تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 21 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

توقعات 8 خبراء بشرق أفريقيا من إدارة ترامب الثانية حول بلدانهم

18 نوفمبر, 2024
الصورة
Trump
الرئيس المنتخب دونالد ترامب ينظر خلال حدث UFC 309 في ماديسون سكوير جاردن في 16 نوفمبر 2024 في مدينة نيويورك. (تصوير كريس أنغر / زوفا إل إل سي)
Share

يَعد انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية على غريمته كامالا هاريس بتغيرات كبرى في تصور السياسة الخارجية الأمريكية، وأهدافها، وكيفية تنفيذها. وكانت السياسة الخارجية بالفعل موضوعًا هاما حرص فريق ترامب طوال حملته على تقديمه مجالا بارزا لفشل إدارة بايدن.  
تعكس استجابات قادة العالم لانتخاب ترامب آفاق التغير الذي يتوقعه كثيرون. ونشر نجيب بوقيلة (Nayib Bukele)، الذي يعلن نفسه "الملك الفيلسوف للسلفادور"، تعليقًا على فوز ترامب يقول: "إنني على يقين أنكم لا تتفهمون بشكل كامل الحضارة الإنسانية التي بدأت أمس للتو"؛ فيما شبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوروبا "بآكل العشب" المحاط "بآكلي اللحوم" الذين قد يفترسونه، وحث أقرانه الأوروبيين على أن يكونوا من "اللواحم العواشب". أما فلاديمير بوتين فقد قال خلال حضوره في "نادي فالداي" مطلع نوفمبر/ تشرين الأول أن العالم قد وصل إلى "نقطة خطيرة" مع تداعي النظام العالمي السابق، وبدأ صراع لصياغة نظام جديد.

يوقن مراقبون أكثر فطنة من بوتين بأنه لم يكن ثمة "نظام" بالأساس. وجدد إبراهيم كالين، رئيس استخبارات أردوغان والناطق باسم الحكومة التركية حينذاك، استعارة مقولة فولتير عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة، بأنها لم تكن "مقدسة ولا رومانية ولا إمبراطورية" واصفًا النظام العالمي الراهن بأنه "ليس جديدًا، ولا عالميًا، ولا نظامًا"، قائلًا إن كل ما هنالك "هرم تقع مجموعة من الدول الأصغر عند قاعدته". أما مراسل الجارديان الدبلوماسي باتريك وينتور فقد سماه "لا نظام عالمي".  
بدأت دول كثيرة في التحوط إزاء ما باتت تقتنع به من بيئة دولية، لا يمكن توقعها على نحو متزايد. ولفهم نتائج ذلك على شرق أفريقيا قمنا بجمع وجهات نظر من بعض كبار خبراء المنطقة الذين شاركونا تصوراتهم حول الأثر المرتقب في دول وقضايا متنوعة داخل الإقليم.   

جوشوا ميرسيرفي- الولايات المتحدة

جوشوا ميرسيرفي زميل كبير في معهد هدسون متخصص في تنافس القوى الكبرى في أفريقيا والجيوبولتيك الأفريقية ومواجهة الإرهاب. وكان سابقًا زميلا باحثا عن أفريقيا من هيرتدج فاونديشن ومركز أفريقيا بالمجلس الأطلسي. 
 

جوشوا ميرسيرفي

يُعرف الرئيس ترامب بأنه صانع صفقات ورجل أعمال، ويرجح أن تعكس سياسة إدارته تجاه شرق أفريقيا هذه الحقيقة. سيحاول ترامب تحقيق نقطة هامة للانخراط الأمريكي في التجارة والاستثمارات في الإقليم، لاسيما أن برنامجه "أفريقيا مزدهرة" الذي وقعه خلال فترة رئاسته الأولى، قد ركز على هذين العنصرين، مما قد يعني التوصل لاتفاقات تجارية ثنائية، بما في ذلك تجديد الاتفاق مع كينيا الذي كانت إدارته تتفاوض عليه، في نهاية فترة رئاسته الأولى. وسيكون الاتفاق أكثر إيجابية تجاه مشروعات الغاز والبترول مقارنة بموقف إدارة بايدن، لذا على الولايات المتحدة أن تكون أكثر استعدادًا لتقديم مخصصات لمثل هذه المبادرات.   

وعلى صعيد متصل، أتوقع أن تبادر إدارة ترامب باتباع مقاربة برجماتية أكبر تجاه الدول الأفريقية، ستتضمن محاضرات عامة أقل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يتصورها اليسار السياسي الأمريكي. وستواصل الولايات المتحدة العناية بقضايا تهم أجهزة سياساتنا الخارجية (في شرق أفريقيا)، لكن إدارة ترامب قد تسعى لطرق جديدة وأكثر مهارة لتعزيزها.

إن برجماتية ترامب تمثل فرصة لجميع الدول الأفريقية لطرح اتفاق مفيد للجانبين لإدارته. ومن المرجح أن تركز مقاربته تجاه السودان على ضمان ألا تستفيد الأطراف الأمريكية المناوئة من الحرب، والعمل مع الشركاء في محاولة للمصالحة والتفاوض في النهاية على وضع نهاية للصراع.    

كما يدرك الرئيس ترامب خطورة المشروعات الممتدة منذ سنوات، ولاسيما متعددة الأطراف، والتي لا تملك سجلًا واضحًا من النجاح. علاوة على ذلك، فإن ثمة عنصر رئيس غلب على حملته، وهو  سجله في تجنب الحروب، وأنه قام في نهاية فترته الأولى بنقل قوات بلاده من الصومال. ويشير كل ذلك إلى أن إدارته سوف تعيد النظر في الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وللحكومة الفيدرالية في مقديشو، وقد تبدأ مرة أخرى في نقل قواتها من البلاد.

على كل حال، من المرجح ألا يتخلى ترامب عن محاربة جماعة الشباب، في ضوء الخطر الذي تفرضه الجماعة، ويمكن أن ينقل مزيدا من الموارد والاهتمام الأمريكي نحو دول شريكة تحارب الجماعة. وستقود إدارته، بالتعاون مع الكونجرس، بالتحقيق الجاد ومعاقبة من أساء استخدام أموال المعونات الأمريكية أيضًا. 

فيصل روبلي- إثيوبيا

فيصل روبل كاتب وباحث ومحلل سياسي يركز على القرن الأفريقي. وهو محرر سابق لموقع wardheerNews.

فيصل روبلي

 

سعت إدارة ترامب الأولى لخفض المعونات الخارجية لإثيوبيا، ومن المنطقي اتباع مثل هذه السياسة مرة أخرى. وسيجد الأمريكيون الذين أتوا بالجمهوريين إلى السلطة أنه من الصعوبة بمكان، إن لم يكن أمر لا يمكن التسامح نحوه، كتابة شيكات بقيمة بلايين الدولارات لمساعدة بلد ناء مثل إثيوبيا، لاسيما في ظل غياب عائد كبير لترامب وأجندته. وحتى يتحقق أي ارتباط اقتصادي بين البلدين، فإن ترامب يريد أولًا رؤية بيئة استثمار سلسة ومعززة في إثيوبيا.  لكن ذلك من غير المرجح، بسبب الحرب الأهلية الجارية، والقواعد البطيئة والمعوقة للاستثمار في البلاد، واعتماد أديس أبابا على الاستثمار الخارجي الصيني. ومن ثم فإنه من غير المتوقع أن يكون هناك انخراط اقتصادي أكبر لإدارة ترامب مع أديس أبابا.

يتمثل الأثر السلبي الأكبر المتوقع جراء تغير سياسات واشنطن مع إثيوبيا في موقف ترامب من سد النهضة الإثيوبي العظيم، ففي فترته السابقة تقارب ترامب بشكل واضح مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقال ترامب، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن القاهرة "قد تفجر هذا السد" إن لم يتم التوصل لاتفاق. ولا يتفهم ترامب لما لن تتفاوض إثيوبيا مع مصر التي يقوم وجودها بالكامل على المياه المتدفقة في نهر النيل؛ ويبدو لترامب أن ذلك أمر بسيط ومنطقي؛ في ضوء تفضيله المعهود للتفاوض.

علاوة على ذلك من المرجح انحياز ترامب لمصر التي أبقت على اتفاق السلام مع إسرائيل لعقود. لذلك يتوقع أن يضغط ترامب على إثيوبيا للتفاوض مع مصر حول سد النهضة. وقد لا ترى إثيوبيا بديلًا عن اتباع نصيحة ترامب، لأن البديل يمكن أن يكون بالغ السوء؛ وقد يقف ترامب مع مصر مرة أخرى، كما فعل خلال إدارته السابقة، مما سيقود إلى مزيد من عزل إثيوبيا الممزقة والضعيفة اقتصاديًا.    

محمد خير عمر- إريتريا

محمد خير عمر كاتب وباحث وأرشيفي إريتري. وهو عضو سابق بجبهة التحرير الإريترية التي حاربت ضد إثيوبيا من أجل استقلال إريتريا.

محمد خير عمر

إن الولايات المتحدة ظلت تاريخيًا عازفة عن التقارب مع إريتريا، بل وفرضت عقوبات على النظام بالخيرة. يذكر أن البلد، عام 2017، عقب انتخاب ترامب للمرة الأولى رئيسا، أرسلت إريتريا ملفًا مفصلًا لكيفية معاملة الإدارات الديمقراطية المتعاقبة لإريتريا على نحو سيء، لكن دونالد ترامب لم يظهر اهتمامًا بالأمر، ولا حتى في شكل إبداء أية استجابة.  

ثمة نقطة أخرى، تمثل خلافًا بين ترامب والحكومة الإريترية، وهي اضطهاد الأخيرة للطوائف المسيحية البروتستانتية والخمسينية داخل إريتريا. وقد سبق للرئيس ترامب، في يوليو/تموز 2019، أن التقى بمجموعة من الناجين من الاضطهاد الديني، بمن فيهم المغنية الإريترية هيلين بيرهاني. وفيما كانت تروي كيف أنها علقت في حاوية نقل معدنية لمدة 32 شهرًا بسبب إيمانها، بدت ملامح الصدمة على وجه ترامب، وكرر مستنكرًا "في حاوية نقل، اثنان وثلاثون، اثنان وثلاثون شهرًا".

محمد جيللو- كينيا

محمد جيللو دبلوماسي سابق قضى ثلاثة عقود في وزارة الخارجية الكينية. وعمل سفيرًا لبلاده في كوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة، وتقلد مناصب دبلوماسية ممثلًا لبلاده في الصين وواشنطن العاصمة.

محمد جيللو

 

في ضوء دور كينيا الاستراتيجي في أفريقيا، فإن إدارة ترامب ستنظر لها على أنها حليف رئيس، لاسيما في مجال مواجهة النفوذ الصيني والروسي. وسيظل التعاون الأمني عمودًا أساسيًا بين الجانبين في الصومال، كما تلعب كينيا دورًا رئيسًا في المعركة ضد الشباب. أما موقف إدارة ترامب تجاه اللاجئين -مع ملاحظة خطاب القطط والكلاب حسب وصف ترامب- فإنه يعني أيضًا أنه سيدعم قيادة كينيا في البعثة الأمنية في هايتي، ولاسيما حال انتقالها إلى بعثة بقيادة الأمم المتحدة، بما يتفق مع نزوع ترامب لتفضيل المشاركة في الأعباء في الأمن العالمي.

اقتصاديًا، كان ترامب أول رئيس يتفاوض على اتفاق تجاري مع كينيا، مع قرب نهاية فترة رئاسته الأولى. وقام بايدن، منذ ذلك الوقت، بتوسعة وتقوية الصلات مع كيينا في المجالين العسكري والاقتصادي. وقد واجهت كينيا تحديات اقتصادية كبيرة، أدت إلى اضطرابات سياسية في الصيف الفائت، مما يجعل العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة غاية في الأهمية.

إن سياسات المناخ التي تراجعت يمكن أن تخفض تمويل الولايات المتحدة لمشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا، فيما يمكن أن يؤثر خفض المعونات الخارجية على الدعم المقدم لمشروعات الصحة والتعليم والبنية الأساسية في أرجاء القارة، مما سيدفع الدول الأفريقية للبحث عن شركاء أخرين. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر سياسات هجرة أشد صرامة على المواطنين الكينيين في الولايات المتحدة، ومن سيسافرون إليها لاحقًا.

إجمالًا، يمكن أن تتوقع كينيا علاقة برجماتية متمركزة على الأعمال في ظل ترامب، وتركز على الأمن والتجارة ومواجهة النفوذ الصيني والروسي.     
  
مرسال محمد خليف- الصومال

مرسال محمد خليف نائب برلماني صومالي. ويشغل عضوية لجنة الدفاع بالبرلمان ورئيس لجنة المجلسين النيابيين حول العلاقات مع الولايات المتحدة

مرسال محمد خليف

كان دونالد ترامب قد سحب في السابق القوات الأمريكية من الصومال، وميزت فترة إدارته الأولى مقاربة انعزالية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية. وبالنسبة للصومال، الذي يخوض حاليًا صراعًا مع جماعة الشباب، فإن هذا الموقف يمثل تحديات وفرص للحكومة الصومالية.

في المقام الأول، فإن ذلك يوفر حاضنة للصومال للتركيز بشكل أكبر على تطوير قدراته الدفاعية الداخلية، من خلال الجيش الوطني الصومالي. حاليًا، يعمل الصومال في بيئة سياسة خارجية يمكن من خلالها تنويع مجموعة شركائه الأمنيين في هذا الصراع، وبدا بالفعل ذلك بتقوية صلاته مع تركيا ثم مع مصر. ويمكن الرهان على أنقرة والقاهرة كقنوات هامة لدى الصومال للحفاظ على الانخراط الأمريكي. ويتمتع الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي، المطلعان جيدًا على القضايا التي تواجه صناع السياسة في الصومال، بعلاقات قوية مع ترامب، الأمر الذي قد يصب في صالح الصومال مستقبلًا.  

ينبغي على القادة الصوماليين السعي لنيل الدعم الأمريكي الآن، كما أنهم بحاجة إلى تقديم حجة قوية لأهمية الانخراط والدعم الأمريكيين لبلادهم، على أنه مفيد للجانبين؛ وهو أمر لا يجب النظر له على أنه حالة مفروغ من استمرارها. ولا تزال ثمة فرصة محدودة للتأثير في التوجه العام لإدارة ترامب، لكنها لن تظل قائمة لفترة طويلة.  

إن الديناميات الأوسع للإقليم قد تغيرت بشكل جذري. فقد عبّر آبي أحمد مرارًا عن رغبته في ضم أجزاء من الصومال. وتجب ملاحظة أن آبي أحمد لا يملك علاقات قوية مع إدارة ترامب؛ فالعلاقات الإثيوبية الأمريكية تشهد انحسارًا واضحًا. وخلال حرب التيجراي شطب ترامب على إثيوبيا من قائمة الدول الأفريقية المستفيدة من برنامج المزايا التجارية لقانون الفرص والنمو الأفريقي "أجوا"، وانحاز علانية إلى السيسي في مسألة سد النهضة. كما سيقلل استبعاد إثيوبيا من بعثة الاتحاد الأفريقي المقبلة من نفوذها كدولة في الخطوط الأمامية في المعركة ضد الشباب، الجماعة الإرهابية الأكثر خطورة وعدوانية في أفريقيا.

عبد السلام ياسين- صوماليلاند

بروفيسور عبد السلام أكاديمي وسياسي وعضو مؤسس للحركة الوطنية الصومالية

عبد السلام ياسين

حققت صوماليلاند في السنوات الأخيرة جهودًا كبيرة لتعظيم الصلات مع شخصيات رئيسة قريبة من الحزب الجمهوري، ونجحت في التموضع في تلك الدوائر باعتبارها حليفا محتملا للولايات المتحدة في إقليم هام من الناحية الاستراتيجية. وبات ذلك واضحًا خلال زيارة الرئيس موسى بيهي في مارس/ آذار 2022. وسبقت ذلك زيارة أخرى قام بها عيسى قايد الذي قام بجولات مشابهة؛ بذلك تكون زيارة بيهي قد ضبطت، بشكل حاسم، مستوى موقع صوماليلاند المأمول بخصوص التقدم في مسألة وضعها الدولي.

وضعت صوماليلاند نفسها داعما للولايات المتحدة على جبهتين رئيسيتين، ويرجح أن تزداد أهمية كلاهما في الفترة المقبلة، وهما: حاجز ضد النفوذ الصيني في أفريقيا، وكقاعدة آمنة يمكن للولايات المتحدة من خلالها مواجهة وكلاء إيران- الحوثيون على وجه التحديد- الذين أحدثوا اضطرابًا في حركة النقل العالمية في البحر الأحمر. وإذا أقدم ترامب على تعيين شخصيات من الصقور الذين ينظرون للإقليم من هذه الزاوية، فإن الأمر يمكن أن يكون منحة لصوماليلاند.

من الناحية الشخصية، يرجح أن تجد صوماليلاند تولي مزيد من المتعاطفين معها مثل بيتر فام (P. Pham) مناصب هامة في الإدارة المقبلة. كما أن إحكام الجمهوريون قبضتهم على مجلس النواب سيمكن بشكل أكبر جيم إ. ريش (J. E. Risch)، وهو حليف آخر لصوماليلاند من أجل إبقاء الأخيرة على الأجندة، وضمان استمرار فرص تعميق هرجيسا تعاونها مع واشنطن.

من الأهمية بمكان ملاحظة أنه ثمة عامل محدد آخر سيحدد سياسة واشنطن تجاه القرن الأفريقي، وهو ماهية الطرف الذي سيهمن عليها سواء البنتاجون أو السيناتور أو وزارة الخارجية. ولصوماليلاند صلات وثيقة بأول جهتين، وصلة أضعف مع الخارجية الأمريكية.     
 
خلود خير- السودان

خلود خير محللة سياسية تركز على السودان ومدير مؤسس لـ confluence Advisory.

خلود خير

لا تتضمن وثيقة Project 2025، التي وضعها ترامب إطارا لسياساته في 900 صفحة، سوى فقرتين فقط عن أفريقيا على وجه التحديد، وتقدمان مؤشرًا واضحًا للأولويات المرجحة في سياسة الإدارة المقبلة الخارجية. ولا تكاد هاتين الفقرتين تختلفان عن مقاربة بايدن، إذ تذكران التجارة والأهمية الجغرافية الاستراتيجية لأفريقيا. وعلى وجه مشابه، فإن الأولوية التي وضعها فريق ترامب حول أفريقيا تبدو وثيقة الصلة بموقف الإدارة الحالية؛ إذ لم يطأ بايدن، مثل ترامب، بأقدامه القارة الأفريقية.  

إن انتقال السودان بين مكتب الشؤون الأفريقية ومكتب الشرق الأدنى في الخارجية الأمريكية، يعتمد على الإدارة التي تتولى السلطة. وكما في فترة ترامب الأولى، فإن أي انخراط مع السودان يرجح أن يتم عبر تصوره مرة أخرى لسياسة الشرق الأوسط المميزة له: الاتفاقات الإبراهيمية. وسيكون ترامب متحمسًا لتأمين تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، وهو هدف بات أكثر تعقيدًا، بعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وربما سيطلب السعوديون، الذين يضعون الآن مسالة تطبيع العلاقات رافعة لتحقيق تنازلات من واشنطن، الدعم الأمريكي لفصيلهم المفضل في السودان؛ أي القوات المسلحة السودانية. ويأملون أن يقود هذا الدعم للمساعدة في ضمان استقرار البحر الأحمر، حيث يقع مشروعهم التنموي نيوم (Neom) المقدر بتريليون دولار، وأن يظل في حالة سلام، وخاضعًا لسيطرة حليف سوداني داعم.  

وفي الوقت نفسه، يمكن أن تستخدم الإمارات، وهي لاعب رئيس حاليًا في الاتفاقات الإبراهيمية، وتبوأت مؤخرًا مكانة حليف دفاعي مميز للولايات المتحدة، نفوذها لتأكيد أن علاقات القوات المسلحة السودانية بعدوة ترامب، إيران، تدفعها لتفضيل قوات الدعم السريع. وتفهم القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وحلفائهما الإقليميين أنه يرجح أن يتخذ ترامب، مقارنة بأي رئيس ديمقراطي آخر، موقفًا في الصراع الدائر في السودان، ويأمل كل طرف أن يعقد اتفاقًا تفضيليًا مع "صانع الصفقات الرئيس".  

باختصار، إن سياسة ترامب في السودان ستتشكل، على الأرجح، وفق اعتبارات تتجاوز السودان نفسه- مرة أخرى. وفي الكونجرس يمكن أن تساعد السيطرة الجمهورية على مجلسي النواب والشيوخ البيت الأبيض في تيسير سياسته في السودان. لكن خلافًا للبيت الأبيض ينظر الجمهوريون في الكونجرس إلى السودان نظرة أفريقية أكثر منها شرق أوسطية. وفيما قد يفضل الكونجرس مقاربة دبلوماسية في أساسها، فإن البيت الأبيض سيعكس على الأرجح مصالح حلفاء الولايات المتحدة، واتباع مقاربة أمنية نحو السودان. ويمكن أن يقود هذا الخلاف في الرؤية إلى عدم اتساق في الأولوية، وتعقيد التنسيق في استراتيجية متماسكة تجاه السودان.    

وربما يتراجع دعم الإصلاحات الديمقراطية إذا تم التوصل لاتفاق بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مع توقع لعب إسرائيل، وهي حليف للجانبين السودانيين- دورا أكبر. وربما لن يكون هناك مبعوث أمريكي للسودان لفترة ما (من إدارة ترامب)، إن تم تعيينه في الأصل، ويمكن أن تصبح مقاربة الولايات المتحدة تجاه السودان معسكرة بشكل متزايد، فيما تتراجع الدبلوماسية للوراء. 
إن التغير الأهم يمكن أن يكون في مجال المعونات، ويعكس (Project 2025) تصور كاتبه العميق للمساعدات الدولية، وستقود على الأرجح إلى خفض في مخصصات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مما سيؤثر بقوة على السودان الذي يواجه حاليًا واحدة من أخطر الأزمات في الحاجات الإنسانية والمجاعة والتشرد والحمائية.

جوك مادوت جوك- جنوب السودان

جوك مادوت جوك أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة سيراكوز. وتشمل مجالات تخصص "جوك" الأمن والحوكمة والديمقراطية والتنمية في جنوب السودان. وهو مؤلف كل من: of Breaking Sudan، وSudan: Race, Religion and Violence، وSlavery in Sudan.

جوك مادوت جوك

وواجهت حكومة جنوب السودان، منذ انفصاله عن السودان في العام 2011، انتقادًا وتوبيخًا حادًا من الإدارات الأمريكية المختلفة. ولقد كانت الولايات المتحدة فاعلة مؤثرة في استقلال جنوب السودان؛ لكن واشنطن عبرت منذ ذلك الوقت عن عدم رضا كبير تجاه قادة جنوب السودان، بخصوص مجموعة من القضايا، بما فيها الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان الناتجة عن الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2013، وتحفظ جوبا الواضح عن تطبيق اتفاقي السلام 2015 و2018 الهادفان إلى نهاية العنف في أرجاء البلاد، وتحسين الخدمات العامة وتعزيز رفاهية المواطنين. وردًا على ذلك سحبت الولايات المتحدة ودول مانحة أخرى معوناتها التنموية، وفرضت عقوبات مستهدفة على مسؤولين حكوميين كبار، فضلا عن إصدار توجيهات لا تشجع على السفر غير الضروري إلى جنوب السودان، وخفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية مع جوبا- وهي جهود مجتمعة لإحداث تغير سياسي، يدفع جنوب السودان نحو انتقال ديمقراطي.  

كان الأمل يحدو كثير من الجنوب سودانيين خلال مراقبتهم للانتخابات الأمريكية عن كثب، بحدوث تحسن في تلك العلاقات المقيدة، حيث لم تظهر إدارة جو بايدن إلا اهتمامًا ضئيلًا بجنوب السودان. وقد حظي انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب بقدر كبير من الحماس وسط الجنوب سودانيين، ويرجع ذلك بشكل كبير لمقبولية ترامب، وتذكر المواقف المؤيدة لجنوب السودان من قبل الحزب الجمهوري، ولاسيما الرئيس جورج دبليو بوش والتزامهم التاريخي باستقلال جنوب السودان. ويأمل كثير من الجنوب سودانيين الآن أن تستأنف إدارة ترامب دورها كمانح رئيس للمعونات لجنوب السودان، ورفع العقوبات وحظر مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة على صادرات السلاح لجوبا، وممارسة ضغط سياسي على جوبا لوضع أولوية للسلام.  

وفي رأيي، من غير المرجح أن تنظر إدارة ترامب إلى جنوب السودان كأولوية في سياساتها الخارجية، أكثر مما فعلت في فترة الرئاسة الأولى- إلا إذا بادرت القيادة السياسية في جنوب السودان ببرامج إصلاح خاصة بها، يمكن أن تجذب اهتمام واشنطن، ولاسيما في مجالات حقوق الإنسان وبناء السلام، وإرادة سياسية واضحة لتعزيز الديمقراطية، ووضع خطة للانتخابات في المستقبل القريب. وإذا ثبت أن جهود الإصلاح تلك كانت أصيلة وثابتة، فإن شعب جنوب السودان قد ينجح في حث الولايات المتحدة مجددًا على إعادة الارتباط مع جوبا. 

المزيد من الكاتب