تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 6 أكتوبر 2024

سياسة

قمة وزراء خارجية روسيا أفريقيا: التحديات والآفاق المرتقبة

4 أكتوبر, 2024
الصورة
Serge Lavrof
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (تصوير فايز نورالدين/ وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)
Share

تجري الاستعدادات على قدم وساق في روسيا لاستضافة أعمال قمة وزراء خارجية روسيا وأفريقيا (9-10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل) وسط تطورات مقلقة في العالم؛ من تايوان شرقًا حيث ظهرت تقارير تفيد تهديد الصين بالتدخل البري في الجزيرة، التي تحظى بدعم أمريكي وغربي مناهض لسياسات بكين، مرورًا بالشرق الأوسط الذي ينفتح يومًا بعد آخر على سيناريوات الحرب الشاملة، بعد مرور عقدين على حرب الخليج الثانية، وكذلك تفاقم حدود ومخاطر الحرب الروسية الأوكرانية نفسها، مع قرب إتمامها العام الثالث دون وجود أفق لتسويتها سلميًا حتى الآن، والأزمات السياسية والامنية في عدد من دول البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية مع وجود بصمات لتنافس دولي، وتلاعب في أوراق هذا التنافس من قبل مجموعة من الدول الكبرى التي تسعى روسيا لأن تجد لها موطئ قدم فيما بينها، من عدة سبل ومن بينها تعاظم نفوذها في القارة الأفريقية، واستعادة أجواء الحرب الباردة في ساحتها.

تكتسب القمة المرتقبة أهميتها في ضوء وجود اهتمام أفريقي غير مسبوق بتوطيد أواصر العلاقات مع روسيا، حيث تهتم أطراف القمة بملفات مشتركة مثل: تجمع بريكس-بلس والجنوب العالمي ومواجهة أعباء الهيمنة الأمريكية والغربية، لاسيما أن القمة ستعقد بالتزامن مع إجراء الانتخابات الأمريكية، إذ تمثل فرص فوز المرشح الرئاسي دونالد ترامب بهذه الانتخابات كابوسًا مزعجًا لأغلب القادة الأفارقة، وربما يمثل التقارب مع روسيا فرصة لا تعوض لموازنة أية سياسات عدائية أو ازدراء من قبل ترامب لهؤلاء القادة، كما اتسم عهد إدارته السابقة (2017-2021).

أفريقيا في أجندة بوتين: التوازن الصعب؟

طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقال شهير له في يوليو 2023([1])، بالتزامن مع انعقاد القمة الروسية الأفريقية الثانية في سان بطرسبرج، أفكار التعاون الروسي الأفريقي من وجهة نظر بلاده؛ وبغض النظر عن الطابع الاحتفالي في المقال بالأسس التاريخية لعلاقات روسيا/ الاتحاد السوفييتي بأفريقيا، ومساعدتها في التحرر من الاستعمار، ثم في مشروعات بناء الدولة الوطنية حتى نهاية الثمانينيات، فإن الرجل سقط، كما أغلب قادة العالم والدول الكبرى والمتوسطة التي تدخل في شراكات مع "أفريقيا"، في فخ تعميم النظر للقارة الأفريقية، باعتبارها كيانا واحدا يطبعه الاتساق السياسي والاقتصادي على الأقل، ودغدغة العقل الجمعي الأفريقي بالتزام موسكو بمبادئ "حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية"، والتضامن مع "الأفارقة في نضالهم من أجل تقرير المصير والعدالة وحقوقهم المشروعة"، واستمرار احترام سيادة الدول الأفريقية وتقاليدها وقيمها، وهي شعارات خصمت منها بعض الممارسات "الروسية" (الرسمية أو عبر وسطاء مثل مجموعة فاغنر التي تم حلها) في دول مثل: ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها في السنوات الأخيرة. إضافة إلى تقارير آخذة في التزايد عن تجنيد موسكو الآلاف من الجنود الأفارقة في الحرب الجارية مع أوكرانيا، من مناطق شتى في القارة الأفريقية([2])؛ وهو ما يحيل إلى تفسيرات جديدة لطبيعة السياسة الروسية تجاه "القارة".

لمست أجندة بوتين قضايا موضوعية مهمة، وإن تم ذلك بنفس دعائي، لاسيما ما يتعلق بالعامل الأوكراني في سياسات روسيا الأفريقية، مثل دبلوماسية الحبوب والتعاون العسكري ومجمل سياسات روسيا الأفريقية التي وضعها بوتين في سياق حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العالم، وانتشار الصراعات الممتدة تاريخيًا في جميع أرجاء العالم تقريبًا "مع ظهور تهديدات وتحديات جديدة"، وأن أفريقيا هي القارة التي تستشعر أكثر من غيرها أعباء التحديات العالمية (الراهنة)؛ ومن ثم فإن روسيا تعمد -حسب بوتين- إلى العمل مع الشركاء الأفارقة في تشكيل أجندة تعاون غير تمييزية، وأن المجالات الاستراتيجية للتفاعل تستند إلى مقررات قمة سوتشي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وحزمة من المفوضيات الحكومية الثنائية لتحقيق التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، وأن موسكو تقوم بتطوير مزيد من الأدوات من أجل بناء العلاقات الاقتصادية على نحو أفضل، وجعلها أكثر دينامية.

لكن بعد مرور عام كامل على إعلان "أجندة بوتين" لا تبدو علامات التغيير في سياسات موسكو الأفريقية حاضرة خارج ملف التعاون العسكري، كما أن قدرة روسيا على تحقيق التوازن الصعب بين تطلعاتها الكبيرة للنفوذ في أفريقيا وصولًا لاستعادة أدوار الاتحاد السوفييتي في الأخيرة، والقدرات الاقتصادية الفعلية لديها لتحقيق هذه التطلعات على الأرض، تظل قدرة محدودة وربما تصل إلى درجة التناقض لاسيما حال حدوث تراجعات في صفقات السلاح مع دول أفريقية مهمة مثل: إثيوبيا ونيجيريا.

صعود التجارة الروسية- الأفريقية: السلاح أولًا!

أكد الرئيس فلاديمير بوتين عشية انطلاق القمة الروسية الأفريقية ارتفاع حجم التجارة البينية لبلاده مع أفريقيا، بنسبة 35% في النصف الأول من عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وسط توقعات بارتفاع مضطرد لهذه النسبة في الفترات التالية حتى نهاية العام الجاري، فيما يلاحظ أن المكون الأساس في هذه التجارة هو صادرات السلاح الروسية. لكن هذه الزيادة تظل محدودة نسبيًا في ضوء عدة اعتبارات، منها عامل غلبة صادرات السلاح الروسية، وعدم تحقيق الهدف المعلن لبوتين في القمة الأفريقية الأولى (أكتوبر/تشرين الأول 2019) بمضاعفة التجارة الروسية مع الدول الأفريقية "في غضون خمسة أعوام" حتى تصل على 40 بليون دولار، معولًا حينها على فتح أسواق أفريقيا لصادرات روسيا من محطات الطاقة النووية والطائرات القتالية، وتراجع فعالية "دبلوماسية الحبوب" الروسية في أفريقيا، فيما لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا في 2022 حاجز 18 بليون دولار، وهو ما يقل عن نصف المستهدف حسب بوتين في عام 2023.

كرر بوتين توقعاته في قمة سان بطرسبرج، يوليو/ تموز 2023، وسط تحولات جيوسياسية كاسحة في القارة الأفريقية، واتساع أفق الأزمة الروسية- الأوكرانية. مما يحجم استدامة التجارة الروسية الأفريقية وفعاليتها لدول القارة، (كما حال نماذج أخرى مثل: الصين وتركيا وإيران) عجز الدول الأفريقية عن تعزيز تجارتها مع روسيا، لأسباب تتعلق بقلة معرفة الإجراءات الإدارية ذات الصلة، وقواعد السوق الروسي وحالته على وجه الدقة، وهو الأمر الذي أدركته روسيا، الراغبة في واقع الأمر في التوسع في وارداتها السلعية من أفريقيا في بعض المنتجات، وقررت التباحث في أسبابه، والعمل على تسويته بشكل حاسم خلال أول مؤتمر لوزراء خارجية روسيا وأفريقيا، المقرر عقده في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل من أجل "وضع استراتيجيات لتقوية التعاون الاقتصادي بين روسيا وأفريقيا"([3]).

لكن تظل مسألة صادرات السلاح الروسية لأفريقيا محل جدل عميق، لاسيما مع خسارة روسيا في العام الماضي (2023) موقعها، كثاني أكبر مصدر للسلاح في العالم، لصالح فرنسا للمرة الأولى، منذ سنوات عدة. فحسب تقرير للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI 30 سبتمبر/ أيلول 2024) تراجعت حصة روسيا من صادرات السلاح لأفريقيا جنوب الصحراء في الفترة 2018-2022، مع تراجع ملحوظ بنسبة 52% في واردات الإقليم من السلاح في الفترة 2019-2023، مما ضاعف من تراجعات القيمة الإجمالية لصادرات السلاح الروسية؛ إضافة إلى متغيرات هامة رصدها التقرير، وهي بدء روسيا في استيراد معدات عسكرية من شركات أفريقية بغرض تعزيز قدراتها في الحرب في أوكرانيا (مثل استيراد قطع ومكونات طائرات من شركة Ter Asslal الجابونية بقيمة 1.5 بليون دولار في العام 2023)، وعامل إضافي في إسناد الدول الأفريقية لموقف روسيا دوليًا. 

كما يوجد توجه روسي لتوطين الصناعات العسكرية في دول أفريقية (أبرزها أوغندا حسب التقرير). وتشير هذه المتغيرات الهامة إلى دينامية روسية واضحة في الدفع بقوة لتعميق صادرات السلاح، واستدامتها بشكل متبادل، وربما تأسيسًا لأطر تعاون جديدة مع عدد من الدول الأفريقية، وأهمها نيجيريا وأنجولا ودول إقليم الساحل، مع تباين مستويات هذا التعاون ومشروطياته السياسية خلافًا للسردية الرسمية الروسية.

مسار "دبلوماسية الحبوب": مكاسب بالجملة؟ 

تمثل دبلوماسية الحبوب الروسية، والتي تناظرها أخرى مقابلة تقوم بها أوكرانيا ضمن مساعي تحجيم النفوذ الروسي في أفريقيا، أداة استراتيجية في مجمل سياسات روسيا الأفريقية، في ضوء معاناة الكثير من الدول الأفريقية من أوضاع انعدام الأمن الغذائي بشكل بات مزمنًا. وأعلن بوتين في مؤتمر برلمانات روسيا أفريقيا (موسكو- مارس/ آذار 2023) اهتمام بلاده الفائق بتقديم مساعدات غذائية (من الحبوب) لستة من أفقر الدول الأفريقية، وهي: بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا ومالي والصومال وزيمبابوي (والتي توصلت موسكو مع أغلبها لتفاهمات أمنية وعسكرية متطورة، باتت مثار مخاوف غربية متزايدة) ([4]).

عمليا، قدمت روسيا منذ إعلانها ذلك نحو 200 ألف طن متري من الحبوب للدول الست المذكورة، وتركزت عمليات النقل في الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 إلى فبراير/ شباط 2024، وكان ملفتًا أنها تمت في شكل مساعدات إنسانية مثلت في جوهرها إعانة طارئة لتلك الدول، وكذلك تعزيز رافعة النفوذ الروسي في أغلبها (لاسيما مالي وبوركينا فاسو في الساحل)، مع توقعات بضخ روسيا مزيد من هذه المساعدات في الفترة المقبلة، بعد التغلب على التحديات اللوجستية ([5]) التي تتمثل في صعوبة نقل الحبوب عبر البحر الأسود.

تسعى موسكو راهنًا للتغلب على ذلك عبر تطوير قدرات الدعم اللوجيستي في موانئها المطلة على بحر البلطيق، بوتيرة متسارعة للغاية، حسب تقارير دولية. لكن يلاحظ نسبيًا أن حجم المساعدات الروسية للدول الستة يظل محدودًا للغاية، قياسًا لمجمل حجم الصادرات الروسية (تصنف روسيا كأكبر مصدر للحبوب في العالم) من الحبوب، والذي تجاوز 72 مليون طن متري في العام 2023-2024، ما يعني أن المساعدات الروسية تمثل 0.28% فقط من حجم هذه الصادرات). 

على أية حال، ربط محللون غربيون وأفارقة (في هجمة موجهة بشكل واضح) بين دبلوماسية الحبوب وما وصفوه "بصمت أفريقيا" تجاه الأزمة في أوكرانيا، وأن "الحياد" الأفريقي ليس أمرًا مصادفًا بل إنه مرتبط بقوة بنمو العلاقات بين روسيا وأفريقيا، لاسيما مسار دبلوماسية الحبوب في ضوء الحاجة الملحة لأغلب الدول الأفريقية لتوفير سبل مواجهة أزمة عدم الأمن الغذائي بها.

إن دبلوماسية الحبوب تحقق مكاسب بالجملة لروسيا وأفريقيا معًا (لاسيما حال توسعتها ولاعتبارات مختلفة)؛ فروسيا قد حددت في استراتيجياتها السياسية رفع صادراتها الزراعية، بحلول عام 2030 بنسبة 50%، كجزء من جهود تعزيز مكانة روسيا كقوة زراعية كبرى في العالم إلى جانب البرازيل والولايات المتحدة والصين، وما يعنيه ذلك من تعاظم قوة روسيا دوليًا. أما الدول الأفريقية فدخول روسيا بقوة لأسواق تصدير الحبوب لها سيعزز من سياساتها بتنويع جهات الصادرات، وتخفيف قبضة المشروطيات السياسية التي تظهر من آن لآخر في علاقات الدول الأفريقية المستوردة للحبوب بالدول المصدرة ولاسيما الغربية.([6]

قمة وزراء خارجية روسيا أفريقيا نوفمبر 2024: ما الجديد؟

تأتي قمة وزراء خارجية روسيا- أفريقيا، التي تحمل عنوان المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة الروسية الأفريقية First Ministerial Conference of the Russia–Africa Partnership Forum ، محملة بتوقعات كبرى من قبل "الجانبين" على حد سواء. واستبقت موسكو القمة في 20 سبتمبر/أيلول بعقد ميخائيل بوجدانوف، نائب وزير الخارجية والمبعوث الرئاسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا، لقاءًا تشاوريًا مع ممثلي البعثات الدبلوماسية الأفريقية المعتمدة لدى موسكو، أحاط خلاله بوجدانوف الممثلين بتفاصيل القمة المقبلة. فيما لم تشر وكالة الأنباء الروسية إلى وجود مشاورات ثنائية في وضع أجندة القمة، مما يحيل إلى فهم أن موسكو تعمل بمفردها على صياغة أجندة اللقاء، والاكتفاء باطلاع أطراف القمة الأفارقة بمستجدات هذه الأجندة. 

يبدو أن أجندة القمة ستؤكد على مسارات تعميق التعاون العسكري- الأمني بين روسيا وعدد من الشركاء الأفارقة، وتوسيع برنامج مساعدات الحبوب للدول الأفريقية (ليضم عددًا آخر من الدول الأكثر فقرًا)، وتعزيز الدعم الأفريقي الدبلوماسي لموقف روسيا في الحرب في أوكرانيا، مضافًا لها بنود تقليدية مثل توسيع بريكس بلس ودعم تعاون الجنوب العالمي، دون أن تبدو في الأفق ملامح إسهام أفريقي يذكر في صياغة الأجندة أو تعديل بنودها.


 

[1] President of Russia, Article by Vladimir Putin “Russia and Africa: Joining Efforts for Peace, Progress and a Successful Future“ July 24, 2024 http://en.kremlin.ru/events/president/news/71719 

[2] Mathieu Olivier, Yves Plumey Bobo, Putin’s Soldiers: Meet the Africans who fight for Russia, Africa Report, October 3, 2024 https://www.theafricareport.com/363306/putins-soldiers-who-are-the-africans-who-fight-for-russia/

[3] Russia’s rising trade with Africa amid geopolitical challenges, B & FT Online, September 26, 2024 https://thebftonline.com/2024/09/26/russias-rising-trade-with-africa-amid-geopolitical-challenges/

[4] Hiten Ghosh, Russia’s Grain Diplomacy: A Soft Power Play Amid Africa’s Food Insecurity and Ukraine Conflict, The Asia Live, September 22, 2024 https://theasialive.com/russias-grain-diplomacy-a-soft-power-play-amid-africas-food-insecurity-and-ukraine-conflict/2024/09/22

[5] Ibid. 

[6] Olga Popova and Gleb Stolyarov, Russia expands Baltic ports as it eyes new grain markets, Reuters, September 26, 2024 https://www.msn.com/en-gb/news/world/russia-expands-baltic-ports-as-it-eyes-new-grain-markets/ar-AA1rsgIv?ocid=BingNewsSerp