تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

"البنك الإفريقي التنمية".. المال وحده لا يكفي لتحقيق الحلم الإفريقي

4 يونيو, 2024
الصورة
أكينوومي أديسينا
رئيس مجموعة البنك الأفريقي للتنمية الدكتور أكينوومي أديسينا "في السنوات التسع الماضية، استثمرنا ما يزيد عن 50 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في القارة، وهو أكبر استثمار على الإطلاق لأي بنك أو مؤسسة تنمية "
Share

عقد البنك الإفريقي للتنمية اجتماعه السنوي، خلال الفترة الممتدة من 27 إلى 31 ماي/ آيار، في العاصمة الكينية نيروبي، تحت شعار "تحول افريقيا، مجموعة البنك الإفريقي للتنمية وإصلاح الهيكلة المالية العالمية"، فهذه الأخيرة (الهيكلة المالية) ينبغي، بحسب المنظمين، أن تشمل قضايا التنمية الأكثر صعوبة في القارة؛ من استدامة الديون حتى الهشاشة المناخية، من أجل السماح بتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتزامات أجندة 2063.

بعيدا عن تفاصيل أشغال الاجتماع، نقرأ في التقرير السنوي لعام 2024 الذي يحمل عنوان "الاستثمار في مرونة افريقيا والنمو الشامل"، بأن القارة الإفريقية، وبالرغم من الاضطرابات الاقتصادية والتحديات الجيوسياسية والصدمات المناخية، أظهرت مرونة وسط الأزمات، ما رسم مسار العودة إلى النمو الاقتصادي المطرد. فقد كامن نسبة النمو الاقتصادي الإجمالي 3,1 ٪ برسم عام 2023، ويرتقب أن تستقر العام الجاري عند 3,7 ٪، مع توقعات ببلوغها 4,3 ٪ عام 2025.

صحيح أن الاقتصاديات الإفريقية تعمل مثل أي اقتصاد آخر في سياق عالمي مليء بالتحديات، كما جاء على لسان رئيس البنك الإفريقي للتنمية؛ أكينوومي أديسينا، لكن ذلك لا يكفي لمواجهة الفقر، فالأرقام تفيد التحاق ما بين 10 إلى 20 مليون شاب افريقي سنويا بسوق الشغل، بينما هي بالكاد توفر 3 مليون وظيفة جديدة. حقيقة مُرّة دفعت أديسينا إلى تعرية الواقع أمام الحضور بقوله: "نحن لا نأكل الناتج المحلي الإجمالي. لا يهم مدى جودة هذا الناتج المحلي الإجمالي. علينا التأكد من أنه يخلق فرص عمل، ووظائف جيدة"، ثم أضاف؛ فيما يشبه التحذير، "إن مجرد تحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي عند هذا المستوى، لا يكفي لنكون قادرين على انتشال مئات الملايين من الفقر". 

يُظهر التقرير ما حرِصت مداخلات المسؤولين الأفارقة على تأكيده، بشأن حرص التجمع المالي الإفريقي (البنك الافريقي للتنمية والصندوق الإفريقي للتنمية والصندوق نيجيريا الخاص) على توجيه الاستثمارات في جميع أنحاء افريقيا لخدمة أولويات الخمسة، ممثلة في إضاءة إفريقيا وإمدادها بالطاقة، وإطعام إفريقيا، واندماج افريقيا، وتصنيع إفريقيا، وتحسين نوعية الحياة لشعوب إفريقيا.

بلغ رأس مال البنك، في نهاية عام 2022، ما يقارب 250 مليار دولار، بإجمالي أعضاء يقدر ب 81 مساهما؛ يتوزعون ما البلدان الإفريقية (54 دولة) وأخرى خارج القارة (27 دولة). واستطاع عام 1967، تاريخ بداية نشاطه الفعلي، إلى غاية 2022، توفير ما قدره 6575 قرضا ومنحة، بقيمة إجمالية تصل إلى 200 مليار دولار، وذلك بغية تغيير مشهد التنمية في إفريقيا، فخلال السنوات الثمانية الماضية فقط، ساهمت استثمارات البنك في تحسين أوضاع أكثر من 400 مليون إفريقي.

تعَّد مبادرة "بنوك استثمار ريادة الأعمال للشباب" التي أطلقها البنك، العام الماضي، لتقديم الدعم المالي والفني للشركات المملوكة للشباب، مثالا عن محاولة المؤسسة ابتكار حلول غير تقليدية. في هذا السياق، وافق مجلس إدارة البنك على تقديم 16 مليون دولار لليبيريا، و12 مليون دولار لإثيوبيا من أجل إنشاء هذه البنوك، وقدمت دول أخرى طلباتها للانضمام إلى هذه المبادرة.

كما أطلق البنك "مبادرة القرن الإفريقي"، عام 2019، بهدف ربط البنية التحتية الإقليمية، وتعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي، ومعالجة الهشاشة وتعزيز القدرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية إلى جانب تحسين مستويات عيش سكان المنطقة، بين كل من إثيوبيا والصومال وكينيا وإريتريا وجنوب السودان، مع ثلاثة شركاء في التنمية (البنك الافريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي). تعززت المبادرة هذا العام، بإضافة شركاء آخرين (وزارة التعاون والتنمية الألمانية ومكتب الشؤون الخارجية والكومنولث والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية). فضلا عن تمكنها، حسب تصريح نائبة رئيس البنك الافريقي للتنمية؛ ماري لور أكيين أولوغباد، في الاجتماع 21 للمبادرة، المنعقد على هامش أشغال الاجتماع السنوي للبنك، من بلوغ إجمالي التزامات بقيمة 10 مليارات دولار.

يعمل البنك الإفريقي للتنمية جاهدا من أجل التحول إلى "بنك الحلول" لضمان ازدهار إفريقيا، وفي سبيل ذلك يلزم أن تكون أرقام النمو في خانة العشرات، حتى ينجح البنك في بلوغ التغيير المنشود في القارة. حلم قابل للتحقيق، لكنه يستدعي، كما جاء على لسان أكثر من قائد إفريقي، إصلاح الهيكل المالي العالمي، لفتح المزيد من الموارد لتوسيع نطاق التحول الاقتصادي في إفريقيا.

تكرر المطلب في كلمة الرئيس الكيني وليام ساموي روتو الذي أيّد ما قاله رئيس البنك؛ أكينوومي أديسينا، حين أكد على ضرورة التغيير بقوله: "اليوم، نؤكد أن تحويل الهيكل المالي العالمي أمر حتمي لمنح إفريقيا فرصة عادلة لتحويل إمكانياتها الهائلة إلى فرص للتغلب على التحديات المتعددة والتنمية الشاملة والمستدامة". 

وكأن الزعيم الكيني يثني على دعوات أديسينا؛ النيجيري الحالم بإفريقيا خضراء مزدهرة، حين صارح الجميع بمصيرية المنعطف الذي تشهده القارة، "هذه لست لحظة لاتخاذ أنصاف الحلول، وباعتباره مؤسسة تمويل التنمية الرائدة في القارة، يلتزم البنك بثبات بإطلاق العنان لإمكانيات إفريقيا من أجل التغيير التحويلي، وتسريع التنمية المستدامة، وبناء مرونة إفريقيا، مسترشدين باستراتيجيتنا العشرية الجديدة".

حلم يراهن الرجل من أجل تحقيقه على الوضع المالي القوي للمؤسسة التي يديرها، فهي الوحيدة الحاصلة على تصنيف AAA في إفريقيا، إضافة لتحقيقها أكبر صافي دخل على الإطلاق، قبل التوزيع، بلغ 545 مليون دولار، ومبلغا قياسا في الاحتياطات وصل إلى 335 مليون دولار. كل ذلك ربما يؤهلها لتكون في وضع مثالي للسعي إلى تنمية القارة، والسير على خطى 10 بلدان إفريقية من أصل 20 اقتصادا الأسرع نموا في العالم.

لا أحد يشك في إرادة قيادة البنك الإفريقي للتنمية نحو تحويل افريقيا إلى فخر كل الأفارقة، لكن المسألة التي يبدو أن البنك، ومن معه من الشركاء في مشاريع التنمية بالقارة، لا يستحضرها هي أن المعضلة ليست ماليا خاصة، بل ثمة عوامل أخرى، لعل أبرزها السيادة، ووضع الاجندات المحلية في سلم الأوليات، لا بد من تظافرها حتى ينتج المال أثره في إفريقيا.