تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 14 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

هل يصمد السلام بين إثيوبيا وإريتريا؟

15 أبريل, 2024
الصورة
الرئيس الإريتري
الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (يسار) ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد يتحدثان خلال افتتاح مستشفى تيبيبي غيون التخصصي في بحر دار، شمال إثيوبيا، في 10 نوفمبر 2018. (مصدر الصورة EDUARDO SOTERAS/AFP عبر Getty Images)
Share

منذ ضمت إثيوبيا إريتريا عقب انتهاء الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، عرفت علاقات البلدين صراعات وحروب أكثر من فترات السلام. ظل هذا الوضع حتى توقيع اتفاق السلام بين البلدين في 2018 عقب تسلم آبي أحمد السلطة في إثيوبيا.

لم يُؤسس هذا الاتفاق الذي جاء في إطار صفقة سياسية رعتها دولة الإمارات على أسس صحيحة، كوّنه لم يُعالج قضايا الحدود بطريقة طبيعية، وإنما كما يرى مراقبون تأسس على عداء مشترك للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (TPLF)، العدو السابق للرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد. 

فكيف هي علاقات البلدين بعد ستة أعوام من السلام؟ ولماذا يحذر مراقبون من انزلاقهما إلى الحرب؟

 

السلام من أجل الحرب

بعد عامين على السلام بين البلدين، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وجه الحلفاء الجدد نيران بنادقهم نحو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وتعاون الجيشان الإثيوبي والإريتري والقوات المحلية الأمهرية في حرب كان لكل منهم فيها مآربه الخاصة.

لكن ذلك الحلف الثلاثي لم يصمد بفعل تبعات الحرب الكارثية، التي دفعت بآبي أحمد إلى عقد اتفاق سلام مع جبهة تحرير تيغراي بشكل منفرد دون موافقة حليفيه الرئيس الإريتري والقادة الأمهريين، في نهاية 2022، والمعروف باتفاق سلام "بريتوريا".

أوقف الاتفاق العمليات العدائية في تيغراي، وفتح جبهة صراع جديدة بين حلفاء الأمس، بدأت بالقتال بين القوات الفيدرالية والقوات الإقليمية والميليشيات الأمهرية المعروفة باسم "فانو" منذ أبريل/نيسان 2023.

فضلًا عن ذلك، جاء توقيع السلام دون التوافق مع إريتريا التي تحتل مناطق واسعة في شمال إقليم تيغراي، من بينها مناطق "بادمي" التي تعتبرها إريتريا مناطق تابعة لها وتطالب بها منذ الاستقلال عام 1993.

وتحتل قوات "فانو" غير الرسمية مناطق غرب تيجراي، التي سيطرت عليها كحال إريتريا في الأشهر الأولى لحرب تيغراي. علمًا أنّ اتفاق بريتوريا نصّ على تسليم كافة مناطق إقليم تيغراي التي كانت تحت حكم الجبهة الشعبية (TPLF) قبل الحرب إلى إدارة تيغراي المؤقتة (TIA) التي تشكلت وفق اتفاق السلام، وحلت محل الإدارة السابقة التي لم تعترف بها حكومة آبي أحمد بعد انتخابها مطلع 2020.

يمثّل وجود الجيش الإريتري وقوات فانو في إقليم تيغراي خطرًا محدقًا على اتفاق سلام بريتوريا، كما أنّه بمثابة سبب مؤجل لاندلاع الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، ورغم ذلك لم تطلب الأولى من الثانية سحب قواتها بشكل رسمي حتى اليوم، على الرغم من الضغوط الغربية الشديدة.

يذهب خالد محمد طه، الباحث السوداني في شؤون القرن الأفريقي، إلى أنّ تحالف أديس أبابا-أسمرا قد انهار فور توقيع حكومة آبي أحمد اتفاق سلام بريتوريا، الذي أوقف الحرب في الإقليم دون أن تتحقق أهداف إريتريا من دخول الحرب كطرف ثالث.

يقول لـ"جيسكا"، إنّه لم يتم القضاء بشكل كامل على جبهة تحرير تيغراي، ولم تتحقق فكرة تحويل إثيوبيا لحكم الحزب الواحد أسوة بإريتريا، كما لم يعد ممكنًا إجراء تعديلات في الدستور الفيدرالي لشرعنة مكاسب إريتريا وأمهرا الميدانية.

يوضح طه، بأنّه وفق اتفاق سلام بريتوريا لن يُعاد ترسيم حدود الأقاليم الإثيوبية،  بحيث يعود إقليم تيغراي إلى حدوده السابقة البعيدة عن خطّ الحدود مع السودان الذي يعتبر معبرًا لوجستيًا بالغ الأهمية.

 

تصاعد التوتر

وأسفرت حرب تيغراي التي استمرت لعامين، عن مقتل نحو 600 ألف شخص وإصابة مئات الآلاف، فيما تقدر الأمم المتحدة نزوح ما يقرب من 1.7 مليون شخص، فضلًا عن أزمة إنسانية شديدة التعقيد.

يقول الباحث خالد طه، إن "الذي تغير بعد انتهاء حرب تيغراي هو ثبات النتيجة الصفرية بالنسبة لإريتريا، وعودة التوترات مع إثيوبيا، في ظل دعم الأولى للفصائل الإثيوبية المعارضة، وإصرار الثانية على بناء قوات بحرية بالرغم من كونها دولة حبيسة ليس لها سواحل".

وبحسب كلمات أمانويل أسيفا، كبير أمناء مجلس الوزراء في إدارة تيغراي المؤقتة (TIA)، فإن "إريتريا لا تحتل أراضي تيغراي، بل أراضي إثيوبية". لهذا طالما بقيت القوات الإريترية داخل تيغراي فاحتمالات الصدام ستتجدد، وربما تتبدل خريطة التحالفات في إثيوبيا.

بشكل عام يعيش إقليم تيغراي مشهد غاية التعقيد، حيث تتجاور أربع قوات عسكرية يعادي بعضها البعض، وهي: القوات الإثيوبية الفيدرالية التي قاتلت قوات جبهة تحرير تيغراي وتقاتل اليوم ميليشيات فانو. 

والثانية هي الجيش الإريتري بقوة قوامها 40 ألف مقاتل ويعتبر العدو اللدود لتيغراي، بالإضافة إلى ميليشيات فانو حليفة إريتريا وعدو القوات الإثيوبية الفيدرالية وقوات تيغراي، وأخيرًا قوات جبهة تحرير تيغراي التي لم يُنزع سلاحها بعد وتعتبر كافة القوات الأخرى بمثابة عدو.

بدوره يقول المحلل السياسي الإثيوبي جمدا سوتي، إن سبب تصاعد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا هو دعم الثانية لميليشيات "فانو" الأمهرية التي تحارب الحكومة الإثيوبية.

ويضيف لـ"جيسكا" أنّ أديس أبابا تتهم أفورقي بتمويل وتدريب 60 ألف من المقاتلين الأمهريين، لزعزعة الأمن والاستقرار، فضلًا عمليات النهب والاعتداء التي يمارسها الجيش الإريتري في تيغراي.

يرى سوتي، أن الأمور بين البلدين تتطور نحو الصدام الذي أصبح حتميًا، في ظل حصول إثيوبيا على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي وإسرائيل للقيام بعمل عسكري ضدّ أسمرة، لإسقاط نظام الرئيس أفورقي. ووفق حديثه، لدى آبي أحمد تخوفات من الإقدام على هذا التدخل في ظل وجود مشاكل أمنية داخلية في إقليمي أمهرا وأوروميا.

 

حلم امتلاك موانئ

أما القضية الثانية التي تهدد باندلاع الحرب بين البلدين فهي، عودة حديث القوميين في إثيوبيا المقربين من آبي أحمد عن "حتمية الوصول إلى منفذ بحري حتى لو لزم الأمر استخدام القوة". فضلًا عن حديثهم عن أن "استقلال إريتريا كان غلطة"، وهو تهديد مبطن لأسمرة، وزاد توقيع مذكرة التفاهم مع صوماليلاند التي تمنح إثيوبيا قاعدة بحرية من التوتر المتصاعد.

ووفق تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، قامت إثيوبيا بحشد قوات كبيرة في منطقة زالامبيسا (Zalambessa) التي تبعد نحو 100 كم عن العاصمة الإريترية أسمرا ومثلها عن مدينة عصب الساحلية، وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
جاء الرد الإريتري عبر بيان لوزارة الإعلام، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قالت فيه، إن "الحديث -الفعلي والمفترض- حول المياه والمنفذ إلى البحر والموضوعات ذات الصلة التي طُرحت في الآونة الأخيرة كثير ومفرط بالفعل، وقد أثارت هذه القضية حيرة جميع المراقبين المعنيين".

وأضاف البيان، "تؤكد الحكومة الإريترية مرارًا وتكرارًا أنها لن تنجر، كما هو الحال دائما، إلى مثل هذه المسارات والمنابر، وتحث كذلك كافة الأطراف المعنية على عدم الاستفزاز بهذه الأحداث".

وعقب ساعات من الكشف عن توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند مطلع العام الجاري، زار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إريتريا والتقى بالرئيس أسياس أفورقي. واتفق الرئيسان على رفض المذكرة في خطوة هدفها تعزيز التعاون في مواجهة إثيوبيا، في ظل قيام أسمرا بتدريب آلاف الجنود الصوماليين في قواعدها العسكرية.

يقول يوهانس أسملاش، مسؤول العلاقات الخارجية للهيئة الانتقالية العليا للقوى السياسية الإريترية، إنّ التوقيع على مذكرة التفاهم بين آبي أحمد وموسى بيحي عبدي أثار قلق الدول المجاورة والمنطقة بشكل عام.

يذكر لـ"جيسكا"، أنّ "آبي أحمد كان لديه وصولًا أسهل إلى البحر من خلال الاتفاق الذي كان قد أبرمه مع أفورقي، مقابل تعاونهما في القضاء على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، العدو اللدود لكلاهما، واستمرت حملتهم لأكثر من عامين ومع ذلك ثبت أن الأمر صعب للغاية". 

ويتابع بأنّه "لم يكن أمام آبي أحمد خيار سوى تحقيق السلام مع تيغراي، ولم يرق هذا الأمر لأفورقي الذي اعتبر ذلك خذلان وخيانة، ومنذ ذلك الحين توترت العلاقات بينهما".

يرى يوهانس أسملاش، أنّ آبي أحمد توجه للبحث عن موانئ بديلة بعد إخفاق خطته مع أفورقي. يقول "لو كانت هناك قيادة رشيدة تنتهج مبدأ المصالح المشتركة للشعوب على أساس وضع مربح لكل الأطراف، لكانت جميع الموانئ على طول البحر الأحمر أكثر من كافية لخدمة مصالح دول شرق أفريقيا بأكملها.

ومع تصاعد حدة التوتر بين إثيوبيا وإريتريا إلا أنّ خيار الحرب لن يكون يسيرًا على جميع الأطراف، فضلًا عن ذلك عززت إريتريا علاقاتها ثانيةً بمصر، التي طالما اُعتبرت حليفًا موثوقًا لأسمرا، عدا الفترة القصيرة التي كان فيها أفورقي على وفاق مع آبي أحمد.

كما أنّ توجيه ضربة استباقية من إثيوبيا ضد إريتريا سيفتح الباب على مصراعيه أمام قوى إقليمية للتدخل عسكريًا في منطقة القرن الأفريقي، ولهذا فالصدام بين إثيوبيا وإريتريا لن يحقق أية مكاسب لأي من الطرفين.

علاوةً على ذلك، فإن المخاطر الإنسانية الكبيرة التي سيخلفها مثل هكذا صراع ستكون بمثابة عامل ضغط على الجميع للحيلولة دون التعرض لضغوط وربما عقوبات غربية وأممية.