تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 21 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

بايدن صوب إفريقيا.. ما وراء زيارة الوقت الميت

6 أكتوبر, 2024
الصورة
Biden
(بريت كومر/ هيوستن كرونيكل عبر غيتي إيماجز)
Share

تتحدث الأوساط الإعلامية الأمريكية عن زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إفريقيا، بعد الانتهاء من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. بحدوثها في الأسابيع القليلة المقبلة سوف يفي بايدن بتعهده سابقا بأن يكون أول رئيس أمريكي يزور منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، منذ زيارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015.

خبر الإعلان عن الزيارة كان على هامش القمة الأمريكية الإفريقية التي عقدت بواشنطن، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2022، وراج بعدها أخبار تفيد اختيار الإدارة الأمريكية خريف عام 2023 موعدا لها، قبل أن تتأجل بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. 

تجدد الحديث عن الأمر حين كان بايدن منافسا في سباق الرئاسيات، فقد أعلن في مايو/ أيار الفائت، عن عزمه زيارة إفريقيا في فبراير/ شباط 2025، إذا فاز في الانتخابات الرئاسية. قبل أن يعجل انسحابه من المنافسة بالتخطيط لتنفيذ هذه الزيارة. كما تروج لذلك حاليا تقارير إعلامية عديدة، تفيد بأن أنغولا ستكون وجهة سوف يزورها جو بايدن في القارة الإفريقية.

ليس مبالغة في القول بأن هذه الزيارة المرتقبة تبقى "زيارة الوقت الميت"، ما يثير تساؤلات حول دواعي التحضير لها الآن؟ ولماذا اختارت الإدارة الأمريكية المضغوطة بهواجس المعركة الانتخابية التخطيط لها في هذا التوقيت المتأخر جدا؟ ثم لماذا وقع الاختيار في واشنطن على أنغولا تحديدا في جنوب القارة؟

لماذا إفريقيا الآن؟

يبدو أن بايدن عازم على زيارة إفريقيا قبل مغادرة البيت الأبيض، ما أثار شكوكا لدى المراقبين، خصوصا الأفارقة منهم، حول دواعي العودة إلى إفريقيا؟ فطيلة الولاية الرئاسية كانت إفريقيا شبه غائبة عن دائرة اهتمام الإدارة الأمريكية، سوى من أحداث معدودة على أصابيع اليد الواحد، مثل: القمة الأمريكية الإفريقية وزيارة الرئيس الكيني إلى الولايات المتحدة... قبل أن تقرر واشنطن، على حين غرة، توجيه البوصلة نحو القارة في الأشهر الأخيرة.

إلى جانب الزيارة الموعودة، تحدثت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، عن دعم واشنطن إنشاء مقعدين دائمين للدول الإفريقية في مجلس الأمن، وأول معقد غير دائم للدول الجزرية الصغيرة. وذلك تأييدا لتصريح سابق للرئيس جو بادين خلال القمة الأمريكية الأفريقية، أكده فيه حرص واشنطن على ضرورة أن يكون لإفريقيا معقد دائم في مجلس الأمن في إطار خطة إصلاح الأمم المتحدة.

تسعى واشنطن، بحسب مراقبين، إلى ترميم صورتها المتضررة، في السنوات الفائتة، في القارة الإفريقية، فقد انحصر نفوذها هناك لصالح الصين وروسيا، اللتين استغلتا تنامي مشاعر العداء داخل الدول الإفريقية لفرنسا، ومن ورائها المعسكر الغربي، فتوغلتا عبر وسائل الدبلوماسية الناعمة؛ كما هو حال الصين في القروض، أو الدبلوماسية الخشنة؛ قوات فاغنر بالنسبة لروسيا

هكذا وجدت القوات الأمريكية نفسها، في الغرب الإفريقي، مجبرة على الانسحاب من النيجر. ما دفع إدارة الرئيس بايدن لإعادة ترتيب أوراقها في قارة طالها النسيان في واشنطن، بدء بإعادة تنظيم الفريق الإفريقي داخل البيت الأبيض، في يوليو/ تموز الماضي، بعدما ظل بلا تغيير يذكر، منذ تولي بايدن الرئاسة عام 2021.

لا يضفي ما سبق طابع الاستعجال على الزيارة، فالتفريط الأمريكي في إفريقيا ارتبطت بتوجيه واشنطن بوصلتها نحو آسيا، وتحديدا منطقة الهندوباسيفيك. ما يفرض البحث عن تفسير آخر لهذه العودة الطارئة نحو إفريقيا في الوقت الميت. ليكون الجواب وباختصار شديد، هو الانتخابات الرئاسية.

 نعم، يمكن لإفريقيا أن تحظى تعلب دورا محورا في النزال الانتخابي الشهر المقبل. وفقا لآخر استطلاعات الرأي لا يزال المرشحين متقاربين، ما دفع الحزب الديمقراطي إلى استهداف أصوات الناخبين الأمريكيين من أصول إفريقية، مستغلة في ذلك هجوم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، المتكرر في ولايته السابقة، على الدول الإفريقية، واصفا إياها ب"الدول القذرة".

تعزز سبر الآراء لشهر مايو/ آيار الماضي هذا التفسير، فنسبة تأييد السود للديمقراطيين في الولايات الحاسمة (جورجيا ويسكونسن...) تراجعت إلى 64٪ فقط مقابل 92٪ في انتخابات عام 2020. يذكر أن الأمريكيين السود يشكون العمود الفقري للحزب الديمقراطي، ويرجح أن يزدادوا بسبب ترشح كامالا هاريس، على غرار ما حدث مع باراك أوباما.

لماذا أنغولا تحديدا؟ 

اختيار أنغولا وجهة يقصدها الرئيس في القارة بدوره محكوم بحسابات الإدارة الأمريكية، وإن جاء خلافا لكل التوقعات التي تتطلع إلى التوجه نحو غرب إفريقيا، لا سميا منطقة الساحل، التي غادرت القوات الأمريكية، في الأسابيع الماضية، أراضي بعض دولها بشكل نهائي. فضلا عن استمرار البحث عن قواعد عسكرية بديلة هناك، إضافة إلى مقر إفريقي للقيادة الأمريكية العسكرية في القارة "الأفريكوم" بدلا عن مقرها الحالي بمدينة شتوتغارت الألمانية.

يتلاشى الغموض بشأن أنغولا؛ المستعمرة البرتغالية ذات التوجهات الماركسية في الحكم، حين نتذكر أنها كانت واحدة من محطات وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى جانب كينيا وجيبوتي. ناهيك عن كونها الوحيدة بجنوب القارة التي زارها وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في جولته الإفريقية مطلع العام الجاري، بمعية الرأس الأخضر ونيجيريا وساحل العاج.

واضح أن أنغولا كانت تحت الرصد الأمريكي منذ وقت طويل، لعدة اعتبارات لعل أبرزها كون البلد ثالث أكبر منتج للنفط في إفريقيا، مع احتياطات تقدر بنحو 9,1 مليارات برميل، فضلا عن 11 تريليون قدم من الغاز الطبيعي، ناهيك عن ثورات معدنية مهمة (الألماس والذهب...). 

كما أن البلد يحتفظ بعلاقات جيدة وعريقة مع موسكو، ترجع إلى حكم الرئيس جوزيه إدوارد دوس سانتوس (1979-2017)، ولا تزال كذلك حتى وقتنا الراهن، فوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، سبق نظيره الأمريكي إلى العاصمة لولندا بأكثر من عام. 

ناهيك عن كونها بوابة استراتيجية لمشروع "الحزام والطريق" الصيني، بالنظر لموقعها على المحيط الأطلسي، فضلا عن كونها ممرا للبضائع الصينية، القادمة من الدول المجاورة، عبر السكك الحديدية الصينية المنشأ. وقبل ذلك تعد أنغولا من أكبر خمسة موردين للنفط إلى الصين، كما أنها ضمن أكبر الشركاء التجاريين لبكين في إفريقيا.

بعد كل هذا يصبح التوجه الأمريكي نحو أنغولا طبيعيا ومفهوما، فالأمر لا يخرج حرب النفود بين القوى الكبرى داخل القارة الإفريقية، وما قيام نائبة الرئيس كامالا هاريس بزيارة للقارة في مارس/آذار 2023 بزيارة لكل من تنزانيا وزامبيا، سوى تحضير للعودة الأمريكية بمشروع ممر لوبيتو الأطلسي للسكك الحديدية الذي يربط أنغولا بالكونغو وزامبيا، حيث مناجم الكوبالت وحزام النحاس، مع مساعي لتمديده نحو تنزانيا، باستثمارات تقدر بنحو 250 مليون دولار سوى مثالا على احتدام الصراع. 

ماذا بعد "الزيارة"؟ 

لا شك أن عوائد الزيارة المرتقبة ستكون على الداخل الأمريكي أكثر من الخارج، فهي مناسبة لدغدغة مشاعر الأمريكيين من أصول إفريقية، واستعادة إهانات دونالد ترامب للدول القارة في سياق الصراع الانتخابي. أما خارجيا، فسيبقى مردودها ضعيفا جدا، وذلك لأكثر من سبب:

أولا؛ تأتي المساعي الأمريكية نحو إفريقيا في وقت متأخر للغاية، فالصورة حتى اللحظة لا تزال ملتبس حول حظوظ المرشحين للظرفين بالرئاسة، فالسياسة الأمريكية تجاه إفريقيا تقف على من سيفوز يدخل البيت الأبيض الشهر المقبل؛ ترامب أم هاريس؟

ثانيا؛ القول بأن زيارة لدولة إفريقية واحدة، وفي الوقت الميت من الحكم، من شأنها أن يواجه النفوذ الروسي والصيني المتغلغل في إفريقيا، مجازفة سياسية من القائمين على شؤون القارة في إدارة الرئيس جو بايدن.

ثالثا؛ تسويق دعم الإدارة الأمريكية خلال هذه الزيارة لفكرة مقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي، خطوة قد تأتي بمفعول عكسي، فالمناورة تسعى إلى إقناع الأفارقة بأن ضمان مستقبلهم لن يكون سوى إلى جانب أمريكا، ما يكرس عقلية التفوق والوصاية الغربية على إفريقيا.

رابعا؛ ترتيب أمريكيا لأولوياتها بالتوجه نحو آسيا، سمح للأفارقة باختبار شراكات أخرى مع دول، كشفت جحم الاستغلال والاستعلاء الأمريكيين حيال الأفارقة، ما يجعل التراجع على مسار قد بدأ مع الروس أو الصيني في دول مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو أمرا صعبا للغاية، وربما مستحيلا، خاصة وأنه يثبت فعاليته وجدواه مع مرور الزمن.