تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

كتب

5 كتب أساسية عن التاريخ الصومالي الحديث

23 مايو, 2024
الصورة
Five Books on Somalia
Share

من الصعب الحصول على كتب جيدة عن تاريخ الصومال الحديث باللغة الإنجليزية، الأمر الذي يولد أحيانًا فجوة معرفية لدى الشتات المحمَّلين بقصص فئوية_  بعضها صحيح والآخر غير صحيح بشكل واضح. وتميل المتوفرة منها إلى أن تكون قديمة جدًا، مما يجعلها تبدو قديمة في تحليلها، مع أنها لا تغفل تمامًا التطورات التي عرفناها على مدار العقود التي تلت انهيار الدولة في عام 1991. ومع ذلك، فإننا نعتقد أن هذه القائمة ستوفر مقدمة عامة قوية للقراء الذين يرغبون في الحصول على فهم جيد للموضوع. 

تغطي الكتب التي سنقترحها الفترة التي تمتد من النضال في سبيل الاستقلال وسنوات الديمقراطية الأولى، إلى الجمر والرماد التي اتسمت به حقبة سياد بري، وهي من تأليف كُتّاب صوماليين. مع وجود ثروة من الكتابات المتاحة عن الفترة ما بعد 1991، والتي تُعرف "بالدمار" لدى الصوماليين، إلا أنه باستطاعتنا حصر قائمة بها في المستقبل.  

 

الدولة الانتحارية في الصومال: صعود وهبوط نظام سياد بري 1969-1991، محمد حاجي إنجيرييس

 

 محمد حاجي إنجيرييس هو أكاديمي صومالي. يمزج محمد بين الإلمام بالنظريات في الدراسات الأفريقية وما بعد الاستعمار، والمعرفة بالتطورات المقارنة في المناطق الأخرى من القارة، إلى جانب النظرة المحلية التي لا يمكن الحصول عليها سوى من صومالي. يحاول إنجيرييس قول الكثير في كتابه، من تقييم نقدي للفترة قبل الانقلاب العسكري، والذي أتى بسياد بري إلى السلطة، إلى تحديد ملامح بري بالتركيز على السياق الكولونيالي الذي أنتجه والكيفية التي أدى بها حكمه الدكتاتوري_ الذي يعتبره نقله من "دولة العشيرة إلى دولة الجريمة"_ إلى حل الحكومة الصومالية.  

إنه ينتقد النظام بشدة، لذا ليس هنالك الكثير مما يوضح ما كانت تعتقد الحكومة الصومالية أنها تقوم به لإعادة تنظيم تكوين الدولة في محاولتها الفاشلة لخلق مجتمع اشتراكي. وبرفض أي محالة لتناول الموضوع من هذه الزاوية، فإن تحليله يفتقر إلى الاستبصارات المتعلقة بالكيفية التي أثرت بها هذه السياسات على العلاقات بين الدولة والمواطنين، بالإضافة إلى مساعي الصومال لإيجاد مكانها في عالم ما بعد الاستعمار الذي تقسم بسياسيّ الحرب الباردة.   

بوسع المقارنات بين بري وموسليني أن تجعلك تتشنج كذلك، لأن موسليني كان حليفًا مقربًا من هتلر، وأحد رواد الفاشية كما نعرفها اليوم. يرسم إنجيرييس بري بمثابة متهكم قادت شوفينيته إلى انهيار الدولة الصومالية. إن إنجيرييس يبتعد عن السردية السائدة التي يتبناها العديد من الصوماليين والتي تقول، على غرار كل الدكتاتوريين، بأن بري بدأ جيّدًا لكنه فقد السيطرة. يحاجج إنجيرييس بمنهجية بأن بري لم يستطع البتة التسامح مع فكرة تقليص سلطته أو انتقال الصومال نحو اتجاه أكثر تعددية وديمقراطية، وبأن التزامه بالاشتراكية ما كان إلا حيلة سطحية صُممت لالتماس الدعم السوفيتي حتى يقوّي نظامه. 

 

الصومال الاشتراكي: الخطاب والواقع، احمد اسماعيل سمتر

 

 

يُعد هذا الكتب نقديًّا على ذات النحو، فهو يُفنّد مزاعمًا لنظام بري بشأن انجازاته العظيمة، في مساعيه لخلق مجتمع اشتراكي. إن المجلدات المؤثرة لسمتر، والتي لاقت نقدًا واسعًا أيضًا، عن تاريخ الصومال توفر تفسيرًا عن انحدار البلاد إلى دكتاتورية قاتمة، والتي منح عقدها الاجتماعي، إن صح التعبير، قمعًا بلا مقابل، وطاعة مجانية. حتى القدر الضئيل من الأمن الذي وفره النظام تقوض تدريجيًا مع قيام مجموعة من الجماعات الصومالية المسلحة بالتمرد على الحكومة العسكرية في مقديشو. 

يعيد كتاب سمتر تقييم مزاعم النظام العسكري عن قراراته وانجازاته، مُسلطًا الضوء على نجاحاته، إلى جانب دراسة إخفاقاته بأسلوبه التحليلي القاسي، مع التركيز على الكيفية التي يتموضع بها الصومال في القصة الأوسع للحكومات الأفريقية الثورية التي تدير وعود الاستقلال وتحدياته. إنه أكاديمي غريب الأطوار ومتقلب المزاج، الأمر الذي ما يتضح بالتأكيد. في درس مهم استخلصه من بحثه لهذا الكتاب، كتب سمتر: 

لكي يستعيد الأفارقة أي قدر من الكرامة والفضيلة، ليس عليهم تعلم إبعاد الإمبريالية فحسب، بل، بطريقة أكثر فورية، أنه لن يكون ثمة أي حدث كبير أو ألفية جديدة من شأنها تحقيق التحرير. إن المسيرة الطويلة والشاقة، عوضًا عن ذلك، تبدأ ببذل قصارى جهدنا الفردي والجماعي للحاضر. 

يضيف سمتر بأن الخيار أمامنا، "للمضي بالحاضر القبيح وتعميق البانتوستانات في إفريقيا، أو المضي نحو تاريخ جديد_ تاريخ النشاط السياسي التعاهدي والتحويلي." إنه كتاب يبعث على التفكير، لكنه لاقى الكثير من النقد. 

 

الصومال: التاريخ غير المروي 1941-1969، محمد عيسى ترونجي 

 

 

يُعتبر هذا الكتاب أحد الأعمال القليلة الشاملة التي تناولت الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري في عام 1969، والذي وضع الصومال في مسار مختلف جذريًّا عن أفكار مؤسسيه. محمد ترونجي هو مؤرخ متخصص في أواخر الحقبة الاستعمارية والإدارة الاستعمارية الإيطالية والسنوات الأولى ما بعد الاستقلال، ومن الوضح أنه قد عمل جاهدًا حتى يتمكن من جمع كافة المصادر المختلفة (غالبًا الأساسية) لكتابة هذه القصة. وهو أكثر بعدًا وحيادًا ممن سبقه من المؤلفين في تناول الموضوع، فهو لا يدرج الكثير من أفكاره في سرده لقصة الكيفية التي ناضل بها الصوماليين لتحرير بلادهم من الحكم الاستعماري وشروعهم بعدها في إدارتها.  

الكتاب أساسي بالفعل لمن يرغب في معرفة "ما الذي حدث" في الصومال ولمَ كان الحكم العسكري جذابًا بالنسبة لأنصاره في 1969. لقد عانت البلاد في تسوية المشاكل التي ورثتها من الحقبة الاستعمارية، ما أدى إلى انزلاق الديمقراطية إلى فصائلية قائمة على العشيرة يتنافس فيها 60 حزبًا في انتخابات 69، الأمر الذي كان سانحة للعسكر لاستغلال الفوضى التي خلقها القادة المدنيون. إن تشخيص ترونجي لهذه اللحظة المصيرية لهو ثاقبٌ: 

"في غياب أي برنامج سياسي واضح أيام الانتخابات، بدأ الصوماليون بتوجيه نقد إثني لاذع إلى بعضهم البعض، وخرجوا من انتخابات 1969 أكثراستقطابًا بكثير من قبل على أسس إثنية. اعتلت المحاكم، واختلّت المؤسسات العامة وظيفيًّا، وكان الاقتصاد، الذي كان تهيمن علىيه انتاجية موز الحقبة الإيطالية، معطوبًا. وتبخر الكثير من الأمل الذي استقبل به الصوماليون  الاستقلال_ إذ لا يكاد قد تغير شيء للأفضل." 

 

أوائل الديمقراطيون في إفريقيا: آدن عبدالله عثمان وعبدالرزاق حسين، عبدي اسماعيل 

 

 

صدر هذا الكتاب أيضًا قبل الانقلاب ومؤلفه هو شقيق احمد اسماعيل سمتر، إن لم يظهر ذلك في اسمه على الفور. يحظى المؤلف باحترام كبير وهو باحث صومالي صاحب رأي. وقد درّس في جامعة مينسوتا لعدة سنين قبل أن يصبح سيناتورًا في البرلمان الصومالي. 

لدى عبدي مهمة واضحة في هذا الكتاب، وهي توضيح أن قادة الصومال الأوائل كانوا أولى القادة الديمقراطيِين الفعليين في إفريقيا، لأنهم كانوا أول زعماء في القارة تنحوا بشكل سلمي بعد خسارتهم للانتخابات، ما كان سابقةً إيجابيةً في القارة. يقول عبدي في كتابه أنه في عام 1967، أخلى آدن عبدالله عثمان فيلا الصومال، القصر الرئاسي، بشكل سلمي، وسلم مقاليد الحكم لعبد الرشيد على شرماركي. أشاد كينيث كاوند، الرئيس الزامبي، بعدها بعام بالديمقراطية الصومالية باعتبارها نموذجًا لأفريقيا، خلال زيارة للعاصمة: 

"تختلف الصومال للغاية عن بقية القارة على الأقل بطريقة فريدة. فعلى يساري هنا الرئيس السابق الذي تنحى بديمقراطية بعدما هُزم في الانتخابات، ومعه رئيس الوزراء السابق. وعلى يميني الرئيس الحالي ورئيس وزراءه يتناولان الطعام مع من سبقهما. إن هذا لمنظر رائع وغريب على بقية القارة. فالزعماء الأفارقة يواجهون أحد ثلاثة مصائر: إما ينفذون بجلدهم، أو يُسجنون، أو يحدث لهم أسوأ من ذلك." 

تجدر الإشارة إلى أن المرة التالية التي تنحى فيها زعيم إفريقي بعد خسارته للانتخابات كانت كاوندا نفسه، في 1991! 

بهذا الكتاب، أراد تقديم سردية مضادة لسيل كتابات "الدولة الفاشلة" الذي برز عما وصفه شقيقه "بالكارثة الصومالية". يدرك أغلب الصوماليين أن بلادهم تُعتبر أحد نماذج الدولة الفاشلة، ولديهم شكاوي حيال ذلك. يرغب سمتر في إيجاد جانب علاجي من التاريخ الصومالي الحديث ليتحدى النزعة إلى إضفاء الطابع المرضي على القضايا في الصومال. 

إن معظم ما كُتب عن تاريخ البلاد يميل نحو التشاؤم، ويتبنى نظرة قاتمة عن السياسة الصومالية. تتطلب الثيمات التي يجب أن يقارعها الكُتاب، من الحرب والإرهاب والدكتاتورية العسكرية والعشائرية وانهيار الدول في نهاية المطاف، جدية تلاءم الموضوع الذي كلّف الكثير من الأرواح. لكن هذا الكتاب ليس محاولة رمزية لإيجاد قصة مريحة، بل لتقديم صورة آسرة عن رجلين من أوائل رجال الدولة: آدن عبدالله عثمان، مؤسس البلاد والرئيس الذي حظى بشعبية واسعة، ورئيس وزراءه عبدالرزاق حسين. 

وعلى عكس "التاريخ غير المروي" لترونجي، ينبع المنظور المميز لعبدي من التزاماته الشخصية. فهو يقدم تشخيصًا فريدًا وآسرًا للقضايا الصومالية، ويؤكد أن الديمقراطيون المخلصون أمثال عثمان وحسين تم تهميشهم في نهاية المطاف من قبل السياسيين الذي لم يكونوا أكثر فسادًا فحسب، بل تدفعهم أيضًا المصالح الحزبية والفئوية. إنها دراسة أخاذة حقًّا، حتى إن اختلفتَ مع قراءته لما حدث للديمقراطية الواعدة في الصومال، فإنها تستحق وقتك.  

 

الطريق إلى الصفر: التدمير الذاتي في الصومال، محمد عثمان عمر 

 

من الصعوبة بمكان موضعة هذا الكتاب. سيكون ثمة دومًا فراغٌ لن تشغله سوى مذكرات في تقديم استبصارات عن تاريخ البلاد. إن محمد عثمان عمر هو أحد ديبلوماسيّي الصومال المحنكين، فقد تنقل بين مدن مثل لندن والخرطوم وبلغارد وطهران وغيرها.  

 ينسج هذا الكتاب بسلاسة نظرة عامة عن التاريخ الصومالي، من السعي في سبيل الاستقلال إلى اللحظة المحورية لانهيار الدولة. يمزج الكتاب ببراعة بين المذكرات والتقارير الصحفية والمقالات، ويُظهر اهتمامًا فطنًا بتفاصيل البلدان التي عمل فيها، كما يتعمق في ذات الوقت في الكيفية التي أثرت بها التحولات الديناميكية في موطنه على العلاقات الخارجية ودوره كموظف في الحكومة الصومالية. فهو يشتكي بمرارة على سبيل المثال أنه اضطر إلى أن يغني أسبوعيًّا بعد الانقلاب العسكري في 1969، "الزعيم سياد المنتصر!" مادحًا الزعيم سياد بري، ما وصفه "بالغرابة" و"الغباء". فقد كتب: 

"وددت معرفة جدية السفير بشأن هذا التبجيل، إلا أنني لم أستطع سؤاله. كان بوسع الموظفين الذي كانوا يجلسون في القاعات المجاورة سماعنا ونحن نغني. إنهم حتمًا تساءلوا عما كنا نفعله، ولم يتجرأوا على سؤالنا كذلك. كان سيُعد أي سؤال عن ذلك نقدًا للثورة، وبالتالي معاداةً لها." 

أحد فصول الكتاب المفضلة بالنسبة لي هو فترته في طهران. فهو يشاركنا مغامراته في المدينة، والأوقات التي اضطر فيها إلى التطرق إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها السافاك، إلى جانب أفكاره حول الساحة في الفترة التي سبقت الثورة في البلاد. وصف لاحقًا سقوط نظام الشاه، والذي حلله بنظرة قاتمة جدًّا ، "بالعدالة الشعرية". 

 إنه لكتاب شخصي، ومثير في بعض الأحايين، غير أنه سجل تاريخي جيد، من من وجهة نظر غير معتادة، منعشة ومسلية.