الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
تواجه بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار "أصوم" - قيد التشكيل - التي ستخلف بعثته الانتقالية "أتميس" مطلع العام المقبل تحديات جمة، على رأسها تدبير تمويل مستدام، في الوقت الذي تواجه فيه الأخيرة التي أوشك تفويضها على الانتهاء فجوة تمويل تقدر بـ 100 مليون دولار.
يمثّل التمويل مشكلة مزمنة للاتحاد الأفريقي الذي يعتمد في تسيير أموره جزئيًا على تبرعات المانحين الدوليين، وتظهر بشكل جلي في عجزه عن تمويل بعثاته لحفظ السلام في القارة ما يجعله معتمدًا بشكل شبه كلي على مساهمات الأمم المتحدة والمانحين. بالتبعية يفتقر الاتحاد إلى قرار مستقل في قضايا السلم والأمن القارية، ويعجز عن التدخل في الوقت المناسب في مناطق النزاعات وتوفير المهام اللوجستية لبعثاته ما يؤدي إلى عجزها عن القيام بمهامها في حفظ وصون السلم والأمن الإقليميين.
ينتهي تفويض بعثة "أتميس" في 31 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وسيصل عددها بحلول هذا الموعد إلى 12626 فرد منهم 1040 من أفراد الشرطة، وذلك وفق التمديد الممنوح لها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2748 الصادر في أغسطس/ آب 2024. طلب القرار من الأمين العام بالاشتراك مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وبالتشاور مع الصومال والجهات الدولية صاحبة المصلحة تقديم تقرير عن التصميم العام للبعثة الخلف المقترحة، التي ستحمل اسم "أصوم".
تنفيذًا لقرار مجلس الأمن، عقدت الأطراف المعنية عدة اجتماعات في نيويورك ومقديشو وأديس أبابا ناقشت الترتيبات والتحضيرات للبعثة الجديدة، وهيمنت على الاجتماعات كيفية حلّ عقبة التمويل. تختلف رؤى أصحاب المصلحة حول آلية التمويل، ويصطف الصومال والاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن المنبثق عنه حول المطالبة بتمويل البعثة الجديدة من اشتراكات الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أسوةً بتمويل بعثات حفظ السلام التي تقودها الأمم المتحدة. مقابل ذلك، ترى الولايات المتحدة والدول الغربية في مجلس الأمن الدولي ضرورة البحث عن خيارات مختلفة للتمويل تشمل تمويلًا من الأمم المتحدة والمانحين الدوليين الدائمين من الاتحاد الأوروبي، واستكشاف خيارات تمويل من مانحين جدد مثل دول الخليج والصين، بالإضافة إلى حث الاتحاد الأفريقي على تقديم مساهمات مالية أكبر.
تستند وجهة النظر الأفريقية إلى قرار مجلس الأمن رقم 2719 لعام 2023 بشأن الموافقة على منح تمويل لعمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد الافريقي باستخدام الاشتراكات المقررة للأمم المتحدة وآليات التمويل الأممية، كون حفظ السلم في القارة جزءًا من السلام والأمن الدوليين. لكن القرار ذاته نصّ على استعراض التنفيذ بعد ثلاث سنوات، أي بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2026، وبعد عامين على نشر بعثة "أصوم" المرتقبة في الصومال. كما حدد نسبة 75% كحد أقصى من خلال اشتراكات الأمم المتحدة، وطلب من الاتحاد الأفريقي بالاشتراك مع الأمين العام للأمم المتحدة تدبير النسبة المتبقية من المانحين الدوليين.
مع ذلك، فقرار التمويل السابق غير مُلزم، إذ ينظر مجلس الأمن الدولي في كل حالة على حدة، وله منح الإذن بالوصول إلى اشتراكات الأمم المتحدة لبعثات الاتحاد بحسب ما يقرره ووفق متطلبات يجب الوفاء بها. لتحقيق ذلك، اعتمد مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد قرار 1225 لعام 2024 بشأن مفهوم العمليات للبعثة التي سيقودها في الصومال (CONOPS)، وتضمن سبعة عشر بندًا تهدف إلى وضع إطار إستراتيجي متكامل للبعثة الجديدة، بدايةً بتقييم الوضع في الصومال وتحديد التفويض المطلوب من مجلس الأمن الدولي وخطط تفصيلية عن الأهداف والعمليات وتكوين البعثة وآليات القيادة والسيطرة ودور الاتحاد الأفريقي في قيادة البعثة، وإستراتيجية الخروج التي باتت تحظى بتشديد من الدول الغربية.
نظريًا يمكن للاتحاد الأفريقي نشر بعثات حفظ السلام دون الحصول على إذن من مجلس الأمن الدولي، على الرغم من أنّ مواثيق الأمم المتحدة تسبق مواثيق المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية، وهو الأمر الذي يؤكد عليه مجلس الأمن الدولي في جميع قراراته التي تخص تعزيز التعاون مع الاتحاد الأفريقي. لكن ما يعيق الاتحاد الأفريقي هو نقص التمويل، فعلى سبيل المثال في حالة الصومال يمكن للاتحاد تلبية طلب الحكومة الفيدرالية بصفتها السلطة الشرعية.
لكن الاتحاد لا يملك القدرة على تمويل عمليات دعم السلام التي يقرها ويقودها، فلم تتجاوز مساهمته لسدّ الفجوة في تمويل بعثة "أتميس" 3.5 مليون دولار في عام 2023، وتعهد بمساهمة قدرها 19 مليون دولار في عام 2024. مقابل ذلك، قدم الاتحاد الأوروبي نحو 2.5 مليار يورو لدعم بعثات الاتحاد في الصومال منذ 2009، فضلًا عن 118 مليون يورو مساهمة إضافية لسد فجوة التمويل في عامي 2023 و2024، وبلغ إجمالي الدعم المقدم من الاتحاد في جميع مجالات التعاون 4.3 مليار يورو منذ 2009.
تثير قضية التمويل نقاشات حول مدى كفاءة البعثات التي يقودها الاتحاد الأفريقي، فقد وُجهت انتقادات إلى بعثة "أتميس" لضعف تعاونها مع القوات العسكرية والأمنية الصومالية في العمليات التي تشنها ضدّ حركة الشباب منذ انطلاق الحرب الحاسمة في أغسطس/ آب 2022. لهذا اشترط مجلس الأمن التزام الاتحاد الأفريقي بإجراءات الأمم المتحدة في التدقيق والمراقبة المالية بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى الصومال (UNSOM)، التي سيكون لها دور أكبر في مراقبة أداء البعثة.
من جانب آخر، يجلب شغل الصومال مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي في العام المقبل تفاؤلًا بشأن تعزيز المطالبة بتوفير تمويل مستدام لبعثة "أصوم"، فمن خلال مشاركتها المباشرة في اللقاءات والاجتماعات ستمارس ضغطًا على الدول الغربية في المجلس وخاصة الولايات المتحدة لقبول تمويل البعثة من اشتراكات الأمم المتحدة. المؤكد أنّ هناك اجماع على تجنب حدوث فراغ أمني خلال الانتقال إلى البعثة الجديدة، وكحل لأزمة التمويل قد يسمح مجلس الأمن الدولي بالمساهمة بجزء من التمويل من خلال اشتراكات الأمم المتحدة، وهو ما أشار إليه القرار 2748 لعام 2024 رغم تشديده على ضرورة البحث عن بدائل أخرى.
يتصدر الاتحاد الأوروبي خيارات التمويل البديلة، لكن الأخير لديه شكوك وتساؤلات حول كفاءة بعثة "أتميس"، خاصة في عدم تحقيق تقدم كاف في التهيئة والتحضير لنقل المسؤوليات الأمنية إلى القوات الصومالية. كما تبرز قطر من بين الخيارات البديلة لتوفير جزء من التمويل ويشارك ممثلون عنها في اجتماعات التحضير للبعثة الجديدة.
يقدم الاتحاد الأوروبي مثالًا هامًا لضيق صدر المجتمع الدولي تجاه بعثات الاتحاد الأفريقي في الصومال التي أكملت 17 عامًا دون نجاح كامل في تحقيق المهمة الأساسية وهي تمكين قوات الأمن الوطنية من تحمل المسؤوليات الأمنية كاملة، بما يمكن الشركاء الدوليين من التركيز على برامج عمل مشتركة تتجاوز مرحلة المشاركة في الصراع إلى الاستقرار والبناء. فإلى جانب بعثات الاتحاد توفر بعثة الأمم المتحدة الانتقالية مجموعة من مهمات الدعم اللوجستي لنحو 20 ألف من قوات الجيش والأمن الصومالية في العمليات المشتركة مع بعثة الاتحاد الأفريقي.
وعلى الرغم من الإشادات الواسعة بجهود وعزم الرئيس حسن شيخ محمود في الحرب ضد حركة الشباب إلا أنّ الدور الواجب أنّ تضطلع به الحكومة الفيدرالية في ملكية المسؤوليات الأمنية لا يزال دون المستوى، وتساهم عدة عوامل في هذا، منها:
• الخلافات الدائمة بين الحكومة الفيدرالية (FGS) وحكومات الولايات الإقليمية (FMS) والتي تعيق الاستقرار السياسي، وتعطل الانتقال إلى دستور دائم وإجراء الانتخابات وفق النظام المباشر بدلًا من النظام العشائري المعروف بـ (4.5) والذي يحرم المواطنين من الترشح والتصويت على اختيار السلطات التشريعية والتنفيذية على المستوى الفيدرالي والولائي.
• ضعف التنسيق بين القوات الفيدرالية والقوات التي تتبع الولايات، وافتقار الجيش الوطني إلى الكفاءة والجهوزية في ظل اعتماده الكبير على الدعم المالي واللوجيستي الخارجي.
• تعدد الجهات الدولية الفاعلة في تقديم الدعم العسكري والتدريب ضد حركة الشباب وضعف التنسيق بينها.
• انخراط عدد من الدول المشاركة بقوات في بعثات الاتحاد الأفريقي في الأزمات السياسية الداخلية، ما يؤثر على الكفاءة العملياتية ويضع القوات في مواجهة مع أطراف صومالية، ومن هذا حالة كينيا التي توترت علاقاتها مع مقديشو في عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، وحالة إثيوبيا التي تشهد علاقاتها أزمة مع مقديشو منذ مطلع العام الجاري.
• نقص التمويل المزمن الذي يؤثر بالسلب على بعثات الاتحاد الأفريقي وجهوزيتها.
يتصل بهذه الشواغل تشديد الدول الغربية في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي على ضرورة وضوح الأهداف والرؤية، ووضع آلية تنسيق واضحة بين البعثة والمانحين، ونقاط مرجعية مشفوعة بمؤشرات ومعالم واضحة لقياس التقدم المحرز، وإستراتيجية خروج شاملة للبعثة. أيًا تكن التحديات فلن يقبل المجتمع الدولي بحدوث فراغ أمني في البلاد يهدد المكاسب التي تحققت خلال 17 عامًا.
إزاء هذا الوضع، فعلى الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات الإقليمية والنخب السياسية إيلاء مزيد من الجهد لمعالجة القضايا الخلافية التي تعيق تحقيق الاستقرار، لتوجيه الجهود نحو بسط الأمن لتقليل الاتكالية المزمنة على بعثات الاتحاد الأفريقي والدعم الخارجي من الأمم المتحدة والمانحين الدوليين، في ظل بروز تحديات كبيرة أمام استدامه الدعم الخارجي مع توسع رقعة الصراعات وتأزم العلاقات الدوليتين.