تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

مستقبل الحوار الوطني في إثيوبيا

13 يوليو, 2024
الصورة
مفوضية الحوار الوطني الإثيوبية (ENDC)
مفوضية الحوار الوطني الإثيوبية (ENDC)
Share

قطعت مفوضية الحوار الوطني الإثيوبية (ENDC) خطوات هامة في أداء المهام المنوطة بها، بعقد المرحلة الأولى من الحوار الوطني، والتي هدفت إلى تحديد الأجندة وانتخاب المشاركين، وذلك خلال اللقاءات التي امتدت لأسبوع، من 29 مايو/ أيار الماضي، إلى 4 يونيو/ حزيران الجاري، في العاصمة، أديس أبابا، بحضور رئيس الوزراء، أبي أحمد، وممثلين عن أحزاب سياسية، والسلطات الثلاث للدولة: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، والمؤسسات والجمعيات وغيرهم من أصحاب المصلحة.

جاءت الانطلاقة في ظل واقع إثيوبي معقد، حيث لا يزال التمرد المسلح جاريًا في إقليمي أمهرا وأوروميا، فيما غابت جبهة تحرير تيغراي عن أعمال الحوار الوطني، كما تزايدت حالة التنافر بين الكنيسة التوحيدية الأرثوذكسية والحكومة، فضلًا عن تردي أوضاع حقوق الإنسان والأزمة الاقتصادية، وجميعها عوامل تُلقي بتبعاتها على الحوار، وتطرح أسئلة حول الجدوى والمُنتظر منه.

أول حوار وطني

أعلنت الحكومة عن الحوار الوطني في الأيام الأخيرة من عام 2021 أثناء الحرب في إقليم تيغراي، وصدر قانون مفوضية الحوار الوطني في يناير/ كانون الثاني 2022، ولم تنشط المفوضية حتى ديسمبر/ كانون الأول 2023، حين بدأت أولى فعالياتها بلقاءات مع المواطنين في بلاد المهجر، وتبعتها بأنشطة تدريبية للمتطوعين والمشاركين، وكذا لقاءات مع مختلف أصحاب المصلحة من الأقاليم، عدا إقليم أمهرا، بينما عقدت اجتماعًا أوليًا واحدًا في مدينة مقلي، عاصمة إقليم تيغراي.

يعتبر هذا الحوار الأول من نوعه في إثيوبيا، وتتولى "مفوضية الحوار الوطني" التي تتبع لمجلس النواب، الإشراف على وضع البرامج وتخطيط الفعاليات واختيار المشاركين وتطبيق المخرجات، وتمكنت اللجنة في أول اجتماعاتها الرسمية من انتخاب الممثلين للمشاركة في جمع الأجندة، من أكثر من 1000 منطقة، تقع في 10 أقاليم - باستثناء تيغراي وأمهرا - وإدارات مدن في البلاد، وشارك نحو 2500 شخص في هذه اللقاءات، و16 حزبًا سياسيًا. من المرتقب أنّ تنتقل اللجنة لعقد اجتماعات رسمية مماثلة في عواصم أقاليم الدولة، بهدف توسيع قاعدة المشاركة على المستويات المحلية، ولم تُعلن المفوضية بعد عن الجدول الزمني لذلك. تتلخص رؤية المفوضية في خلق "توافق وطني يتم التوصل إليه بشأن القضايا الأساسية ذات الأهمية الوطنية"، ولتحقيق ذلك، حددت مهمتها بأنّها "خلق الظروف المواتية للإجماع الوطني من خلال تحديد الأسباب الجذرية للانقسام العميق، وأسباب الخلاف بين المجتمع الإثيوبي من خلال البحث والحوارات العامة، وإجراء حوار وطني، وتقديم التوصيات إلى الهيئات المعنية، وكذلك تصميم نظام مراقبة تنفيذه".

من جانب آخر، وُجهت العديد من الانتقادات إلى المفوضية، بدايةً من كونها تتبع مجلس النواب، الذي يحوز حزب الازدهار الحاكم على 90% من مقاعده، وكذا هناك تشكيك في عدالة وشمولية المشاركين فيها من السياسيين والمواطنين والمختصين، حيث يرى البعض أنّه جرى اختيارهم من القاعدة الشعبية العريضة للحزب الحاكم، بالإضافة إلى مقاطعة أحد عشر حزبًا سياسيًا معارضًا، يُعرفون بتحالف (Cop) للمشاركة في الحوار. أيضًا، غابت الكنيسة التوحيدية الأرثوذكسية عن فعاليات الحوار، ولم تتلق دعوة رسمية للحضور، وردًا على ذلك انتقد المجمع المقدس المفوضية، وأعلن عن تشكيل لجنة مهمتها إيجاد دور رسمي للكنيسة في أعمال الحوار الوطني، وبالمثل لم تشارك جبهة تحرير تيغراي (TPLF) الممثل السياسي للإقليم في عمل المفوضية ولقاءاتها، حيث تشكلت المفوضية إبان الحرب ضدها. لم تستجب الحكومة لنداء من المفوضية بتقديم ضمانات أمنية لممثلي جيش تحرير أوروميا (OLA) وميليشيا فانو المتمردة في أمهرا، من أجل المشاركة في أعمال الحوار، بهدف الدفع نحو تسوية سياسية للتمرد المسلح، وفي إقليم أوروميا، الأكبر من حيث عدد السكان والمساحة، لم تستجب الحكومة لطلب من المجلس الوطني للانتخابات بالإفراج عن سجناء جبهة تحرير أوروميا (OLF)، المحتجزين بالمخالفة للقانون.

الثقة الغائبة

لا ينفصل الوضع السابق عن شخص رئيس الوزراء، أبي أحمد، حيث مثّل الرجل في بداياته رمزًا للتغيير والديمقراطية، لكنه سرعان ما انقلب إلى النقيض، حين لجأ إلى العنف لتسوية الخلافات السياسية، في الأزمات الثلاث التي واجهت حكمه، وأولها الحرب ضدّ جبهة تحرير تيغراي في 2020، وتمرد جيش تحرير أوروميا، وتمرد ميليشيا فانو في أمهرا، ولهذا ينظر قطاع عريض من الساسة والناشطين والشعب بعين الشك إلى الحوار الوطني. يرى المعارضون على اختلاف أطيافهم، أنّ الحكومة الفيدرالية تسعى إلى تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي من أجل تأمين القروض في ظل الأزمة الاقتصادية، ويذهب البعض الآخر أبعد من ذلك، ويرى أنّ الحوار وسيلة لتحقيق أهداف حزب الازدهار، المُعلنة في برنامج الحزب، والتي تشمل تعديل الدستور، وإلغاء نظام الأقاليم الفيدرالية، وإقامة سلطة مركزية، وتوحيد الهوية الوطنية، وغير ذلك.

يعتقد ميلكيسا جيميشو، المسؤول السابق في حكومة إقليم أوروميا، في إثيوبيا والأستاذ المساعد الزائر للعلوم السياسية في كلية ألبيون في الولايات المتحدة، أنّ أهداف الحوار هي تطبيق أجندة الحزب الحاكم، والتي منها "تعديل الدستور أو صياغة دستور جديد، بهدف إلغاء النظام الفيدرالي الإثني، واستبدال النظام السياسي البرلماني بالنظام الرئاسي، وكتابة رواية وطنية واحدة لإثيوبيا". يشكك جيميشو في نزاهة الحوار الوطني، ويقول: "الطريقة الوحيدة التي يمكنك بها معارضة حكم حزب الازدهار هي إما الانضمام إلى القوات المتمردة أو الخروج من إثيوبيا، وفي مثل هذا الموقف، يمكنك تخمين من هم المشاركون في هذا الحوار الوطني".

في السياق ذاته، كشفت تصريحات السفير الأمريكي في أديس أبابا، عن عدم قناعة دولية بكيفية وظروف عقد الحوار، ودعا السفير إرفين ماسينجا إلى "عملية عدالة انتقالية شفافة لمعالجة التقارير عن عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والاعتقالات التعسفية، والعنف الجنسي، وغيرها من الانتهاكات"، وبدورها رفضت الخارجية الإثيوبية هذه التصريحات، واعتبرتها: "غير مدروسة وتتضمن تأكيدات غير مستنيرة، وتتعارض مع العلاقات التاريخية والودية بين إثيوبيا والولايات المتحدة".

مستقبل الحوار

يواجه الحوار الوطني تحديات كبيرة، منها ما يتعلق بطبيعة المجتمع الإثيوبي، الذي يتكون من 80 مجموعة عرقية، لدى العديد منها خلافات وصراعات تاريخية، وتواجه البلاد تحديات اقتصادية كبيرة، في ظل دين خارجي بلغ 28 مليار دولار، ونسبة تضخم تفوق 23%، وتراجع كبير للعملة المحلية، وأزمات غذائية حادة في شمال البلاد. في سياق أعمّ، لم تكن تجارب الحوار الوطني في القارة الأفريقية ناجعة، باستثناء تجارب قليلة، على رأسها الحوار الوطني في جنوب أفريقيا بعد انهيار نظام الفصل العنصري، وتبدو تجربة إثيوبيا الحاضرة مماثلة أكثر للتجارب التي لم تُوفق في مسعاها.

يمكن القول إنّ النتائج التي سيخرج بها الحوار الوطني قد تزيد من تعقيد أزمات البلاد، خاصة إذا ما صُورت على أنها إجماع وطني، ولهذا فمن الأجدى تكرار تجربة الحكومة الفيدرالية في اتفاق السلام مع تيغراي، مع حالتي التمرد في أوروميا وأمهرا، فمن غير المتوقع أنّ تقبل الأطراف المتمردة بأقل من مفاوضات سلام ترعاها قوى دولية لوضع سلاحها. يدفع الوضع السابق إلى سيناريوهين، الأول استمرار أعمال مفوضية الحوار الوطني دون إشراك قوى التمرد وفي ظل مقاطعة أحزاب المعارضة وغيرها من القوى الوطنية، والخروج بنتائج وتوصيات تتضمن رؤية حزب الازدهار لمستقبل البلاد، وفي هذه الحالة سيكون الحوار عامل زعزعة للاستقرار الهش في البلاد، والثاني أنّ يُجمد عمل مفوضية الحوار الوطني دون إبداء أسباب أو طرح بدائل، كما في حالات مشابهة، منها حلّ لجنة المصالحة التي تأسست في 2018، ولجنة الحدود الإدارية والهوية التي تأسست في 2019.

ختامًا، ثمة قضايا لا تقدر مفوضية الحوار الوطني على تسويتها، ولا يمكنها المضي في حوار حقيقي دون إيجاد حلول لها، ومنها قضايا التمرد المسلح، وتسوية وإكمال متطلبات السلام في تيغراي، وسحب القوات الإريترية، والعفو العام عن سجناء الرأي، وضمان الحريات، وتسوية الخلافات الحدودية بين الأقاليم الفيدرالية، وتخفيف الأزمة الاقتصادية. لهذا على الحكومة الفيدرالية المبادرة بتسوية تلك القضايا، وأخذ مطالب المعارضين بعين الاعتبار، من أجل تحقيق استقرار حقيقي في البلاد، وحتى لا يتحول الحوار الوطني إلى عامل يزيد من الانقسام والتشظي.