تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

كيف أفسد التجنيد الإجباري الاحتراف الرياضي في إريتريا؟

2 يوليو, 2024
الصورة
أسياس أفورقي
أسياس أفورقي (تصوير: أنطونيو ماسييلو / غيتي إيماجز)
Share

أبلغت إريتريا كلًا من الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" والاتحاد الأفريقي لكرة القدم "الكاف" انسحابها من التصفيات المؤهلة لكأس العالم، دورة 2026، المقرر إقامتها في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وذلك في العاشر من نوفمبر/ تشرين الأول عام 2023، قبيل بدء التصفيات، بحسب بيان مشترك عن الاتحادين الدوليين.

لم يكن مثل هذا القرار ليثير الاستغراب لو صدر عن دولة أخرى، لكن في حالة إريتريا؛ الدولة التي تشتهر بهروب لاعبيها أثناء المشاركة في المنافسات الدولية، فالأمر يستدعي البحث في هذه الظاهرة. فما هي أسباب تراجع كرة القدم بشكل خاص والرياضة بشكل عام في إريتريا؟ ولماذا يُشار بالأصبع إلى التجنيد الإجباري باعتباره المتهم الأول؟

الهروب في المنافسات الدولية

لم يشارك المنتخب الوطني لكرة القدم في مباراة رسمية، منذ سبتمبر/ أيلول 2019، فآخر مباراة ودية لعبها أمام نظيره السوداني تعود لمطلع عام 2020. وكان ذلك سببا في خروج الفريق الوطني من التصنيف الدولي، كونه لم يلعب مباراة واحدة منذ أكثر من 65 شهرًا. يعدّ وضع كرة القدم انعكاسًا للرياضة في البلد المُصنف كأحد أكثر البلدان قمعًا في العالم، والذي يُعرف بـ"كوريا الشمالية الأفريقية". يعد نظام الخدمة العسكرية الإلزامية المسؤول الأول عن أزمات قطاع واسع من المجتمع، خصوصًا الشباب ومنهم الرياضيين، حيث تمتد خدمة المُجند إلى أجلٍ غير مسمى، بالمخالفة للقانون الذي يحددها في 18 شهرًا. ما أجبر الآلاف من الشباب على الهروب إلى خارج البلاد، ووثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" وجود نحو 507,300 إريتري، تتراوح  أعمارهم غالبيتهم بين 18 و24 عامًا، يعيشون في المنفى، من بين عدد السكان الذي يُقدرون بنحو خمسة ملايين نسمة.

مثّل الهروب أثناء المشاركة في المنافسات الرياضية الدولية بوابةً لمئات من الشباب، وذلك باستغلال وجودهم خارج البلد لطلب اللجوء السياسي. بدأت هذه الظاهرة في عام 2007، أثناء تصفيات كأس الأمم الأفريقية، في المباراة التي جمعت بين أنجولا وإريتريا على أرض الأولى، وبعد انتهاء المباراة  بهزيمة منتخب إريتريا، بستة أهداف مقابل واحد، رفض ستة لاعبين إريتريين العودة برفقة الفريق الوطني، وطلبوا اللجوء السياسي في أنجولا، التي وافقت على ذلك، ورفضت إعادتهم إلى بلدهم. لاحقا، أفادت تقارير إلى أنّ هؤلاء اللاعبين الذين فرّوا هربًا من التجنيد الإجباري، انضموا إلى أندية رياضية أنجولية. وفقا لصحيفة"ذا غارديان" البريطانية، هناك أكثر من 60 لاعبًا دوليًا في إريتريا استخدم حق اللجوء السياسي في دول أخرى، خلال تمثيل منتخب بلادهم، في الفترة ما بين 2006 وحتى 2019.

(رسم بياني يوضح عدد اللاعبين الذين طلبوا اللجوء في الفترة من 2006 - 2019. خاص جيسكا)

(رسم بياني يوضح عدد اللاعبين الذين طلبوا اللجوء في الفترة من 2006 - 2019. خاص جيسكا)

ينصّ قانون التجنيد لعام 1995، على إلزام الرجال والنساء ما بين 18 و50 عامًا، بأداء خدمة إلزامية مدتها 18 شهرًا، وبعد إتمام المجند 6 أشهر من التدريب العسكري، يعمل في أحد القطاعات التي تحددها الحكومة، لمدد تتجاوز المدة القانونية. تفيد تقارير مؤسسات دولية إلى قضى بعض المجندين أكثر من 20 عامًا في الخدمة الإلزامية، بمقابل مادي لا يتجاوز 3 إلى 9 دولارات شهريًا.

المهجر: آمال ومخاوف 

تختلف حياة الرياضيين في دول اللجوء من شخص لآخر، فبعضهم يتابع أحلامه في عالم الرياضة، وآخرون ينسحبون، ومن النوع الأول العداء الأولمبي واين جبريسلاسي، الذي رفع علم بلاده في أولمبياد لندن، عام 2012، وحل عاشرًا في سباق ثلاثة آلاف متر موانع، ثم طلب اللجوء السياسي في بريطانيا، وحصل عليه عقب البطولة الدولية. تابع جبريسلاسي ممارسة الرياضة الاحترافية في بريطانيا، وتُوج بطلا في العديد من المسابقات الرياضية، وحصل على الجنسية البريطانية في عام 2020، وكان قريبًا من المشاركة في أولمبياد طوكيو، في عام 2020، كما يسعى للعودة إلى منافسات الألعاب الأولمبية، في دورة باريس 2024، خاصة بعد تحقيقه أفضل زمن لعداء بريطاني في ماراثون لندن، سباق ثلاثة آلاف متر.

لم يكن مصير"ديفيد"، وهو اسم مستعار، لرياضي إريتري فرّ أثناء إحدى المنافسات الدولية مثمرا أو هادئ، إذ يقول لـلبطل "The Athletic"، إن "الحكومة الإريترية ما زالت تتعقبه، وأنّه يرى الجواسيس في كل مكان، ولا يزال يضع كرسيًا خلف باب غرفته أثناء النوم، كما أنّه يحلم ليلًا بتعرضه للاختطاف على يد رجال مسلحين يقتحمون غرفته". يعيش ديفيد في حالة شديدة من الخوف، منعته من استكمال نشاطه الرياضي، ولم يقبل بالإفصاح عن الدولة التي استقر فيها، أو من فرّ أثناء المنافسة الدولية من فريقه، ويقول إنّ "الإريتريين معتادون على عدم الثقة في الصحفيين، لأنه لا توجد صحافة حرة في بلادهم، وكل من يحاول قول الحقيقة يتعرض للاضطهاد".

معالجة غير فعالة

سعت الحكومة لوقف ظاهرة هروب اللاعبين في المنافسات الدولية، وأصدرت قرارًا في عام 2015، يقضي بـ "حرمان أي رياضي داخل الدولة من تمثيل البلاد في بطولة خارجية، على أن يقتصر التمثيل الدولي في المحافل الرياضية على الرياضيين الذين وُلدوا خارج البلاد، ويحملون جنسية إريتريا". حاول عدد من الرياضيين المقيمين في الدول الاسكندنافية الاستفادة من القرار، وتكوين فريق كرة قدم يمثّل المنتخب الوطني لإريتريا في المنافسات الدولية، وتمكنوا من تجميع فريق من عشرة لاعبين، لكن المحاولة أخفقت في النهاية.

يُعقب الصحفي الرياضي، محمد عبد العظيم لـ"جيسكا"، بأنّ "اقتصار المشاركة في المنافسات الدولية على رياضيين يحملون جنسية إريتريا، لكنهم يعيشون خارجها، قد تنجح حلا في المستقبل، يؤدي لمنع تسرب الرياضيين المحليين إلى الخارج"، مضيفًا أنّه "لا بد من تبني الحكومة لمشروع رياضي، يضمن مستوى معيشي مقبول للرياضيين الدوليين، ويقدم لهم معاملة خاصة مثل: الإعفاء من التجنيد، حتى لا يهربون أثناء المنافسات الدولية، ويستمرون في المشاركة باسم وطنهم".

المزيد من الكاتب