تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 6 أكتوبر 2024

سياسة

أين تتجه خلافات مقديشو وبونتلاند بعد تعيين أسد ديانو قائدًا للشرطة الصومالية؟

3 أكتوبر, 2024
الصورة
Asad
أسد ديانو قائد الشرطة المعين الجديد
Share

 

دخلت الأزمة بين رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية، حسن شيخ محمود، ورئيس ولاية بونتلاند الإقليمية، سعيد عبد الله دني، فصلًا جديدًا من الصراع، بعد تعيين حسن شيخ لعدد من أبرز معارضي دني في مناصب هامة في الحكومة الفيدرالية، وأخرهم أسد عثمان عبد الله ديانو، قائدا للشرطة الصومالية.

جاء التعيين في وقت تعيش فيه بوصاصو، أهم مدن بونتلاند، حالة من الاستنفار بين قوة الشرطة البحرية (PMPF) الموالية لسعيد دني، وقوة أمن بونتلاند (PSF) الموالية لمعارضي دني، والتي قادها في السابق أسد ديانو، ويقودها حاليا شقيقه خلفًا له. فما هي دلالات هذا التعيين؟ وما علاقة ذلك بالصراع بين حسن شيخ وسعيد دني؟

استقطاب المعارضين

تسلم أسد ديانو، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مهام عمله رسميًا قائدا للشرطة الصومالية، بعد أيام من تعيينه من قبل مجلس الوزراء، خلفًا للجنرال صلب أحمد، الذي نُقل إلى منصب نائب وزير النقل والطيران المدني، ترضية للرجل المنحدر من ولاية جنوب الغرب. 

تُستخدم الوظائف في الحكومة الفيدرالية أداة لتدبير العلاقات بين مقديشو والولايات الإقليمية، حيث تمنح لكل ولاية حصة في الحكومة الفيدرالية، ويتم اختيار حاملي المناصب على حسب علاقة الرئيس بحكام الولايات، وفي حالة حسن شيخ تم اختيار شاغلي حصص الولايات من المعارضين فيها، وخاصة في جنوب الغرب، بونتلاند. 

نظرًا لوجود خلافات شديدة بين حسن شيخ ورئيس بونتلاند سعيد عبد الله دني، قام الأول بتعيين عدد من معارضيه في مناصب فيدرالية، وأهمهم علي يوسف علي حوش، في منصب وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية، وعبد الصمد محمد غلن، مستشارا أولا للشؤون الفيدرالية، وكان وزيرًا للأمن في بونتلاند، وأقاله سعيد دني بسبب خلافات سياسية، كما عُين أحمد محمد جامع مستشارا أولا للشؤون الديمقراطية والحكم الرشيد.

تتمتع ولاية بونتلاند بحكم شبه ذاتي، وتمارس صلاحيات تتداخل مع التي تملكها الحكومة الفيدرالية حصرًا، ويعود هذا إلى أنّها تأسست عام 1998، قبل أعوام من تأسيس الحكومة الفيدرالية الحالية، وكان لها دور كبير في تأسيسها، لذا تنظر الولاية بعين الريبة دومًا إلى مقديشو. أصل الخلاف بين حسن شيخ وسعيد دني يعود إلى مايو/ أيار 2022، الذي شهد تنصيب الأول رئيسًا للبلاد، بعد دعم الثاني له في الانتخابات التي جرت داخل قبة البرلمان، وبحسب مراقبين كان دني يتطلع إلى منصب رئاسة الوزراء، لكن حسن شيخ فضل حمزة عبدي بري، ما أحدث قطيعة بين الرجلين.

إضافة إلى ما يُوصف بالخلافات الشخصية، أثار المشروع السياسي المعلن من قبل حسن شيخ، وترجمه في مشروع التعديلات الدستورية خلافات حادة بين الرجلين، وصلت إلى حد قطع العلاقات بين مقديشو وبونتلاند، وتغيب سعيد دني عن حضور اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني.

إثيوبيا حاضرة

ازدادت الهوة بين مقديشو وبونتلاند بعد توقيع مذكرة التفاهم بين صوماليلاند وأديس أبابا، حيث رفضت غروي إدانة الخطوة. كما رفضت قرار الحكومة الفيدرالية بإغلاق قنصلية إثيوبيا لديها، وأدانت العلاقات العسكرية مع مصر، ووصول شحنات الأسلحة إلى الجيش الصومالي. مقديشو من جهتها، وجهت اتهامات إلى الولاية بالحصول على شحنات أسلحة غير شرعية من إثيوبيا، وذلك بعد ما أُثير عن دخول شاحنات محملة بالأسلحة إلى الولاية عبر الحدود الإثيوبية، وهو الأمر الذي رفضته الولاية، وردت عليه باتهام مقديشو بجر البلاد إلى الحرب بعد حصولها على أسلحة من مصر.

لا يبدو موقف الولاية من مذكرة التفاهم واضحًا، ولا ينبع موقفها من تأييد، بل من العداء للرئيس حسن شيخ، إذ أنّ بونتلاند التي تشترك في الحدود مع صوماليلاند، تنظر إلى الثانية بعداوة، ودعمت مواطني لاسعانود عسكريًا ضد هرجيسا، ووقعت صدامات بينهما بسبب النزاعات الحدودية. حضرت إثيوبيا ثانيةً في صراع مقديشو وغروي، بعد وصول شحنات أسلحة إلى مطار مدينة بوصاصو، الذي تسيطر عليه قوات موالية لسعيد دني، حيث قيل إنها أسلحة إثيوبية، في الوقت الذي تحتفل فيه مقديشو بتسليم أسد ديانو السلطة.

يواجه حسن شيخ موقفًا مشابهًا في ولاية جنوب الغرب، التي رفض رئيسها مدعومًا من قوى قبلية خطة الحكومة الفيدرالية لإجلاء القوات الإثيوبية، بنهاية العام الجاري، واستبدالها بقوات مصرية، ويرتبط بهذا ظهور خلافات بين رئيس الولاية محمد حسن لفتاغرين وحسن شيخ حول التعديلات الدستورية، وإجراء الانتخابات في الولايات، بعد أنّ كان الرجل من مؤيدي مشروع الرئيس السياسي. يعمل حسن شيخ على احتواء تمرد لفتاغرين، ويعول على اجتماع المجلس الاستشاري المرتقب. لكنه في المقابل لم يفعل الأمر نفسه مع سعيد دني، كون مشكلة هذا الأخير تتعلق برفض التعديلات الدستورية بالجملة، كما أن لفتاغرين ليس بقوة سعيد دني.

ليس من المبالغة القول إنّ الأزمة بين سعيد دني وحسن شيخ في حقيقتها أزمة بناء الدولة في الصومال، لأنّها صدام بين وجهتي نظر حول جوهر النظام السياسي والإداري في البلاد. كما أنّها تحمل أعباء تاريخية تتعلق بموقع بونتلاند في الدولة الفيدرالية، حيث ترى الولاية نفسها راعية النظام الفيدرالي، كما أنّها لا تريد التنازل عن وضعها شبه المستقل، وهو ما يغري بقية الولايات باتخاذ مواقف تصادمية مع الحكومات المركزية.

سيناريوهات الأزمة

تعتبر الأزمة بين الرجلين أكبر تحدي سياسي يواجه الصومال في الوقت الحالي، ومع ذلك فهي لا تتطلب تدخلًا سريعًا على غرار الأزمة مع ولاية جنوب الغرب، حيث يحتاج حسن شيخ لدعم الأخيرة لحلّ مأزق القوات الإثيوبية الموجودة في الولاية، ولتمرير مشروعه السياسي المتمثل في إلغاء النظام العشائري المعروف باسم (4.5)، وإقرار نظام الانتخابات العامة المباشرة، وفق التعددية الحزبية المحصورة في ثلاثة أحزاب، وإجراء انتخابات وفق النظام الجديد في الولايات. 

بخصوص بونتلاند، سيعمل حسن شيخ على تعزيز قوة خصوم سعيد دني عبر المناصب الفيدرالية والدعم المالي والسياسي. في هذا السياق من المحتمل أنّ تُلحق قوات PSF الموالية للمعارضة بالقوات الفيدرالية، وهو ما يعني وجود قوات فيدرالية في الولاية، في إقليم بري، وحاضرته بوصاصو، باعتباره ورقة ضغط بيد مقديشو في مواجهة سعيد دني، تفتح الباب أمام عسكرة الخلافات السياسية.

كما سيركز حسن شيخ على تأمين تمرير مشروعه السياسي، الذي سيضمن له الشرعية السياسية، من خلال تأمين وصول موالين له في عدد من الولايات الفيدرالية، للحصول على مساعدتهم في تمرير مشروعه السياسي، وبقاءه في السلطة، سواء من خلال إجراء الانتخابات المباشرة، أو حال أُجبر على الرجوع للنظام العشائري غير المباشر. يحظى سعيد دني بدوره بشرعية منذ انتخابه، مطلع العام الجاري، لمرة ثانية في لرئاسة الولاية حتى 2028، بينما سيبقى حسن شيخ في السلطة حتى 2026. لذا، إن لم ينجح حسن شيخ في تمرير مشروعه السياسي، بدعم من أربع ولايات على الأقل، فسيضطر في نهاية المطاف إلى إجراء الانتخابات وفق النظام القديم، وهو ما يطلبه سعيد دني.

يستفيد دني من الصدام بين حسن شيخ ورئيس ولاية جنوب الغرب، كما أنّه من المرجح أنّ يحظى بدعم من رؤساء ولايات آخرين، من بينهم رئيس ولاية جوبالاند، أحمد إسلام مدوبي. إجمالًا، يتشابه صراع حسن شيخ مع سعيد دني بصراع الأخير مع الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، مع وجود عامل جديد يتمثل في الأزمة مع إثيوبيا، وتمرير حسن شيخ للتعديلات الدستورية عبر البرلمان. لكن الخطوة الأخيرة تظل منقوصة ما لم تُعرض في استفتاء شعبي. 

ختامًا، تعيش البلاد أزمات سياسية متعددة الأطراف، سواء داخل الولايات، أو بين الولايات ومقديشو، ومن غير المستبعد أن تنزلق إلى صدامات مسلحة، حيث يعمل الخصوم جميعًا على بناء تحالفات لتحقيق الأهداف السياسية، ما يجعل المواطن وحده هو الخاسر من الأزمة المزمنة في البلاد، والتي تزداد تعقيدًا بمرور الوقت.