الجمعة 22 نوفمبر 2024
يقول عبد الله أحمد مؤمن، الأمين العام لنقابة الصحفيين الصوماليين، أنه يجب فعل المزيد لحماية الصحفيين وحرية التغطية الصحفية.
تأزّمت حرية الإعلام مرة أخرى في ضوء الصراع الأخير بين الصومال وصوماليلاند، على أعقاب مذكرة التفاهم التي وُقِّعت بين هرجيسا وأديس أبابا. فقد واجه الصحفيون الذين يعملون في كلا البلدين مراقبة وترويعًا فظيعًا واحتجازات تعسفية. تظل الاتفاقية حتى هذه اللحظة مبهمة للغاية، ويكتنفها الغموض، ما جعل أحد الدبلوماسيين الغربيين يصفها ب"مذكرة سوء تفاهم".
إن احتجاز ثلاثة صحفيين من قناة إم إم؛ محمد عبدي إليج ومحمد عبدي عبداللاي (أندار) والمصور إلياس عبدي ناصر، في هرجيسا، في 6 فبراير/ شباط، بعد مناقشة إسفيرية. ناهيك عن مضايقة الصحفيين الذين يجرون مقابلات في شوارع مقديشو، خنق إلى حد كبير وصول المعلومات إلى العامة، التي تتيح للأفراد إمكانية التقصي والفحص، على نحو نقدي، لما سيعنيه ذلك بالنسبة لهم.
ظاهريًّا، تحفظ دساتير كل من الصومال وصوماليلاند ممارسة حرية التعبير، إلا أن هذا الحق يُنتهك باستمرار. فكثيرًا ما تعرض الصحفيون للتهديد والاحتجاز، فضلًا عن إغلاق منابرهم الإعلامية، ويصل الأمر أحيانا حتى الاستهداف بالقتل. إننا نأسف لمقتل أربعة صحفيين في هذا العام. فقد أُرديَ عبدي كرين احمد بلهان قتيلًا، برصاصة في مدينة أبو دواك التي تقع في وسط الصومال، في 14 مارس/ آذار الماضي. كما أُحتُجِز 11 صحفيًّا تعسفيا، وتعرضوا للمضايقة، وفقًا لما وثقته نقابة الصحفيين الصوماليين، ومنعت عنهم أي معلومات في كافة صوماليلاند وأرض البنط وغالمودوغ ومقديشو. الصحفي البارز حسين عبد الله محمد، الذي كتب عن وكالة الاستخبارات والأمن القومي الصومالي، تعرض بدوره لاختفاء ل 24 ساعة، بين 16 و17 أبريل/ نيسان الفائت في مقديشو. يبقى المؤسف حقا أن عددا من الاعتداءات يقوم بها عناصر من أجهزة الأمن.
نقابة الصحفيين الصوماليين كان محل استهداف هي الأخرى، حيث جُمدت حساباتنا البنكية في 13 أبريل/ نيسان الماضي، كما وُجِّهَت إلينا ثلاث تهم جنائية، من قبل المدعي العام في الصومال، على خلفية مناصرتنا لحرية الصحافة وحقوق الإنسان، من بينها تهمة تشهير ضدي. زعم المدعي العام التحقيقات مستمرة، دون تقديم أي توضيحات، وأنه سيقدم ما توصل إليه إلى المحكمة. لم تفاجئني مثل هذه الملاحقة، لأنني تعرضت للكثير من التهديدات والمضايقات والاحتجاز، في 2022 و2023. فمنذ بداياتي في مهنة الصحافة، قبل 20 سنة، كنت ثابتًا في التزامي بقول الحقيقة، ومحاربة الظلم، ومقاومة تأثير السياسيين. صمود كان سببا في استهدافي، واستهداف زملائي.
إن مهنة الصحافة في الصومال محفوفة بالمخاطر، فالحصيلة ثقيلة؛ مقتل 86 صحفيًّا، منذ عام 1992، وفقًا لما وثقته لجنة حماية الصحفيين. علاوة على أن الصومال إحدى الدول الثلاث الأولى على مؤشر لجنة حماية الصحفيين للإفلات من العقاب، حيث يفلت قتلة الصحفيين من العدالة.
المحامون المدافعون عن الصحفيين بدورهم عرضة للتهديد، إذ يواجه خمسة صحفيين في صوماليلاند ملاحقة جنائية، بتحريض من وكالة المخابرات الوطنية، عبر مكتب المدعي العام. مؤخرا، أصدر هؤلاء المحامون توصية قانونية تحث وكالة المخابرات على الكف عن احتجاز الصحفيين. عندما يتم استهداف الصحفيين والمدافعين عنهم، يبعث ذلك برسالة مفزعة إلى المجتمع المدني مفادها أن المجاهرة لم تعد خيارًا، الواقع الذي أصبح شائعًا إلى حد بعيد.
يعد الإعلان الأخير من قبل مكتب رئيس الوزراء، القاضي بتعيين تسعة مسؤولين حكوميين في مجلس الصحافة، المكلف بتنظيم الإعلام، إلى جانب توقيف سوقال معلم محمود، الصحفي الإعلامي الصومالي، الذي انتقد قيادة الجيش لسوء الإدارة والفساد، مؤشران أخران على الزحف الأوتوقراطي: محاولات السيطرة وإسكات الصحفيين والتلاعب بهم. إننا نعارض بشدة هذه الإجراءات، ونطالب بمجلس صحافة مستقل في الصومال.
تتجاوز التحديات هذه المخاوف المباشرة، فالصومال تفتقر إلى إرادة لتأسيس لجنة وطنية لحقوق الإنسان، التي يمكن أن تلعب دورًا محوريًّا في مناصرة حقوق الإنسان والدفاع عنها، والتي تشمل حرية التعبير. كما أن الإفلات من العقاب يظل تحديًا كبيرًا، في مواجهة الانتهاكات والاعتداءات بحق الصحفيين. ما من شك أن عدم محاسبة المعتدين، سيُضائِل من ثقة العامة في إنفاذ القانون والقضاء، كما يقوض الثقة في قدرة السلطات على حماية الصحفيين، والحفاظ على سيادة القانون. من شأن غياب القانون أن يكرس دوامة العنف بحق الصحفيين، مما سينجم عنه مراقبة ذاتية لدى الكثيرين، خوفًا على سلامتهم، أو سيدفعهم إلى مغادرة البلاد تمامًا، فعدد من أبرز الصحفيين الصوماليين يعملون من الخارج.
أعلنت صوماليلاند الاستعدادات للانتخابات، المزمع إجراؤها في 13 نوفمبر/ تشرين الأول المقبل، لكن وجب عليها أن تدرك أن الانتخابات الحرة والنزيهة، الأساس المهم لديمقراطية فعالة، تتطلب صحافة حرة ومسؤولة ومستقلة. كذلك الأمر بالنسبة للحكومة الاتحادية في الصومال، وولاياتها الإقليمية.
إن الصحافة الحرة تلعب دورًا أساسيًّا في إعلام العامة بالإجراءات الحكومية والسياسات والقضايا المجتمعية، فبدون ضمان سلامة الصحفيين وحماية حرياتهم، إلى جانب إتاحة الوصول السهل إلى المعلومات الصحيحة، لا يمكن للمواطنين اتخاذ قرارات مدروسة، الأمر المهم جدا للديمقراطية حتى تزدهر.