تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

سياسة

تعليق رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية إلى إريتريا: صراع سياسي أم قرار تنظيمي

5 سبتمبر, 2024
الصورة
Ethiopian Airlines
ركاب يتحدثون داخل رحلة الخطوط الجوية الإثيوبية التي غادرت مطار بولي الدولي في أديس أبابا، إثيوبيا، إلى العاصمة الإريترية أسمرة في 18 يوليو 2018. (الصورة: ماهيدر هايسيلاسي تاديسي/ وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)
Share

 

"بيدي لا بيد عمرو"، انطبق المثل على الخطوط الجوية الإثيوبية، التي استبقت موعد تطبيق قرار هيئة الطيران المدني الإريترية تعليق رحلاتها إلى مطار أسمرا في 30 سبتمبر/ أيلول الجاري، وقامت بنفسها بالأمر في الثالث من الشهر نفسه. 

كشف القرار عن عمق الأزمة الممتدة منذ أشهر بين الطرفين؛ حيث أرجعته هيئة الطيران الإريترية إلى ما وصفته بالمعاملة السيئة، وسرقة الأمتعة، وتكرار التأخير، وعدم تعويض المتضررين من التأخير، وارتفاع الأسعار. بينما اتهمت الخطوط الإثيوبية سلطات إريتريا بفرض بيئة عمل غير مناسبة. أيًا تكن الأسباب، لا يمكن فصل القرار عن التوتر الذي تعيشه العلاقات بين البلدين، منذ توقيع اتفاق سلام بريتوريا، بين جبهة تحرير تيغراي والحكومة الفيدرالية الإثيوبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، والذي عدته إريتريا ضربة في الظهر من حليفها أبي أحمد.

سياق القرار

ظهرت الأزمة للعلن بعد بيان الخطوط الجوية الإثيوبية في 24 يوليو/ تموز الماضي، التي أعلنت فيها أنّه ابتداءًا من 30 سبتمبر/ أيلول، ستتوقف جميع رحلات الشركة إلى دولة إريتريا، وبالتحديد مطار العاصمة، أسمرا، بناءً على خطاب من هيئة الطيران المدني الإريترية إلى الشركة، بتاريخ 12 يوليو/ تموز الماضي.

وطلب إشعار منسوب إلى هيئة الطيران المدني في إريتريا، من جميع المسافرين على متن الخطوط الجوية الإثيوبية إلى مطار أسمرا، إيجاد بدائل لرحلاتهم، المجدولة بعد تاريخ 30 سبتمبر/ أيلول المقبل. جاء في الإشعار: "إدراكًا للممارسات التجارية الخبيثة المستمرة التي تنتهجها الخطوط الجوية الإثيوبية بشكل عام، وسرقة أمتعة الركاب بشكل ممنهج ومنظم، واختلاسها، واتلافها، والتأخير لفترات طويلة، والخسارة دون تعويض على وجه الخصوص، إلى جانب ارتفاع الأسعار غير المبررة، والمخالفات الأخرى التي شهدناها. علاوة على ذلك، فإن الدعوات المتكررة والمتواصلة التي وُجهت الى الخطوط الجوية الإثيوبية لتصحيح الأخطاء المذكورة أعلاه، والمخالفات الأخرى المفروضة على المسافرين لم تسفر عن أية نتائج حتى الآن".

تبعًا لهذا، صدر قرار تعليق رحلات الشركة إلى مطار أسمرا. من جهتها، صرح المتحدث باسم الشركة الإثيوبية إلى رويترز بأنّ "ما يثير الصدمة والحزن هو أنه قبل 15 يومًا فقط، في 8 يوليو/ تموز، أرسلوا خطاب إلينا بزيادة وتيرة رحلاتنا الأسبوعية من 10 رحلات إلى 15 رحلة".

لكن قرارا جديدا اتخذته السلطات الإريترية بحق الشركة الإثيوبية دفعها إلى تعليق رحلاتها، وهو تجميد الحساب البنكي لمكتبها في أسمرا، أواخر أغسطس/ آب الماضي، ما تركها عاجزةً عن دفع رواتب موظفيها، وتأمين نفقاتها التشغيلية في البلاد.

حدث موقف مشابه، في يونيو/ حزيران 2023، حين منعت السلطات الشركة من تحويل 2.5 مليون دولار من عائداتها إلى الخارج، بدعوى الافتقار إلى النقد الأجنبي. ولم تواجه شركات الطيران الأخرى العاملة في البلاد نفس المشكلة، وهو ما يكشف عن استهداف متعمد للشركة.

تشهد علاقات إريتريا وإثيوبيا توترًا مكتومًا، منذ توقيع أديس أبابا اتفاقية سلام بريتوريا مع جبهة تحرير تيغراي، أواخر عام 2022، وهو الاتفاق الذي رفضته أسمرا، العدو اللدود للجبهة، والتي شاركت بآلاف الجنود في الحرب ضد الإقليم إلى جانب القوات الإثيوبية وميليشيات أمهرا. تصاعد التوتر بين الطرفين بعد تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، بشأن الحصول على ميناء في البحر الأحمر، نهاية العام الماضي، وهو ما اعتبرته إريتريا خطة إثيوبية للسيطرة على ميناء عصب. 

بشكل عام، تشهد منطقة القرن الأفريقي تحولات سياسية متسارعة، خاصة منذ توقيع مذكرة التفاهم بين صوماليلاند وإثيوبيا مطلع العام الجاري. ارتباطًا بهذا، تشهد العلاقات بين إريتريا ومصر عودة قوية، بعد أنّ شهدت تراجعًا عقب تنصيب أبي أحمد في 2018، وحدوث تقارب بينه والرئيس أسياس أفورقي، ثم اشتراكهما في حرب تيغراي سويةً.

تبعات القرار

يحمل القرار في طياته العديد من التبعات التي سيتضرر منها في المقام المواطنين في إريتريا، حيث تمثّل الرحلات التي تسيرها شركة الطيران الإثيوبية، أكثر من ثلث الرحلات إلى مطار أسمرا، بواقع 15 من 44 رحلة دولية أسبوعيًا. ولا يتعلق القرار بمنافسة محلية، حيث لا تملك شركة الطيران الإريترية سوى طائرة واحدة، لم تنتظم في التشغيل منذ أعوام، وحتى مع استئجارها لعدة طائرات، فلن تملك بأي حال قدرات لمنافسة الشركة الإثيوبية.

تسير عدة شركات بقية الرحلات إلى مطار أسمرا، وهي شركة مصر للطيران، وفلاي دبي، وفلاي ناس، والخطوط الجوية التركية، وطيران جيجو، وستار لينك. وتنطلق رحلات الطيران المباشر من أسمرا إلى عدة وجهات محددة، وهي مطارات أديس أبابا، والقاهرة، ودبي، وجدة، وإسطنبول، وبورتسودان، في حين أنّ رحلات الطيران للوجهات الأخرى تنطلق بشكل غير مباشر من هذه المطارات.

يواجه المسافرون من وإلى مطار أسمرا عبر شركة الطيران الإثيوبية أولى التبعات، المتعلقة باسترداد ثمن الحجز، وإيجاد بدائل لرحلاتهم المجدولة، وهو الأمر الذي تعهدت الشركة بحلّه بطريقتين؛ الأولى إيجاد بدائل على خطوط رحلات جوية أخرى دون أعباء إضافية، أو ردّ الثمن الكامل للحاجزين. ومن بين التبعات المؤكدة، ارتفاع أسعار تذاكر الطيران نتيجة زيادة الطلب، لتكون نتيجة عكسية لما جاء في شكوى هيئة الطيران الإريترية تجاه الشركة الإثيوبية.

صراع سياسي أم قرار تنظيمي؟

من المستبعد أنّ تكون الأسباب المعلنة هي الدافع الحقيقي وراء قرار السلطات الإريترية، خاصة أنّ البحث عن مصالح وراحة المواطنين أمر غير معهود عنها. كما أنّ مطار أسمرا ذاته يفتقر إلى العديد من الإمكانات والقدرات، ليصبح مطارًا ملائمًا لحركة السفر، وذلك بحسب تقييمات مواقع السفر.

بناءً على هذا، فمن المرجح أنّ تقف أسباب سياسية وراء القرار، ويعزز هذا اتساع هوة الخلافات بين البلدين، حيث تدعم أسمرا مقديشو في مواجهة إثيوبيا، وكانت أولى العواصم التي زارها الرئيس حسن شيخ محمود عقب توقيع مذكرة التفاهم بين صوماليلاند وإثيوبيا.

يُضاف إلى ذلك، اختلاف موقف البلدين من الحرب في السودان، فأسمرا تميل لدعم الجيش في حربه ضد الدعم السريع، في حين يرى مراقبون أنّ إثيوبيا تتخذ موقفًا بعيدًا عن الجيش السوداني. ويبقي الخلاف حول الوضع في إقليم تيغراي هو الأساس، إذ ترى أسمرا أنّ أديس أبابا تخلت عنها في حرب تيغراي، بعقد اتفاق السلام مع جبهة تحرير تيغراي، وهو ما صار عقبةً أمام إريتريا الطامحة في الحصول على اعتراف بضم مناطق متنازع عليها داخل الإقليم.

في الأثناء، تخشي أسمرا أنّ تطلب أديس أبابا بشكل رسمي سحب الجيش الإريتري من تيغراي، وهو الطلب الذي يلقى دعمًا أمريكيًا، ويعتبر عدم تنفيذه أحد العقبات أمام تطبيق اتفاق سلام بريتوريا. أيضًا، لا تقبل أسمرا بالتحولات المتتابعة لرئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، الذي تحول من محاربة جبهة تحرير تيغراي إلى السلام، ومن التحالف إلى الحرب ضد ميليشيات فانو الأمهرية، كما تخشى تحولات جديدة تستهدفها بالأساس، لتحقيق هدف الوصول إلى البحر الأحمر.

إجمالًا، فقرار تعليق رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية إلى أسمرا هو علامة على توترات كبيرة مكتومة بين البلدين، ويعيد علاقاتهما إلى مرحلة ما قبل اتفاق سلام 2018، حيث كانت عودة الرحلات الجوية بين البلدين واحدة من أهم مكاسب اتفاق السلام. 

تشهد منطقة القرن الأفريقي تزايدًا في عوامل عدم الاستقرار، بسبب اتساع رقعة الخلافات السياسية، وتدخل أطراف إقليمية ودولية، وتزايد احتمالات نشوب نزاعات مسلحة جديدة. ولذا، فمن الصعب فهم قرار تعليق رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية إلى أسمرا، بعيدًا عما يشهده الإقليم من توترات سياسية.