تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 17 مايو 2024

سياسة

أوروبا تنهج سياسية حارس البوابة مع افريقيا بشأن الهجرة

23 أبريل, 2024
الصورة
immigrants
(تصوير حازم تركية/ الأناضول عبر Getty Images)
Share

يخوض قادة الاتحاد الأوروبي سباقا ضد الزمن، في رحلاتهم المتعاقبة نحو دول بعينها في القارة الإفريقية، بحثا عن مكاسب تتيح لهم دخول غمار الاستحقاق الانتخابي؛ الصيف المقبل، بأوراق رابحة، خصوصا في قضية الهجرة التي تسوّق في الداخل الأوروبي بأنها أم المشاكل في القارة العجوز. ما يثبت أن إفريقيا كانت ولا تزال، في الماضي كما في الحاضر، عماد أوروبا في بناء أمجادها الاقتصادية وحتى السياسية.

أعاد الاتحاد الأوروبي النظر في سياسية الهجرة غير القانونية بشكل جذري، ما دفعه إلى اعتماد مقاربة جديدة، بعدما كشفت الأرقام عن المسار التصاعدي في أعداد المهاجرين من افريقيا؛ فقد سجلت نسبة زيادة تصل إلى 30٪ عن عام 2010، مع توقعات تؤكد تدفق المزيد من الأفارقة على أوروبا، فالدوافع وراء الهجرة من حروب واقتتال داخلي وفساد وبطالة ونمو ديمغرافي واستغلال أجنبي ...  في ارتفاع، وعلى نطاق واسع، بمختلف مناطق القارة الإفريقية.

يعد إقليما شرق وغرب إفريقيا الأكثر تصديرا للمهاجرين، وفق بيانات الأمم المتحدة، حيث نجد الشرق في صدارة الأقاليم بأزيد من 7,68 مليون مهاجر، متبوعا بمنطقة غرب إفريقيا، في ما يشبه المنافسة بينهما، بحوالي 7,66 مليون مهاجر. فيما يساهم وسط إفريقيا بأكثر 3,86 مليون مهاجر. أما إقليم شمال إفريقيا، فيكتفي بحوالي 3,17 مليون مهاجر. هكذا إذن تكون الظاهرة عامة ومنتشرة، فهي تغطي مختلف أركان القارة، وليست حكرا على منطقة بعينها.

حقيقة حركت القادة الأوروبيين في كل اتجاه، سعيا وراء الشراكات واتفاقيات التعاون مع البلدان الواقعة في خطوط التماس مع تلك الدول التي تعتبر منابع المهاجرين، فحل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بمعية رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، شهر فبراير/ شباط في نواكشوط، لبحث السبل الكفيلة بتحويل بلاد شنقيط إلى دركي للاتحاد الأوروبي، في منطقة غرب إفريقيا المضطربة، جراء الانقلابات العسكرية المتلاحقة هناك، وما رافق ذلك من تنافس دولي على المنطقة.

كان الأوروبيون أسخياء جدا، بمنحهم موريتانيا 500 مليون يورو، للنهوض بمهمة وقف تدفق أفواج المهاجرين غير الشرعيين، من دول الساحل والصحراء نحو جزر الكناري الإسبانية، ممن زادته نسبتهم ب 300٪ مطلع العام الجاري. وذهب الأوروبيين بعيدا في سياستهم، فالظاهر أن بنود الاتفاقية تُحوِل موريتانيا إلى رقعة احتضان المهاجرين القادمين من بلدان غرب إفريقيا، وحتى توطين طالبي اللجوء منهم، حتى شاع وصفها في الأوساط الإعلامية المحلية باتفاقية "الاستضافة مقابل المال".

أسابيع بعد ذلك، جاء دور القاهرة التي زارها وفد أوروبي رفيع المستوى، بقيادة رئيسة المفوضية الأوروبية رفقة رؤساء حكومات بلجيكا؛ التي تتولى رئاسة الاتحاد، وإيطاليا واليونان والنمسا وقبرص، لتوقيع اتفاقية ترفع مستوى العلاقات بين الطرفين إلى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، مع تعهد بتقديم مساعدات بقيمة 7,4 مليار يورو للقاهرة، تتوزع ما بين القروض (5 مليارات يورو) والاستثمارات (1,8 مليار يورو) والمساعدات (600 مليون يورو).

قلّل الأوروبيون التركيز على ملف قضية الهجرة أمام وسائل الإعلام، لصالح الحديث عن أهمية وأدوار مصر في المنطقة، وكأنهم في مصر أخرى، غير التي أجمعوا في وقت سابق على أن نظامها الحالي ذو سجل حقوقي غير مشرف. وهل بقيت في الأصل لدى هؤلاء أي مصداقية في الخطاب، وهم صامتون على إبادة جماعية مكتملة الأركان، ترتكب منذ أشهر في قطاع غزة. تبقى السياسة في النهاية مجرد مصالح، ومصر حاليا محاطة ببؤر التوتر من كل جهة؛ ليبيا في الغرب والسودان في الجنوب وشرقا قطاع غزة. فضلا عن احتضانها، بحسب أرقام المنظمة الدولية للهجرة، ما يفوق عن 9 ملايين مهاجر ولاجئ، منهم 4 ملايين سوداني و1,5 مليون سوري.

صفقة مربحة لمصر على أكثر من صعيد، فما أحوجها إلى هذه المساعدات أملا في التخفيف من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلد. ناهيك عن امتلاكها ورقة الهجرة غير الشرعية الثمينة للمساومة والضغط على الأوروبيين، متى كانت القاهرة بحاجة إلى ذلك. وأخيرا، تمنح النظام الحاكم في مصر مزيدا من الشرعية داخليا وإقليميا، فأن تصبح وجهة يقصدها وفد من قادة أوروبا دفعة واحدة يعني الشيء الكثير بالنسبة لحكام القاهرة.

على صعيد آخر، شرع الأوروبيون في تنفيذ مضامين اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع تونس؛ صيف العام الماضي، حيث تعهدت بروكسيل بدفع إجمالي مساعدات بقيمة 127 مليون يورو، قصد دعم كافة المؤسسات المتدخلة في البلد (الأمن وإدارة الحدود...)، بغية مكافحة الهجرة غير النظام. وأفاد تقرير لصحفية فاينانشال تايمز، نهاية الأسبوع الماضي (24 مارس/ آذار) عن عزم الاتحاد الأوروبي على تقديم تمويل يصل إلى 164,5 مليون يورو، على مدى ثلاث سنوات، لقوات الأمن التونسية، خصوصا الحرس البحري، تتوزع ما بين التأهيل والتدريب والتجهيز.

في الآونة الأخيرة، تتحدث وسائل إعلامية أوروبية، نقلا عن مصادر من داخل التكتل الأوروبي، عن تحضير بروكسيل لاتفاقية مماثلة مع الرباط. يُذكر أن المغرب، رفقة تركيا، كانا سباقين إلى الانخراط في هذه الخطط مع الاتحاد الأوروبي، إذ سبق للمفوضية الأوروبية أن عبأت قرابة المليار يورو، منذ عام 2014، لدعم المغرب في احتضانه مهاجرين من بلدان افريقيا جنوب الصحراء، ما جعله حينها أول دركي لأوروبا في القارة الإفريقية.

لا يتردد الأوروبيون كعادتهم في تسويق سياساتهم وأعمالهم، فتحركاتهم، تأتي استجابة لما تحتمه قيم التنوير الأوروبي، فالعقل الأوروبي لا يزال أسير سردية الوصاية على غير الأوروبيين. خطاب انتهازي ممعن في البراغماتية، تفضحه الحقائق والمعطيات على أرض الواقع. فمنطقة الشرق الإفريقي حيث "الطريق الشرقي"؛ أكثر ممرات الهجرة ازدحاما وخطورة في العالم، يشهد عبور مئات الآلاف من المهاجرين سنويا، معظم من إثيوبيا وإريتريا والصومال، نحو منطقة الخليج. تتحدث أحدث التقارير عن قرابة 300 ألف مهاجر إثيوبي نحو شواطئ جيبوتي والصومال عام 2023، وعبور ما يزيد عن 93 ألف مهاجر من القرن الافريقي نحو اليمن، ما يمثل زيادة قدرها 26٪ عن العام السابق.

تشهد دول المنطقة أكثر من سبب يدفع نحو الهجرة، ما يحتم التدخل الأوروبي "الإنساني"، فإلى جانب الصراعات السياسية والعرقية (إثيوبيا نموذجا)، شهدت الإقليم تدهورا في الأوضاع الاقتصادية، واستفحالا لتداعيات التغيرات المناخية؛ فقد أدت ظاهرة النينيا الثلاثية (2020-2023) إلى تفاقم أوضاع ملايين الأشخاص بإثيوبيا وكينيا والصومال نتيجة الجفاف، كما تسبب في تشريد أكثر من 1,5 مليون شخص بالمنطقة.

كل ذلك لم يحرك الأوروبيين نحو دول المنطقة، كما هرولوا نحو موريتانيا ومصر وتونس والمغرب قبلهم، باستثناء تلك المبادرة اليتيمة عام 2018 القاضية بدعم جهود أديس أبابا لاستضافة اللاجئين وطالبي اللجوء، عن طريق استثمار شركاء التنمية الدوليين في جهود التصنيع في إثيوبيا، ما أدى لخلق أزيد من 100 ألف فرصة عمل، في بلد يستضيف قرابة 950 لاجئ وطالب لجوء!

صحيح أن الاتحاد الأوروبي غيَّر سياسته بشأن الهجرة، وسعى نحو اعتماد مقاربة جديدة تجاه القضية، لكنها جدَّتها لا تتجاوز الشكل فقط. فيما يبقى الجوهر ذاته منذ عقود، فهذا التمويل السخي يسعى في نهاية المطاف لتكريس تدبير أمني للملف، بتشديد الرقابة على الحدود باستعمال كافة الوسائل، وتعزيز الموارد البشرية في خطوط المراقبة... لكن هذه المرة فوق أراضي دول العبور (دول إفريقية)، وليس حدود الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. 

سياسية من شأن أن تزيد، في المستقبل المنظور، الأزمة استفحالا في دول مأزومة حاليا مثل مصر وتونس، بإضافة مشاكل المهاجرين واللاجئين وما يرافق ذلك من تأهيل وإدماج... إلى ما تشهده من أعطاب تهدد استقرارها، ما يرشح الأوضاع للانفجار في أي لحظة، وعلى أبواب الاتحاد الأوروبي هذه المرة. كما تهدد بتأزيم الأوضاع في دول مستقرة نسبيا (المغرب وموريتانيا)، بعد أن بدأت تطفو إلى السطح ظواهر العنصرية والحگرة وغير ذلك.

يتجه الأوروبيون كعادتهم إلى حل مشاكل على حساب الآخرين، دون أدنى اعتبار بتداعيات ذلك على الأخرين، فالعقل الأوروبي لا يزال يرى نفسه مركزا للكون على الأطراف أن تكون في خدمته، فهذه التحركات المكوكية صوب الشرق والغرب والشمال الإفريقي تبقى منجزات مهمة ونوعية استعدادا للمعركة السياسية المقبلة ضد اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي.