الأربعاء 13 نوفمبر 2024
شهد العالم تطورًا ملحوظًا في مشاركة المرأة في المجال السياسي، حيث أصبحت جزءًا أساسيًا في عملية صنع القرار، وهو ما يعكس سعي الدول إلى تحقيق التوازن بين الجنسين، وتعزيز الديمقراطية. لكن عندما نتحدث عن صوماليلاند، نجد أن الحضور السياسي للمرأة لا يزال محدودًا، ففي البرلمان -مثلا- المكون من 164 مقعدًا، لا توجد سوى عضوة واحدة فقط.
تشكل النساء نصف المجتمع تقريبًا، ويساهمن بجهودات واضحة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لكن وعلى الرغم من ذلك، فعندما يتعلق الأمر بالتمثيل السياسي، تواجه المرأة صعوبات كبيرة تحول دون وصولها إلى مناصب قيادية، سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني أو في القطاعات الحيوية، مثل القضاء، وغالبا لا تتجاوز نسبة النساء في المناصب الوزارية أكثر من مقعدين، بينما تغيب تمامًا عن المناصب العسكرية والأمنية.
يرتبط تهميش المرأة في السياسة في صوماليلاند بعدة عوامل، تتداخل فيها القيم القبلية والثقافة التقليدية، بالإضافة إلى التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجهها المنطقة. تأتي النظرة التقليدية للمجتمع تجاه المرأة في السياسة في مقدمة تلك العوامل، إذ تسود الشكوك حول قدرتها على الانخراط في الحراك الشعبي والوصول إلى مناصب قيادية داخل الحكومة أو في الأحزاب السياسية. هكذا تضع هذه التصورات النمطية المرأة في إطار أقل استقلالية، وقدرة على تحمل الضغوطات مقارنة بالرجل، وغالبا ما يظهر هذا التحيز جلياً في المعوقات المؤسسية التي تواجهها في هذا المجال.
يلعب العامل الديني دوراً مؤثراً في تقييد مشاركة المرأة في الحياة العامة، حيث تعتمد تلك التفسيرات على تأويلات تقلل من دورها خارج النطاق الأسري، وتحد من نشاطها في المجال السياسي والاجتماعي، وتعزز هذه التفسيرات الهيمنة الذكورية في المؤسسات الدينية التي يسيطر عليها الرجال. هكذا، تصبح الهيمنة الذكورية مقبولة اجتماعياً ومبررة دينياً، ما يزيد من صعوبة تغيير الوضع الحالي، ودفع المرأة نحو أدوار قيادية مؤثرة.
يعد العائق الاقتصادي بدوره من أبرز التحديات التي تواجه المرأة في المجال السياسي، فغالباً ما تفتقر إلى الاستقلالية المالية اللازمة، وتتطلب عملية الترشح للانتخابات نفقات كبيرة، تشمل رسوم الترشح وتكاليف الحملات الانتخابية، ما يشكل عبئاً مالياً يحد من قدرة المرأة على الانخراط بفعالية في الساحة السياسية. كما أن أغلب الوظائف المتاحة للنساء تتركز في القطاعات الخدمية التقليدية ذات الأجور المتدنية، والمكانة الوظيفية الضعيفة، ما يجعل حصولهن على الموارد المالية اللازمة لدعم حملاتهن الانتخابية أمراً صعباً. كل ذلك، يجعل المرأة أقل قدرة على المنافسة في الحياة السياسية.
في المقابل، تُعد العشائر الوحدة الأساسية للتنظيم في صوماليلاند، وهي تسيطر على مختلف الجوانب السياسية، بدءاً من اختيار الناخبين، وتوجيه توجهاتهم السياسية، وصولاً إلى نسج التحالفات وتحديد السياسات العامة بما يخدم مصالحها. يتولى رجال العشيرة، المثقلون بالموروث الثقافي التقليدي، هذه الأدوار، حيث ينظرون إلى دور المرأة ضمن الأسرة والمجتمع، باعتباره أهم من مشاركتها في السياسة، واتخاذ القرارات العامة. لهذا السبب، يميلون إلى رفض انخراط المرأة في العمل السياسي، ما أدى في النهاية إلى غياب تمثيل النساء في مجلس النواب بعد انتخابات عام 2021.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن عدد النساء المنتخبات في الانتخابات الوطنية في صوماليلاند كان دائماً أقل من المتوقع، فعلى سبيل المثال، في انتخابات مجلس النواب لعام 2005، تم انتخاب امرأتين فقط من بين 28 مرشحة، أما في مجلس الشيوخ، الذي كان تكوينه أصلاً على أساس اختيارات العشائر، فقد شغل الرجال جميع المقاعد البالغ عددها 82 مقعداً. وفي انتخابات المجالس المحلية لعام 2012، فازت النساء بعشرة مقاعد فقط من أصل 375 مقعداً، وفقاً للجنة الانتخابات الوطنية في صوماليلاند.
الأحزاب السياسية التي تنافس على الرئاسة هذا العام ليس من بينها أي حزب تقوده امرأة أو تشغل فيه منصباً مهماً، أما الجمعيات السياسية المتنافسة فلا يوجد من بينهم سوى جمعية واحدة تقودها امرأة، وقد اندمج مؤخرا مع الحزب الحاكم، وهذا يدل على أن مشاركة النساء في السياسة في صوماليلاند ما زالت مهمشة للغاية، حيث تفتقر النساء إلى التمثيل القيادي والمشاركة الفاعلة في صنع القرار السياسي.
تعكس هذه الأرقام الإقصاء شبه الكامل للمرأة من المجال السياسي في صوماليلاند، ويرتبط ضعف مشاركتها بضعف العمل السياسي العام في البلاد، نتيجة غياب تيارات وأحزاب سياسية قوية وفعالة. تحتاج صوماليلاند لمواجهة هذه التحديات إلى تبني حلول شاملة، مثل إقرار نظام الكوتا لضمان نسبة معينة لتمثيل النساء في المناصب السياسية، وتوفير فرص عمل ومشاريع ريادية للنساء، لتعزيز استقلالهن الاقتصادي، وتمكينهن من المشاركة السياسية.
كما أن من الضروري تنظيم برامج توعية وتثقيف على المستوى الوطني، وحتى إطلاق حملات لتغيير النظرة السلبية تجاه دور المرأة في السياسة، إضافةً إلى مكافحة العنف والتحرش السياسي بهدف خلق بيئة تتيح للنساء المشاركة بحرية وأمان، وتقليل التمييز والتحيز ضدهن، هذه الجهود مجتمعة، يمكن أن تساهم بمرور الوقت في تقليص إقصاء المرأة، وزيادة مشاركتها الفاعلة في صنع القرار.