تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

تشاد والتجاذبات الروسية الفرنسية

12 يونيو, 2024
الصورة
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (يسار) يحضر مؤتمرا صحفيا مع وزير الخارجية التشادي عبد الرحمن غلام الله (يمين) في نجامينا في 5 يونيو 2024. (تصوير دينيس ساسو غيبور / وكالة فرانس برس)
لافروف
Share

مات إدريس ديبي في معارك مع متمردين في شمال البلاد، في إبريل/ نيسان سنة 2021، أعقب ذلك تشكيل مجلس عسكري بقيادة نجله محمد إدريس، حظي بدعم كبير من فرنسا، رغم اعتراضات الاتحاد الإفريقي. حل ماكرون بتشاد، وقدم تعازيه لمحمد؛ القائد الجديد، مؤكدا أن فرنسا سوف تساعد البلاد في تجاوز هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها، مضيفا بأن أعضاء المجلس الانتقالي، وعلى رأسهم محمد، لن يشاركوا في أي انتخابات مقبلة، فالرئيس سيكون منتخبا من المدنيين.

مرت السنوات الثلاثة بصعوبة بالغة، وسط مظاهرات ومسيرات وإضرابات، أشهرها تلك التي نظمها أنصار حزب المحولون، بقيادة الرئيس سكسيه ماسرا، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أدت إلى وفاة أكثر من مئة متظاهر بحسب إحصائيات الحكومة، وقرابة الثلاث مائة وفق تقديرات المعارضة. على إثرها غادر أبرز المعارضين البلاد نحو واشنطن، حيث أقنع الأمريكيين بخطورة حكم العسكر.

اختار الأمريكيون سوكسيه ماسرا، رئيس حزب المحولون، من أجل تغيير الأمور في تشاد، لدرجة أن سفارتهم في أنجمينا، وعبر السفير ألسكندر لاسكاريس، تنتقد كل خطوات الحكومة الانتقالية. توظيف ورقة ماسرا ينم عن جهل كبير بالتعقيدات في الداخل التشادي 

في إبريل/نسيان عام 2024، وقبل أيام من الانتخابات الرئاسية التي جرت في السادس من مايو/ أيار 2024، طالبت السلطات التشادية من الأمريكيين تقديم تقارير، بشأن وجود سبعين عنصرا من القوات الأمريكية، تقوم بالتدريب والمناورات دون رفع تقاريرها إلى الجهات المختصة. وبعد مرور ثلاثة أيام على الاستفسار، وفي غياب الرد الأمريكي، أعلنت تشاد، على لسان قائد القوات الجوية الجنرال أمين إدريس، مغادرة العناصر الأمريكية  للأراضي التشادية.

توتر بين فرنسا والحكومة الجديدة 

حضر ماكرون في تأبين رئيس الجمهورية الراحل إدريس ديبي، وقال يوم 23 إبريل/ نيسان 2021 في خطاب: "فرنسا لن تسمح لأحد بمس أمن تشاد، لا اليوم ولا غدا". في بلد مثل تشاد، لا تتاح الكثير من الأخبار والمصادر للصحافة. لكن المراقبين والخبراء قالوا إن فرنسا اتفقت مع الرئيس محمد إدريس على قيادة البلاد حتى نهاية الفترة الانتقالية. إلا أن محمد غير رأيه، وخلع البدلة العسكرية، قصد دخول الانتخابات الرئاسية التي فاز بها بنسبة 61٪. 

عقب الفوز، ورغم مرور ثلاثة أيام، لم نر تهنئة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فيما دبجت موسكو بيانا صدر عن خارجيتها جاء فيه بأنها ترحب "بالإجراء الناجح للانتخابات الرئاسية في تشاد والتي شكلت المرحلة الأخيرة من المرحلة الانتقالية، وتؤكد الرغبة في مواصلة تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين الاتحاد الروسي وجمهورية تشاد". تهنئة موسكو، والصمت الغريب من الحكومة الفرنسية والولايات المتحدة الأمريكية، دفع العديد من الصحفيين والمراقبين إلى طرح التساؤلات، هل ثمة خلافات بين فرنسا وتشاد؟

اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في عام 2022، روسيا علنا بأنها تغذي "مشاعر معادية لفرنسا في الساحل"، وذلك عقب صراع معها على دول عديدة في الساحل، انتهى لصالح روسيا التي أرسلت قوات إلى مناطق تعتبر تقليديا، وعلى مدى عقود، بأنها خاضعة لسيطرة الفرنسية، فالدول في هذه المنطقة تبيع لباريس مواردها وأصولها، وتشتري الخدمات. كما تصوت دوما، في الأمم المتحدة وأغلب المحافل الدولية، لصالح القرارات التي تدعمها فرنسا. 

تواجه منطقة الساحل مشاكل عديدة تخشاها أوروبا، وعلى رأسها تنامي الإرهاب والهجرة والأزمات الأمنية، كما أن الساحل غني بالموارد التي تحتاجها المصانع الفرنسية. علاوة عن كون هذه الدول سوقا للكثير من الصادرات الفرنسية. قررت روسيا من جهتها، أواخر عام 2014، البحث عن موطئ قدم لها بالقارة الإفريقية عامة، والساحل بشكل خاص، وذلك تأكيدا امكانتها كقوة عظمى، وأيضا لوجود الكثير من المعادن، خاصة الذهب الذي تراه المعدن المنقذ لها من العقوبات الغربية التي تعرضت لها، بسبب اجتياح إقليم القرم.

في أول قمة روسية الإفريقية احتضنتها سوتشي، عام 2019، من أجل تأمين الصفقات التجارية والاتفاقيات العسكرية، أدركت روسيا وجود مشاعر معادية لفرنسا في المنطقة، تمثلها نخبة من المثقفين والناشطين. استغلت ذلك بذكاء، فقرر إلغاء ديون بلغت 20 مليارا دولار، أخذتها الدول الإفريقية من الاتحاد السوفيتي.

ظلت تشاد بعيدة عن الروس لفترة طويلة، في الوقت الذي تنتشر فيه قوات فاغنر في معظم دول الجوار؛ إفريقيا الوسطى والنيجر وليبيا والسودان، قبل أن تهبط فيها طائرة وزير الخارجية الروسي؛ سيرغي لافروف، الذي قال: "نحن لا نختار أصدقائنا وأعدائنا، فرنسا هي التي تطلب من الآخرين اختيار أصدقائهم وأعدائهم".

لافروف في أنجمينا

وصل سيرغي لافروف في 5 من يونيو/ حزيران عام 2024 إلى مطار حسن جاموس الدولي بأنجمينا، وكان في استقباله المئات من النشطاء الذين احتشدوا لتحية الضيف الروسي، قبل استقباله من قبل عبد الرحمن غلام الله؛ وزير خارجية تشاد، في أول حكومة عقب انتخاب محمد إدريس ديبي رئيسا للجمهورية. عقب ذلك، قابل وزير الخارجية الروسي رئيس الجمهورية، محمد إدريس ديبي، وتحدثا حول سبل تقوية العلاقات بين الدولتين. 

كانت في مقدمة القضايا التي تمت مناقشتها في المؤتمر الصحفي، بين لافروف وغلام الله، الحرب في السودان. كما تحدثت غلام الله عن الحرب في أوكرانيا، وقال: "تشاد تتخذ الحياد موقفاً بشأن الحرب الروسية الأوكرانية". أما لافروف المنتشي بكلمات وزير خارجية تشاد، فأكد على "وجود اتفاقيات تعاون عسكري سارية منذ فترة طويلة ومستمرة"، ولا سيما "تسليم معدات". وقال مضيفا: "يمكنني أن أطمئنكم: صداقتنا مع تشاد لن تؤثر على علاقاتها مع فرنسا"، لكنه لفت الانتباه إلى أن "فرنسا لديها نهج آخر: إما أن تكون معنا أو ضدنا".

زيارة لافروف إلى أنجمينا هي المحطة الأخيرة، في جولة قادته إلى غينيا وبوركينافاسو والكونغو، اعتبرتها رئاسة الجمهورية "مثمرة جدا في التعاون بين البلدين". نقرأ في صفحة رئاسة الجمهورية ما يلي: "وتتقاسم تشاد وروسيا رؤية مشتركة في العديد من المجالات، كما تمت مناقشة العديد من المواضيع ومن ضمنها التنمية".

أظهرت روسيا رغبتها الأكيدة، من خلال لقاء كبير الدبلوماسيين الروس مع رئيس الجمهورية في دعم تشاد، وأن اللقاء كان مثمرا بشكل خاص، بالنظر إلى عدد المواضيع التي تمت مناقشتها، وخاصة تعزيز وتوسيع آفاق التعاون الثنائي.

يقوم كبير الدبلوماسيين الروس على رأس وفد رفيع المستوى بجولة أفريقية، مصغرة منذ عدة أيام، تشكل تشاد المحطة الرابعة في هذه الجولة. وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، هو أول مسؤول روسي رفيع المستوى يزور البلاد، بعد تنصيب رئيس الجمهورية محمد إدريس ديبي، وبعد أيام فقط من تشكيل الحكومة الجديدة.

 يرى فسيفولود سفيريدوف؛ الخبير في مركز الدراسات الإفريقية في الكلية العليا للاقتصاد في موسكو، أنه "على مدى الأشهر الستة الماضية، كنا نشهد  تحسنا حقيقيا للعلاقات التشادية الروسية"، وأضاف أن "الجيش الفرنسي باق، لكن وجوده لا يعيق تطوير العلاقات بين موسكو وأنجمينا".

من جهته، يصف بامينغي بيتينباي؛ الخبير في الجغرافيا السياسية في مركز بحوث الأنثربولوجيا والعلوم الإنسانية "CRASH" في أنجمينا، الصراع الروسي الفرنسي في تشاد بقوله: "هذه ليست حربا باردة، إنما حرب نفوذ، وتشاد تريد تحقيق أقصى استفادة منها".

زيارة لافروف طرحت تساؤلات كثيرة، لكنها أيضا قوبلت بترحيب حار من الجمهور والعديد من الجمعيات، وعلى رأسها منسقة "وقت تمّا" التي تعد أهم مكونات المعارضة التشادية، وذلك في بيان صحفي عبرت فيه المنسقية عن دعمها لهذه الخطوة، وعن سعادة الشعب التشادي لعقد اتفاقيات تعاون مع روسيا.

وفي تصريح آخر مرحب بالزيارة، ومستغرب من تبرير الدبلوماسية التشادية لها في أكثر من خطاب، قال وزير العدل التشادي السابق، أحمد محمد حسن، أن هذا التصريح مهين، وأن السلطات التشادية لا تحتاج إلى الصراخ لإظهار سيادتها. وأضاف "إنه أمر مهين لتشاد. لا نحتاج أن نصرخ من فوق أسطح المنازل بأننا أصحاب سيادة، إنه تعبير عن الخوف، لأن السيادة يتم تأكيدها بالتوازنات والقوة".

إن التقارب التشادي الروسي هي ورقة ضغط تمارسها حكومة محمد إدريس ديبي ضد فرنسا، فالملاحظ أن هناك حالة برود بين العلاقة التشادية مع الإليزيه، لأن فرنسا اتفقت مع المجلس الانتقالي الذي قاده محمد على عدم دخول أعضائه في الانتخابات، لكن ذلك لم يحدث، ما جعل ماكرون يشعر بالخداع من جهة العسكر. لذا  قررت فرنسا أن تظهر استياءها، عبر عدم حضور التنصيب ولا حتى التهنئة، فقامت الحكومة الجديدة بدفع المشكلة إلى ركن قصي.

 في يناير 2024، أرسلت الحكومة الفرنسية رسالة إلى محمد إدريس ديبي بعدم دعمها لترشحه في الانتخابات، فقام الرئيس بزيارة إلى موسكو حيث قابل الرئيس بوتن. وبعد حفل التنصيب الذي لم يحضره الرئيس الفرنسي، كما جرت العادة، قررت الحكومة الجديدة إرسال رسالة واضحة إلى فرنسا، مفادها "إما أن تتعاوني معنا، وتوفري الدعم الكامل أو سنتعامل مع منافستك روسيا".

زيارة لافروف طرحت تساؤلات كثيرة، وأثارت بعض القلق لدى العديد من السياسيين التشاديين، ذلك أن التخلي عن فرنسا له ثمن كبير. لكن السؤال الأهم: هل هذا مجرد لقاء من أجل إثارة غيرة وخوف فرنسا، لتعود وتقدم الدعم الكامل لإحدى الدول الساحلية القليلة التي تملك فيها قواعد عسكرية، وما زالت مسيطرة على زمام الأمور، أم أن أوان خروج الدول الإفريقية من عباءة فرنسا قد حان، لتطور علاقاتها مع كل الدول دون خوف، كما عبر عن ذلك وزير خارجية تشاد، عبدالرحمن غلام الله، "لسنا رهائن لأحد، تشاد ليست رهينة لفرنسا أو روسيا، نحن نطور علاقات مع من نريد.. هذا ما يسمى بالسيادة الوطني".

المزيد من الكاتب