تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

رأي

الحرب في السودان ... إرهاصات تحول الحرب إلى صراع أهلي

12 يوليو, 2024
الصورة
(تصوير –/ وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)
(Photo by -/AFP via Getty Images)
Share

بعد أكثر من عام ونصف على الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي اندلعت شرارتها الأولى في العاصمة السودانية الخرطوم، في 15 إبريل/ نيسان 2023، نتيجة لإختلاف وجهات النظر بين رأسي مجلس السيادة الإنتقالي قائد الجيش، الفريق عبدالفتاح البرهان، ونائبه قاعد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، حول تفسير أحد بنود في الإتفاق الإطاري لإنهاء الفترة الإنتقالية المتعلقة بالمدة الزمنية اللازمة لدمج قوات الدعم السريع وقوات حركات الكفاح المسلحة الدافورية في مؤسسة الجيش السوداني، بغرض تشكيل جيش سوداني موحد، وإنهاء معضلة تعدد الجيوش في السودان.

مع إستمرار الحرب بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ووصول دائرة النار إلى نصف ولايات السودان تقريباً، ومن دون بوادر حسم عسكري واضح لأحد طرفي الصراع، باتت الحرب السودانية تتخذ بشكل متسارع، لون صراع عسكري بين المكونات المجتمعية الداعمة في مجملها للجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث تبرز خطابات الكراهية والتخوين المتبادلة في وسائل الإعلام، خاصة السوسيال ميديا، بين بعض ناشطي "مجموعة القبائل الجعلية الكبرى" ذات الأغلبية السكانية في الشريط النيلي في شمال ووسط السودان، ومجموعة القبائل العربية "قبائل العطاوة" القاطنة في غرب السودان، التي ينحدرمنها معظم قادة قوات الدعم السريع، والداعمة في مجملها للدعم السريع، فضلا عن مجموعة القبائل الإفريقية في غرب السودان، التى ينحدر منها معظم قادة الحركات المسلحة الدافورية التي خرجت عن سياسة الحياد وتحولت لمناصرة الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، بعد هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر وسقوط معظم حاميات الجيش في ولايات دارفور الخمس بيد قوات الدعم السريع.

فشل مؤسسات الدولة والصراعات المطلبية على أسس جهوية

أدى فشل النخب السودانية في تكوين مؤسسات الدولة الوطنية لخدمة المواطن السوداني، بإختلاف مكوناتهم المناطقية، والمجتمعية، والدينية، والطائفية، وتفشي سياسة عدم المساواة والظلم والتهميش التي اتبعتها النخب بعد الكولونيالية التي سيطرت على مقاليد السلطة والثروة في الحكومات المركزية في الخرطوم، منذ استقلال السودان عام 1956، الى إندلاع سلسلة من التمردات العسكرية على خلفيات مطلبية ومناطقية، لتقاسم السلطة والثورة في السودان. إندلعت أولى الصراعات المسلحة قبل إعلان إستقلال البلاد رسمياً، عندما تمردت مجموعة من النخب في جنوب السودان احتجاجا على عدم مساواتهم مع النخب الشمالية، عند توزيع الوظائف السيادية في الدولة، وهو الصراع الذي إستمر كأطول صراع مسلح في القارة الإفريقية إنتهى بإستقلال الجنوب عن الدولة المركزية، في عام 2011، وتشكل دولة جنوب السودان بشكلها الحالي.

إستمرار سياسة عدم المساواة والظلم والتهميش من قبل مؤسسات الدولة في المركز في الخرطوم، أدى إلى تكاثر دوامة الحروب المطلبية في أطراف السودان شرقاً وغرباً، دون أن تبتعد عن نفس سرديات الظلم والتهميش المناطقي، التي إرتكز عليها التمرد المسلحة في جنوب السودان، إلى تفجر حركات مسلحة في باقي الولايات المشكلة لشمال السودان تاريخيا، خاصة في ولايات شرق السودان، بقيادة مجموعات قبائل البجا، وتمرد عنيف إندلع في ولايات دارفور وكردفان غرب السودان، تقوده شخصيات بارزة من القبائل الإفريقية في تلك الأقليم كانت منتمية للحركة الإسلامية السودانية الحاكمة.

فضلاً عن سرديات ظلم المركز للهامش في السودان، التي كانت الوقود الفعلي لتشكل حركات الكفاح المسلح في السودان، كانت تجربة الحركات المطلبية المسلحة في شرق إفريقيا التي نجحت في إسقاط معظم الأنظمة الحاكمة في شرق إفريقيا بالقوة العسكرية، وبدعم غربي واضح، خلال فترة قصيرة لا تتعدى العشر سنوات، والوصو للسطلة إبتداء من يوغندا، الصومال، إثيوبيا، رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية،يمكن تطبيقه في السودان.

ظلت الحكومات المركزية في الخرطوم تتخذ الخيار العسكري حلاً وحيداً في مواجهة حركات التمرد مدعية أنها مجرد مجموعات مارقة مدعومة دولياً، وخارجة عن الشرعية الدستورية. هذا الحل الأمني من قبل سلطات المركز أدى إلى إستمرار التمرد العنيف في غرب السودان، منذ بداية الألفية، تحت لافتة تهميش مؤسسات "دولة 56"، للمجموعات الغير عربية في شرق وغرب السودان، وممارستها سياسات تميزية  ضد تلك المجموعات عند تقاسم السلطة والثورة في المركز منذ إستقلال السودان.

وكأي صراع عنيف بين الدولة المركزية وحركات مطلبية مسلحة قادمة من الهامش، لابد من أن تصل حلقة النار المتحرجة من تلك الولايات النائية  لمركز النظام السياسي، ما دامت النخب السياسية المسيطرة على مقاليد السلطة والثورة تتمسك بمقاليد الحكم بقوة السلاح، وفق منطق الغاب، وتمارس سياسات الظلم والتهميش وعدم المساواة في تقاسم المناصب السيادية والثروة، في بلد متعدد الأعراق، والثقافات والقبائل.

 

هندسة الدولة للميليشيات القبلية لمواجهة الخطابات المطلبية لمكونات الهامش 

وكمعظم الدول الإفريقية تشكلت في السودان بعد الإستقلال حكومات مدنية غير مستقرة، تستند على تحالفات حزبية ضعيفة بين الأحزاب السياسية التقليدية للبيوتات الصوفية، فشلت الحكومات المتعاقبة في إدارة التنوع الإثني والديني في السودان، ومع إزدياد المطالب السياسية وإلإقتصادية للمكونات المجتمعية المختلفة وفشل مؤسسات المركز في الوفاء بها، ظل الخيارالعسكري وإستخدام الجيش في إخماد تلك الحركات المطلبية المسلحة السياسة الوحيدة للحكومات المركزية المتعاقبة في الخرطوم، الأمر الذي أدى الى فشل خيارها العسكري في إخماد تمرد المكونات المجتمعية المتعاقبة على المركز، خاصة في بلد مترامي الأطراف كالسودان لا تمتلك مكوناته المجتمعية -المتداخلة مع معظم دول الجوار الإقليمي- تاريخ سياسي مشترك يتجاوز فترة تشكل السودان الحديث في فترة حكم الثنائي المصري الإنجليزي.

 وكعادة الجيوش النظامية التي تفشل في محاربة الميليشات المسحلة بالطرق التقليدية، لم يتمكن الجيش السوداني من هزيمة إياِ من تلك الحركات المتمردة ذات المطالب المناطقية عسكرياً، لأن حروب العصابات مرهقة للجيوش التقليدية، خاصة في بلد مترامي الأطراف مثل السودان، يستحيل على الجيش التقليدي تأمين طرق إمداد اللوجستية، لذلك إبتكرت قيادة الجيش إستراتيجية "تمليش" المكونات القبلية الموالية للسلطة في الولايات غير مستقرة، بغرض محاربة المجموعات القبلية والمناطقية المتمردة على الدولة على نفس الأساس القبلي المناطقي، وفي بعض الأحيان على أسس دينية.

البداية الفعلية لتمليش المكونات المجتمعية للقتال إلى جانب الجيش، بدأت بشكل فعلي منذ تشكل الدولة السودانية، ولكن مأسسة تلك المليشيات تزامنت مع إنقلاب الإنقاذ الوطني ووصول الحركة الإسلامية السودانية للسلطة في الخرطوم وتأسيس قوات الدفاع الشعبي. تزامن وصول نظام الإنقاذ للحكم، مع تقهقر كبير الجيش السوداني أمام قوات الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، وسيطرتها على العديد من الحاميات العسكرية في جنوب السودان، وعجز الجيش عن وقف تقدمها السريع إلى ولايات وسط السودان. ولمواجهة تقدم الحركة الشعبية قامت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي بتسليح المجتمع، وتحول الصراع المسلح إلى حرب "جهادية" باسم الدين، وذلك بإستنفار شباب الحركة الإسلامية لقتال الحركة الشعبية في الجنوب، وقد أفتى الترابي، الأب الروحي للحركة الإسلامية، حينها أنها حرب مقدسة، يشنها مسيحيون مدعومون من الغرب الكافر ضد الإسلام، لذلك، وجب على المسلمين في السودان خوضها للدفاع عن مقدساتهم، وقد نجح نظام الإنقاذ بمساعدة ميليشيات الدفاع الشعبي في وقف زحف قوات جيش الحركة الشعبية للشمال.

وفي إستنساخ لنجاح تجربة الدفاع الشعبي في مواجهة الحركة الشعبية، وفشل الجيش السوداني في مواجهة حرب الميليشات في دارفور وحسم الحرب عسكرياَ، سار عمر البشير على نفس المنوال، وشكل ميليشيات الجنجويد من القبائل العربية في دارفور، بقيادة موسى هلال، أحد قادة العشائر العربية في الإقليم، -لكن هذه المرة على أُسس قبلية عنصرية، ومرة أخرى نجح الجيش السوداني، وبمساندة قوات الجنجويد العربية، في إضعاف الحركات المسلحة الدارفورية عسكرياً، بعد عشر سنوات من القتال الشرس بين الجانبين، أدى إلى تشريد الملايين من السكان المحليين، من مدنهم ومناطقهم إلى دول الجوار، وإرتكاب مجازر حرب جماعية ضد السكان، من داعمي الحركات المسلحة الأمر الذي أدى إلى إتهام قادة الجنجويد ومسؤولين كبار في الدولة، وعلى رأسهم عمر البشير، بتهم إرتكاب مجازر ضد الإنسانية أمام محكمة الجنائية الدولية.

 رغم كل الإنتهاكات لم يستطع النظام الإستغناء عن ميليشيا الجنجويد، وقرر الإحتفاظ بدورها الوظيفي الناجح في مواجهة أي تمرد مسلحفي دارفور، وحراك شعبي في المستقبل ضد النظام. لذلك قرر تقنينها، بتغيير اسمها إلى "قوات حرس الحدود". وتحت وطأة تأثير ثورات الربيع العربي، وخوف البشير من إنقلاب مُحتمل من الجيش السوداني، مثلما حدث في جمهورية مصر، قام النظام بإعادة هيكلة قوات الجنجويد من جديد، وتقنينها بإصدار قرار رئاسي أقر من البرلمان، بتغيير اسمها إلى قوات الدعم السريع، ووضعها تحت إدارة رئاسة الجمهورية مباشرة، لخلق توازن قوة مع مؤسسة القوات المسلحة.

إستراتيجية النظام والمؤسسة العسكرية في تأسيس الجيوش القبلية الموازية للجيش، وتقنينها بالقوانين، أدت لاحقا إلى تكوين ميليشيات قبلية، تقاتل إلى جانب وحدات الجيش النظامي، تحت لافتة الدفاع عن نفسها ومناطقها، ضد عدوان المجموعات المتمردة على الدولة على إسس عرقية مناطقية. ما أدى لاحقا إلى تراجع الجاهزية القتالية للجيش السوداني تدريجياً، إلى حد نسيان جنرالات الجيش دورهم الأساسي، مما أضعف بنية المؤسسة العسكرية، وحول جنرالات الجيش إلى مجموعة من المقاولين لا يغادرون حامياتهم العسكرية،  دورهم الر ئيسي إدارة الصراعات على شكل مناقصات تجارية للميليشات القبلية الموالية للدولة، والتي أثبتت فعاليتها القتالية،للقيام بدور القتال عوضاً عن الجيش مقابل عائد مالي ودعم عسكري ولوجيستي للميليشا.

الإستقطابات والإصطفافات القبلي بين المكونات المجتمعية 

بعد جمود الوضع العسكري والميداني بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في الخرطوم لأشهر طويلة، وفشل الطرفين في تحقيق تقدم ملموس بالسيطرة على مناطق إستراتيجية في العاصمة، و إسقاط مقار عسكرية مهمة، بإستثناء تقدمات تكتيكية لقوات الجيش في محاور القتال، في مدينة أمدرمان، وتعثر جهود حل الصراع سلمياً من قبل الوسطاء الدوليين والإقليميين، إدى الى تحول كبير في الإستراتيجية القتالية لقوات الدعم السريع، في مسرح الحرب الرئيسي في الخرطوم، التي كانت ميدان الرئيسي بين الجانبين لأشهر، وإنتقال الحرب إلى أقاليم دارفور وكردفان المعقل الرئيسي لقوات الدعم السريع، حيث نجحت قوات الدعم السريع بسرعة نسبية، في إسقاط حاميات الجيش في معظم مدن ولايات دارفور وكردفان الثمانية، ما عدى الأبيض ولاية شمال كردفان، وكادوقلي جنوب كردفان ذات الوضع الخاص، والفاشر في ولاية شمال دارفور التي تدور فيها معارك شرسة بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش، مدعوماً بقوات الحركات المسلحة الدارفوية، خاصة حركتي تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور، وحركة تحرير السودان، بقيادة جبريل إبراهيم وزير المالية، وتعد مدينة الفاشر المعقل الرئيسي لقبيلة الزغاوة التي ينحدر منها الرجلان. 

يرجح مراقبون فرضية إسقاط الدعم السريع لمعظم أقاليم دارفور وكردفان، ومحاولة المستميته لإسقاط ما تبقى من حاميات عسكرية في ولايتي شمال وغرب كردفان فضلا عن شمال دارفو التى تستعر فيها المحارك في الشهور الأخيرة، لسعي قوات الدعم السريع للإسراع في إستنساخ تجربة خليفة حفتر في شرق ليبيا لتحقيق مكاسب سياسية على أرض الواقع ضد الجيش السوداني وإستخدامها مستقبلا كأوراق ضغط في مسار المفاوضات ولتعويض فشله في عدم تحقيق نصر حاسم على الجيش في بالخرطوم. 

وبعد سقوط ولاية الجزيرة الإستراتيجية وذات الثقل السكاني والثفافي والإقتصادي في يد قوات الدعم السريع، وإمكانية سقوط ولايات أخرى إستراتيجية ملاصقة للجزيرة، كـ ولاية سنار والقضارف التى تعتبر سلة غذاء السودان لإمتيازها بإنتاج معظم المحاصيل الزراعية، وإستمرار تقهقر قوات الجيش امام الدعم السريع تعالت أصوات مجتمعية كثيرة منادية قيادة الجيش السوداني بضرورة الدعوة للإستنفار الشعبي وفتح مخازن السلاح وتسليح المجتمعات وتجهيزهم للمقاومة الشعبية للقتال مع الجيش لحماية الولايات الشمالية والشرقية المناهضة لقوات الدعم السريع  المتهمة من قبل تلك المكونات بأنها ذات تشكيل قبائلي العنصري مناوء لتلك المجتمعات. 

ساهمت المجازر الجماعية وإنتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والممنهجه، على أسس عرقية وقبلية من قبل قوات الدعم السريع خاصة في مدينة الجنينة وبعض قرى ولاية الجزيرة، في زيادة الخطابات العنصرية والقبلية بين المكونات السودانية الداعمة لطرفي الصراع السوداني. وتعالي دعوات حمل السلاح والإستنفار المجتمعي، على أسس قبلية مناطقية، خاصة بين كتلتي القبائل النيلية الداعمة للجيش السوداني، ومجموعة قبائل العطاوة الداعمة لقوات الدعم السريع.

تتزايد بشكل مخيف الدلالات التي تشير إلى سرعة تحور الحرب السودانية من حرب بين مكونات عسكرية تتصارع على السلطة إلى حرب أهلية بين مكونات مجتمعية، وذلك بتزايد البيانات القبلية والمناطقية لنظار القبائل، بإسم الإدارة الأهلية المؤيدة لطرفي الصراع، بغض النظر عن تساؤلات بعض النخب السياسية حول مدى صحة تمثيل أصحاب تلك الدعوات للإدارة الأهلية للقبائل. 

يحاول طرفا النزاع، والأطراف المتحالفه معهم، الركوب على موجهة النداءات العنصرية لبعض الإداراة الأهلية، في مسعى لتوظيف تأييد بعض القبائل التي عبّرت عن موقفها، وإنحيازاتها إعلامياً في السوشيال ميديا، لدعم موقفهم السياسي والحربي أولاً، والعمل على تجنيد شباب تلك القبائل في الصراع ثانياً، من خلال تسعير الخلافات القبلية والمناطقية، وإنتاج خطاب قبلي قرابي تحريضي، يؤلب المكونات المجتمعية بعضها البعض، على أسس جهوية لخدمة مشروعها السياسي.

أبرز مثال للخطاب ذات الطابع القبلي في الصراع السوداني، خطاب على يعقوب قائد قوات الدعم السريع المهاجمة لمدينة الفاشر، قبل مقتله في المعارك ودعوته أبناء عمومته من شباب قبائل العطاوة خاصة قبائل البني هلبة والسلامات بضرورة الفزعة وطلبه نجدتهم ومناصرتهم بالمال والرجال في معارك الفاشر ضد قبائل الزغاوة المناصرة للجيش، قبل ان تأتي تلك القوات لمهاجتهم وقتلهم في مناطقهم وحواكيرهم.

ولمواجهة خطاب الفزعة لقبائل العطاوة، ينادي قادة ونشطاء الحركات المسلحة في دارفور مكوناتهم القبلية خاصة قبيلة الزغاوة ذات الإنتشار الواسع في دارفور والإمتداد الكبير في تشاد، ضرورة حمل السلاح والدفاع عن مدنهم ومناطقهم ضد قوات الدعم السريع، مما أدى لتوافد الكثير من أبناء الزغاوة في تشاد لنصر أبناء عمومتهم في السودان، لدرجة نداء بعض النشطاء من أبناء الزغاوة الرئيس التشادي محمد أدريس ديبي المنحدر من قبيلة الزغاوة لضرورة التدخل في الصراع السوداني ودعم أبناء عمومته ضد خطر الإبادة الجماعية الذي يتهددهم في حال نجحت قوات الدعم السريع في إسقاط مدينة الفاشر في قبضتها.

في مقابل مفهوم الفزعة المشهور وسط العطاوة، هنالك حراك قبلي ومناطقي نشط في وسائل السوشيال ميديا، لبعض الناشطين والمثقفين المنحدرين من قبائل المجموعة الجعلية في شمال ووسط السودان، ينادي بضرورة تعريف الحرب الحالية، بشكل مختلف عن ما هي علية الآن. وإعتبارها حرب عنصرية، قبائلية، مناطقية، تقودها قوات الدعم السريع، بدعم من جميع الإدارت الأهلية ونضارات قبائل العطاوة، ضد قبائل ومناطق شمال ووسط السودان.

هذا الخطاب القبلي والمناطقي دفع الكثير من الناشطين الداعمين لطرفي الصراع، لتسابق في تخوين بعضهم البعض مناطقيا وقبائليا، على أسس إثنية عنصرية، لدرجة التشكيك في سودانية بعض القبائل العربية القاطنة في دارفور ذات الإمتداد القبلية في دول جوار السودان، وإتهامها بإنهم مجموعة من عرب الشتات، غزت السودان من دول جوار السودان "كتشاد والنيجر وإفريقيا الوسطى"، وتخوين السياسين المنحدرين من تلك المجموعات في مؤسسات الدولة والمعارضة على حد سواء وإتهامهم باتواطىئ مع تمرد الدعم السريع، وضرورة فصلهم من مؤسسات الدولة.

لا يقتصر الخطاب القبلي على إسس قرابية وشائجية بين المجموعة الجعلية والعطاوة ولكنه إمتد إلى الولايات الشرقية المستقرة إلى الآن، والتي تعتبر مدينة بوتسودان حاضرة لها ومقراً مؤقتاً للحكومة السودانية، حيث إقتحم مجموعة من المتظاهرين، من قبائل البجا كبرى قبائل شرق السودان، مقر الإذاعة والتلفزيون المؤقت في مدينة بورتسودان، لمطالبة بإقالة مديرها الذي اتهموه بـالتقليل من شأن التراث الثقافي لقومية البجا، وإتهموه بمنع المذيعة زينب إيرا المنحدرة من قبائل الهدندوه من ارتداء زي قبائل البجا التقليدي إثناء ظهورها على الشاشة، وفقًا لمنشور الذي نشرته الصحفية على السوشيال ميديا، أن مدير التلفزيون السوداني قام بإزدراء ملابسها البجاوية.

بات القتل على الهوية والإنتماء العشائري أمر شائع في الصراع السوداني، حيث ينادي بعض المتشددين من ناشطي شمال ووسط السودان، بكل وضوح، قصف طيران الجيش السوداني لقرى وتجمعات مدنية في ولايات جنوب دارفور وشرق دارفو وجنوب وغرب كردفان، للإنتقام من قبائل الرزيقات والمسيرية والحوازمة والسلامات وبني هلبة المتهمة بتأيد أبنائها لقوات الدعم السريع. في المقابل تهديد مناصري قوات الدعم بمهاجمة مدن شندي وعطبرة ودنقلا لقتل وتشريد مجتمعات الجلابة مناصري جيش الكيزان، وقتل وتشريد الزغاوة والقبائل الإفريقية الأخرى في دارفور، لأنهم مجرد "فلنقايات"، يخدمون مجتمعات الجلابة أوالأفندية، المسيطرة على السلطة والثروة في الخرطوم.

هذا الخطاب المناطفي والعنصري الطاغي مؤخرا، وسط بعض النخب السودانية المؤيدة لطرفي الحرب بإختلاف مكوناتها القبلية والمناطقية، يعقد بشكل كبير الأزمة الوجودية للسودان كـدولة مركزية في الإقليم، ويقلل من  فرص إنهاء الحرب الأهلية السودانية بالطرق السلمية، بين الفرقاء السياسيين، ويسرع من فرص تحول الحرب إلى حرب أهلية مجتمعية، يصعب السيطرة عليها، ويجعل أمر التوصل إلى حلول سياسية ومجتمعية للصراع السياسي في السودان صعب المنال، لأن هذه الخطابات العنصرية تساهم في تكاثر الصراعات والنزاعات، وتحورها على نفسها بشكل طفيلي مخيف، قد تؤدي لإنهيار كلي او جزئي ا لهيكل المجتمع الأهلي من الداخل، في وقت قصير، مما يقلل من فرص حل الصراع السياسي بين الفرقاء، والإنتقال بمشروع الدولة السودانية إلى بر الأمان.