الخميس 7 نوفمبر 2024
في أعقاب المناظرة التلفزيونية بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، باعتبارها ربما الحدث السياسي الحاسم في السباق الرئاسي، غمرت شبكة الإنترنت نقاشاتٌ ساخنة حول كيفية سير المناظرة. شارك الكثيرون بآرائهم، لكن النقاشات تمحورت حول أداءِ المرشحين دون التطرق إلى مسائل أعمق، مثل الأزمة التي تعاني منها السياسة الأمريكيّة. وحده باتريك غاثيرا، الساخر والرسام السياسي المقيم في نيروبي، استطاع التقاط ذلك.
كتب غاثيرا مقالاً في موقع الجزيرة تحت عنوان: "مناظرةٌ في المستعمَرة النووية السابقة تخيّبُ المجتمع الدولي"، وجاء ملخصه أنّ هنالك "مخاوف كبيرة حيال الديمقراطية في الدولة المضطربة الواقعة في أمريكا الشمالية".
بدأ غاثيرا هذا الأسلوب التعليقي على الشؤون الأوروبية وأمريكا الشمالية في سبتمبر/ أيلول 2019، بعد أن قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة بأن قرار رئيس الوزراء آنذاك، بوريس جونسون، تأجيل انعقاد البرلمان كان غير قانوني. كافح جونسون للحصول على دعم أعضاء البرلمان لخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ثم أقال البرلمان فعلياً، وحينها نشر غاثيرا: "المبعوثون الأفارقة يحثون حكومة المملكة المتحدة على الالتزام بحكم المحكمة، ويحذرون من احتماليّة تعليق عضوية المملكة المتحدة في الكومونولث، إذا استمرت الحكومة في تقويض الديمقراطية". وكتب، في سلسلة من التغريدات اللاّحقة، بأن كينيا دعت المملكة المتحدة إلى تخفيف حدّة الخطاب الذي قد يؤجج التوترات العرقية "في إيرلندا الشمالية؛ وتلك نقطة قديمة تغلي بالعنف الانفصالي"؛ وبأنّ كينيا تدرس حظر التأشيرات ضد المسؤولين البريطانيين "المفسدين"، وتشعر بالقلق من تحوّل المملكة المتحدة إلى "قاعدة للتطرف".
أخرج غاثيرا من حينها كتاباتٍ كثيرة تقدم تحليلًا ساخراً، حيث وصف الولايات المتحدة بأنها دولة "مقسمة عرقيّاً" و"محتلّة بالأسلحة" ومثقلة بالديون. أمّا المملكة المتحدة فيصفها بأنها "مملكة تقع في موقعٍ استراتيجي بشمال وسط أوروبا ومحرومةٌ من النكهة"، ويصفُ فرنسا بأنها "دولة أوروبية غير اسكندنافية فاسدة مثقلةٌ بالأزمات" و"واحدة من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الإفريقية"، ويصف الاتحاد الأوروبي بأنّه "تجمع إقليمي من دول عرقية أوروبية"، وهذا ليس معهوداً بطبيعة الحال في عالم حيث يعتبر التنوع العرقي داخل الدولة هو العادة.
يحاجج بعض دارسي الولايات المتّحدة بأنّ محاولاتِ استعادة الديمقراطية في الولايات المتحدة - المستعمرة البريطانية القلقة السابقة الغنية بالنفط ذاتِ التاريخ الطويل مع العنف - ربما عانت من انتكاسة خطيرة هذا الأسبوع، بعد مناظرة رئاسية فوضوية أخرى.
أقيمت هذه المناظرة في ولاية بنسلفانيا؛ المستقرة نسبيّاً في شمال شرق البلاد، عشية الذكرى الثالثة والعشرين لأسوأ هجوم إرهابيّ عرفته البلاد. وجاءت فرصةً للنظر في التقدم الديمقراطي الذي حققته البلاد، منذ الانتخابات العنيفة والمضطربة ومحاولة الانقلاب قبل أربع سنوات تقريباً.
لم تكن البداية جيّدة؛ فقد مُنع المرشحون المعتدلون الثلاثة في السباق من المشاركة، وهم: جيل شتين وكورنيل ويست وتشيس أوليفر، ليحصر التنافس بين اثنين بارزين، هما: الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح عن الحزب الجمهوري الأبيض المتطرف، الذي يعتبره الكثيرون الجناح السياسي للميليشيات المسيحية البيضاء، وكامالا هاريس؛ نائبة الرئيس الحالية، التي قادت انقلاباً في البيت الأبيض، قبل شهرين، أجبر عن طريقه الرئيس المسن والمُنتكب جو بايدن على ترك مسعاه للترشح.
عانى المنسقون من وسائل الإعلام الأمريكية، التي اعتبرت من أكثر وسائل الإعلام حيوية في المنطقة، لإقناع ترامب وهاريس للإجابة عن أسئلة حول آرائهما وسياساتهما؛ ثمّ إنّ الجلسة انتكست في بعض الأحيان إلى الشتائم والترعيب والتكذيب الصريح. لقد تبادل المرشحان الإهانات، وأثارا مشاعرَ معادية للصين، واختلفا حول حقوق المرأة، وما إذا كانت البلاد تواجه غزواً من جحافلَ المهاجرين المجرمين العنيفين آكلي الحيوانات الأليفة، ثمّ اتفقا على دعم النظام الإباديّ في إسرائيل، دون أن يعبّر أي من المترشحين عن رؤيّة محكمة للبلاد.
الآن مع مشاهدة الأمريكيين للمشهد، ومن المحتمل أنّهم غير مفتونين بجودة القيادة التي أخرجتها الديمقراطية، توجد مخاوف من عودة البلاد إلى الاستبداد. وأظهرت استطلاعات الرأي، قبل المناظرة، تعادلاً بين المرشَحيْن، وبعد المناظرة، تبيّن أنهما في الحقيقة متعادلان في سباقٍ نحو القاع. فعلى نحوٍ أكيد خرج الناخبون الذين حضروا المناظرة بخيبةِ أمل من الخيارات التي يواجهونها؛ فقد أعرب 45 ٪ فقط، في استطلاع أجري مباشرةً بعد ذلك، عن رضاهم عن هاريس؛ التي يُعتقد أنّها فازت بالمناظرة. أمّا أداء ترامب فترك انطباعاً سيّئاً إلاّ عند 39 ٪ فقط. في تنبيهٍ لمدى اضطراب النخبة الأمريكية من انهيّار الإيمان بالديمقراطية، توجّهت تايلور سويفت، وهي مشهورةٌ محليةٌ، إلى وسائط التواصل الاجتماعي مباشرةً بعد انتهاء المناظرة لدعم هاريس، وحثّ المواطنين على التمسّك بالأمل والنّظر ثمّ اتخاذ الخيار.
كان دعم الديمقراطية في الولايات المتحدة أولويّة ملحّة لحماية السّلام العالمي، بسبب مكانتها المهمّة في الكتلة القوقازية. ويشير المحللون إلى أنّ السماح للاستبداد بالنمو مرة أخرى في أمريكا الشمالية، وفي الدول العرقية في أوروبا غير الاسكندنافية، قد يؤدي إلى صراع قبلي قوقازي آخرَ شاملٍ يورّط بقية المجتمع الدولي؛ أي إلى حرب عالمية ثالثةٍ.
مما يشعل التوتر هو أن الكتلة القوقازية تضم أربع دول نووية خطرةٍ - الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا - انتهكت التعهد بنزع السلاح بموجب المادة السادسة من معاهدة حظر الانتشار النووي، وتوجد مخاوف عما قد يحدث إن وقعت هذه الأسلحة في أيدي الجماعات المسيحية البيضاء.
ستبدأ في الأسابيع المقبلة الدورة التاسعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك القريبةِ، ومن المتوقّع أن يتصدر سؤال إعادة الثقة في الديمقراطيّة في الولايات المتّحدة جدول الأعمال، خلال الأسبوع رفيع المستوى، حينما يصعد رؤساء الدول إلى المنصة للنقاش العام. ونظراً لفشل نظام بايدن المعترف به دولياً في سن إصلاحات انتخابية جذريّة، لمنع تكرار كارثة عام 2020، قد تكون الجمعية العامة للأمم المتحدة الفرصةَ الأخيرة للعالم لإنقاذ الولايات المتحدة من نفسها، ووضع الشعب الأمريكي الذي عانى طويلاً على مسار أفضل نحو السلام والاستقرار.