تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

رأي

الكونغو الديمقراطية: خزّانة المعادن وبؤرة الصراعات

18 مارس, 2024
الصورة
congo
A demonstrator of the Congolese Civil Society of South Africa waves a National flag of Democratic Republic of Congo as he takes part in a march to parliament to protest against Genocide and Extraction in the Democratic Republic of Congo, in Cape Town, on
Share

يطرح الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في الكونغو الديمقراطية جملة من التحديات على الفاعلين الحقوقيين والنشطاء من أجل السلام داخل البلد وخارجه، فمنذ نشأتها لم تهدأ الصراعات الداخلية في الكونغو، وعلى الرغم مما تتوفر عليه البلاد من معادن نفيسة إلا أنها تعتبر من البلدان الافريقية المتخلفة اقتصاديا، وهو ما سمح بظهور عصابات التهريب على طول خريطتها. فالموارد التي تتوفر عليها هذه البلاد تبنى عليها جملة من اقتصادية العالم. 

وتصف ترزنيل فاويكا الحاصلة على جائزة المرأة لبناء السلام من معهد الولايات المتحدة للسلام،  الصراع في الكونغو الديمقراطية بكونه أحد أطول الصراعات وأكثرها دموية في إفريقيا، ولا يمكن حلّه إلاّ إذا استيقظ المجتمع الدولي. وصرحت فويكا: "إن اقتصاديات العالم والتكنولوجيا الجديدة وتغير المناخ كلها تزيد من الطلب على المعادن النادرة في شرق الكونغو – والعالم يسمح للعناصر الإجرامية بسرقة هذه المعادن وبيعها، في الوقت الذي يعامل فيها الشعب بوحشية". وبلا شك، يمكن للأفارقة وشركائهم تحقيق مكاسب من خلال إنهاء هذا الإجرام، الذي يتجاهل من قبل المتجمع الدولي منذ فترة طويلة جدا.  ووصفت ترزنيل فاويك جمهورية الكونغو الديمقراطية بـ "خزّانة المعادن"، بحيث تتوفر البلاد على ما يقدر بنحو 70 في المائة من الكوبالت المعرف في العالم، وهو عنصر حيوي لبطاريات أيون الليثيوم الخاصة بالسيارات الكهربائية وغيرها من منتجات الطاقة الخضراء.

وقد وثقت العديد من التحقيقات التي أجرتها الأمم المتحدة، ومنظمة غلوبال وتينس لمكافحة الفساد، وجمعات حقوق الإنسان ولجنة التحقيق في جمهورية الكونغو الديمقراطية تهريب الذهب والنحاس والكوبالت والمعادن الأخرى من مناجم شرق وجنوب الكونغو، بطريقة غير قانونية، إلى بلدان مجاورة لبيعها في الأسواق العالمية.

ووفقا لتقارير السنوات الأخيرة التي أعدّها خبراء الأمم المتحدة والإنتربول، فإن الجماعات الحرفية المحلية التي تدير مناجم الذهب، تقوم ببيع معادنها للمهربين الذين ينقلونها إلى عواصم بوروندي وأوغندا لبيعها فيما بعد، غالبا  لزبنائهم في الإمارات العربية المتحدة.

أفاد خبراء تابعون للأمم المتحدة أن تهريب المعادن النفيسة يمول الحروب، إذ أنه خلال الحربين الأهليتين في جمهورية الكونغو الديمقراطية في التسعينات، دخلت القوات العسكرية لأوغندا ورواندا شرق الكونغو، واستولت على المناجم بطريقة غير قانونية، وهو الأمر الذي عاد بالربح على بلدانها الأصلية. في أحيان أخرى كان بعض المنتفعون من قادة الجيش في الكونغو، مثل بوسكو نتاغندا، الذي أدانته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، وبعض الشركات مثل التي يديرها رجل الأعمال البلجيكي آلان جويتز وملياردير الماس الإسرائيلي دان جيرتلر دور في أنظمة تسويق الموارد الكونغولية في الخارج.

إن المزج بين الثروة والعنف والفساد في جمهورية الكونغو الديمقراطية ليس وليد اليوم، بل ترجع أصوله إلى بدايتها كمستعمرة أنشأها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني، في بداية ثمانينات القرن التاسع عشر. في البداية، ليوبوند نفسه استعمل العنف المفرط لإنشاء مستعمرة مربحة بين مئات الجماعات العرقية عبر حوض نهر الكونغو،  وبعد استقلالها، عام 1960، أدى القتال بين الفصائل والانقلابات إلى ظهور دكتاتورية استمرت 30 سنة، قدمت لها أمريكا والدول الغربية الدعم خلال فترة الحرب الباردة.

حققت جمهورية الكونغو الديمقراطية أول انتقال سلمي للسلطة في عام 2019، وفاز الرئيس فيلكس تشيسيكيدي بولاية ثانية، في ديسمبر من ذلك العام (2023)، وسط انتخابات فوضوية أدت إلى تفاقم الخطاب القومي المتطرف والتوترات بين الفصائل. وأعلن الرئيس دعمه إصلاحات مكافحة الفساد، لكنه، وحسب مراقبين، فشل في تحقيق تقدم حقيقي. وأكدت هيئات حقوق الإنسان المحلية والدولية، مثل هيون رايتس ووتش، على الحاجة الماسة لإجراء إصلاحات واسعة النطاق، بما في ذلك استقلال القضاء ومحاكمة المسؤولين الفاسدين، ووقف القمع والإعتقال السياسي وحماية المدنيين.

بعد سنوات من عمل فاويكا، بشكل مباشر، في مناطق النزاع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية للتوسط في النزاعات وتحرير الرهائن، حيث اشتغلت كمدربة في البرنامج الوطني لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في البلاد. وتقوم فاويكا بتأهيل شبكة من النساء من أجل بناء السلام في جميع أنحال البلاد، تقول: "لا أستطيع أن أعمل ذلك وحدي" في حين أن الدول المجاورة ومشتريّ المعادن، والشركات الكبرى، ومصنعي التكنولوجيا الفائقة ومليارات من المستهلكين يدعمون نظام الإمداد الاقتصادي العالمي الذي يعتمد على التعدين الوحشي وغير قانوني للثروات".