الجمعة 22 نوفمبر 2024
يناقش ماثيو غوردون مع جيسكا كيفية تغيُّر صوماليلاند بعد إعلان "الجمهورية"، بالإضافة إلى خطر المركزة على السلام في كافة الإقليم.
ماثيو غوردون باحث في السياسة الصومالية، تخصّص في صوماليلاند. أكمل درجة الدكتوراة المعنونة "الميثاق الاجتماعي في صوماليلاند: تجربة في التعايش بلا دولة" في 2023 في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، واستكشف الثقافة السياسية والاجتماعية الفريدة لصوماليلاند. تمزج أطروحة غوردون بين السعي للتفاصيل وأهمية ما يمكن أن يقوله التنظير عن العالم الذي نسكنه. سلطت أطروحته الضوء على الأساليب التي تُتاجَر بها السلطة في صوماليلاند، وكيفية ارتباط العشائر فيما بينها في نظام اتحاد طوعي، وكيف تغيّر ذلك في كافة الإقليم بانتقاله من عملية بناء سلام مُفقرة إلى اهتمام أكبر ببناء الدولة. يقول غوردون أن هذا الانتقال يغذي الكثير من القضايا التي تواجهها صوماليلاند حاليًّا. فقد قال في مقابلة مع جيسكا، "أنه زعزع التوازن الهش لاتفاقية السلام، لأنه بمقدور أفراد وفصائل وعشائر محددة على نحو متطرد الاستفادة من نفوذ مؤسسات الدولة وسلاحها." ويقول أيضًا أن صوماليلاند في مفترق طرقٍ الآن، وتواجه "أزمنة مظلمة". لا يزال موسى بيحي، الرئيس الحالي، في منصبه، بعد سنتين من انتهاء فترته. في هذا الحين، تتقلب المعارضة، وفقدت هرجيسا لاس عانود، أكبر المدن الشرقية، كما أثارت مذكرة تفاهم أخيرة مع إثيوبيا الاستقطاب بين العامة. فشل بيحي على نحوٍ ما في صياغة رؤية قوية خلاف سابقيه، الذين عوّلوا على أشكال تعايش مُبتكَرة وغير هرمية أكثر محلية في صوماليلاند. يُوضِح غوردن أن صوماليلاند بدأت، حينما تمركزت، في تهميش العشائر في الأطراف وأضحت معوّلةً بشكل متزايد على الأولياء الأجانب، ونبّه أن ذلك "بتبعاتٍ عنيفة أحيانًا."
يعتقد غوردن أن نهجًا يرجع للأساسيات_ يعتمد على مخزون المنطقة من الحلول المحلية المحدَّدة بهدف_ قد يقدم إطارًا مُحكمًأ لإعادة التفكير في أنماط الحوكمة الغارقة في فن الدولة الغربي، للتوجّه نحو أفق ينبني على واقع الناس الحي. أُتيحت أطروحة الدكتوراة التي أكملها غوردون للعامة، وتحدث مع جيسكا في مقابلة واسعة النطاق عن رحلته الفكرية والشؤون الحالية في صوماليلاند، والكيفية التي يتعتقد بها أن بوسع "التعايش بلا-دولة" في صوماليلاند المساهمة في إعادة تصوّر السياسة في مناطق أخرى.
عبدالعزيز : في البداية، أنا مفتون برحلتك الفكرية وطريقك الذي انتهي بدراستك لصوماليلاند. هلّا أسهبت لنا في الموضوع؟
غورون: وقعت في عالم صوماليلاند بالصدفة. فقد عملت مع منظمة "الديبلوماسي المستقل"[1] التي يقع مقرها الرئيسي في نيويورك، بعد إكمالي درجة الماجستير في دراسات النزاع. تدعم المنظمة مجتمعات كصوماليلاند، والتي لها أهمية في السياسة الدولية، لكن دون أن يكون لها دور في عملية صناعة القرار، عبر اقصاءها من المحافل ذات الأطراف المتعددة مثل الأمم المتحدة. انتهى بي المطاف بالعمل كثيرًا في مشروعهم المتعلق بصوماليلاند في نيويورك، ولقد أسرتني قصة الشعب عن بناء السلام والتعايش في ظل غياب التدخل الخارجي. وعندما احتاجت المنظمة إلى شخصٍ ليكون في هرجيسا لتيسير إجراءات العمل مع وزير الخارجية في صوماليلاند، كان بوسعي انتهاز الفرصة. انطلقت من ذلك فترة ثلاث سنوات عملت فيها مع مختلف المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في صوماليلاند، حيث تعلّمت الكثير عن اشتغال الحوكمة والسياسة من الداخل. انتقلت لاحقًا إلى الجانب الآخر من الطاولة وعملت مع المنظمات الدولية في مشاريع التنمية في صوماليلاند (والصومال بدرجة أقل)، من بينها الحوكمة المحلية وسياسات الأراضي.
خلال كامل هذه السنوات الخمس، تشكّل لدي حس أن لصوماليلاند قصة لترويها طُمِرت تحت الأدبيات الموجودة، والتي لم تكن قصة بسيطة عن بناء السلام والدولة، بل عن حوكمة مُفقرة وغير ممركَزة تمتلك رؤية مختلفة عن عمل الدولة، و لكن فاعلة رغم (أو بالأحري بسبب) غياب الدولة. قررت حنيئذٍ الحصول على درجة دكتوراة، بحثت فيها في آليات كيفية عمل الحوكمة بلا دولة في صوماليلاند.
عبدالعزيز: أبوسعك مساعدة القُرّاء على فهم جوهر بحثك؟ ما هي النتائج والخلاصات الرئيسية لعملك؟
غوردون: ما توصلت إليه بعد عامٍ من العمل الميداني في صوماليلاند_ والذي يستند على خبرتي السابقة في معاينة البلاد بوصفي مهنيًّا_ هو أن الكثير من العناصر التي نُبذِت ببساطة باعتبارها "سياسة عشيرة" أو "سلطة تقليدية" في صوماليلاند كانت بالأحرى نظام تعاون بين-عشائري متقدم وفعال، لكن حديث بالكامل. مع أن صوماليلاند حاولت مؤخرًا، منذ 2001 فصاعدًا، بناء دولة فوق نظام التعاون بين-العشائري هذا، إلا أن الدولة ليست ما يحفظ نسيج المجتمع على الاطلاق، ولا تُعتبر الفيصل الرئيسي في الشؤون السياسية. بالأحرى، إن بنود اتفاقية السلام، التي أُبرِمت في الانتقال الأول لصوماليلاند من الحرب، هي ما يواصل توجيه العلاقات الاجتماعية بين المجتمعات العشائرية. أعتقد أن هذه العلاقات محكومة بثلاثة مبادئ أساسية؛ أولها الأفقية، حيث تتعامل أي عشيرة مع الأخريات مباشرةً، دون اللجوء إلى أي سلطة عليا تقرّر بالنيابة عنهم. ثانيها الارتباط المشروط، والذي يعني أن العشائر تتعايش مع بعضها البعض لا لحس أبدي بهوية وطنية مشتركة، بل لمنافع عملية للتعاون، والذي يمكن أن يتوقف إن انتفت هذه المنافع. وآخرها المودة، والتي تشمل علاقات القرابة، والتاريخ المشترك، والتشاور وجهًا لوجه باعتباره أساس التواصل البيني في المجتمعات، عوضًا عن أفكار المواطنة المُجرّدة.
بالإضافة إلى ذلك، تعول كل هذه العلاقات على التوازن النسبي بين العشائر، حيث ليس في مقدور أي تكوين عشائري محدد أن يستبد بالبقية، مع إجماع كل الأطراف أن الطريق الوحيد للشعور بالأمن والسلامة والقدرة الاقتصادية هو عبر التعاون والتوافق، إلى درجة محددة على الأقل. يدرس بحثي أيضًا الكيفية التي تغيّرت بها هذه الاتحادية العشائرية[2] (ما أسميه ميثاق صوماليلاند الاجتماعي) والدولة عبر الزمن. على عكس العلاقات الأفقية المتوازنة بين العشائر التي تُعرِّف اتفاقية السلام، تحاول الدولة مركَزة السياسة والسلطة في نخبة صغيرة. حدث ذلك في صوماليلاند، وقد زعزع التوازن الهش لاتفاقية السلام، لأنه بمقدور أفراد وفصائل وعشائر محددة على نحو متطرد الاستفادة من نفوذ مؤسسات الدولة وسلاحها. يرتبط الكثير من العنف الأخير في صوماليلاند في رأيي بهذه الاختلالات، في اللحظة التي لم تعد تشعر فيها قيادة صوماليلاند بأنها مُجبرة على السعى نحو توافق وتعاون مع جيرانها من العشائر، وتعويلهم بدلًا من ذلك على الأولياء الأجانب وتكنولوجيا فن الدولة لإخضاع الخصوم، بتبعاتٍ عنيفةٍ أحيانًا.
عبدالعزيز: تبحّر العديد من الأكادميين والكُتّاب غير الصوماليين في التجربة الصومالية، بعد أن واجهوا اتهامات بالانحياز وعدم الفهم. لكني أرى أن عملك مميّز وبارز، لأنك تجاهد للحفاظ على الموضوعية. بالنظر إلى الطبيعة الجدلية لدراسة حالة مثل صوماليلاند، ما الذي يميّزك عن التيار الرئيسي؟ أم أنت، في رأيك، من ضمن هذه التيار، للبدء؟
غوردون: هذا تقييم لطيف للغاية، رغم اعتقادي أنه من المستحيل ألا تكون ممتنًّا لتحيزات ذاتية محددة، مهما كانت صعوبة المحاولة. أعتقد أن تحيزاتي، خلاف العديد من الباحثين الأجانب في شأن صوماليلاند، لا سيما المحسوبين على المنظمات الدولية والمراكز البحثية، ليست مرتبطة بالاهتمام الشخصي الفج أو بجعل الصوماليين "قابلين للحكم"، أي جعلهم غير مهددِين للغرب. في النهاية، كان بوسعي تجاوز المواضيع المناقَشَة بفرطٍ، مثل الإرهاب والقرصنة وفشل الدولة والنزوح، والتي لازمت مخيّلة العديد من الباحثين الغربيين، وحاولتُ النظر في السياسة الصومالية كما هي_ أي بالطريقة التي يفسر بها الصوماليون أنفسهم بِناهم الاجتماعية_ دون الإجحاف بخلاصاتي عبر حصرها في ثيمات ضيقة.
لقد سهل الصوماليون للغاية هذه العملية التعليمية البطيئة والصعبة، ليس بالترحيب بي في حياتهم ومشاركتي أفكارهم وقصصهم فحسب، بل بكونهم أيضًا ذوي دراية سياسية ومجتمعات واعية بذاتها، والتي تبدو كل النقاشات فيها ملامسةً لآخر الإشاعات والمناورات السياسية. أعتقد على نحو قاطع أن كل المجتمعات تُفهم بأفضل شكل بمزج وجهات النظر الداخلية والخارجية، وأنه لا يحتكر أي فاعل على الحقيقة، وأن التعاون بين الباحثين الأجانب والمحليين سيعود بفائدة كبيرة لكليهما. تكمن المشكلة أننا نعيش في عالم تتوزع فيه السلطة والموارد بلا تساوٍ، لذا لا يتحرك الفاعلون الأجانب والمحليون على قدم المساواة، ما يقود إلى استخلاص المعرفة، والمكانات والشرعيات الهرمية، وتشوهات في السرديات المقدَّمة. ليس بمقدوري كفرد العمل خارج ذلك أو تغييره من الأساس (في المدى القريب على الأقل)، لكن بامكاني فعل كل ما بوسعي لتخفيف آثاره المدمرة. يعني ذلك تقديم التعويض المنصف للعمل المبذول لدعم مشروعي (سواءً الذين حاورتهم أم مساعدي الباحثين)، بالإضافة إلى الإعانة المتبادلة للأكادميين الصوماليين عند نشرهم للمواد، فضلًا عن مساءلتي أمام مواضيع بحثي من خلال إعطاءهم فرصة للطعن في تفسيراتي والتعامل مع انتاج المعرفة بشكل عام لا باعتباره تنافس محصلته صفرية حول من ستُسمع أصواته دون الآخرين، بل باعتباره عملية توليدية توسعية كلما زادت فيها الأصوات، كانت أفضل.
عبدالعزيز: لقد استكشفت باتساع مفهوم "تجربة التعايش بلا دولة." ماذا يعني ذلك؟ وكيف يتجسد هذا المفهوم في سياق صوماليلاند والساحة الصومالية ما-بعد-الاستعمارية الأوسع؟
غوردون: في رأيي، كما وضحتُ سلفًا، أن ذلك ما حافظ على نسيج صوماليلاند، بجانب تفسيره بالمقارنة المستويات العالية من السلام والحياة الديمقراطية (ليس الانتخابات وحسب، بل الحرية والاستقلال أيضًا التي عاشها العديد من الفاعلين السياسيين حتى وقت قريب). إنه نمط تعايش لم تشكله الدولة، بل التعاون العشائري (الميثاق الاجتماعي). وإنها تجربة لأنه لم تكن ثمة نية لذلك من البداية_ لم يقل أحدهم، "هلمّوا نشكل نظامًا سياسيًّا تعقد فيه العشائر مؤتمرات في كافة البلاد، تقودها الزعامة التقليدية، لمعالجة كل قضايا العدالة والأمن والتنافس السياسي،" إذ تشكلت على نحوٍ ظرفيٍّ ومبتكر، لأن من أرادوا السلام استخدموا ما بحوزتهم من موارد ثقافية واجتماعية وسياسية لإيقاف العنف وإعادة دمج المجتمع. كانت نخبة صوماليلاند تحاول شرعنة سعيهم إلى إقامة دولة واعتراف دولي بها؛ وبعد ذلك فحسب، نُظر إلى هذه التجارب باعتبارها بناء سلام ينتقل إلى بناء الدولة، وليس باعتبارها ابداع شيءٍ جديد بالكامل ومثير للاهتمام.
قدم مسح هذا البديل، هذه القصة الأكثر إثارة للاهتمام، خدمة سيئة للسياسة الصومالية، سواء في صوماليلاند أم لدى عموم الشعب الصومالي الأوسع. جسّد هذا الأمر إقامة الدولة بمثابة حل لجميع المشاكل، كما كان ذريعة للهياكل الهرمية وتشوهات السلطة والعنف وما إلى ذلك باسم "بناء الدولة". وتعامل مع أي "غياب للدولة" باعتباره فوضى، رغم أن صوماليلاند أصبحت أعنف وأكثر زعزعةً حين أصبحت حكومتها المركزية أقوى (بالتالي غير مساءلة وهوجاء)، كما خلقت علاقة صفرية المحصلة بين الصومال وصوماليلاند، والتي عمّقت تصوراتهما التنافسية عن السيادة ووحدة الأراضي من الانقسامات في مجتمعاتهما الأكثر مرونة وتداخلًا وضيافةً. انحصرت المخيلة والخطاب السياسي الصومالي، عبر تأثير صانعي القرار والأكادميين أثناء الاستعمار وبعده، بجانب تأثير النخبة الصومالية التكنوقراطية، في الغالب في نقاشات عن أفضل شكل للدولة_ أحادية أم اتحادية، مركزية أم غير مركزية، "غربية" أم مختلطة_ عوضًا عن أخذ مخزون أشكال التعاون والتبادل التي تحكم الحياة اليومية في الأراضي الصومالية، والبناء عليها. قدم "الشباب" وحسب بديلًا هائلًا، لكنه كذلك بديل أعنف وأكثر اضطهادًا من سياسة الدولة الصومالية. لقد حان الوقت ربما لبديل ما-بعد-استعماري أسلم.
عبدالعزيز: يعتقد البعض أن صوماليلاند، باعتبارها مشروع سياسي، في سقوط حر في اللحظة الراهنة. تهتم دراستك بالميثاق الاجتماعي والمباديء الكامنة وراءه، بجانب دور المودة في عملية المصالحة. إلى أين تتجه صوماليلاند في رأيك، بعض فحصك لهذه العلاقات بين-الطائفية المتشابكة والمعقدة، بكلتا توصيفاتها: مشروعًا سياسيًّا وتجربة في الديناميات بين-الطائفية؟
غوردون: تواجه صوماليلاند بالفعل أزمنة مظلمة في جوانب محددة، بعضها خارج سيطرة أي إمرءٍ، مثل القضايا المتعلقة بالتغيير المناخي والحروب الأهلية في دول الجوار والتدخل المتزايد في الشؤون الجيو-سياسية في القرن الأفريقي. لكن كما لاحظت، قللت صوماليلاند بتزايد من قيمة الودي والعلاقات الترابطية بين المجتمعات العشائرية التي كانت حارسًا للسلام في صوماليلاند. لقد عمّقت بالتأكيد الانتخابات وصراع السلطة وسط النخبة، علاوةً على التنافس حول الموارد والأراضي، من الاستقطاب والانقسامات في المجتمعات، وحوّلت السياسة المتمحورة حول العشيرة[3]، إلى سياسة حول العشائرية[4]. تُعتبر هوية العشيرة الآن أقل إحالةً، في وضع معقد، إلى تواريخ التعاون والنزاع، وأكثر إحالة إلى الإقصاء والتنافس وحسب. نواجه وضعًا يتقوض فيه بالكامل الاعتماد المتبادل بين العشائر الاسحاقية وغير الاسحاقية، كما تسعي فيه الأولى إلى الاستفادة من تعاونٍ مع بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا لبناء دولة ضيقة وعاجزة، مهتمة بمعقل مناصرة الاستقلال. أخشى ألا يتسبب ذلك في المزيد من الصراعات بين المركز والأطراف فحسب، لكن في صفوف الاسحاقيين أنفسهم، لفقدانهم قوة التوازن التخفيفية لمجتمعات أودال وسول وسَنَاج، والانقلاب أكثر بعضهم على بعض، دون أي توسط.
أعتقد أن قضية الاعتراف بصوماليلاند، التي وضعتها مذكرة التفاهم مع إثيوبيا في المقدمة والمركز، فجرٌ كاذب. فالأمر يتضمن مقايضة صوماليلاند لحكمها الذاتي بحكم الواقع، من أجل فرصة وضعٍ بحكم القانون بوصفها دولة. في رأيي الشخصي، ورغم انتقاداتي، يستحق شعب صوماليلاند حكم أنفسهم، ولا ينبغي اجبارهم من قبل مقديشو أو المجتمع الدولي على البقاء طرفًا في المشروع الصومالي الاتحادي الفاشل. وإن التوقيت، في ذات اللحظة، والكيفية التي اكتسبت بها صوماليلاند هذا الإمكان المتزايد بالاعتراف لهو توقيت لا يكاد ينصف قضيتهم. فبينما تُهجر أفريقيا من قبل الفاعليين الإنسانيين، وتُستعمر من قبل الفاعلين من الخليج، وتتشظى من الحروب والنزوح والتغيّر البيئي، يصبح معنى تقرير المصير والسيادة أقل قيمةً. ربما في ظل الزمن المتقلب والمثير للانقسام الذي نعيشه، ليس لدى صوماليلاند أي خيار سوى عقد تحالفات استراتيجية مريرة مع فاعلين أقوياء مثل إثيوبيا والإمارت العربية المتحدة، حتى لو أُعتبر الأمر بمثابة وضع مصيرهم في أيدي فاعلين هُوجٌ لا يخضعون للمساءلة. لكن من العار رؤية حدوث الأمر.
عبدالعزيز : من المعروف على نطاق واسع أن سعي صماليلاند إلى إقامة دولة كان ردًّا على الدكتاتورية الصومالية، وغياب الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. لكننا شهدنا انحرافًا عن القيم المؤسِّسة في صفوف النخبة الحاكمة. أين يجدون أنفسهم في ظل التحديات التي ذكرتَ أنهم يواجهونها؟
لا تجعل معاناة الناس من الإبادة، كما نرى في كل من اسرائيل وصوماليلاند، منهم ضحايا أبديين، وأنه أحيانًا من تقع عليهم انتهاكات إنسانية واضطهاد ينتهون بالتسبب بذات الشرور بحق الآخرين. لا أعتقد أن السبب أن هذه المجتمعات لا تعي الدروس الصحيحة، أو أنها منافقة، لكن بالأحرى لأن السلطة الجامحة مغرية ومُسكِرة، وبطبيعتها عنيفة وصراعية. فطالما يحل المضطهَد مكان المضطهِد وحسب، عوضًا عن تغيير الهياكل الهرمية للسلطة، التي تفرز الجانبين، من الأساس، لن نتجاوز دوائر الاضطهاد هذه. هذا ما يثلج الصدور ويبعث على الأمل في رأيي بشأن الميثاق الاجتماعي في صوماليلاند، لأنه كان نهجًا لمقاربة عفو ومستقبل مشترك وضعَ كافة الأطراف على قدم المساواة أخلاقيًّا وسياسيًّا، مع المحافظة على مصلحة أي طرفٍ في مشروع صوماليلاند (Somaliland la wada leeyahay). لكن الدولة لا تعمل وفقًا لهذه المبادئ، بشكل عملي على الأقل. فهي تخلق انقسامات بين الحاكم والمحكوم، والسلطة والامتثال، ما انعكس في الاختلاف العشائري في سبيل إعادة إنتاج أشكال جديدة من السيطرة المؤسَّسة على العشيرة. إن الوضع في لاسعانود هو مجرد تفكير عدواني في تبعات هجر أشكال العفو وتحقيق التكافؤ هذه.
عبدالعزيز : في الختام، بوصفك أكاديميًّا وباحثا ًمرموقًا في العلوم السياسة، ما الذي ينتظرك؟ هل تخطط للتعمق أكثر في هذا الموضوع ودراسة قضايا مماثلة ذات صلة عبر بحوث أخرى ومساعٍ كتابية؟ ما الذي يمكن توقعه منك؟
غوردون: آمل في تأسيس مفهومي عن الميثاق الاجتماعي داخل نظرية أوسع عن كيفية التفكير في السياسة خارج الدولة. يتضمن ذلك العمل على كتاب عن إمكانية الاستفادة من الدروس التي تعلمتها عند دراسة حالة صوماليلاند، في معالجة مسائل الانتكاسات الديمقراطية، واللامساواة المتزايدة، بجانب الفشل المؤسساتي والأخلاقي الذي تتسم به السياسة اليوم في كافة أنحاء العالم. أود أن أتعاون مع زملائي الصوماليين في الأكاديميا وصناعة القرار حول المزيد من المؤلفات، لاستكشاف المزيد من الأفكار التي يمكن الاطلاع عليها من التاريخ السياسي الصومالي.
***
[1] Independent Diplomat (ID)
[2] clan associationalism
[3] Clan (qabiil)
[4] Clannism (qabyaalad or qabiilnimo) \