الخميس 7 نوفمبر 2024
بعد أنّ كشفت نتائج الانتخابات الأولية عن فوز الرئيس السابق دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، يترقب العالم النهج الذي سيتبعه الأخير تجاه القضايا الدولية الساخنة، وانعكاس توجهاته التي تمنح الداخل الأولوية على دول العالم، ومنها إقليم القرن الأفريقي، الذي شهد العديد من الصراعات والأزمات في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
ينتظر الإدارة الجديدة العديد في المنطقة، من الأزمة الصومالية - الإثيوبية على خلفية مذكرة التفاهم بين الثانية وصوماليلاند، إلى الصراعات المسلحة في إثيوبيا، ومأزق تطبيق اتفاق سلام بريتوريا الذي رعته إدارة بايدن، والعسكرة المتنامية لأزمات المنطقة مع الانخراط المصري العسكري إلى جانب الصومال، وتبعات حرب إسرائيل على غزة ولبنان على الملاحة الدولية.
أصدر دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والفائز بانتخابات 2024، قبيل أيام من مغادرته البيت الأبيض، أمرًا بسحب مئات من الجنود الأمريكيين من الصومال، متخليًا عن التزام بلاده الطويل بدعم وتدريب وتأهيل القوات العسكرية والأمنية في الصومال. سبق ذلك بثلاثة أشهر، قرار آخر من إدارته بقطع 100 مليون دولار من المساعدات عن إثيوبيا على خلفية نزاعها مع مصر في قضية سدّ النهضة.
يقدم القراران مثالًا حول توجهات إدارة ترامب تجاه قضايا القرن الأفريقي، مقابل نهج مغاير لإدارة الرئيس الديمقراطي جو بادين. انخرطت إدارة الأخير بفاعلية أكبر في قضايا المنطقة، وتبنت موقفًا أكثر حيادية تجاه الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سدّ النهضة، لكن دون أنّ تصل إلى التعهدات التي قطعتها الإدارة في إستراتيجيتها حول القارة، كما تراجع بايدن عن تعهده بزيارة القارة ممثلة في دولة أنغولا.
يمكن استشراف سياسة ترامب نحو القرن الأفريقي من خلال ثلاثة محاور؛ الاستراتيجية العامة تجاه قارة أفريقيا، وارتباط القرن الأفريقي بالممرات الملاحية الدولية والأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط، والتعامل مع قضايا دول الإقليم البينية والخاصة. يرى الباحث تافي ماكا (Tafi Mhaka) أنّ كاميلا هاريس ما كانت لتختلف عن توجهات إدارة بايدن تجاه أفريقيا، التي نظرت للقارة من منظور أوسع من ترامب المعروف بسياسته التي تركز على الداخل الأمريكي.
بطبيعة الحال، تختلف أولويات ترامب عن بايدن تجاه القارة، حيث ركزت استراتيجيته إبان ولايته الرئاسية الأولى على تعزيز مصالح الولايات المتحدة ومكانتها في القارة بشكل مباشر، من خلال تشجيع التبادل التجاري (العادل)، والتعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي الأمريكي. اتسمت عهدة ترامب السابقة بحزم أشد بشأن برامج الدعم والمنح المالية، ولم تشغله قضايا حقوق الإنسان والتغير المناخي وتمكين المرأة والمجتمع المدني.
علي عكس ذلك، بدأت استراتيجية إدارة بايدن – هاريس بديباجة تتحدث عن مكانة أفريقيا الرائدة عالميًا وشراكتها في مواجهة أزمة المناخ وتشكيل النظام الدولي، ورأت في الفساد وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والقمع التحديات الكبرى في القارة. كما وضعت برنامج من أربعة محاور لتعزيز العلاقات مع أفريقيا – جنوب الصحراء، شمل تشجيع الانفتاح والمجتمعات المفتوحة، وتوزيع مكتسبات الديمقراطية والأمن، ودعم التعافي من الوباء والفرص الاقتصادية، ودعم المحافظة على البيئة والتكيف مع المناخ والتحول العادل للطاقة. وكانت أشد حزمًا تجاه روسيا، حيث حملتها مسؤولية انعدام الأمن الغذائي في القارة، بينما اتفقت مع إدارة ترامب حول مواجهة النفوذ الصيني.
عرفت القارة العديد من المستجدات خلال الأعوام الأربعة الماضية، منها الانقلابات العسكرية في غربها، وتقلص النفوذ الأمريكي العسكري وصولًا إلى الانسحاب من النيجر، وزيادة الانخراط العسكري الروسي، وارتفاع مستوى الصراعات والعنف، وتوسع النفوذ الصيني الاقتصادي، وهي تحديات سيتعين على الإدارة الجديدة اتباع نهج قادر على مواكبتها.
ستتأثر دول القرن الأفريقي بسياسة الإدارة الجديدة، خاصة في موقفها من تجديد قانون النمو والفرص في أفريقيا "أجوا" الذي ينتهي العمل به في 2025. سمح القانون بنفاذ صادرات دول أفريقيا – جنوب الصحراء دون رسوم جمركية إلى الولايات المتحدة لمدة 25 عامًا، ومن المفترض أنّ يُحدث القانون قبيل عرضه على الكونغرس لتمديد العمل به، وهو الأمر الذي تخشاه دول أفريقية.
شهد القرن الأفريقي العديد من الأحداث الكبيرة، مثل: حرب تيغراي في إثيوبيا، والحرب في السودان، والخلافات الصومالية الإثيوبية على خلفية مذكرة التفاهم بين الثانية وصوماليلاند، وتوتر العلاقات بين الجارتين إثيوبيا وإريتريا.
ألقت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة بعد هجوم حماس، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بظلاله على القرن الأفريقي، حيث دخلت الولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة عسكرية مباشرة مع جماعة أنصار الله "الحوثيين" الموالين لإيران في اليمن، بعد استهداف الأخيرة لإسرائيل لمساندة قطاع غزة، وما خلفه ذلك من تبعات على الملاحة الدولية.
تمثّل هذه الظروف تحديات أمام نهج إدارة ترامب، حيث تفرض على الولايات المتحدة مزيدا من الانخراط العسكري في دول القرن الأفريقي، لإسناد العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، سواء التي تشنها واشنطن وحليفتها إسرائيل.
بالتوازي مع هذا، شهد الإقليم تحولات جذرية في العلاقات البينية بين دوله، على خلفية أزمة مذكرة التفاهم بين صوماليلاند وإثيوبيا. أججت الأزمة من مخاطر اندلاع صراعات مسلحة لتسوية الخلافات، خاصة بعد توقيع الصومال اتفاقية تعاون عسكري مع مصر، التي استفادت من الأزمة في كسب حلفاء جدد مجاورين لإثيوبيا.
ستدفع هذه المستجدات إدارة ترامب الجديدة للانخراط بشكل أكبر لمنع تفاقم الخلافات في القرن الأفريقي، لكن بنهج مغاير عن إدارة بايدن. يرى كثيرون أنّ ترامب انحاز لصالح مصر في صراعها مع إثيوبيا بسبب سدّ النهضة، ولهذا قد توظف القاهرة علاقاتها الجيدة معه للتأثير على السياسة الأمريكية تجاه القرن الأفريقي، بما يخدم مصالحها.
من المتوقع أنّ تكون مراجعة برامج التعاون الدولي والتمويل على رأس أولويات الإدارة الجديدة، خاصة البرامج التي تتعلق بتمويل التحول نحو الطاقة النظيفة وقضايا الديمقراطية والمجتمع المدني. ومن المرجح أنّ تتخذ إدارة ترامب المقبلة إجراءات أشد حزمًا بحق الحوثيين وإيران في اليمن، وهو ما يعني مزيدا من العسكرة في جنوب البحر الأحمر وأمام شواطئ القرن الأفريقي على خليج عدن والمحيط الهندي.
بخلاف ترامب زاد حضور الولايات المتحدة مع بايدن في الصومال، خاصة بعد تنصيب حسن شيخ محمود في مايو/ أيار 2022، حيث دعمت العمليات العسكرية التي استهدفت حركة الشباب المصنفة إرهابيةً. كما تعهدت واشنطن بتقديم 100 مليون دولار للمساعدة في بناء القوات الأمنية في مارس/ آذار الماضي، ضمن اتفاقية أمنية تتضمن بناء مزيد من القواعد العسكرية في البلاد
وفي دلالة على اهتمام إدارة بايدن – هاريس بالصومال، زار رئيس وكالة المخابرات المركزية مقديشو لبحث العديد من الموضوعات منها التعاون الأمني والحرب ضد حركة الشباب والأزمة مع إثيوبيا والبعثة الانتقالية الجديدة التي ستخلف أتميس. بينما ركزت إدارة ترامب على العمليات العسكرية المنفردة، من خلال استهداف حركة الشباب وداعش بغارات الطائرات المسيرة، التي وصل عددها إلى 219 غارة جوية مقابل 49 غارة جوية في عهد خلفه حتى تاريخ يوليو/ أيلول الماضي.
لا شك، أن الحكومة الفيدرالية في مقديشو في حاجة إلى الدعم الأمريكي في بناء وتمويل القوات الأمنية والعسكرية ومشاريع التنمية، وهو الدعم الذي قد يتعرض للمراجعة من إدارة ترامب، كما فعل في ولايته الأولى حيث نصّت استراتيجيته على مراجعة وإعادة تنظيم برامج المساعدات الخارجية.
يحتم هذا على إدارة الرئيس حسن شيخ محمود المبادرة ببناء علاقات إيجابية مع إدارة ترامب، لضمان استمرار الدعم المالي والتدريبي للقوات الأمنية والعسكرية، في وقت تستعر فيه حربها ضد حركة الشباب. ويمكنها الاستفادة من تفاخر ترامب بحزمه في الحرب ضد الجماعات التي تصنفها واشنطن على قوائم الإرهاب. يبدو أنّ حسن شيخ يدرك هذا، فبادر بتهنئة ترامب بفوزه الذي وصفه بـ"التاريخي"، وكتب عبر منصة "أكس" متطلعًا إلى "مواصلة التعاون والشراكة القوية بين بلدينا لتعزيز السلام والأمن والازدهار المشترك لبلدينا".
يعتبر الاعتراف باستقلال صوماليلاند من القضايا الهامة أمام الإدارة الجديدة، وكشف تقرير خاص من صحفية "افريكا انتلجنس" عن وجود محاولات من دبلوماسيين مقربين من ترامب لحثه على الاعتراف باستقلال صوماليلاند.
من جانب آخر، يثير فوز ترامب مخاوف من فرض قيود مشددة على دخول مواطني دول إسلامية إلى الأراضي الأمريكية، كما سبق وفعل في ولايته الأولى، حين منع دخول مواطني ست دول إسلامية من بينها الصومال. كان ملف اللجوء والهجرة غير الشرعية على رأس برنامج ترامب الانتخابي، حيث تعهد بإغلاق الحدود وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتبني سياسات أشد صرامةً تجاه الهجرة.
يتحدث جولي هيرشفيلد ديفيس ومايكل د. شير، في كتابهما "حروب الحدود"، عن أنّ ترامب والمستشار السياسي السابق في البيت الأبيض ستيفن ميلر كان يكنان كراهية خاصة للصوماليين، وكثيراً ما استشهدا به أو بمواطنيه عندما كانا يتحدثان عن المخاطر المحتملة التي يشكلها اللاجئون وغيرهم من المهاجرين على الولايات المتحدة. حدث الكثير منذ ولاية ترامب الأولى، فقد تغير خطابه نسبيًا ناحية المهاجرين، وتودد إلى المواطنين من أصول متنوعة، بما فيهم الجالية العربية والمسلمين.
رُصد خلال الانتخابات الأخيرة تحول في الجالية الصومالية، من التصويت للديمقراطيين إلى ترامب، لأسباب منها التقارب في الطرح الفكري المحافظ، خاصة من المهاجرين من الجيل الأول، المتخوف من اللاجئين، ومع ذلك فازت هاريس بأصوات المجمع الانتخابي في ولاية مينيسوتا، بفضل الأصوات التي حصدتها في مقاطعة هنيبن (Hennepin) وحاضرتها مدينة مينابولس التي تعتبر أهم مراكز المواطنين المنحدرين من الصومال.
يفرض نهج ترامب على الصومال ودول القرن الأفريقي تحديات كبيرة، فمن ناحية تحتاج هذه الدول إلى الدعم المالي المباشر من الولايات المتحدة، والدعم غير المباشر لدى المؤسسات المالية الدولية التي تضطلع بدور كبير في تمويل برامج التنمية ومنح القروض والإشراف على البرامج الاقتصادية الإصلاحية، خاصة مؤسسة صندوق النقد الدولي ومؤسسة التمويل الدولية وغيرهما. لهذا فمن الضروري أنّ ألا تبقى دول المنطقة رهينةً لهوية سيد البيت الأبيض، ويتطلب هذا إعادة بناء ذاتي يصبو إلى البناء والتنمية، للخروج من عقود طويلة من الصراعات الداخلية وعلى الارتهان للخارج.