الجمعة 22 نوفمبر 2024
كلف رئيس الوزراء آبي أحمد مامو ميهيرتو بلَبْرلة الاقتصاد، وسحب الدّولة من إدارته. لكنّ الموظّف السابق في البنك الدولي، يتبنى توجّهاً اقتصاديّاً يُقدّم البراغماتيّة على العلاج بالصدمة (يشير هذا المصطلح إلى استغلال فرصة حدوثِ أزمةٍ لتحرير السّوق، بشكلٍ فوري وكامل، ورفع الدّعم عن الرعاية الاجتماعية).
لقد حاجج خبراء الاقتصاد لسنواتٍ طويلة بأنّ سعر الصرف الثابت في إثيوبيا، ذي القيمة المرتفعة على نحوٍ مبالغٍ فيه، شكّل عائقاً أمام النمو. لكونه استنزف الاحتياطيات الأجنبية من العملة، وخفّض الصادرات، ونفّرَ الاستثمار الأجنبي. ومع ذلك، قاوم صناع السياسات في البلاد الإصلاح لفترة طويلة، حتى أواخر يوليو/تموز حينما تعرّض النظام القديم لضربةٍ قويةٍ.
أعلن مامو ميهريتو، محافظ البنك المركزي الإثيوبي، أنّ البر (العملة الإثيوبيّة) ستُعوّم لأوّل مرة، وقال لصحيفة أفريكا ريبورت: "ها نحن غيرنا جذريّاً سياسة استمرت خمسة عقودٍ"، ثمّ يضيف أن هذا يمثل بداية "منعرجٍ جديدٍ في مسار إثيوبيا الاقتصادي".
شغل مامو- وهو محاميّ أيضاً- قبل تعيينه محافظاً للبنك المركزيّ، في يناير/ كانون الثاني 2023، منصب كبير المستشارين الاقتصاديين لآبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا. فكان واحداً من مجموعة من الوزراء والمستشارين ذوي العقلية الإصلاحية، ممن جلبهم آبي إلى الحكومة عند توليه السلطة في عام 2018.
عقد الكثيرون الأمل في أن يساعد التكنوقراطيون الشباب، آبي أحمد، في تحرير الاقتصاد الوطني، الذي كان يطمح منذ السبعينيات إلى تنميّةٍ تقودها الدولة. بيد أنّ المشروع تعرض لضربة قوية في السنوات الأخيرة: أوّلاً، بسبب جائحة كوفيد-19، ثمّ الحرب الأهلية في تيغراي التي انتهت أواخر عام 2022.
سيكون التحول إلى نظامٍ لسعر الصرف معتمدٍ على السوق، هو الأكبر في سلسلة من التغييرات السياساتيّة التي جاء بها آبي أحمد. وتشمل هذه التغييرات: إصلاح البنى الإدارية للشركات المملوكة للدولة، وفتح القطاعات التي تهيمن عليها الدولة أمام المنافسة الأجنبية. إضافة إلى إنشاء بورصة مُقوَمةً بالبر، وستطلق، كما هو مقرر، في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. يقول مامو عن برنامج الإصلاح هذا: "إذا سار كلّ شيءٍ كما خطط له، فسيكون هذا إنجازاً كبيراً".
تترك خلفية مامو التعليمية والمهنية انطباعاً على أنّ أفكاره هي أفكار مصلحٍ ليبراليّ نموذجي. فقد تخرّج من كلية كينيدي بجامعة هارفارد، حيث درس الاقتصاد، ثمّ عمل لعشر سنواتٍ مع البنك الدولي في نيروبي؛ حيث ركّز على التمويل وسياسة المنافسة. يقول: "لقد كنت مهتماً دوماً بالتنمية. كيف تُخلق المنافسة؟ ما العوامل المحدِدةُ للنمو والدخل واللاّمساواة؟ لمَ بعض البلدان أكثر نجاحاً؟ ما السياسات التي تسرّع عملية النمو؟ لقد تحكّمت هذه الأسئلة في حياتي".
إنّ مقاربة مامو، للسياسات الاقتصاديّة حادّةٌ وبراغماتيّة. فعندما سُئل عن الخلفيّات الفكريّة التي ينطلق منها، أجاب بقوله بأنّه لا يتّبع أي "منظورٍ فكري جامدٍ"، فاهتمامه منصبٌ على "الأفكار التي تأتي بنتائجَ، وتسمح بهامش حريةٍ في التعامل معها" أكثرَ من الفرضيات والنظريات المبسطة.
نلمسُ هذا التوجّه في قراراته السياساتيّة، فهو لم يسع بعجالةٍ، خلال فترة عمله من موقع كبير المستشارين الاقتصاديين لآبي أحمد، إلى خصخصة الشركات المملوكة للدولة، بل إلى تحسين كفاءتها؛ يُوضّح ذلك بقوله: "كان النموذج القديم كالآتي: إذا وجدت شركة تجارية عامة، فخصخصها. هكذا قيل لنا. سوى أنّ الغرض ليس الخصخصة، الغرض هو خلق القيمة، ولذلك طرقٌ مختلفة. فيمكنك تحصيل القيمة من خلال إدارة شركة على نحوٍ مختلف وفعّال، وتخلق القيمة كذلك بالسّهر على إدارة الشركات بشكلٍ جيّد: من خلال تغيير مجلس الإدارة أو الشراكة مع المستثمرين الدوليين". ثمّ يضيف بأن الخصخصة أو الخصخصة الجزئية قد تكون أحياناً الخيار الأفضل، غير أنّ المسألة محكومة بالسياق.
أصبح مامو، عام 2022، الرئيس التنفيذي المؤسس لشركة الاستثمارات القابضة الإثيوبية (EIH)، صندوق الثروة السيادية الذي أنشئ حديثاً، قبل أن يتولى عبد الرحمن عيد طاهر منصب الرئيس التنفيذي خلفاً له، في يناير/ كانون الثاني عام 2023. والهدف من المؤسسة، كما يقول الرجل، هو جمع كلّ الشركات المملوكة للدولة في إثيوبيا تحت مؤسسة واحدة، لتُدار "كما لو كانت شركات خاصة، ويأتي إدراجها، لنقل، كما لو أنّه استجابة فورية للسوق لمشكلٍ في التسيير".
يقول مامو إنه من خلال منح مسيري الشركات المملوكة للدولة هامش استقلال أكبرَ، وربط تعويضاتهم بالأداء التجاري، وخفض الإعانات عن الشركات التي لا تحقق أداءً جيداً، بدأت الشركات التي كانت ذاهبةً إلى الموت، مثل إثيوبوست في تحقيق الأرباح، ثمّ يضيف بأن تحسين معايير التدقيق والتقارير المالية شيءٌ هامٌ كذلك.
والأمل هو أن تستطيع الشركات العامّة ذات التسيير الجيد جذب الاستثمار الأجنبي، لأنّ المستثمرين الدوليين، كما يتصور مامو، غالباً ما يكونوا حذرين من الإقدام على استثمارات مخاطرة في إفريقيا، دون شركاء محليين موثوق بهم. من هنا، فإنّ الشركات الإثيوبية المُبعثة قد تسدّ هذه الفجوة، من خلال مساعدة الشركات الأجنبية على الحركة بشكلٍ سلسلٍ في البيئة القانونية والتنظيمية المحلّية.
قد تصبح الشركات الإثيوبية نفسها أكثر تطلعاً لجذب المستثمرين الأجانب، لأنّ التعرض للانضباط التجاري تحت إدارة "EIH"، قد يعطي البعض حافزاً، يجادل مامو، للبحث عن مشاريع مشتركة أو خصخصة جزئية مع شركات أجنبية؛ وهذه ستجلب رأس المال والخبرة لتحسين الأداء.
يقول مامو: "إذا كنت تمتلك سيارة جميلة، يمكنك تسليمها لسائق ماهرٍ، لتستطيع الجلوس في الخلف وتستمتع، وعلى نحوٍ مماثل، يمكنك زيادة القيمة من خلال إدارة الأصول العامة بشكل احترافيٍّ. وهذا ما يفعلونه في البلدان الأخرى"؛ يشير هنا إلى صناديق الثروة السيادية والشراكات بين القطاعين العام والخاص في سنغافورة والإمارات العربية المتحدة كنماذجَ.
لا شك أن خطوة تعويم البِر في يوليو/ تموز، وتسهيل الطريق أمام الشركات الأجنبية لاستعادة أرباحها، من شأنها أن تساعد في جعل إثيوبيا مكاناً جاذباً للمستثمرين الأجانب. بيد أنّ المحللين يرون أنّ عوائق أخرى أمام تدفقات رأس المال الدائمة ما تزال قائمةً؛ من بينها المخاوف بشأن مسار إثيوبيا المالي الطويل الأجل، والوضع الأمني الهش في أجزاءٍ من البلاد.
لكنّ مامو مدركٌ للتحديات، ولا تراوده أي أوهام بشأن تحقيق تغيير حقيقي، فيقول: "إن معرفة ما هو الصواب وما هو الخطأ يمثّل مستوى، لكن الانتقال إلى تنفيذ التغيير يمثل مستوى مختلفاً تماماً من التحدي. إذا لم تخلق مساحة للتفكير الإبداعي، فسيكون من الصعب جداً إحراز تقدمٍ".
ومع ذلك، فإن التفاؤل هو المزاج المسيطر على الإصلاحيين في إثيوبيا، يخبرنا مامو: "لقد حققنا بداية مشجّعة للغاية، بيد أنّ هناك عملاً كبيراً ينتظرنا. نريد التأكد من نجاح هذا الإصلاح، وأن الاقتصاد الإثيوبي قد اكتمل انفتاحه على السّوق".
ترجمه فريق التحرير عن صحيفة أفريكا ريبورت