الخميس 21 نوفمبر 2024
في يوليو/ تموز 1945، أي بعد شهرين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا، قاد الشيخ بشير انتفاضة ضد السلطات البريطانية في محمية صوماليلاند البريطانية السابقة، مستهدفًا مدينتي بورعو وعيرغابو. كانت هذه الثورة جزءًا مهمًا من النضال الأوسع ضد الاستعمار الأوروبي في الأراضي الصومالي، وعكست التأثير المستمر لعلماء الدين في قيادة المقاومة ضد الاستعمار، وبالطبع، شكل هذا التأثير أساسا متينا في المقاومة المسلحة التي قادها السيد محمد عبد الله حسن في بداية القرن العشرين.
كانت ثورة الشيخ بشير امتدادا لتمردات أخرى قائمة في المنطقة والبلاد برمتها، ومثلت جزءًا من نمط أوسع من المقاومة الصومالية للقوى الاستعمارية التي تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر. ففي عام 1825، اعترضت إحدى العشائر الصومالية في بربرة سفينة تجارية بريطانية، ما أدى إلى هجوم انتقامي بريطاني في عام 1827. استمرت المقاومة الصومالية مع الهجمات على المستكشفين البريطانيين، وفي عام 1855، رفض الحاج شرماركي، حاكم زيلع، بيع منزل لوكيل فرنسي، مما أظهر الممانعة الصومالية في الطموحات الاستعمارية الأوروبية الجديدة في منطقتهم
في بداية القرن العشرين، ظهرت حركة الدراويش المعروفة ومنظمات أخرى، عززت المقاومة الصومالية ضد الهيمنة الاستعمارية المتنامية على بلادهم. هدفت هذه الحركة، بقيادة السيد محمد عبد الله حسن، إلى الدفاع عن استقلال الأراضي الصومالية المُسلمة ضد التوغل الاستعماري المسيحي المندفع. على الرغم من مواجهة العديد من الحملات العقابية والقصف الجوي، استمرت مقاومة الدراويش الباسلة حتى هزيمتها في عام 1920، مما جعلها واحدة من أطول وأصعب النضالات المناهضة للاستعمار على مستوى القارة.
على النقيض من ذلك، تبنت الجمعية الإسلامية الصومالية، التي أسسها الحاج فارح أومار في عدن عام 1925، نهجًا سلميًا للمقاومة، والتي منها الانتفاضات البارزة الأخرى؛ ثورة الضرائب في بورعو، عام 1922، ضد فرض الضرائب، وتمرد قوات صومالية في عام 1944، الذي نتج عن محاولة البريطانيين نشر القوات الصومالية في الخارج. وفي عام 1945، اندلعت أعمال شغب واسعة النطاق، في جميع أنحاء محمية الصومال البريطانية، ردًا على استخدام البريطانيين لبعض المبيدات السامة في الأراضي الرعوية لمكافحة الجراد، مما أثار مقاومة عنيفة ومظاهرات عبر المحمية، من زيلع في الغرب إلى مدينة برن (Badhan) في الشرق.
وُلد الشيخ بشير عام 1905 في مدينة تليح، عاصمة حركة الدراويش الواقعة في منطقة سول في صوماليلاند. وهو ابن أخت السيد محمد عبد الله حسن، والسيد هو من اختار له اسم بشير. تلقى الشيخ بشير تعليمه في مركز إسلامي في قرية بير، شرق مدينة بورعو، تأسس على يد جده، الشيخ حسن فقي. كان مكرسًا لتعليم القرآن والفقه والحديث وعلوم إسلامية أخرى، ودرس الشيخ بشير في هذه المؤسسة. يشير المؤرخ والروائي الصومالي فارح عول إلى التأثير العميق الذي تركه السيد محمد عبد الله حسن على الشيخ بشير، وتوجهه النضالي وتأثره الكبير على شعر السيد، وكان الشيخ بشير متحمسا لمقاومة الحكم الاستعماري البريطاني، والانخراط في الجهاد ضدها باستمرار.
في الثلاثينيات، بعد إكمال دراسته في المركز التعليمي، أسس الشيخ بشير مركزه الإسلامي، الذي أصبح منصة لأيديولوجيته المناهضة للاستعمار، والجهاد ضد البريطانيين. قبل بداية الجهاد، واجه الشيخ بشير اعتقالات متعددة تعسفية، بسبب تحديه للسلطة البريطانية. وزادت شهرته، عام 1939، عندما لعب دورًا رئيسيًا في أعمال شغب مشهودة في مدينة بورعو، حيث قُتل مفوض المنطقة، النقيب آلن جيب. ردًا على ذلك، قصف الطيران العسكري البريطاني المدينة، ودمرها بشكل مزري.
اندلعت الاضطرابات بسبب سياسة تعليمية جديدة أدخلتها السلطات البريطانية، والتي ألغيت على الفور بعد أعمال الشغب. في الوقت نفسه، أعلنت بريطانيا سياسة نزع السلاح ضد الرعاة المسلحين، والتي عارضها الشيخ بشير بشدة. فقام بتعبئة حوالي مائة رجل مسلح، وتحدى البريطانيين علنًا لتنفيذ سياستهم، ما أدى إلى اعتقاله في نهاية عام 1939، وسجنه لفترة محدودة. عند إطلاق سراحه، عاد الشيخ بشير إلى مقر طريقته في بير، حيث استمر في الدعوة للمقاومة ضد السياسات البريطانية، واستمرت مقاومته من خلال خطبه حتى عام 1945، عندما اختار تصعيد نضاله بأخذ السلاح ضد السلطات الاستعمارية.
في الثاني من يوليو/ تموز، جمع الشيخ بشير 25 من أتباعه في بلدة وداماجو، ونقلهم بواسطة شاحنة إلى المنطقة القريبة من بورعو، وقام بتوزيع الأسلحة عليهم، محضرًا إياهم للعمل الجهادي ضد البريطانيين بصورة مباشرة. انتقلت المجموعة في مساء الثالث من يوليو/ تموز إلى بورعو، وشنوا هجومًا منسقًا، وأطلقوا النار على حراس الشرطة في السجن المركزي، الذي كان يضم سجناء محتجزين خلال المظاهرات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، هاجموا مقر إقامة الميجور شامبرز، المفوض الإقليمي لمنطقة بورعو، ما أدى إلى مقتل حارسه الشخصي.
رداً على ذلك، تم تعبئة وحدة من ضباط الشرطة لملاحقة الشيخ بشير وأتباعه، الذين تمكنوا من الفرار إلى بور دأب، وهو جبل ذو أهمية استراتيجية يقع جنوب شرق بورعو وشمال مدينة عينبو. هناك، حصّنوا موقعهم في قلعة محلية، واستعدوا لهجوم مضاد محتمل من البريطانيين. فشلت الحملة البريطانية في قمع قوات الشيخ بشير، وإنهاء تمردها العسكري. لم تنجح المحاولات المختلفة للقبض على الشيخ، وشاع خبر الفشل بين الرعاة الصوماليين، ما وضع السلطة البريطانية في حرج كبير.
أدركت أن المزيد من الحملات العسكرية ستكون غير فعالة، وخلصت الحكومة البريطانية إلى أن هناك حاجة إلى تدابير أكثر جوهرية. فقرروا أن الخيار سيكون بين القيام بجهد شامل لبناء البنية التحتية، مثل السكك الحديدية والطرق لتوطيد السيطرة على المحمية، أو التخلي عن المناطق الداخلية تمامًا. في النهاية، استقر رأيهم على الخيار الأخير، فبحلول أوائل عام 1945، انسحب البريطانيون من مواقعهم المتقدمة، واقتصر وجودهم الإداري على بلدة بربرة الساحلية.
بالإضافة إلى نشاطاته العسكرية، لعب الشيخ بشير دورًا حيويًا بالغ الأهمية في الحفاظ على الاستقرار المحلي. فقد قام بتسوية العديد من النزاعات والخصومات بين القبائل المجاورة، مستخدمًا الشريعة الإسلامية للتوسط في الصراعات ومنع الغارات. ساعده هذا النهج في بناء قاعدة قوية ومخلصة من الأتباع بين السكان المحليين.
في توسع آخر لثورته، تواصل الشيخ بشير مع العلماء في بلدة وعيرغابو، داعيًا إياهم للانضمام إلى قضيته، ونضاله المستمر. استجابًا لدعوته، حشد العلماء وأهالي عيرغابو قوة كبيرة مسلحة ببنادق ورماح، ونظموا ثورة ضد الحكم البريطاني. ردت السلطات البريطانية بسرعة وبشدة، وأرسلت تعزيزات إلى منطقة عيرغابو، وقاموا بعمليتين "محليتين" كبيرتين ضد المتمردين المسلحين، واعتقلوا عدة علماء شاركوا في الانتفاضة.
استجابة لجهاد الشيخ بشير، نشرت الإدارة البريطانية قوة كبيرة، بما في ذلك القوات الهندية والجنوب أفريقية، بقيادة الجنرال البوليسي جيمس ديفيد. كان هدفهم قمع تمرد الشيخ، والقبض عليه. تمكنت القوات البريطانية، بفضل المعلومات الاستخبارية المفصلة، من الوصول إلى شيخ بشير، في 7 يوليو/ تموز 1945، ووحدته المتحصنة في التضاريس الوعرة لبور دأب بعد معركة شرشة، قُتل فيها الشيخ بشير ونائبه، علي يوسف علمي (المعروف باسم قيبديد)، وأُصيب قائد ثالث، وأُلقي القبض عليه، إلى جانب اثنين آخرين، وفرّ بقية المتمردين إلى الجبال. أسفرت المواجهة عن خسائر في الجانبين، بما في ذلك مقتل الجنرال البوليسي جيمس ديفيد، وعدة جنود هنود وجنوب أفريقيين، وإصابة شرطي بريطاني آخر.
تم تكريم الشيخ بشير شهيدا من قبل مجتمعه، ونقل جثمانه بسرعة من جبل غالا إيغ إلى المدينة. استمرت القوات البريطانية في جهودها لمكافحة التمرد، على الرغم من وفاة الشيخ بشير ونائبه، مستهدفة أتباعه، واستخدام قانون العقوبات الجماعية لمصادرة 6000 إبل من عشيرة هبر جعلو التي كان ينتمي إليها الشيخ. إجراء كان بهدف الضغط على المجتمع لتسليم المتمردين، وقامت بريطانيا بنقل المتمردين الأسرى إلى أرخبيل سعد الدين. ومع ذلك، أجج موت الشيخ بشير مقاومة إضافية، مع تصاعد الاضطرابات في بلدات مثل: عيرغابو وبران، حيث استمر المقاتلون المحليون في تحدي الحكم البريطاني من خلال الهجمات، والاستيلاء على الأسلحة. أظهرت هذه المقاومة المستمرة الاستياء العميق من الحكم الاستعماري، والتزام الشعب الصومالي بمقاومة الهيمنة الأجنبية.
لا يزال الشيخ بشير شخصية مهمة في الثقافة الصومالية، يحتفل به في الشعر لجهاده ضد الحكم الاستعماري. خلّد نضاله في أعمال مثل "رقْدِي بشير" للحاج ادن أحمد أف قَلوع، الذي يرثي المعاملة السيئة التي تعرض لها على يد البريطانيين، ويدعو لمواصلة المقاومة. كما يحذر في القصيدة من التعدي البريطاني، ما أدى إلى اعتقاله كجزء من جهد أوسع لقمع التمرد. يمتد تأثير الشيخ بشير إلى شعراء مثل هدراوي، الذين أبرزوا تأثيره على التقاليد الأدبية الصومالية، والجهود المناهضة للاستعمار. تكريمًا لإرثه، تم تسمية المدارس الثانوية في هرجيسا وبورعو باسم مدرسة الشيخ بشير الثانوية، ما يعكس خلوده الدائم في ذاكرة التاريخ والثقافة الصومالية، وبقائه رمز البطولة والصمود ضد الاستعمار.
كان استعمار الأراضي الصومالية من قبل القوى الأوروبية عملية طويلة، بدأت مع وصول البريطانيين إلى بربرة في عام 1827، وامتدت على مدى حوالي 118 عامًا في صوماليلاند، وانتهت بقمع جهاد الشيخ بشير في عام 1945. بينما انتهى النضال المناهض للاستعمار في الصومال الجنوبي في عام 1927، مع الاستيلاء الإيطالي على سلطنة مجيرتين - آخر مملكة محلية مستقلة في الجنوب - وهذا يشكل نهاية الحكم الذاتي الصومالي، بعد 100 عام بالضبط من وصول البريطانيين، لأول مرة، إلى بربرة.
استؤنف الكفاح الصومالي في عام 1943، بنهج مختلف للحصول على دولة مستقلة، تضم جميع الأراضي الصومالية، بعد 15 عامًا من الاضطراب، وفقدان آخر القادة المحليين في عام 1927. لقد قاد الشيخ بشير وعلماء الإسلام الآخرون المقاومة الأولية ضد الاستعمار، ما حصّن الصوماليين من الاختراق الثقافي للمستعمرين، على الرغم من عدم تمكنهم من هزيمة المستعمرين عسكريًا.