نرى أنه لم يحصد شيئًا في اليقظة. بحلول هذه الفترة، سقطت المدن الولائية في الساحل الصومالي في قبضة إيطاليا، التي ضمّت سلطنتيْ هوبيو[28] ومجرتينيا[29]، وممالك صومالية أصغر وأقل شأنًا. وميناءيْ تاجورا وأبخ[30] ذهبا إلى الفرنسيين، وبربرة وزيلع إلى البريطانيين ومصوّع وعصب إلى الإيطاليين. نلاحظ أن منليك لم يجد بعد منفذ إلى البحر، الأمر الذي أزعجه إلى حد كبير. لقد زرع بذور حلمه في المنام، لكن لم يحصد شيئًا في اليقظة[31]. 

 

الجزء الرابع:

أنا على مشارف الموت من الغضب لأنني مكثت دون أن أتعلم مهارةً جديدةً، سجين كما أنا ... أنا رجلٌ محكومٌ بالسجن مدى الحياة، وحُرمت من جلب البنادق والمدافع والعمّال إلى بلادي.[32]

بنادق ومدافع، نراه يائسًا كعادته؛ نراه يتلمس الاستحالة القاتمة للطريق المسدود. خاض حروبًا وانتصر في جميعها تقريبًا. فقد غزا واستولى على هرر بالقوة. خيّل إليه أنه قد يكون ثمة طريقة للخروج من كل هذا، قد يكون ثمة طريق، كان يأمل، إلى البحر. أخبر الفرنسيين بمقترحه؛ فقد قال منليك للفرنسيين، بأوضح  العبارات، أنه على استعداد لتسليم مدينة هرر (التي كانت ملكه لأنه غزاها) مقابل الساحل[33]. لم يكن الفرنسيين على استعداد لتقبل المقترح، لكن كان لديهم آخر للتجارة والمساومة. سيبيع الفرنسيون كافة الأسلحة النارية التي يحتاجها منليك، لكن سيكون ذلك أيضًا بشرط: يجب أن تتدفق صادراته ووارداته عبر مواني صوماليلاند الفرنسية التي يسطير عليها الفرنسيون، لا عبر ميناءيْ بربرة وزيلع اللذان يسيطر عليهما البريطانيون[34].

شكّلت التجارة الفرنسية  للأسلحة ازدهارًا اقتصاديًّا لفرنسا في المستعمرات. تحدث آرثر رامبو في إحدى رسائله عن "24000 من الأنواع المختلفة من البنادق" بِيعت لمنليك[35]. اشتكت إيطاليا لبريطانيا عن هذه السيل الكبير من الأسلحة التي باعتها فرنسا لهذا "الشعب البربري"[36]. بدأ منليك امتطاء جواد التوسُّعي، ولم يكن ليوقفه أحد. لم يُنمّ مع ذلك بعد خطابًا لإيضاح فكرته الحالمة عن ملك شوا العظيم الذي ضمّ أراضٍ واسعة، الرجل الذي نصّب نفسه ملكًا، فملك الملوك، ثم إمبراطورًا. منحته البنادق والأسلحة النارية التي ابتاعها من الفرنسيين تفوقًا على كافة الكيانات الصغيرة في المنطقة. حرّم البريطانيون والإيطاليون على الصوماليين والأريتريين تحت وصايتهم شراء الأسلحة، ولم يكونوا ليفعلو الكثير لحماية الأراضي تحت وصايتهم من غزو منليك[37]. بينما كان الحبش مسلحين للغاية بأحدث الأسلحة[38]، تُركَ الصوماليون على وجه التحديد، أينما وجدوا، عُزّلًا بلا حماية، لا حول لهم ولا قوة، وكانوا سينتفضون في وجه مضطهديهم. فشلت خطة غردون "لشراء منفذ إلى البحر للحبشة،" وكان على منليك الاستمرار في استخدام ميناء جيبوتي للتجارة الخارجية لبلده وواردات السلاح. بعضًا من الحروب مرة أخرى، بعضًا من  الوعود مرة أخرى. كانت ثمة غلبةٌ في الحروب، وكَبُرت شوا، وغزا منليك ممالك أخرى وضمّها. منح الرجل الصغير نفسه ألقابًا كبيرة، ونصّر الأراضي، وضم أثيوبيا ثم نصّب نفسه إمبراطورًا.

من جانب آخر، إذا عندنا إلى يوحنّس، الإمبراطور الآخر أيضًا، سنجده أشبه بما كان عليه الملوك والأمراء التغريّين، رجل عازمٌ أكثر، يريد الاستيلاء على مدينة ساحلية، أيًّا كان الثمن. فهو القائل، "لا أريد أي مشورةٍ عن مصوّع؛ أريد مصوع ذاتها."[39]

لكن كان يوحنس[40]، عند كتابته لرسالة إلى الملكة فكتوريا، أقل عدائيةً بحزم. فقد قال، بعد الثناء المعتاد وعبارات الأخوة المسيحية، أنه لا يمانع إلى حد كبير في مشاركة المقاطعات الوثنية بالقرب من الساحل مع البريطانيين وحسب، دون غيرهم[41]. كان يوحنس بائسًا بفقده حظوته. فقد اعتبرته القوى الأوروبية ملحّا في طلبه منفذًا إلى البحر، الذي يكلف ما قد يحدث.

كانت ثمة روايات مضطربة بينه ومنليك. أراد الإيطاليون معاقبته، فمنحوا منليك 5000 من البنادق بشرط أن يهاجم الإمبراطور يوحنس، واتفق بعدها الإثنان على قسمة الأراضي المستعمَرة بينهما.

لكن دعونا نُنهي هذه الجزئية بمنليكٍ أقوى بكثير:

إن لم أستطع الاستيلاء على تاجورا من البحر، فلن يكون صعبًا علي أخذ الميناء من هذا الجانب (أرضًا). لكن آمل، دون الدخول في قتال، أن أوربا المتحضرة ستُنصفني وتُرضي ...

ولاحقًا قليلًا في ذات الرسالة، "أتمني ألا يُداس على تاجنا الذي يُبجل عيسى المسيح بأقدام أطفال المسلمين." بعدها قليلًا أيضًا، "إن كنتم حقًا حُماة المسيح، آن الأوان لتُثبتوا لنا ذلك."[42]

 

الجزء الخامس:

            كانت ساعة خربشة أفريقيا، تقطيع الصومال وحصول أثيوبيا على حصتها، دون أي منفذ إلى البحر مع ذلك. نواجه أوروبا الجائعة كما الجراد مرة أخرى، بجانب أثيوبيا الأكثر جوعًا. لكن لم يكن ثمة بعد منفذ إلى البحر لمملكة منليك. وقد حان وقت المطالبات بالأراضي في الساحل، بأيٍّ من المساحات المائية في أفريقيا: الخرطوم وبحيرة نيانزا[43] وبحيرة سامبورا[44] والمحيط الهندي وساحل البحر الأحمر، كانت المياه هي الحد الأقصى.

 

الجزء السادس:

منليك مرة أخرى، ولكن في عام 1891. هذه رسالة مشهورة أخرى أرسلها إلى الحكومات البريطانية والإيطالية والفرنسية والألمانية، بالإضافة إلى قيصر روسيا. نلاحظ تغييرًا في الصوت، تغييرًا في الرجُل، تغييرًا في أسلوب الطلب. إنها رسالة طويلة تفصّل على أدق نحو (حدود) إثيوباه المتخيَّلة. لنكُف عن التعليق، لنسمع منه مباشرةً، "ظلّت إثيوبيا ل14 قرن جزيرة مسيحية في بحرٍ من الأوثان."[45] صوتُ حازمٌ، في إشارةٍ إلى حربٍ خِيضَت من أجل السيطرة على مدينة هرر خلال القرن الخامس عشر من قبل أحمد غري[46]، المحارب الصومالي. لكن دعونا نظل مع منليك. قفوا حذرين وثابتين، ولا تتفاجأوا بمنليك الذي كتب، "كان البحر حدود إثيوبيا سابقًا ... خطوطنا الأمامية في ساحل البحر وقعت في أيدي المسلمين."[47]

نلاحظ شيئًا، وهو أن البحر، في هذا الوقت، غير مُعرّف حتى الآن، وكذلك الساحل. كان البحر حدود أثيوبيا. متى؟ وأي بحر؟ ومتى وقعت الخطوط الأمامية لأثيوبيا (إن قبلنا بالمفهوم كما فعل منليك)، والبتحديد الخطوط الأمامية في البحر، في قبضة المسلمين؟ ولكن من هم الوثنيّين المحيطين به؟ الصومالييون؟ الغلاسيون[48]؟ الأرتريون؟ وهل اعتبر مهمته بوصفه مسيحيًّا جلب فنار المسيح إلى وثنيّي الساحل؟ أخشي ألا نحصل على إجابة منه. لكنا لدينا هذه؛ لدينا إبداء نيةٍ؛ لدينا كلمة منليك:

لا ننوي في الوقت الراهن استعادة خطوطنا الأمامية في البحر بالقوة، لكن نثق في القوى المسيحية المرشَدة بالمخلص وأنها ستعيد إلينا خطنا الساحلي ...  ولوعلى الأقل أجزاءً منه.[49]

لقد رأينا فيما سبق قوله أن في مقدوره، "الاستيلاء على تاجورا من البحر ... أو أخذ الميناء من هذا الجانب." لكن لن يفعل ذلك لإيمانه باعطاء أوروبا المتحضّرة ما هو مسيحي لقيصر! والآن: " القوى المسيحية المرشَدة بالمخلص وأنها ستعيد إلينا خطنا الساحلي ... ولو على الأقل أجزاءً منه." لكن لن تُرشد هذه القوى بالمسيح بالمُخلص، فقد كانت هذه القوة مرُشدةً بمصالحها الاستعمارية. استخدام مرافق ميناء جيبوتي: أهذا أفضل ما يمكن أن يوفره هؤلاء الأخوة في المسيح؟ وكأنها رسالة من فراش موته: "إن أعطاني الرب القوة، فسوف أعيد تشكيل الخطوط الأمامية القديمة (الروافد) لإثيوبيا حتى الخرطوم، و حتى بحيرة نيانزا مع كافة الغلاس."[50]

هنالك بشاعات لا-عقلانية أخرى ومزاعم مغلوطة طرحها، بجانب أمكنة أخرى ذكرها في رسالته المعممة هذه حين تعيينه لحدود أثيوبيا: عرفال[51]، وبحيرة سامبورا، ونهريْ مأرب وأريتت[52]، بجانب نهري عطبرة وستّيت[53]، والخرطوم وبحيرة نيانزا. ربما قد تأثر بالحمّى الشديدة للتوسُّعية الإثيوبية. لم يعطه الرب رغم ذلك القوة لغزو وضم الخرطوم، عاصمة جمهورية السودان؛ ولم يستول على بحيرة نيانزا كذلك. لكنه غزا واستولي على جزءٍ كبيرٍ من القرن، الذي تضمن مقاطعة هرر الصومالية. وظلّت الأحوال بدرجة أو بأخرى كما هي، منذ موت منليك وصعود الإمبراطور هيلا سيلاسي، في المشهد السياسي.

 

الجزء السابع:

سيثبت هيلا سيلاسي أنه أقدر على التلاعب بالأحداث السياسية، متلاعب من طراز لوح ويجا في الدبلوماسية الدولية. حينما نلتقيه في 1948، ننصت له وهو يقدم مذكرة إلى الأمم المتحدة قائلًا:

قبل تسابق القوى الأوروبية في تقسيم القارة الأفريقية، ضمت إثيوبيا خطًا ساحليًّا واسعًا قرب البحر الأحمر والمحيط الهندي. ولم تُحرم أثيوبيا من الوصول إلى البحر سوى في ال15 سنة الأخيرة من القرن ال19 عند فقدانها لصوماليلاند وأرتريا. كانت الخطوة الأولى في ذلك عبر استيلاء مصوّع من قبل إيطاليا في 1885. تبعت ذلك استيلاء مشابه لبنادر ومناطق صوماليلاند، بالإضافة إلى سلسلة من الإتفاقيات بشأن إثيوبيا لم تُشاوَر فيها. لقد أُبرِمت الإتفاقيات تحت هذه الشروط في 1880 و1890 و1891 و1894.[54]

لا بد وأن السودانيون ومن حول بحيرة فيكتوريا لاحظوا الأمر بارتياح كافٍ: لقد تخلّى هيلا سيلاسي عن مطالبه بإثيوبيا مقابل الخرطوم وبحيرتيْ نيانزا وسامبورا، لكن ليس الصوماليون. لقد وضع إصبعه بشدة على بنادر، ثم ساحل البحر الأحمر التابع لصوماليلاند البريطانية، بجانب ساحل المحيط الهندي في الصومال وأرتريا.

أحُرمت أثيوبيا في القرن ال14 أم ال15 من الوصول إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي (وفقًا لرسالة منليك، منليك عام 1891)؟ أم حُرمت أثيوبيا، في ال15 سنة الأخيرة من القرن ال19، من الوصول إلى البحر (وفقًا لهيلا سيلاسي)؟ وبما أن الأمر كان قبل فترة كيان الأمم المتحدة "اللاديني"، فقد أسقط الإمبراطور هيلا سيلاسي دافع المسيح\المخلص المُستخدَم كثيرًا من قبل منليك. ما يبرز كالورم في رأيي هو أن هوس قائد إثيوبيا (سواء كان في رداء شوا أو تيغر أو الحبشة) بالماء، بوصفه عنصر، لهو أمرُ يكدّر السعي إليه صفو المرء. أقترح وضعهم في قائمة كما يلي:

(1) منليك: أ) طريقي إلى الساحل، إلى زيلع، إلى تاجورا وعدن ؛ (ب) إن لم أستطع الاستيلاء على تاجورا عن طريق البحر، فلن يكون صعبًا علي أخذ الميناء...; (ج) كانت حدود إثيوبيا سابقًا هي البحر. (د) حدودنا على ساحل البحر. (هـ)... (و) سأعيد تشكيل الحدود القديمة لإثيوبيا حتى الخرطوم (أي النيل) وحتى بحيرة نيانزا... ؛ يجب الإشارة إلى أسماء الأماكن التي توجد في المقاطع المقتبسة: فهي عادة بلدة على الساحل، أو اسم نهر، أو اسم بحيرة، أو مستوطنة ذات أهمية استراتيجة.

 

(2) يوحنس "/ويلدو: أ) أريد مصوّع ؛ (ب) الوثنيين على الساحل... ؛ ج) نريدكم أن تنتزعوا مصوّع... ؛ (د) المساعدة الأوروبية عبر مصوّع ... ؛

(3) الوصول أرضًا، وليس استخدامًا فحسب؛ إلى البحر)... المسلمون على ساحل البحر الأحمر... والآن هيلا سيلاسي: أ) تضمنت حدود إثيوبيا خطًا ساحليًا واسعًا على طول البحر الأحمر والمحيط الهندي ؛ (ب) حُرمت إثيوبيا من الوصول إلى البحر بسبب فقدان صوماليلاند وأريتريا! (ج) بنادر (ساحل الصومال) ؛ د) مّصوع. قد يجد تلميذًا فرويديًّا أدلة محفزة على خريطة الملك والإمبراطور المائية الواعية وغير الواعية للمهووس.

 

الجزء الثامن:

اشتهت إثيوبيا أي ساحل، وأي ممر مائي، أكان الساحل  الصومالي، أو الأريتري، أو بحيرة نيانزا (فكتوريا)، أو النيل. سنة تلو الأخرى، ولو تغيّر الرجال والحكومات، أو تبدّلت المزاعم، فإن إثيوبيا في حاجة إلى ساحل، توسعة مائية، كيفما كانت المزاعم متناقضة، وكيفما كانت تواريخ المنح غير قابلة للتأكيد. لكن لا شي غير الوعود تلو الوعود؛ لا تقدم في المفاوضات تلو المفاوضات. ولا ساحل، حيث كانت إثيوبيا ذاتها مستعمَرةً إيطالية. نحن في الحرب العالمية الثانية، وإيطاليا ضمن المهزومين. طلب هيلا سيلاسي دعم بريطانيا التي نشر سلاحها الجوي الملكي منشورات من الإعلانات الدعائية على المستعمرات الإيطالية، كما يلي:

يا شعب أريتريا وبنادر! افترقتم من أمكم إثيوبيا ووُضِعتم رهن عبودية العدو، ورهن عبودية العدو لا تزالون!

جئت لأستعيد استقلال بلادي، بما فيها أريتريا وبنادر التي سيعيش شعبها من الآن فصاعدًا تحت راية أثيوبيا.

لسنا وحدنا في كفاحنا هذا، ولا نفتقر إلى سلاح. في صفنا بريطانيا العظيمة. لذا أستدعيكم للسعي لتخليص أنفسكم من عبودية الغرباء.

يا أيها الجنود الأرتريون برتبٍ إيطالية! لا تطلقوا رصاصةً واحدةً على البريطانيين الذين أتوا لمساعدتنا.[55]

مزاعم هائلة، الصومال جزءًا من أثيوبيا؟ متى كانت بنادر جزءًا من الحبشة؟ في إعلان النية الذي أبداه هيلا سيلاسي في الاقتباس أعلاه، في المنشورات الدعائية لهيلا سيلاسي التي وزعها سلاح الجوي الملكي، نرى تدخل بريطانيا المباشر، التي أتى جنودها لنُصرة واستعادة استقلال بلاده. نحن لسنا وحدنا ولا نفتقر إلى السلاح. في صفّنا بريطانيا العظيمة. لكن بعد انتهاء الحرب، استمرت بريطانيا باعتبارها إدارة راعية  للمستعمرات الإيطالية السابقة، من بينها صوماليلاند الإيطالية السابقة، وأوغادين، وصوماليلاند البريطانية السابقة، وصوماليلاند الكينية الحالية، وأريتريا. كانت ثمة محادثات في هذه الفترة عن توحيد الشعوب الصومالية تحت راية واحدة. ثم وافقت الأمم المتحدة، بعد فشلِ ذلك، على وضع صومال إيطاليا السابقة وأريتريا تحت إدارة وصاية من الأمم المتحدة. لم ترُق الفكرة لهيلا سيلاسي البتة. عطش إثيوبيا للبحر الأحمر والمحيط الهندي، شهوة إثيوبيا للسواحل. "صرّح هيلا سيلاسي في مقابلة بضرورة تسليم أريتريا لأثيوبيا."[56]

تذكروا ما قاله أسلافه. تذكروا ما جاء في الاقتباس. أريتريا الآن، بنادر لاحقًا. لكن ما الذي سيحدث إن لم تُسلّم أريتريا لإثيوبيا؟ لن يكون في مقدور أريتريا ولا الصومال البقاء منفصلتين (بحسب الإمبراطور)[57]. إن لم تُسلّم، إضافةً إلى ذلك، أيُّ منهما إلى بلاده:

ستضطر إثيوبيا للنظر في مصالحها في الحفاظ على ذاتها ببناء قوات مسلحة بأموال ستخصّصها، خلاف ذلك، لرفعة الشعب الإثيوبي والأريتري والصومالي.[58]

بدّل هيلا سيلاسي في النهاية مطالب بلاده. يمكن أن توضع الصومال تحت وصاية الأمم المتحدة شريطة أن تُدير إثيوبيا البلاد أثناء الوصاية، وفترة توقف اتحادية بين أثيوبيا وأرتريا، ثم ضم أرتريا في 1962، يتبعه مينائيْ مصوّع وعصب، وهكذا. 

صوّتت الأمم المتحدة، التي أسمّيها هنا "النفاق المنظّم"[59]، ضد ما سلف. درست، في هذه الأثناء، حكومة هيلا سلاسي بتفصيلٍ دقيقٍ أفضل كيفية ممكنة لضم جيبوتي. إن هذا لتاريخ قريبٍ أكثر من اللازم لتشريحه.

 

الجزء التاسع:

قال منغستو في مؤتمر صحفي في عهدٍ قريبٍ جدًّا، " ستدافع (إثيوبيا) عن طريقها إلى البحر الأحمر حتى لو أصبح هذا البحر أكثر احمرارًا بسبب الدماء التي سيسفكها الإثيوبيون."[60]

واستمرت الحرب، حرب الساحل، حربٌ بدأت قبل قرون. هل سيتفاوض منغستو في سبيل السلام مع الأرتريين والصوماليين، أصحاب الأراضي التي يمتد فيها الساحل؟ أم أنه سيكون غير أصيلٍ ويحذو حذو سباقيه[61] ("نريدكم أن تنتزعوا مصوّع من الأتراك ومنحها لنا")، يوحنس ("لا أريد أيّ مشورةٍ عن مصوّع؛ أريد مصوّع ذاتها")، منليك ("إن أعطاني الرب القوة، فسأعيد تشكيل الخطوط الأمامية القديمةلإثيوبيا حتى الخرطوم، وحتى بحيرة نيانزا ...،" أو،"إن لم أستطع الاستيلاء على تاجورا من البحر، فلن يكون صعبًا على أخذ الميناء ..") أو هيلا سيلاسي ("حُرمنا من الوصول إلى البحر بفقدان أرتريا وصوماليلاند." يُقال أن التاريخ يُعيد نفسه. لا أعتقد ذلك، بل أعتقد أننا لسنا أصيلين.

هل سيطلب منغستو من الروسيين والكوبيين الاستيلاء على ميناءيْ زيلع وبربرة، والاحتفاظ بهما لأنفسهم أم تسليمهما لأثيوبيا؟ ستود روسيا حتمًا الاستيلاء على كامل ميناء بربرة مرة أخرى.

تستمر الحرب في هذه الأثناء، بينما يراقب العالم بما يكفي من اللامبالاة.

 

رسالة أرسلها الإمبراطور مينليك إلى رؤساء الدول الأوروبية في عام 1891 *

10 أبريل، 1891

 

ورغبة منا في إعلام أصدقائنا أصحاب السيادة في أوروبا بحدود إثيوبيا، فقد وجهنا إليك أيضًا (صاحب الجلالة) هذه الرسالة.

هذه هي حدود إثيوبيا:

بدءًا من الحدود الإيطالية لعرفال، التي تقع على البحر، يتجه الخط غربًا فوق سهل (ميدا) جيجرا باتجاه ماهيو وهالاي وديجا وغورا حتى أديبارو، ومن أديبارو إلى تقاطع نهر مارب وأراتيد.

من هذه النقطة، يمتد الخط جنوبًا إلى تقاطع نهري عطبرة وسيتيت، حيث تقع المدينة المعروفة باسم تومات.

من تومات، تحتضن الحدود مقاطعة جيدريف حتى كركوج على النيل الأزرق. من كركوج يمر الخط إلى تقاطع نهر السوباط مع النيل الأبيض. من هنا تتبع الحدود نهر السوباط بما في ذلك بلاد أربور وجالاس وتصل إلى سامبورا.

وتقع في اتجاه الشرق داخل حدود بلد بورانا غالاس وأروسي حتى حدود الصوماليين، بما في ذلك أيضا مقاطعة أوغادين.

إلى الشمال، يشمل خط الحدود هبار أول، وغادابورسي، وعيسى الصوماليين، ويصل إلى أمبوس.

تاركًا أمبوس، يشمل الخط بحيرة عسال، مقاطعة تابعنا القديم محمد أنفري، وتتنقل على ساحل البحر، وتعود إلى عرفال.

بينما أتتبع اليوم الحدود الفعلية لإمبراطوريتي، سأعيد، إن أعطاني الرب الحياة والقوة، تشكيل الحدود القديمة (روافد) لإثيوبيا حتى الخرطوم، وحتي بحيرة نيانزا مع كافة غالاس.

كانت إثيوبيا ل14 قرن جزيرة مسيحية في بحر من الأوثان. إذا تقدمت القوى من مسافة بعيدة لتقسيم إفريقيا بينهما، فأنا لا أنوي أن أكون متفرجًا غير مبال.

بما أن القدير قد حمى إثيوبيا حتى يومنا هذا، لدي ثقة في أنه سيستمر في حمايتها وزيادة حدودها في المستقبل. أنا متأكد من أنه لن يعاني منها حتى تنقسم بين دول أخرى.

كانت حدود إثيوبيا سابقًا هي البحر. بعد أن افتقرت إلى القوة الكافية، ولم تتلق أي مساعدة من القوى المسيحية، سقطت حدودنا على ساحل البحر في قوة الرجل المسلم.

لا ننوي في الوقت الراهن استعادة خطوطنا الأمامية في البحر بالقوة، لكن نثق في القوى المسيحية المرشَدة بالمخلص وأنها ستعيد إلينا خطنا الساحلي ...  ولوعلى الأقل أجزاءً منه.

 

كُتبت في أديس أبابا، المزير الرابع عشر، 1883 (10 أبريل، 1891).

(مترجمة مباشرة من الأمهرية.)

أديس أبابا، 4 مايو 1897.

كانت هذه الرسالة موجهة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا

* مكتب السجلات العامة (لندن)، وزارة الخارجية 1/32 رود إلى ساليسبري، رقم 15، 4 مايو. انظر أيضا The Somali Peninsula, p. 86.

 

الهوامش:

[2] Yohannis

[3] Menelik

[4] Haile Sellassie

[5] Shoa

[6] Tigre

[7] Berbera

[8] Zeila

[9] Saxifrage

[10] Gondar

[11] Gojjam

[12] Tigre

[13] Danakils

[14] hands of aces

[15] Ave Maria

[16] Tajura

[17] F.0. 407/11 Menelik, December 1878. Cited in Richard Pankhurst. Economic History of Ethiopia, (Addis Ababa: Haile Sellassie University, 1968), pp. 101-2.

[18] Hafun

[19] Ogaden

[20] Harar City. From Foreign Office Handbook (British Somaliland 1920) p. 20.

[21] Cfr Robert L. Hess, Italian Colonialism in Somalia, Chicago: University of Chicago Press, 1966, pp. 6—12

[22] Cfr Thompson & Adloff, Djibouti & the Horn of Africa, Stanford: Stan· ford University Press (1968) pp. 3-11.

[23] F.O. 407/11 Menelik. See Pankhurst, op.cit. p. 101. Text given here is re-phrased by author in order to avoid verbosity and monotony.

[24] Dejjazmach Sebagadis Weldu

[25] Sven Rubenson, Survival of Ethiopia’s Independence (Heinemann 1976).

[26] Ibid Also text given p. 314 reads: “We hope you will take the port Massowen and give it up to us or keep it in Your Majesty’s possession. See below, No. J9.

[27] Ibid., passim pp. 335-39.

[28] Obbia

[29] Mejjertenia

[30] Obok

[31] The European powers’ interests in holding onto the coast-line each had conquered intersected and, at times, encountered like the hus routes of a grand metropolis. A. Menelik or a Yohannis or a Tewodros would be given a bus ride from a given terminus and would be dropped mid-way. The services of ports and sale of fire-arms would be offered. But before they got to getting a strip of territory on and of the coast, the bus would stop and drop.

[32] Rubenson, ap.cit. pp. 345-46.

[33] Enid Starkie, Arthur Rimbaud in Abyssinia (1937), p. 48 (cited in Somali Peninsula, Mogadiscio 1962, p. 23).

[34] Ibid., p. 107, source same as above, Somali Peninsula, p. 26

[35] Ibid., p. 91, vide Somali Peninsula.

[36] Ibid., pp. 108-9, vide Somali Peninsula p. 26

[37] Silberman, L., Cahiers Etude Africaine Vol. II (1961), p. 55, concerning Italy’s forbidding the Somalis to arm themselves against the Abyssinian raids. Also see Red Sea Papers: Indian Office to Foreign Office No. 16, of 1893 regarding Britain’s forbidding the Somalis against the same. The Abyssinians came, robbed and raped and returned. The Somalis remained unarmed until the Somali warrior Sayyid Mohamed comes on the scene a decade Or so later. Is it not a historical irony that Somalia today is again unarmed while Ethiopia is armed to its wisdom teeth?

[38] “Fire-arms were the one European invention most eagerly seized on” by Menlik and other Abyssinian kingdoms, according to Christopher Clapham, Haile Sellassie’s Government, London: Longman, 1969. Aware of the importance of firearms, he imported them in huge numbers both from the French in the Gulf of Tajura and from the Italians who, for a while, regarded him as an ally against Yohannis (See Clapham, op. cit. p. 13). Worth studying also is Richard Pankhurst in particular his chapter on the importation of arms etcetra, ap.cit., note no. 2.

[39] W. Winstantly, A visit to Abyssinia: An Account of Travel in Modern Abyssinia (London 1888) quoted in Rubenson op.cit., p. 341.

[40] F.O. 95/379 No. 297, Yohannis to Victoria, May 2, 1879. During this time when negotiations through Gordon were underway, we learn that Ras Alula, Yohannis’ most outstanding general, appears to have decided “to take Massawa.” He was reported to have said that he wouldn’t return to Tigre until he had “watered his horse in the Red Sea.” (Vide Rubenson op.cit., p, 342.) And on another occasion Yohannis to Gordon: “You want peace,” he declared. “Well, I want retrocession of Metemma, Changallas and Bogos, cession of the ports of Zeyla and Amphilla, and Abuna and a sum of money from one to million pounds.” G. Birkbeck Hill, Colonel Gordon in Central Africa 1874-1879. p. 411-cited in David Mathew, Ethiopia, Greenwood Press, 1947, p. 213. Whereas, in an interview in 1849 with Tewodros, the King of Abyssinia, Consul Plowden “ventured to hint that the seacoast and Massawa might possibly be given up to him” ... “that the two countries (i.e. Abyssinia and Britain) should endeavour to keep open and secure avenues of approach between the sea-coast and Abyssinia.”

[41] Charles Beke, The British Captives in Abyssinia (Longman” 1867), p. 276.

[42] Rosetti, Stllria Diplomatica deU’Etiopia (Torino, 1910). p. 18.

[43] Nyanza

[44] Sambura

[45] F.O. 1/32 Abyssinia Diplomatic Correspondence. cited in Somali Peninsula op.cit. 

[46] Cfr Trimingham, Islam in Ethiopia (1952); also l. M. Lewis, Pastrol Democracy (London 1961). These books give details about 16th century Harar, the capital of the Muslim Sultanate of Adal which once had its headquarters in Zeila

[47] F.O. 1/32 op.cit.

[48] The Gallas

[49] Ibid.

[50] Ibid.

[51] Arafle

[52] Arated.

[53] Setet

[54] I.W.B. of October 20, 1948, para 15.

[55] Sylvia & Richard Pankhurst, Ethiopia & Eritrea, Essex: Lalibela House. 1953, p. 23. Whereas Richard Pankhurst’s writing is scholarly and scientific, Sylvia Pankhurst’s is propagandistic. In her Ex-Italian Somaliland, for an instance, without blinking a researcher/historian’s eyelash, she argues for the case of expansionist Ethiopia.

[56] Ibid., p. 124. Emperor Haile Sellassie’s lobbying to acquire an outlet to the sea, in fact, went Out of proportion on occasion. While the General Assembly of the United Nations were in session, discussing the issue of Eriterea’s and Somalia’s independence, “Roman Catholic churches in the Negro quarter were also picketed with an appeal to their Negro congregations to use their influence to force the Pope to demand seaports for Ethiopia.” Sylvia and Richard Pankhurst op. cit. p. 218.

[57] Sylvia and Richard Pankhurst, op. cit., p. 124.

[58] Ibid, p. 124.

[59] My apologies to Disraeli who originally used the phrase when referring to Conservative government pastiches.

[60] Carriera della Sera (Edizione Romana), February 20, 1978.

[61] Sebagiss

 

 

نُشرت المقالة في مجلة القرن الأفريقي، في تاريخ أكتوبر/ديسمبر 1978، المجلد 1، العدد 4، الصفحات 31-36وهي أول مرة تترجم إلى العربية. ترجمها: عبدالحفيظ محمد