تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 7 نوفمبر 2024

سياسة

انتخابات مصيرية في صوماليلاند: إلى أين تتجه البلاد؟

31 أكتوبر, 2024
الصورة
 صوماليلاند
الصورة: لجنة الانتخابات في صوماليلاند
Share

تفصل أيام قليلة ناخبي صوماليلاند عن التوجه لصناديق الاقتراع، لاختيار رئيس البلاد القادم والأحزاب السياسية الثلاث التي ستُمنح الصفة القانونية، في انتخابات يصفها الجميع بالمصيرية، كونها جاءت بعد أزمة سياسية لمدة عامين، هددت ثلاثة وثلاثين عامًا من الاستقرار في الجمهورية المُعلنة من طرف واحد.

تظافرت الظروف التي منحت هذه الانتخابات وصف المصيرية، منها؛ تبعات مذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة مع إثيوبيا، والتي كانت بمثابة الورقة الفائزة بيد الحزب الحاكم، قبل أنّ تنقلب بين بيدي المعارضة، بسبب الضبابية التي تحيط بمصيرها، ثم الاستياء الشعبي الكبير من الأوضاع المعيشية، وتراجع الحريات والفساد بعد 14 عامًا من حكم حزب كولميه، وقضية لاسعانود التي أضرت بمكانة وسمعة البلاد.

من الأزمة إلى الانفراج 

انتهت أولى جولات الحملة الانتخابية الساخنة في صوماليلاند، والتي شهدت عدة خروقات من أكبر حزبين يتنافسان على منصب الرئاسة، وهما: حزب التضامن الحاكم "كولميه"، والحزب الوطني المعارض "وداني". فقد رصدت اللجنة الوطنية للانتخابات العديد من المخالفات، من بينها مشاركة أفراد يحملون السلاح في إحدى مسيرات الحزب الحاكم، ما دفعها إلى تغريم مدير قصر الرئاسة بمبلغ 20 مليون شلن، وإلغاء التجمعات الليلية للحزبين معا، ومنع الدعاية الانتخابية في بعض المناطق.

ستفتح لجان الانتخابات أبوابها أمام المواطنين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية وانتخابات الجمعيات السياسية، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد عامين من التأجيل، حيث يفترض أن تعقد عام 2022، مع انتهاء الولاية الدستورية للرئيس موسى بيحي عبدي، والصلاحية القانونية للأحزاب الثلاثة. 

سبق ذلك، عقد الانتخابات التشريعية والبلدية، في مايو/ أيار 2021، والتي حصل فيها الحزب الحاكم على 30 مقعدًا، مقابل 52 مقعدًا لحزبي المعارضة؛ "أوعيد" و"وداني"، واللذين فازا بناء على التحالف برئاسة مجلس النواب. 

لقد شهدت صوماليلاند ما يمكن وصفه بمراوغات الحزب الحاكم لتجنب خسارة الرئاسيات، بدءا بمحاولة إقرار تعددية سياسية، بدلًا من حصر الأحزاب المُعترف بها في ثلاثة فقط، ثم السعي إلى تقديم انتخابات الجمعيات على الانتخابات الرئاسية. استعان الرئيس بيحي عبدي بمجلس الشيوخ في صراعه مع المعارضة، وحصل من المجلس على تمديد لعقد الانتخابات الرئاسية حتى نوفمبر/ تشرين الأول 2024، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. فيما جدد المجلس لنفسه، لمدة خمسة أعوام، بعد تجديد سابق مدته عامين، ما يعني أنّ انتخابات مجلس الشيوخ ستُعقد متأخرة 7 أعوام عن موعدها القانوني. 

أفضى ذلك إلى خلافات سياسية واسعة النطاق، بين الحزب الحاكم والمعارضة، ونظمت المعارضة تظاهرات احتجاجية، قامت خلالها الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، ما تسبب في وقوع قتلى ومصابين في صفوف المدنيين. كما تعرضت قيادات في حزب "وداني" المعارض للاعتقال.

اُنتقدت مفوضية الانتخابات، خلال هذه الأزمة، لانحيازها إلى الحزب الحاكم، وكادت أن تجرّ البلاد إلى فوضى أمنية، خاصة بعد ولادة مجموعة مسلحة متمردة في جبال "غعن لباح"، أعلنت التمرد بسبب تأجيل الانتخابات، وهاجمت قوات الشرطة، وأوقعت بينهم 10 قتلى و17 مصابًا. من جانبها، احتجت الجمعيات الحزبية الجديدة، وكانت محقة وفق اللوائح الدستورية.

تمكنت صوماليلاند بالمجمل من تخطي الأزمة، بفضل وساطة القيادة التقليدية لعشيرة "هبرجعلو" التي كُلفت بالبحث عن مخرج، وأصدرت بنودا تدعو إلى حل المليشيات، وتضع خارطة لإجراء انتخابات مزدوجة. وقد ترجم مجلس النواب والرئيس الاتفاق بإصدار قانون الانتخابات، الذي حدد موعدها في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. كما صدر عفو رئاسي عن المتمردين، الذين سُويت قضيتهم ضمن التسوية الشاملة لأزمة الانتخابات.

انتخابات الجمعيات السياسية 

ينصّ دستور صوماليلاند على أنّ "عدد الأحزاب السياسية يجب ألا يتجاوز الثلاثة"، ويوضح قانون "تنظيم الجمعيات والأحزاب السياسية"، لعام 2011، آليات تطبيق ذلك، من خلال عقد انتخابات الجمعيات السياسية كل عشرة أعوام. وذلك عن طريق انتخابات البلديات على المستوى المحلي، وتتأهل الجمعيات الثلاث المتصدرة للنتائج، لتصبح أحزابا سياسية مُعترف بها، ويكون لها الحق الحصري في التنافس على كافة الاستحقاقات الانتخابية. 

هذه الأحزاب المُعترف بها منذ عام 2012، هي: حزب التضامن الحاكم "كولميه"؛ ذي التوجهات اليمينية الليبرالية، وحزب العدالة والتنمية "أوعيد" القريب لليسار الاجتماعي، والحزب الوطني "وداني" صاحب التوجهات القومية الشعبوبية المحافظة. إضافة إلى ذلك، توجد تسع جمعيات سياسية، تستعد للتنافس في الانتخابات المؤهلة لتحديد الأحزاب القانونية، بعد استيفاء متطلبات التسجيل للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي. 

عُقدت انتخابات الجمعيات السياسية الأخيرة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وحافظ فيها حزبا "كولميه" و"أوعيد" على مكانتهما، منذ أول انتخابات في عام 2002. فيما فازت جمعية سياسية جديدة حملت اسم حزب "وداني"، وحلّت جمعيات أخرى في المراتب مهمة بعدد أصوات كبير نسبيًا، ما قد يمكنها من الفوز بأحد المراكز المؤهلة للاعتراف القانوني باعتبارها حزبا سياسيا في الانتخابات المقبلة. 

وفقًا لذلك، يوجد سيناريوهان لشكل الحياة السياسية بعد الانتخابات المقبلة؛ الأول، أنّ تحتفظ الأحزاب الثلاثة بالمراكز الثلاثة الأولى، ولا يحدث أي تغيير. والثاني، أن يفقد حزب أو أكثر الصدارة، وتحلّ جمعية سياسية جديدة أو أكثر محلهم، وهنا تدور التوقعات حول فوز جمعية "كاه". وفي هذه الحالة، فإنّ أعضاء مجلس النواب للحزب الخاسر سيكون عليهم التسجيل في إحدى هذه الأحزاب.

شيخوخة النخب السياسية

فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، ينحصر الترشح على الأحزاب الثلاثة المُعترف بها. تتنافس نفس الوجوه الثلاثة التي تقدمت للانتخابات السابقة في 2017، وهم: الرئيس موسى بيحي عبدي عن الحزب الحاكم، وعبد الرحمن عيرُّو عن حزب وداني، وفيصل علي ورابي عن حزب أوعيد المعارض. وفي إطار التحضير للانتخابات، أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات (SLNEC) عن جدول العملية الانتخابية، وكذا قوائم الناخبين، المُقدرين بنحو 1.27 مليون نسمة، يتوزعون على ست مقاطعات رئيسية، منها مقاطعة سول، التي شهدتا صراعات مسلحة بين قوات عشائرية وجيش صوماليلاند، وانتهت بانسحاب الأخير بعد تعرضه لخسائر كبيرة، ومن غير المُرجح أنّ تُعقد الانتخابات فيهما.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحزب الحاكم يحتفظ بالسلطة منذ 14 عامًا، وهي فترة طويلة مكنته من خلق نفوذ قوي داخل مؤسسات الدولة. وتجلى هذا في موقف الشرطة العنيف تجاه المعارضة والمتظاهرين، قبل عامين. لذا سيكافح موسى بيحي للبقاء في منصبه لولاية ثانية، ولن يقبل بإنهاء حكمه بهزيمة عسكرية في لاسعانود. 

يرى مراقبون أنّ حظوظ حزب وداني أكبر بالفوز في الانتخابات الرئاسية، نظرًا للاستياء الشعبي من 14 عامًا تحت حكم حزب كولميه لم يتحقق فيها الكثير وفق مراقبين. أدت المعالجة غير السليمة من جانب الرئيس بيحي لأزمة لاسعانود إلى تفاقمها، وانتهت بهزيمة عسكرية لجيش صوماليلاند، وإعلان لاسعانود الانفصال عن صوماليلاند وتأسيس ولاية باسم "خاتمو". وفيما يتعلق بمذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لم يتحقق الوعد بالاعتراف الإثيوبي باستقلال البلاد بعد مضي نحو عشرة أشهر، وتحمل الشعب تبعات ردّ فعل الحكومة الفيدرالية التي تتعلق بالمطارات وشركات تحويل الأموال. مقابل ذلك، يتصدر حزب وداني المشهد السياسي، حيث حقق الصدارة في انتخابات مجلس النواب في 2021، وحقق مع حزب أوعيد الأغلبية في المجلس وفي المجالس البلدية، بينما تراجعت حظوظ الحزب الحاكم الذي شهدت البلاد تحت حكمه العديد من الأزمات والتعطيل المتكرر للانتخابات.

ختامًا، هناك عوامل تدعو للتفاؤل بشأن الانتخابات المقبلة، من بينها الدور الإيجابي للقيادات العشائرية، في حلّ الخلافات السياسية الداخلية، وانحصار الحضور الأجنبي في التأثير في العملية الانتخابية، كما هو معتاد في الصومال، وقدرة صوماليلاند على معالجة الخلافات. وأخيرًا، الخبرة المتراكمة في تنظيم انتخابات تتسم بالنزاهة إلى حد كبير لدى اللجان الانتخابية في المنطقة، وكذلك المشاركة الشعبية الحقيقية في الاستحقاقات الانتخابية.