تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 6 أكتوبر 2024

ثقافة

ما هي تقاليد "أبسوما" التي تمنع الزواج بين أبناء وبنات العمومة عند العفر؟

30 سبتمبر, 2024
الصورة
Afar
صورة الاتحاد الدولي للمغتربين العفاريين عبر موقع Pinterest
Share

تتوافق عادات الزواج لدى شعب العفر مع الشريعة الإسلامية بشكلٍ كبير، بما في ذلك تعدد الزوجات، لكنها تختلف في مفهوم القرابة، الذي يرتبط بالثقافات الأصلية لكل شعب، ففي حين تُفضل القبائل العربية التي تمثل الأساس الثقافي للدين الإسلامي الزواج بين أولاد وبنات العمومة، يكاد مفهوم القرابة لدى شعب العفر يُحرم الزواج بين أبناء وبنات العمومة.

يُعرف تقليد الزواج بين العفر باسم "أبسوما"، ويقوم على تفضيل الزواج من أبناء وبنات العمات والأخوال والخالات في المقام الأول، ويبغض الزواج بين أبناء وبنات العمومة، لاعتبارهم أخوة وأخوات، كونهم يشتركون في أب واحد، وهو الجد؛ والد الآباء، في حين أنّ أولاد وبنات العمات يُنسبون إلى جد آخر، هو والد الزوج، ونفس الحال مع الأخوال والخالات. فما هو تقليد أبسوما؟ وما هي عادات الزواج بين شعب العفر؟

تقليد "أبسوما"

يعيش شعب العفر بين ثلاث دول، وهي: إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، ويشترك في الثقافة والتقاليد والأعراف، مع وجود اختلافات بين سكان الحضر والريف والرعاة. لا تزال عادات الزواج المعروفة باسم "أبسوما" حاضرة بقوة بين سكان الريف والرعاة، في حين خفتت نسبيًا بين سكان المدن، ولدى العائلات التي تفضل مصالح أولادها وبناتها على التقاليد والأعراف.

يعتبر تقليد الزواج المسمى "أبسوما" بمثابة فلسفة لإدارة المجتمع العفري، ويهدف إلى توطيد الصلات بين العشائر العفرية، من خلال تشجيع الزواج بين أبناء وبنات العمات والأخوال والخالات، ما يعني توسيع روابط المصاهرة، والخروج بها من حيز القرابة الضيق، أو العصبية القائمة على السلف الذكر المشترك. كما يحقق هذا التقليد العدالة في الزواج، حيث لا تكون الثروة المعيار الذي يُختار على أساسه شريك/ ة الحياة، ومن جانب آخر يؤدي إلى مظالم، حين تكون الخيارات المتوفرة وفقه غير ملائمة للذكر أو الأنثى، وفي الغالب تكون المظلمة على فتيات صغيرات السن، يضطررن إلى الزواج من ذكور طاعنين في السنّ.

كما أن يُجنب هذا التقليد القبيلة أو التكوينات الاجتماعية المتفرعة عنها مغبة الخلافات الناتجة عن الزواج، حيث يُعتقد أنّ الأذى الناتج عن الخلافات الزوجية لا يلحق بدم ولحم الشخص نفسه، بخلاف الزواج بين بنات وأولاد العمومة، الذين تؤثر خلافاتهم الزوجية على القبيلة أو الأسرة، ويضر بتماسكها. ناهيك عن دافع آخر وراء هذه التقليد، وهو أنّ العم بمثابة والد لأبناء وبنات أخيه، وهو زوج محتمل لأمهم حال وفاة والدهم، ونفس الأمر مع الوالدة، التي تصبح أختها مرشحة كزوجة بديلة إذا ما تُوفت. يختلف مدى الالتزام بهذا التقليد من مكان لآخر، ففي بعض المناطق يكاد يكون إلزاميًا، وتُجبر الفتيات على الأزواج، وتُعنف لأجل القبول بالزوج، ويؤدي عدم التزام الأسر بهذا التقليد إلى نزاعات وصراعات في بعض المناطق.

يختلف الأمر نسبيًا في المناطق الحدودية والحضرية، حيث التساهل في مراعاة تقليد أبسوما، وتوجد حالات للزواج بين أبناء وبنات العمومة، أو الزواج من خارج الزيجات التي يوفرها التقليد، سواء للرجل والمرأة. علاوةً على ذلك، ومع مرور الوقت وحدوث تغيرات اجتماعية ارتبطت بالهجرة والسفر للخارج، وما تعيشه البشرية من تغيرات اقتصادية وثقافية وتكنولوجية، أخذ الالتزام بالتقليد في التراجع نسبيًا، خاصة بين الأجيال الأحدث في المناطق الأكثر اختلاطًا بثقافات وشعوب أخرى.

تقاليد الأسرة الصغيرة

إنّ كانت التقاليد العفرية تُحرم الزواج بين أبناء وبنات الأعمام، المشتركين في جد ذكر، فهي لا تمنع الزواج من بين العشائر، من غير أبناء العمات والخالات والأخوال. تبدأ الخطبة في مرحلة الطفولة، حيث تحدد التقاليد الأزواج والزوجات المحتملين، ويدفع والد الذكر مبلغا نقديا رمزيا لوالد الفتاة، وحين تصل الفتاة إلى سن البلوغ، تدفع أسرة الخاطب المهر، والذي يُسمى "ألكوم"، ويعادل نحو 200 دولار تقريبًا، وقد يختلف المهر من عائلة لأخرى، حيث يُحدد في المفاوضات مع والد الفتاة.

يُنفق جزء من المهر على شراء بعض المواد الغذائية، وفي المناطق الريفية وبين الرعاة يشترون بجزء آخر المواد اللازمة لإنشاء بيت حصير للزوجين بجانب منزل أهل العروس، ويُعرف باسم "سينن عاري"، يصنع من أوراق شجرة الدوم. تقام حفلات الزفاف في منزل عائلة العروس، وتقدم الأطعمة للجميع، ويكون السكن عادةً في منزل الحصير عند أهل العروس، وقد يبقى الزوجان حتى ميلاد أول أطفالهما، وإذا أراد الزوج أن يأخذ زوجته إلى أهله، يقوم بشراء سمن ودقيق القمح، وبعد عدة أيام، يُحضر والد الرجل جملين، يحمل عليهما السمن والدقيق وبيت الحصير، ويأخذ الزوجين إلى المكان الذي سيبنيان فيه منزلهما الخاص.

عادة ما ترافق والدة الزوجة الزوجين لمساعدتهما في بناء منزلهما، وتعود إلى بيتها بعد ثلاثة أيام، ووفق التقاليد حين تحمل الزوجة، يفكك الزوج بيت الحصير، وينتقل ليعيد بنائه عند أهل الزوجة، ويبقيان حتى بعد ولادتها بفترة أربعة أشهر، وأحيانًا عاما كاملا. يُتبع نفس التقليد في الحمل الثاني والثالث، وقد تستمر الزوجة في الولادة في منزل والديها حتى بعد الطفل الرابع، ويعتمد ذلك على قدرة الزوج على دعم زوجته ماديًا، إذ أنّ الانتقال إلى منزل والديها يساعده في تحمل نفقات ومسؤوليات الإنجاب. 

يميل العفر إلى كثرة الإنجاب، ويعتقدون أنّ كثرة الأطفال تساهم في تزويدهم بمهارات اجتماعية وعاطفيه، من خلال المقارنة والمنافسة بين الأبناء والأقران، إلا أنّ ذلك يمثّل عبئًا على الرجل، ما يضطره إلى الهجرة من أجل العمل في المدن أو دول الخليج في العقود الأخيرة، ومن ثم تنتقل الزوجة بأبنائها للإقامة عن والديها.

تنظم التقاليد زواج الرجل إذا توفت زوجته، وكذا المرأة التي يتوفى زوجها، ويجب على المرأة أن تحل محل أختها كزوجة إذا ماتت الأخيرة، ويحل الأخ مكان أخيه إذا توفى الأول. يُنظر إلى هذه التقاليد على أنّها تضع مصلحة الأطفال في المقام الأول، وتفرض التقاليد على المرأة الأرملة تجنب الأشياء الفاخرة، من الأطعمة والعطور لعدة أشهر.

تغيرات اجتماعية

ينقسم التنظيم الاجتماعي للعفر إلى وحدات اجتماعية متعددة، منها العشائر والبطون والأنساب والأسر، ولكل منها استقلالية في التعامل مع شؤونها الخاصة، وداخل هذه الوحدات، تتمتع مجموعات القرابة بعدد من الحقوق والواجبات تجاه بعضها البعض. 

تهدف هذه التقاليد التي تتعلق بحقوق وواجبات القرابة إلى تعزيز التضامن داخل الوحدات الاجتماعية، والمحافظة على استمرارية المجموعة ككيان اقتصادي واجتماعي. تشمل الحقوق والالتزامات تقاسم مهر العروس والديات وتبادل الهدايا في المناسبات المختلفة، والشراكة في تربية الماشية. يساهم هذا التضامن في منع الجور بين الرعاة، وتعزيز الرأس المال الجماعي، والتصدي للمخاطر الخارجية، والتضامن في أوقات الشدة والجفاف.

يتعلق استمرار التقاليد بالحفاظ على النمط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي تشكلت خلاله، وهو الأمر غير الممكن، حيث أنّ التغير طبيعة الحياة والمجتمعات البشرية، لذا يحدث الصدام بين التقاليد والأفراد. وتشهد مجتمعات العفر تغيرات اجتماعية وثقافية وسياسية، تأثرًا بالحداثة بشكل عام، والثقافات المجاورة، ما خلق فجوة بين الأجيال. 

تظهر هذه الفجوة في اختلاف التوجهات والقيم والمعايير المتعلقة بالزواج، والنظام الاجتماعي، ولم يعد الحفاظ على النوع وصون الترابط الاجتماعي أولوية في الزواج، بعد أنّ اُستبدل بالبحث عن السعادة الفردية، وهي حالة ليست قاصرة على شعب العفر، وهي إحدى التغيرات الكبرى التي عرفتها البشرية منذ قرون. 

ختامًا، تواجه التقاليد العفرية فيما يتعلق بالزواج تحديات عديدة، تنبع من التغيرات الاجتماعية الكبرى التي عرفتها البشرية منذ التحولات الكبرى في أوروبا، والتي اُصطلح على تسميتها بـ"الحداثة"، وهو ليس الشعب الوحيد في ذلك. ولكن وقعها أشد نظرًا لأنّها ستؤثر على تماسكه وهويته، وهو الأمر الذي يحمل تحديات كبيرة في ظل وجوده في منطقة القرن الأفريقي التي لا تزال تواجه تحديات كبيرة في الانتقال نحو دولة المواطنة.