الجمعة 22 نوفمبر 2024
كانت المستشارة الرئيسية لباتريس لومومبا، عملت في الإذاعة الجزائرية الوطنية وكانت من الشخصيات المحورية التي ساهمت في الدورة التأسيسية لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1964.
من هي أندريه بلوين؟ قال عنها الغرب الجاسوسة الشيوعية التي تحرك "باتريس لومومبا" رئيس الوزراء الكونغولي. لكن كانت بالنسبة لنا رمزا نسويآ لحركة "البان افريكانزيم"، قدمت مساهمات مهمة في المشروع المناهض للإمبريالية لتحرير الشعوب المنحدرة من أصل أفريقي. سألها صحفي ذات مرة، عن وصف النيويورك تايمز عام 1960 لها بالماركسية المتطرفة. أجابت: "دع الحمقى ينادونني بما يحلو لهم. أنا "Pan Africanist".
ولدت بلوين في أوبانجي شاري (جمهورية إفريقيا الوسطى حاليًا)، في 16 ديسمبر 1921، من أم تدعى جوزفين واسيمبا لا يتعدى عمرها 14 عامًا. كان والدها، بيير جربيلات، فرنسيًا يبلغ من العمر 40 عامًا. انتُزعت من والدتها في الثالثة من عمرها، بسبب السياسة الاستعمارية التي تقضي بعزل الأطفال المولودين من آباء أوروبين وأمهات إفريقيات في دور الأيتام، وأمضت بلوين سنوات طفولتها في دار أيتام لأطفال "العرق المختلط" في برازافيل "الكونغو الفرنسية".
التميز والقسوة جعلها تهرب من دار الأيتام، وتتزوج في سنوات مراهقتها، ورزقت بابن يدعي رينيه عندما بلغ من العمر عامين أصيب بالملاريا. رفضت الإدارة الاستعمارية الفرنسية منح بلوين حق الوصول إلى دواء Quinine المنقذ للحياة، فهو مخصص للأوروبيين فقط. كان عليها أن تشاهد ابنها يموت أمام أعينها. هذه الحادثة كانت بمثابة جريمة قتل، جعلتها أشد راديكالية ضد المستعمر الأبيض، بجانب معاناتها أثناء تنقلاتها ذهابًا وإيابًا بين المستعمرات الفرنسية والبلجيكية.
انتقلت بلوين إلى أوروبا لفترة وجيزة مع ابنتها، حيث عملت على تغيير القوانين التي تملي من يمكنه تلقي أدوية الملاريا في إفريقيا. بدأت حياتها المهنية السياسية الرسمية في عام 1958، عندما انخرطت في التجمع الديمقراطي الأفريقي(RDA)؛ أول منظمة لعموم إفريقيا ناطقة بالفرنسية، نظمت مسيرات، وألقت محاضرات عن الاستقلال. التقت بالعديد من البان افريكانزيت في أوروبا، الذين يقاتلون من أجل تحرير إفريقيا.
وفقًا لإيديولوجية البان افريكانزيم، أدركت بلوين أنه لا يمكن أن يكون هناك استقلال حقيقي بدون تغير قوي، لفك إفريقيا من قبضة طفيلياتها الاستعمارية. لذا دخلت في النشاط السياسي في الكونغو البلجيكية، مسلحة بالبصيرة الثورية التي اكتسبتها من معرفتها الوثيقة بالعنف الاستعماري تحت الحكم الفرنسي. بدأت حشدها الشعبي للنساء في الأراضي الكونغولية، عشية الاستقلال في عام 1960 كمنظمة للحركة النسائية للتضامن الأفريقي. حدد ميثاق المنظمة المشاريع الخاصة بصحة المرأة ومحو الأمية والاعتراف بها كمواطنة في دولة ما بعد الاستعمار الناشئة. انتقدت التعليم الاستعماري، الذي حصر النساء والفتيات في التدريب مثل: التدبير المنزلي والتطريز، ودافعت عن رؤية أكثر شمولاً للتعليم، ليتم تنفيذها في الدولة الجديدة المستقلة. عملت بلوين على تحرير المرأة الأفريقية من التقاليد البالية، التي تركتها تحت رحمة الرجال. واستند عملها إلى الإقتناع بأنه "يمكن أن تكون المرأة الأداة الأولى للاستقلال".
في ذلك العام، عينها باتريس لومومبا في منصب استشاري في حكومته. كانت بلوين واحدة من ثلاثة أعضاء من الدائرة المقربة من لومومبا، عملوا بشكل وثيق مع رئيس الوزراء الكونغولي، لدرجة أن الصحافة أطلقت عليهم لقب "فريق لوموم بلوين."
لم تسلم بلوين مثل لومومبا من وسائل الإعلام الغربية بالأخص الأمريكية. حيث تمت صياغة التمثيل الإعلامي بنفس لغة التمييز العنصري والجنساني المتشابك الذي ميز حياتها تحت الحكم الاستعماري. أن تكون "خلف" لومومبا، إذن، يعني احتلال موقع تبعية وموقع قوة. لذا لن تجد مقالا أو تقريرا يتحدث عن نشاطها في إنهاء القوانين الاستعمارية، أو عملها من أجل زيادة محو الأمية والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم للنساء الكونغوليات، وإنما أغلب التركيز كان على وصفها بأنها "نصف إفريقية ونصف فرنسية ومتزوجة من مهندس تعدين فرنسي". وصفتها واشنطن بوست، ذات مرة بـ"كلارا بيتاتشي" عشيقة موسوليني، وشبهتها صحيفة فرنسية أخرى بالفنانة الافروامريكية "إرثا كيت". التشبيه بإيرثا كيت ليس إهانة، ولكن المقارنة وسيلة للتخلص أو عدم إلقاء الضوء على نشاطها السياسي.
أصبحت التمثيلات السلبية لبلوين في وسائل الإعلام الغربية شائعة طوال فترة وجودها في المنصب، وقد أقر لومومبا بالطبيعة الجنذرية والعنصرية لهذه الصور، حيث قال ذات مرة: "أعداؤنا يهاجموها طوال الوقت. ليس بسبب ما فعلته، ولكن ببساطة لأنها امرأة سوداء ناجحة".
أثناء أزمة الكونغو المفتعلة عام 1960، كانت بلوين تعمل زيارات مكوكية على الصعيد الدولي، لإبراز الدور البلجيكي لتخريب مشروع الاستقلال للكونغو. واجهت محاولة اغتيال، عند وجودها في مؤتمر صحفي في روما، أجبرتها على الفرار إلى غينيا. بناء على اقتراح بلوين، طلب لومومبا مساعدة الولايات المتحدة للضغط على بلجيكا لسحب قواتها من الأراضي الكونغولية. في سيرتها الذاتية، كشفت أن دافعها كان كشف الدور الذي تلعبه واشنطن بخصوص تحالفها مع القوة الإمبراطورية البلجيكية. لم تؤمن أبدًا هي أو لومومبا بأن الولايات المتحدة حليف حقيقي للأفارقة.
في الوقت الذي تم فيه اغتيال لومومبا في كاتانغا، في يناير 1961، في انقلاب مدعوم من البلجيكيين، وبموافقة الولايات المتحدة ورعاية الأمم المتحدة. كانت بلوين من ضمن الشخصيات المستهدفة على يد إنقلابيي "موبوتو سيسي سيكو" والاستعمار البلجيكي. نجحت في الهرب، لكن نضالها الثوري وطموحاتها الاستقلالية لم تنته، فكانت تندد بالسياسات الإمبريالية الجديدة من قاعدة جديدة، ما عرضها للعديد من محاولات الاغتيال، واستمرت في العمل كمتحدثة باسم المعارضة من المنفى. إن تأثير بلوين كان وراء تمردات كويلو الثورية المسلحة، بقيادة النساء ضد حكم سيس سيكو، بقيادة بيير موليلي وزوجته ليوني أبو، بين عامي 1963 و1968.
استقرت بلوين في نهاية المطاف في باريس، حيث مضت قدما على أمل بناء تنظيم ثوري جديد من المهجر، وضمت شخصيات يسارية، وكثيرا ما كانت تنتقد السياسات الفرنسية في إفريقيا. ظلت معنوياتها متماشية مع رؤية عموم إفريقيا لقارة منزوعة الاستعمار الحديث والديكتاتورية المحلية إلى حين وفاتها في 9 أبريل 1986.
لا تزال أندريه بلوين شخصية غامضة، إلى يومنا هذا، غير معروفة نسبيًا في الروايات التاريخية حول المسيرة الطويلة والمؤلمة نحو الاستقلال الكونغولي. وتبقى مثل العديد من النساء الأفريقيات اللواتي انخرطن في نشاط مناهض للاستعمار، على هامش الروايات التاريخية التي تميز ما يسمى الآباء المؤسسين للاستقلال الأفريقي. بعد مرور أكثر من 60 عامًا على اغتيال لومومبا، من المناسب أن نتذكر أندريه بلوين أيضًا، ومعها العديد من النساء اللائي عشن ومتن من أجل التحرر الأفريقي.