تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

هل تُنهي السعودية صراع الديكة الخليجي على العلاقات مع إريتريا؟

13 أبريل, 2024
الصورة
Afwerki
الرئيس أسياس أفورقي مع صاحب السمو الملكي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، 29 أبريل (via Eretaria Madote) 2015
Share

توصف العلاقات بين دول الخليج العربية وإريتريا خلال الأعوام العشرة الماضية بـ"صراع الديكة"؛ فمن قطر إلى الإمارات ثم السعودية، شهدت علاقات الدول الثلاث بأسمرا تقلبات كان في القلب منها الصراعات والتحولات داخل البيت الخليجي.

البداية كانت مع الوساطة القطرية في الأزمة الحدودية التي اندلعت بين إريتريا وجيبوتي عام 2008، حين وافق الطرفان على وساطة وتحكيم قطري عام 2010، ونجحت الدوحة في تهدئة النزاع حتى سحب قواتها التي كانت تراقب الحدود بين البلدين عام 2017 إبان أزمتها مع دول الرباعية (السعودية والإمارات ومصر والبحرين).

قبيل انسحاب الدوحة بعامين حين قادت السعودية حرب التحالف العربي في اليمن رداً على استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء، دخلت الإمارات إلى أسمرا من بوابة التعاون العسكري لخدمة أهدافها في اليمن. 

لاحقاً بعد ستة أعوام انسحبت أبو ظبي بشكل فجائي كما دخلت، في ظل توترات سياسية عصفت بالقرن الأفريقي. وفي ظل تحولات كبيرة في أروقة السياسة السعودية عادت أسمرا مرة أخرى إلى لتعزيز علاقاتها بالرياض. 

 

مقاربة أبو ظبي العسكرية

كانت الإمارات التي تحظى بعلاقات قوية بإثيوبيا ومثلها مع إريتريا حتى وقت قريب فاعلة في إدارة العلاقات الإقليمية بين دول القرن الأفريقي خلال السنوات الخمس السابقة، حين سهلت التوصل لاتفاق السلام التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا في 2018.

مهد ذلك الطريق لإقامة علاقات ثلاثية طموحة، عبرت عن نفسها في الحرب في تيغراي نوفمبر/تشرين الثاني 2020-2022. لكن ذلك الحلف لم يصمد أمام التبعات الإنسانية والسياسية للحرب، خاصة مع تدخل أسمرا العسكري في تيجراي.

وشهدت العلاقات الإماراتية مع إريتريا نقلة نوعية في العام 2015 بتوقيع اتفاقية إنشاء القاعدة العسكرية في مدينة عصب الساحلية. شيدت أبو ظبي ميناء ومهبط للطائرات في المدينة، بعد حصولها على عقد إيجار للقاعدة لمدة 30 عامًا، وذلك بهدف نقل الأسلحة الثقيلة والقوات إلى اليمن، حيث كانت تقاتل إلى جانب قوات التحالف الذي تقوده السعودية، ضد الحوثيين الذين تدعمهم إيران.

وعندما تغيرت إستراتيجية أبو ظبي تجاه الحرب في اليمن، وشرعت في الانسحاب من القتال ضد الحوثيين عام 2019 تقلصت أهمية قاعدة عصب العسكرية، وشرعت مطلع 2021 في تفكيك أجزاء من القاعدة.

يقول خالد طه، الباحث السوداني في شؤون القرن الأفريقي، إنّ "الاتفاق بين الإمارات وإريتريا مثلما كان سريعًا يشوبه الغموض جاء التخلي عنه بذات الطريقة".

ويتابع لـ"جيسكا" بأنّ إريتريا لم تحصل على أي من الوعود التي أُشيعت عند إبرام اتفاق منح الامتياز، بل أثر تقييد حركة الملاحة البحرية التجارية ومصائد الأسماك سلبًا على الصيادين المحليين.

بدورها ترى إيرينا تسوكرمان، محللة العلاقات الدولية، أن الكثير من نشاط الإمارات في الماضي اشتمل على التنافس مع قطر ودول أخرى على الوصول البحري والموانئ في مختلف البلدان الأفريقية، فضلاً عن التنمية الاقتصادية والاستثمارات.

تقول لـ"جيسكا" إنّ "القضية الرئيسية للإمارات إنشاء قاعدة على البحر الأحمر، ولتحقيق هذه الغاية، قررت التركيز على السودان".

لكن لماذا تخلت أبو ظبي عن قاعدتها في عصب مقابل البحث عن قواعد وموانئ في السودان؟

تبدأ الإجابة من الواقع في إريتريا ثم علاقاتها مع إثيوبيا. يتطلب ذلك العودة إلى حرب تيغراي التي أدت لتوتير علاقات أديس أبابا مع حلفائها الأساسيين في الولايات المتحدة وأوروبا.

في السياق ذاته، تدرك أبو ظبي أنّ الاستثمار في موانئ إريتريا لن يكون مجديًا إلا من خلال تحويل وجهة التجارة الخارجية لإثيوبيا من جيبوتي إلى موانئ إريتريا، خاصة في ظل ضعف الاقتصاد الإريتري من جانب، وانغلاق تلك الدولة على العالم الخارجي نسبيًا، حيث تُشبه بـ"كوريا الشمالية" لكن في نسخة أفريقية.

 

الإمارات وذهب إريتريا

وبحسب الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، لا تزال إريتريا واحدة من أقل البلدان نموًا في العالم، على الرغم من النمو الاقتصادي الأخير من قطاع التعدين. تعاني البلاد من ارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص الحصول على الدخل وارتفاع مستويات الفقر.

ورغم ضعف الاقتصاد إلا أنّ إريتريا تحقق فائض في ميزان التبادل التجاري بفضل صادراتها من المعادن وعلى رأسها الذهب والزنك. وتستورد أبو ظبي الذهب فقط من إريتريا، وبحسب بيانات منظمة (OEC) عن 2022، استوردت أبو ظبي ذهب بقيمة 263 مليون دولار. 

بينما بلغت صادرات الإمارات إلى إريتريا 114 مليون دولار في العام نفسه، ليبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 377 مليون دولار، لتصبح الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإريتريا بعد الصين.

مقابل نمو العلاقات التجارية بين البلدين، والتي تمثّل أهمية لأبو ظبي فيما يتعلق بالذهب في المقام الأول، تراجعت العلاقات السياسية بينهما، حيث أدى التراجع السريع في علاقات إثيوبيا وإريتريا إلى تراجع طموح أبو ظبي السياسي. كان للإمارات خطط طموحة تجاه الاستثمار في العلاقات بين أسمرا وأديس أبابا، في مجال الموانئ في المقام الأول، ومن ذلك خطة إنشاء خط أنابيب لنقل النفط من ميناء عصب إلى إثيوبيا.

لكن مع انفضاض حلف الثلاثي (إثيوبيا وإريتريا والإمارات) لم تعد خطط أبو ظبي ذات جدوى.

تبعت تلك التحولات أخرى تقاطعت فيها مصالح أسمرا وأبو ظبي، وعلى رأسها الحرب في السودان وتوقيع مذكرة التفاهم البحرية بين صوماليلاند ودولة إثيوبيا.

تدعم الإمارات قوات الدعم السريع بالمال والسلاح والمرتزقة بحسب اتهام رسمي من الحكومة السودانية، فيما تقوم أسمرة بدعم الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، الذي زار إريتريا في خضم الحرب الدائرة.

وقال تقرير لمركز أبحاث "رفت فالي إنستيتيوت"، إن أسمرة تريد ممارسة ضغط ولكنها لا تريد إسقاط الجيش، لأن "حلفائها التقليديين في الشرق يدعمونه"، كما أنها لا تميل إلى دعم قائد قوات الدعم السريع المتحالف مع أبوظبي، لأن ذلك قد يعزّز نفوذ الإمارات في شرق السودان، وبالتالي يجعل القرن الأفريقي طيعًا بدرجة أكبر بالنسبة إلى الخليج.

 

خلافات سياسية

يقول خالد طه إنّ "الذي تغير بعد انتهاء حرب تيغراي هو ثبات النتيجة الصفرية بالنسبة لإريتريا، وجاءت حرب السودان لتأزم الوضع أكثر بعد وقوف الإمارات إلى جانب ميليشيا الدعم السريع، ما جعلها في مواجهة جديدة مع أسمرة التي تدعم الجيش السوداني وفق أجندة تخصها متصلة بحزامها الأمني".

وبحسب طه، فاستقرار ووحدة السودان ضمانة لاستقرار ووحدة إريتريا، ولهذا لا تقبل بسياسة أبو ظبي في السودان.

فضلاً عن ذلك، لم تنظر أسمرة بعين الرضا لتوقيع الاتفاقية بين إثيوبيا صوماليلاند، كما اختار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أسمرا كأول وجهة خارجية بعد أزمة المذكرة.

لهذا فالرغبة الإثيوبية بالوصول إلى البحر تمثل عامل قلق مشترك لمقديشو وأسمرة، وخاصة الأخيرة التي تعيش علاقاتها مع أديس أبابا توترًا مكتوما، بلغ ذروته مع تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي أكد فيها حق بلاده في الحصول على منفذ سيادي على البحر الأحمر. 

فضلًا عن ذلك، لا تغفل إريتريا عن طبيعة العلاقات الغربية مع أديس أبابا، والتي كثيرًا ما تقوم فيها إثيوبيا بدور الشرطي، ولهذا فنظام أسمرا الذي لديه علاقات قوية بروسيا يحذر من علاقات إثيوبيا القوية بخصومه الغربيين.

يقول الباحث خالد طه، إنّ معارضة إريتريا لمذكرة التفاهم قائمة على أن يظل الصومال دولة واحدة بحدودها القديمة، وأن تكون بعيدة عن الإدارة والإرادة الإثيوبية في كل الأحوال، وأن لا يُتاح في أي جزء منها منفذ بحري ذو طبيعة عسكرية لإثيوبيا.

أدت العوامل السابق ذكرها إلى عودة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى حلفائه التقليديين على المستوى الإقليمي، وهما مصر والسعودية. 

فيما يتعلق بالسعودية،  وفي ظل توتر العلاقات السياسية مع أبوظبي، عمدت أسمرة إلى تقوية علاقاتها مع الرياض، حيث أجرى الرئيس أفورقي زيارتين خلال العام الماضي إليها.

التقى في المرتين مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبحثا العلاقات الثنائية وأوجه التعاون المشترك ومستجدات الأحداث الإقليمية. وتباحث الجانبان في التعاون في مجالات الزراعة والثروة السمكية والحيوانية، إلى جانب الاتفاق على التنسيق لتعزيز الشراكة في تلك المجالات.

يذكر أنّ 26% من أراضي إريتريا صالحة للزراعة، ولا تتم زراعة إلا 4%. وتشكل الزراعة ورعي الحيوانات وصيد الأسماك الدعامة الأساسية لسبل عيش أكثر من 75% من السكان. وتشكل هذه القطاعات أيضا حوالي 20-30% من صادرات السلع الأساسية، وفق منظمة (IFAD). تلك المجالات لم تفيد فيها الإمارات بشيء يذكر على مدار ستة أعوام من العلاقات القوية، حيث كان تركيز أبو ظبي على الذهب.

 

العلاقات مع السعودية

وعلى هامش زيارته للرياض، أجرى الرئيس أفورقي حوارًا مع جريدة "الشرق الأوسط"، قال فيه "إن الشراكة السعودية-الإريترية إستراتيجية تكاملية شاملة، وفق خطة تنموية جادة بتوقيتات محددة، ونطمح لأن تتعزز العلاقات التجارية والاستثمارية وتوسيعها لتشمل منطقة القرن الأفريقي، في مجالات الأمن والصناعات التحويلية".

فضلًا عن ذلك، فالسعودية هي الدولة الخليجية الأجدر والأقدر على إقامة علاقات مستقرة مع إريتريا، نظرًا لاشتراك الدولتين في البحر الأحمر، كما أنّ إريتريا عضو مؤسس في مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي رعت الرياض تدشينه وتستضيف مقره.

يقول نتنائل ألم، الناشط السياسي من إريتريا، إنّ "العلاقات الإريترية-السعودية شهدت تحسنًا ملحوظًا، وهذا التحول يأتي في إطار (رؤية المملكة 2030) التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز العلاقات الدولية".

ويتوقع لـ"جيسكا"، أنّ تتجه العلاقات بين البلدين نحو تعاون إستراتيجي يغطي مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصاد والصحة والثقافة. مضيفًا أنّ "المملكة بموقعها الجغرافي الفريد وتأثيرها الإقليمي تستطيع أنّ تلعب دورًا محوريًا في دعم استقرار وتنمية إريتريا، في ظل التزامها المُعلن تجاه أمن وازدهار الإقليم المحيط بالبحر الأحمر".

بشكل عام تستطيع أسمرا أنّ تعتمد على مصر والسعودية في مواجهة المخاطر المحدقة بها، جراء حالة عدم الاستقرار التي تشهدها إثيوبيا نتيجة الحرب في إقليمي أمهرا وأوروميا، وتصاعد التوترات بين أديس أبابا والصومال، بينما لا تستطيع الاعتماد على الإمارات في ذلك. 

وفضلًا عن ذلك تملك السعودية حضورًا كبيرًا ومقبولًا من جميع الأطراف في القرن الأفريقي، خاصة بعد سياستها الجديدة الساعية للتهدئة منذ توقيع اتفاقها التاريخي مع إيران في مارس/آذار 2023.

وحال حولت المملكة تعهداتها التنموية في إريتريا إلى واقع سيكون ذلك مثالًا لحضور خليجي مغاير عن مرحلة الصراعات السابقة. كما أنّ السعودية من جانب آخر تختلف عن الإمارات في أنّها لا تريد بأي حال توترًا في جيرانها في الساحل الغربي المقابل في البحر الأحمر. 

أما قطر، فهي الأخرى لديها فرصة كبيرة للعودة ثانية إلى علاقات طيبة مع إريتريا، نظرًا لمصالحها الكبيرة في موانئ جيبوتي من جانب، ولدورها الذي عاد ثانيةً للتركيز على اكتساب مكانة دولية وإقليمية من خلال الوساطة في الأزمات الدولية، ومع ذلك تبقى الإمارات فاعلة بدورها الاقتصادي الكبير في إريتريا، لكن وفق واقع جديد يتشكل في القرن الأفريقي.

المزيد من الكاتب