تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 17 مايو 2024

سياسة

إثيوبيا: هل ينزلق الصراع في إقليم أمهرة إلى حرب عرقية؟

26 أبريل, 2024
الصورة
واشنطن  - 17 ديسمبر: يشارك أفراد الجالية الإثيوبية في احتجاج يدعو إلى وقف ضربات الطائرات بدون طيار على المدنيين في منطقة أمهرة بإثيوبيا في البيت الأبيض في 17 ديسمبر 2023 في واشنطن العاصمة(Photo by J. Countess/Getty Images)
واشنطن - 17 ديسمبر: يشارك أفراد الجالية الإثيوبية في احتجاج يدعو إلى وقف ضربات الطائرات بدون طيار على المدنيين في منطقة أمهرة بإثيوبيا في البيت الأبيض في 17 ديسمبر 2023 في واشنطن العاصمة(Photo by J. Countess/Getty Images)
Share

كشفت الحرب في إقليم تيغراي أنّ هناك شعرة بين فرض النظام والحرب العرقية في إثيوبيا؛ ففي حين أعلنت الحكومة الفيدرالية الحرب ضد الإقليم، بسبب ما اعتبرته تمردًا على قوانين شرّعها البرلمان الفيدرالي، فإن ممارسات تلك الحرب حولتها إلى حرب عرقية.

 يبدو أن ذات الأمر يتكرر في إقليم أمهرة، فمع مرور عام على الحرب في الإقليم، بين القوات الفيدرالية وميليشيات/قوات فانو الأمهرية، ينظر العديد من السكان هناك إلى الحرب على أنّها استهداف عرقي من قومية الأورومو التي ينتمي إليها رئيس الوزراء آبي أحمد.

وفي كلا الحالتين، تروج الحكومة الفيدرالية غير ذلك، إلا أنّ الممارسات في الإقليم تكشف عن وجه عرقي، وهو أمر متوقع في ظل الخصوصية الديموغرافية لدولة إثيوبيا الفيدرالية، وطبيعة القوات التي تخوض المعارك.

حرب حلفاء الأمس

لم تكد حرب تيغراي تضع أوزارها، حتى اندلعت حرب جديدة في إقليم أمهرة، بين ميليشيات فانو (FANO) والقوات الفيدرالية، وكلا الطرفين كانا حلفاء في الحرب ضد جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF).

خلال حرب تيغراي، شاركت فانو إلى جانب القوات الفيدرالية والجيش الإريتري ضد قوات دفاع تيغراي، وسيطرت فانو على مناطق متنازع عليها بين أمهرة وتيغراي خلال الحرب، واُتهمت بارتكاب جرائم على أسس عرقية، منها طرد السكان المنتمين لتيغراي، واستبدالهم بمستوطنين من الأمهرة.

بدأ التحالف الثلاثي بين الأمهرة وأبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي في التفكك، عقب سلام بريتوريا بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي. وفي أبريل/نيسان 2023، أعلنت الحكومة الفيدرالية تفكيك جميع التشكيلات المسلحة للأقاليم، ودمجها في جيش وطني على أسس وطنية.

كان هذا القرار الشرارة التي أشعلت الحرب، حيث رفضت ميليشيات فانو الالتزام بالقرار، وقامت بالاستيلاء على المدن الكبيرة في إقليم أمهرة، بدعم وتشجيع من معظم السكان، الذين يرونها ممثلة لتطلعاتهم السياسية وحقوقهم التاريخية.

رداً على ذلك، فرضت السلطات الفيدرالية حالة الطوارئ، لمدة ستة أشهر في البلاد، بتاريخ أغسطس/آب 2023. وهاجم الجيش الفيدرالي ميليشيات فانو، وتمكن من استعادة المدن من الميليشيا التي فرّت إلى المناطق الريفية.

رغم هدوء حدة القتال إلا أنّ العديد من الانتهاكات بحق المدنيين تُسجل في الإقليم، وتُتهم القوات الفيدرالية بالمسؤولية عنها، وفق ما وثقته منظمات إنسانية دولية، من بينها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي اتهمت السلطات الفيدرالية بارتكاب جرائم حرب. كما تحدث مجلس حقوق الإنسان الإثيوبي عن وقوع جرائم قتل بحق المدنيين، دون أنّ يحدد الجهة المسؤولة، وإن طالب الحكومة الفيدرالية بتحمل المسؤولية عن حماية المدنيين.

يقول أبا كوستر، العضو في إعلام قوات/ميليشيات فانو، إنّ شعب الأمهرا يواجه خطرًا كبيرًا، ويتعرض أفراده للقتل على أساس الهوية. ويتساءل في حديثه لـ"جيسكا" عن تناقض حكومة آبي أحمد، التي صنفت قوات تيغراي وجيش تحرير أوروميا كمنظمات إرهابية (تراجعت الحكومة عن تصنيف قوات تيغراي كمنظمة إرهابية)، ولم تبادر لنزع سلاحهم، بينما سعت لنزع سلاح قوات فانو.

حول موقف حكومة الولاية، يقول إنها تقف إلى جانب الحكومة الفيدرالية، لأنّ أعضائها لا يريدون فقدان مناصبهم، متهمًا إياها بأنّها وكيل للحكومة الفيدرالية، وعدم التدخل لوقف العدوان على شعب أمهرا. ووفق قوله، فإن قوات فانو ترى في الحكومة الفيدرالية والإقليمية أعداء لشعب أمهرا. ويزعم أبا كوستر أنّ قوات فانو تحظى بدعم 90% من شعب أمهرا، بما يقدر بنحو 40 مليون شخص، إلى جانب الدعم من دول خارجية. أما عن الاتهامات التي طالت قوات فانو في إقليم تيغراي، فيجيب بأنّ قوات فانو لم تدخل إقليم تيغراي لأطماع، وإنما دخلت الحرب إلى جانب القوات الفيدرالية للدفاع عن أرضهم، لأنّ قوات تيجراي كانت ستدخل إلى إقليمهم وهو ما حدث، وذلك وفق زعمه.

تحولات السلطة

من جانبه، يقول الكاتب والناشط الإعلامي من إقليم تيغراي، مصطفى حبشي، إنّ "ميليشيات فانو لعبت دورًا أساسيًا مع الجيش الإثيوبي والمرتزقة الإرتريين في حرب الإبادة الجماعية التي شنها النظام الحاكم ضد إثنية التيغراي، وارتكبت أبشع الجرائم ضد الإنسانية، مثل التطهير العرقي والاغتصاب والتهجير والقتل والتعذيب". يعلل السبب وراء تمرد ميليشيات فانو بتوقيع اتفاقية سلام بريتوريا. 

يضيف لـ"جيسكا" بأنّ فانو تمردت لتعيق تطبيق اتفاق السلام، متهمًا إياهم بأنّهم لا يريدون أن ينعم شعب تيغراي بالسلام، وبأنّ لديهم أحلام توسعية للاستحواذ على أراضي تيغراي، وإجراء تغيير ديموغرافي.

بحسب تقرير نشره موقع "The Africa Report" تُترجم كلمة فانو بشكل فضفاض إلى "مقاتل من أجل الحرية". يقول التقرير: "في الخيال الشعبي تمتد جذور الجماعة إلى الاحتلال الإيطالي الفاشي لإثيوبيا 1935-1941". ووفق ذات المصدر، تشكلت ميليشيات فانو الحالية خلال الاحتجاجات الحاشدة 2016-2018 ضد النظام السابق الذي هيمنت عليه جبهة تحرير شعب تيغراي. كانت فانو في بدايتها أشبه بحركة شبابية، دخل العديد من قادتها السجن، وأطلق آبي أحمد سراحهم، ثم تحولت إلى حركة مسلحة بدعم منه، وشاركت في الحرب في تيغراي إلى جانبه.

حول الموقف الميداني في إقليم أمهرا، يقول أبا كوستر، إنّ قوات فانو لم تُهزم، بل على العكس تكاد الحكومة الفيدرالية أنّ تنهار. ويضيف أنّه منذ دخول القوات الفيدرالية إلى الإقليم تكبدت خسائر فادحة، تُقدر بمقتل عشرات الآلاف من الجنود، بما في ذلك كبار ضباط الجيش. ويزعم كوستر أنّ العديد من القوات الفيدرالية تستسلم لقوات فانو، وتنضم إليهم.

بدوره يقول الناشط الإعلامي من تيغراي أسياس أفورقي، إنّ قوات فانو أصبحت ورقة محروقة بالنسبة للحكومة الفيدرالية، بعد أن استخدمتهم في حربها ضد إقليم تيغراي. ويوضح أنّ الحكومة الفيدرالية استفادت من أحلام النخب الأمهرية التوسعية في الاستيلاء على أراضي غرب وجنوب تيغراي، ضمن مخططهم لاستعادة حقبة حكمهم القديمة، وأمجاد حكم الإمبراطور فاسيليداس الذي حكم بين أعوام (1632-1667). تابع مؤكدا بأنّ نخب الأمهرا ظنت أنّ حكومة آبي أحمد تحقق لهم تلك الأحلام، إلا أنّ تلك الحكومة ونخب ونشطاء الأورومو اتضح لهم بأنّ الأفضل التصالح مع حكومة تيغراي، وذلك بعد أثبت الإقليم قوته العسكرية والسياسية.

مخاطر الحرب العرقية

وفق حديث الناشط أسياس أفورقي، فحرب الحكومة الفيدرالية ضد قوات فانو، هدفها تجريدهم من سلاحهم، لتعزيز تحالفهم مع إقليم تيغراي. ويتابع بأنّه بعد القضاء على قوات فانو، سيكون أمام حكومة آبي أحمد والأورومو خيارين؛ الأول، الاستمرار في حكم إثيوبيا كدولة واحدة بمساعدة التيغراي، مقابل منحهم ما يطلبون، وهو ما يحدث حاليًا في المفاوضات بين الطرفين. والثاني، انفصال إقليم أوروميا كدولة مستقلة، وهذا يعني انفصال إقليم تيغراي وبقية الأقاليم، وهو خيار نخب الأورومو، ولكن ذلك يحتاج لأعوام وعمل كبير.

في كلتا الحالتين يتضح أن المستفيد هم الأورومو والتيغراي، حيث يجلب تحالفهما سلاما طويل الأمد لإثيوبيا. وتبعًا لذلك يرى الناشط التيغراوي، أنّ الجيش الإثيوبي سيقوم بعمليات عسكرية أكبر في أمهرا، لتفكيك قوات فانو، وتجريدهم من السلاح بمساعدة إقليم تيغراي. وبحسبه دائما، فدخول قوات تيغراي إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات فانو في إقليم تيغراي، يأتي بمباركة الحكومة الفيدرالية، التي تريد تنفيذ اتفاق سلام بريتوريا كاملًا لتعزيز تحالفهما.

من جانبه، يرى الإعلامي في قوات فانو أبا كوستر، أنّ مستقبل حكومة آبي أحمد على المحك، مؤكدًا أنّ قوات فانو ستقاتل من أجل ذلك. لافتًا إلى أنّ آبي أحمد يواجه مشاكل كبيرة في أقاليم عديدة، وخارج البلاد مع إريتريا والصومال والسودان. وبحسبه، فبقاء آبي مرتبط بالقوة العسكرية وحدها، وليس بثقة ودعم الشعب الإثيوبي.

أياً تكن نتيجة الحرب، فهناك ثلاثة عوامل تدفع إلى توسع الصراع في المدى القريب. الأول، الانتهاكات التي تطال المدنيين من المكون الأمهري، سواء داخل إقليم أمهرة أو في الأقاليم الأخرى التي تعيش فيها أقليات أمهرية. والثاني، انعدام الثقة بين المكون الأمهري ورئيس الوزراء، الذي يعتبرونه ممثلاً لقومية الأورومو وليس للدولة الإثيوبية. والثالث، التدخلات الخارجية من الجارة إريتريا التي تُتهم بتسليح ميليشيات فانو، نظراً للمصالح التي تجمعهما، وهي الحفاظ على المكتسبات في إقليم تيغراي.