الخميس 21 نوفمبر 2024
تتمتع الكونغو، مثل فلسطين، بتاريخ طويل من الخضوع للاستعمار والإبادة الجماعية، ففي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين قتل ما يصل إلى عشرة ملايين كونغولي على يد البلجيكيين، الذين بدأوا تاريخ الكونغو الحديث باستغلال الموارد، مثل: المطاط واليورانيوم، وحاليا الكولتان الذي يغذي كل فروع التكنولوجيا تقريباً. في الواقع، قُتل ستة ملايين شخص في الإبادة الجماعية في الكونغو منذ عام 1996، وهي إبادة جماعية ارتكبتها رواندا، بدعمٍ من قوى أجنبية، مثل: الولايات المتحدة والصين.
إن النظر إلى الإبادة الجماعية في الكونغو وفلسطين يوضح أن اضطهادنا وعملية التحرير متشابكتان: من المليارديرات الإسرائيليين الذين يسرقون الموارد من الكونغو، ويستخدمون الأموال لبناء مستوطنات إسرائيلية غير قانونية، إلى تكنولوجيا المراقبة التي تستخدم شركات الكونغو في صناعتها، حتى يتمكنوا من قمع الفلسطينيين.
لمناقشة هذه التقاطعات، وما يمكن أن يفعله النشطاء للنضال من أجل الكونغو وفلسطين، وتحررنا على المستوى العالمي، نظمت موندويس والصحفية نايلة إقبال محمد مناقشة بين موريس كارني، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك "لأصدقاء الكونغو"، وإيمان عبد الهادي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة شيكاغو.
موريس: كان الصراع، حيث توجد مخيمات النازحين، صادماً. أتيحت لنا فرصة الذهاب إلى الجنوب، إلى موقع اغتيال لومومبا، وهو أمر مروّع، على أقل تقدير. أتيحت لنا فرصة الذهاب إلى مناطق التعدين، عاصمة التعدين في العالم، كولويزي؛ حيث توجد شركات تعدين كبيرة وعمال مناجم حرفيين. واستطعنا النزول إلى المناجم مع الحفّارين.
كما ذهبنا إلى العاصمة كينشاسا لرؤية بعض البرامج التي كان شركاؤنا يشتغلون عليها هنالك. لقد سُنح لنا أن نعبر النهر، نهر الكونغو برازافيل (جمهورية الكونغو)، تمت تباين حادٌ بين الكونغو برازافيل والكونغو كينشاسا (جمهورية الكونغو الديمقراطية). لكن لم تتح لنا فرصةٌ الذهاب إلى الغابات المطيرة، نظراً لفظاعة العنف في كيسانجاني ومحيطها.
رأينا أشياءً تمنينا لو نستطيع نقلها بالكلمات أو الصور أو الفيديو، ولكن الوصف لن ينوب عن المعاينة. مأساة أن يعيش النّاس في تلك الظروف في المخيمات. إنهم يعيشون في خيام صغيرة على صخور بركانية [حادّة]، لأن بركاناً في شرق غوما نشطٌ، ومن وقتٍ لآخر تلقي مجموعات الميليشيات قنابل على مخيمات النازحين وتقتل الناس. ذلك أمر فظيعٌ.
نحاول التوصل إلى طريقة لإبلاغ الضرورة المستعجلة والحاجة إلى تدخلٍ إنساني فوري؛ مع محاولة حشد الناس للضغط على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والحكومات الأخرى لوقف دعمها للحكومة الرواندية.
لدى رواندا 4000 جندياً في شرق الكونغو، وهذا هو السبب الرئيس للكارثة الإنسانية. لذا، فإننا نحاول جذب الانتباه العالمي إلى الأزمة الإنسانية. إنه أمر بالغ الصعوبة.
إيمان: تبدو الأمور في العالم العربي متوترةً للغاية. يظهر أنّ هناك توتراً هائلاً ناجماً عن الغضب من مشاهدة هذه الإبادة الجماعية للغزاويين. الناس منغمسون جداً فيما يحدث في غزة، إنهم حزينون وغاضبون ويندبونَ.
وفي الوقت نفسه، يواجه الناس قمعاً هائلاً من قبل حكوماتهم؛ وهي دول عميلة استبدادية للولايات المتحدة. إنها تعمل نيابة عن الولايات المتحدة وإسرائيل في قمع المعارضة. بالتأكيد رأيت ذلك في الأردن، وفي الإمارات العربية المتحدة، وها هو يحدث أيضاً في مصر.
إيمان: لنقارن هذا، على سبيل المثال، بالحرب على العراق. كانت مصدر معظم معلوماتنا من وسائل الإعلام السائدة [مثل] شبكة سي إن إن، وإم إس إن بي سي، ومنافذ أخرى نعلم أنها لها مصلحة في الإمبراطورية الأمريكية، وليست مزوداً موضوعياً للمعلومات. إنها شركات مرتبطة بمصالح الطبقة الحاكمة.
ولقد رأينا، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهور المزيد من وسائل الإعلام المستقلة، التي خرجت جزئياً من عباءة الرواية الأمريكية المهيمنة، ثمّ أيضاً بتسهيل من وسائل التواصل الاجتماعي. الآن، يستطيع أي شخص فتح حساب على إنستغرام أو تويتر أو تيك توك، بهذه الطريقة تنتشر المعلومات.
وهذا أيضاً وقت يخرج فيه الناس من عقود من البؤس، وانخفاض مستويات المعيشة، وحتى الشعور بالضعف تجاه الأنظمة الرسمية. هذا وقتٌ يشعر فيه النّاس بالقوّة، وهم ينزلون إلى الشوارع.
تعدّ فلسطين والكونغو السبب وراء هذه الصحوة، حيث نشهد تشابكاً بين الاثنين، وتحليلاً سياسياً مكثّفاً، يرى أن العالم تحت سيطرة هذه الطبقة الحاكمة، كما يعتبر أن المؤسسات التي تحكم عالمنا فاسدة. وتمتلك هذه الصحوة أدوات أكثرَ للتواصل، ومشاركة هذا التحليل على أوسع نطاق.
إيمان: تمثّل التكنولوجيا حاملاً للبنيّة الأوسع للسلطة والسيطرة. طالما سمعنا جميعاً بأننا نعيش نهاية العصر الاستعماري، لكن حقيقة الأمر أن العصر الاستعماري يتلبّس شكلاً مختلفاً. وقد سهلت الشركات المتعددة الجنسيات ذلك إلى حد بعيد؛ فلديك دول وشركات تعمل، جنباً إلى جنب، لبناء شكلٍ جديد من الاستعمار، أو لبناء نسخة منقحة قليلاً من الاستعمار.
تعتبر شركة أبل شركة متعددة الجنسيات، لديها مصالحها الخاصّة، وهي أشبه ما تكون بالدولة تقريباً، إذ بمقدورها استخدام دول كإسرائيل أو استخدام عدم استقرار مكانٍ مثل الكونغو لتستعمر العالم وتقسّم موارده، ولديها سلطة تقرير مصائر مجموعات سكانية مختلفة، عبر التخلّص منهم أو استغلالهم لأجل العمالة. من المهم أن نمتلك تصوّراً تحليليّاً غير اختزالي للطريقة التي يشتغل بها عالمنا، فلو لم تكن الكونغو وفلسطين، فحتما ستكون أماكنَ أخرى.
موريس: كان أحد الأشياء التي طرحها الناس [كوسيلة لتنظيم الناس] هو مصطلح "إبادة جماعيّة عبر التكنولوجيا"، لأن شركات التكنولوجيا تستفيد من معادن الكونغو، وتتسبب في إبادة جماعية بشرية.
هذا الأمر، بالنسبة لي، له جذور طويلة. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، تم التعاطي مع الكونغو كموقعٍ استعماري لاستخراج الموارد التي تشغّل الصناعات الحديثة. فقد زوّدت صناعة السيارات المتقدمة بالمطاط، ومنحت النحاس المستخدم في الرصاص والأسلحة للحرب العالمية الأولى، واليورانيوم المستخدم في الأسلحة الذرية التي ألقيت على اليابان، وهكذا دواليك، حتى يومنا هذا، حيث لا تزال الكونغو مصدرا أساسيا للكولتان.
نحاجج بأنّ تاريخ الكونغو الحديث، تزامنَ على أكثر من صعيدٍ مع التقدمات في التكنولوجيا، وجاء ذلك على حساب شعب الكونغو، فهم يعتاشون على تلك الموارد اللازمة لتشغيل مجموعة واسعة من التقنيات.
لكني لن أستخدم "إبادة تكنولوجيّة"؛ فبدون التكنولوجيا، ما كانت اصطفافاتنا لتكون فعّالةً، ولولاها ما كان في مقدورنا التواصل مع أشخاصٍ في الكونغو، وخاصة في شرق الكونغو، كونه يفتقر إلى البنية الأساسية: يفتقر إلى شبكة طرقٍ وسكك حديدٍ، ويفتقر إلى البنية الأساسية للطاقة - حيث 20٪ من السكان يمكنهم الوصول إلى الكهرباء – كما يفتقر إلى البنية الأساسية للتكنولوجيا؛ ف 23٪ من السكان فقط لديهم إمكانيّة الوصول إلى الإنترنت.
بالطبع تستغل شركات التكنولوجيا الموارد في الكونغو. كنا جزءاً من تعاونٍ مع مدافعين دوليين عن الحقوق الذين رفعوا دعوى قضائية ضد خمس شركاتِ تكنولوجيا (آبل، آلفابيت، دّل للتقنية، مايكروسوفت وتسلا) تتزوّد بمصادرَ يقبع وراءها عمالة للأطفال.
موريس: نعم، إنها الرأسمالية. إنه الاستعمار.
موريس: هذه نقطة مثيرة للاهتمام، لأنه محرّكٌ أكثر من قبل الناس في الشمال العالمي فيما يتعلق بالكونغو. إن توقف الجميع عن شراء هواتف آيفون، ومقاطعة الجميع منتجات آبل وسامسونج، لن ينهي الأزمة في الكونغو، بل قد يزيدها سوءاً، على نحوٍ لافتٍ. فهو عنصر لم يستكشف كثيراً في الكونغو. وهذا أمر متفهمٌّ.
أقرّت الولايات المتحدة، في عام 2010، قانون دود-فرانك؛ وهو مشروع قانون إصلاح مالي ضخم، كان نتاجاً لأزمة البنوك. وقد نجح الناشطون في واشنطن - وكنا متفقين معه - في إضافة تعديلين إلى قانون دود-فرانك. يطلقون على المادة 1502 اسم بند المعادن المتنازع عليها في قانون دود-فرانك، والتي نصت على أن الشركات التي تتداول أسهمها في البورصة، والتي تستورد القصدير والتنتالوم والتنغستن والذهب، مطالبةٌ في ملفاتها المقدمة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصة عن كشف مصدر معادنها. وردت الحكومة الكونغولية على هذا بافتراض مفاده أن قطع التمويل عن الجماعات المتمردة التي تتاجر في هذه المعادن، من شأنه أن ينهي الصراع أو على الأقل يخفف من حدته إلى حد ما.
لذا أغلقت الحكومة الكونغولية قطاع التعدين الحرفي بالكامل؛ وحظرَته. ولأن الدولة لا تزال متورطة في الاستعمار، فهي مكان لاستخراج المعادن؛ وهذا يخلق بيئة من الفقر المدقع حيث يبقى النّاس مع خيارات معيشيّة محدودةٍ للغاية. ويبقى التعدين الحرفي أحد الخيارات، مهما بدى خطيراً ومحفوفاً بالمخاطر. ويقف وراءه تقليدان؛ الأول تقليد الضرورة، والثاني يعود إلى آلاف السنين، وأجيال عديدة من الناس الذين عملوا في التعدين الحرفي في الكونغو. ولكن في الوقت الحاضر، هناك نحو نصف مليون من عمال المناجم الحرفيين في مختلف المجالات، ولهم تأثير اجتماعي واقتصادي مباشر.
وحينما تغلق هذا المجال، فإنك تخنق هؤلاء الناس الذين يحصلون على قدر ضئيل لدفع رسوم مدارسهم، أو توفير الطعام على المائدة، أو رسوم المدارس للأطفال، أو الحصول على الرعاية الصحية إذا كانوا في حاجة إليها. إن إغلاق كلّ هذا، أشبه بعقاب للسكان المحليين، يدفعهم إلى مزيد من الفقر، وربما يدفعهم إلى اللجوء إلى جماعات الميليشيات.
لذا عندما أرى أشخاصاً ينشرون مقاطع فيديو على TikTok يقولون فيها: "سأتوقف عن التدخين الإلكتروني، وسأستخدم هواتف معاد تصنيعها"، أرى فيه إرضاء لرغبة أو حاجةِ أولئك الذين يقفون خارج هذه التجربة الشعورية، ليحسّوا أنهم فعلاً شيئاً إزاء ما يحدث.
علينا أن نحدث فرقاً، ولكن التحدي هو الرأسمالية. لا تقلل من الاستهلاك وتربطه بالكونغو، بل قلل منه لأنك تراه جزءاً من الطبيعة المتوحشة للرأسمالية، ولأنّه جزء لا يتجزأ من نظام قمعي له تأثير مدمر على الناس في الجنوب العالمي.
ولهذا السبب أقدر خطاب الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو في الأمم المتحدة. لقد تحدث عن كيف أن الاستهلاك والعادات في الشمال تعاقب الشعب الكولومبي، حيث يعتبر نبات الكوكا حيوياً لأسباب صحية ولأسباب أخرى لمجتمعهم، ولكن بسبب التجاوزات في الشمال، فقد شيطنوا النبات ووضعوا العبء على الناس الذين يعيشون في كولومبيا، وليس على الممارسات في الشمال.
إيمان: جزء من مكافحة الرأسمالية هو أيضاً مكافحة البنية والسيطرة التي تتمتع بها هذه الشركات، والطبقة الحاكمة على حياتنا وحكوماتنا. وهذا يقود إلى مسألة الفعل المادي: النزول إلى الشوارع، والتنظيم في أماكن العمل، وبناء النقابات. نحن بحاجة إلى العمل على جميع الجبهات. أنا راديكالية، ولكن أعتقد أن هذا يشمل العمل على الإصلاح الانتخابي، وفصل وتقليل مقدار السيطرة التي تتمتع بها هذه الشركات على أقوى حكومة في العالم. وخاصة كأميركيين، هذه هي المهمة، هذا هو العمل - تعزيز العمل كنوعٍ من الثقل الموازي لهذه القوى الرأسمالية.
بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين بدأوا يتعاملون بجديةٍ أكبر مع مقاطعة الشركات المستثمرة في الإبادة الجماعية في غزة، وفي القمع الفلسطيني بشكل عام، إننا نحسّ شعوراً مفاده "يا إلهي، الأشياء مترابطة، أليس كذلك؟ كل شيء، جوجل، وأمازون، وآبل - كل بُعد من أبعاد حياتنا". انكشف واقع صادمٌ للاختلاف الصارخ بين حياتنا في الشمال العالمي، وحياة الناس في غزة والكونغو والسودان. ماذا يعني الاستثمار الكبير في تأسيس بيتٍ بينما نرى أشقاءنا تتساقط حيواتهم ليتمكنوا من العيش؟ وحتى ذلك ليس مضموناً؟ لذلك أعتقد أن الكثير من الناس يعيدون النظر في خياراتهم.
إنّ موريس محق في كون خيارات المستهلك هذه وحدها لا تكفي، لحل أيّ من هذه الصراعات. في الواقع، لقد شهدنا، وخاصة فيما يتعلق بتغير المناخ، جهدًا كبيراً لنقل العبء إلى المستهلكين ليقولوا: "لو قمت بإعادة تدوير زجاجات المياه التي شربتها، لو بحثت عن طيران أكثر استدامة فيما يتعلّق بالكربون..." إذا فعلنا جميعاً كل هذه الأشياء، لبقيّ الوضع.
نحن لسنا المشكلة. إنهم هم المشكلة. والطبقة الحاكمة هي المشكلة. لقد حاولوا باستمرار إقناعنا بهضمِ ذنبهم، والتركيز على الانضباط الذاتي، وتأديب بعضنا البعض بكل هذه التكتيكات الصغيرة، في حين يصرفون تركيزنا عن العدو الحقيقي.
إيمان: يجب أن نفكر، فيما يتعلّق بالمقاطعة، مثل أي شيء آخر، بشكلٍ جماعي وليس فردياً. يجب أن نغير عاداتنا الاستهلاكية كجزءٍ من بنائنا لذواتنا الأخلاقيّة؛ كروحٍ، ما يعني أن تشتري، ثمّ تشتري، ثمّ تشتري، وترمي وترمي وترمي؟ ولكن على نحوٍ عام، يجب أن تنتقل سياساتنا، بما في ذلك في المقاطعات، إلى أن تكون ذات طابعٍ جماعي. وهذا ما تفعله حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "بي دي س". فلم نحقق بعض انتصاراتنا المهمة في حركة "بي دي س" إلاّ من خلال الضغط الجماعي؛ حث شركاتك أو جامعاتك على سحب استثماراتها. إننا نتوجّه نحو نموذج أكثر جماعية لبناء القوة بغاياتٍ مماثلة، وفي بعض النواحي بتكتيكات مماثلة، كما تعلمون. ولكن ليس بالتركيز على صنع القرارات، بقدر التركيز على بناء القوّة بين بعضنا البعض، ومن ثم توجيه هذه القوة ضد تلك المؤسسات التي لا يمكن أن تتواجد إلا بعملنا أو أموالنا.
موريس: أحد مقاييس نجاح حركة المقاطعة "بي دي س" هو محاولة الدولة في جميع أنحاء الولايات المتحدة سنّ قوانين من أجل الحد من فعاليّتها. لقد رأينا ما فعلته النخب من تجريم أولئك الذين يشاركون في الحركة، من خلال تضييق الخناق على الشركات، ليستحيل عليها دعم الحركة، وحتّى أنه يتعيّن عليهم أن يبرؤوا أنفسهم مقدماً منها، إذا أرادوا الحصول على عقود مع حكومات الولايات. ربما تكون تكساس واحدة من الولايات التي تتصدر معاقبة الأشخاص المرتبطين بأي شكل من الأشكالٍ بحركة المقاطعة "بي دي س".
موريس: هذا جزء من المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الحصول على المعادن الحيوية... من أجل هذا التحول نحو الطاقة الخضراء. وينافس الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثماني مبادرة الحزام والطريق الصينية، وخاصة في الكونغو فيما يتعلّق بالاستحواذ على المناجم.
علينا الحديث عن الطبقة الكومبرادوريّة والنخب المحلية والدور الذي تلعبه، وكيف أنها أكثر انسجاماً مع رأس المال الدولي، وأكثر انسجاماً مع دان جيرتلر، وأكثر انسجاماً مع الأسواق في الغرب من انسجامها مع مصالح شعوبها. لذا، فإن إحدى القوى التي تعمل ضد الشعب الكونغولي هي نخبته المحلية.
لكن دان جيرتلر يسلط الضوء بشكل واضح على المعركة الجيوستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة. هذا عنصر مهم في عملية صنع القرار كمخرجاتٍ لإدارة بايدن والكونجرس الأمريكي.
موريس: مما لا شك فيه أن المليارات التي حققها جيرتلر في الكونغو تعاد إلى إسرائيل، فاستخدم العديد من هذه الأموال من أجل بناء مستوطنات غير قانونية، ومنحت للحكومة الإسرائيلية قصد تمويل مشروع الاستعمار الاستيطاني. وجيرتلر هو حفيد مؤسس بورصة الماس الإسرائيلية، موشيه شليزنجر.
إيمان: أدرك الإسرائيليون، بعد الانتفاضة الثانية، بسرعةٍ كبيرة أن الحكم المباشر للفلسطينيين في الضفة الغربية كان مكلفاً وصعباً للغاية، فجاءت السلطة الفلسطينية لتلعب هذا الدور نيابة عنهم. السلطة الفلسطينية قابلة للمقارنة بدول عربية أخرى تابعة في المنطقة. إنهم يديرون سكانهم أساسا كطبقةٍ، وفي نهاية المطاف لصالح كيان الطبقة الحاكمة النخبوية داخل تلك الحكومة وحلفائهم الأميركيين والإسرائيليين. لذا فإن السلطة الفلسطينية قمعية تماماً؛ إنها فاسدة تمامًا. لقد كانت تقوم بالعمل القذر كخطٍ أمامي لإسرائيل لسنوات.
إيمان: توجد، رغماً عن السلطة الفلسطينية، مقاومة كبيرة في الضفة الغربية، ونرى حتى الصواريخ تُلقى على الضفة الآن. لقد قُتل المئات والمئات من الناس، واعتقل الآلاف؛ وهذا يشير إلى مستوى الغضب.
الضفة الغربية هي الهدف التالي، ونحن نعلم ذلك جميعاً. إنّ الهدف هو التطهير العرقي من النهر إلى البحر. إن ميثاق الليكود واضح للغاية، فهو يرى بأن لديه السلطة والسيادة على كامل فلسطين التاريخية؛ وهم يحاولون بشكل منهجي تهجير وإبادة الفلسطينيين لأجل ترسيخ هذه السلطة.
موريس: يجب أن نعترف بتنوع الكونغو، وما يحدث في أماكن مختلفة من البلاد. ولكن حتى داخل هذا التنوع، فإن الكونغو كلها، وليس فقط جزءاً منها، تحمل إرثاً استعمارياً. لقد كانت الكونغو كلها ضحية للتدخل الإمبريالي والإرث الاستعماري: الملك ليوبولد الثاني والبلجيكيون. لقد شنت الولايات المتحدة أكبر عملية سرية في العالم ضد الشعب الكونغولي، لإزالة رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً، بنفس الطريقة التي سقط بها مصدق ضحية للتدخل الإمبريالي في إيران، أو أليندي في تشيلي.
لذا فإن الإرث الاستعماري للتدخل الإمبريالي، وما زال مستمرّاً حتى يومنا هذا، قيّد الشعب الكونغولي فعلاً في هذا النظام؛ هذا النظام الرأسمالي.
وما يزال ذلك التصميم الأولي، أليس كذلك، كموقعٍ لاستخراج الموارد الطبيعية، قائماً حتى يومنا هذا، يشكل الحياة، ويخلق الإمكانيات والفرص للشعب الكونغولي بشكلٍ عام. تمت تدخل من جانب جيران الكونغو، قادة الاستعمار الجديد، عملاء الاستعمار الجديد، الذين لم يتمكنوا من القيام بما يفعلونه دون دعم دول مثل: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لذا، لا يمكن النظر إلى الطبيعة الحادة للأزمة في الشرق، أو حتى الآن في كيسانجاني وبعض أجزاء الغرب، بمعزل عن الإرث الاستعماري، والتدخل الإمبريالي، وفرض النخب على الشعب الكونغولي.
من الصعب عليك، في مواجهة الأدلة، الأدلة التاريخية، وفي مواجهة الحقائق المعاصرة، تقسيم الكونغو بهذه الطريقة، والقول: حسنٌ، فقط الشرق يعاني من عنف حاد. أقصد، الفقر هو العنف.
تقول جوجل إن العقد لا يستهدف العمل العسكري، ولا يتعلق بالأسلحة أو أجهزة الاستخبارات، في حين أحجمت أمازون عن الكلام عنه علناً. لكن Wired راجعت الوثائق العامة والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين وموظفي جوجل وأمازون، ووجدوا أن جيش الدفاع الإسرائيلي أو قوات الدفاع الإسرائيلية كانت في قلب مشروع نيمبوس، منذ بدايته. ويبدو أن كبار المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن عقد جوجل وأمازون يوفر بنية تحتية مهمة للجيش الإسرائيلي.
إيمان: بالنسبة لأي مراقب للرأسمالية، فإن التكنولوجيا دافعٌ أساس للنمو والمنافسة. نحن نشهد التركيز على هذا النوع من تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا المراقبة. تمثل التكنولوجيا حوالي 20 ٪ من اقتصاد إسرائيل، وهذه نسبة هائلة. هناك كتاب رائع يجب على الناس الاطلاع عليه يسمى "مختبر فلسطين"، يتحدث عن الطريقة التي تستخدم بها الشركات الإسرائيلية الفصل العنصري والاحتلال والإدارة الناجحة للسكان الفلسطينيين دليلا على مدى فعالية أسلحتهم وتكنولوجيا المراقبة خاصتهم.
لقد شهد العالم العربي كثافةً في التطبيع من أجل تسهيل هذه العقود، وتسهيل بيع تكنولوجيا المراقبة إلى بلدانٍ استبدادية، مثل: الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وما إلى ذلك، وهو أمر مثير للسخرية، لأن إسرائيل تدعي باستمرار أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. من الواضح أنها ديمقراطية يعتمد اقتصادها على بيع وتسهيل الاستبداد في بقية منطقة الشرق الأوسط. وبالطبع، ليست إسرائيل ديمقراطية داخلياً على الإطلاق، وما ذلك يخفى علينا جميعاً.
لكن هذا جزء من رؤية الشركات للعالم على أنه مفتوح للاستغلال، وأي جماعة، في اعتبارهم، تقف في طريق ذلك يمكن استغلالها أو التخلص منها.
موريس: عندما نتحدث عن مشروع نيمبوس، فأنا أرى أنه جزء من المجمع القائم لما تصدره إسرائيل، ليس فقط شركات التكنولوجيا، بل وأيضًا مجموعات الاستثمار وصناديق التقاعد التي تستثمر في شركات "الأمن" والاستخبارات في إسرائيل. ويذكرني هذا ببرنامج بيجاسوس الذي طورته مجموعة "إن إس أو"، وهي شركة إسرائيلية أنتجت برنامج بيجاسوس، الذي تستخدمه الحكومات الاستبدادية في الغالب في جميع أنحاء العالم. كانت رواندا في مقدمة هذه معادلة، حيث تستخدم برنامج بيجاسوس من شركة "إن إس أو" الإسرائيلية، من أجل التجسس على المنشقين الكونغوليين والتسلل إلى هواتفهم.
أعتقد أن الحكومة الرواندية اختطفت في ذلك الوقت بول روسيساباجينا، وهو الشخصية البطولية في فيلم "فندق رواندا"، وأعادته إلى رواندا. وكانت عملية تسليم غير قانونية، كما فعلت الولايات المتحدة لاعتقال الناس ونقلهم إلى غوانتانامو.
ألقت الحكومة الرواندية القبض على بول روساباجينا، وأعادته إلى السجن في رواندا، واتهمته بارتكاب جميع أنواع الجرائم. واستخدمت برنامج بيغاسوس للتنصت على هاتف ابنته، التي كانت نشطة للغاية في النضال من أجل إطلاق سراحه، وكانت صريحة وناقدة. وقد استغلت المنصات، في جميع أنحاء العالم، للحديث عن والدها، والطبيعة الاستبدادية للحكومة الرواندية. لذا، فإنني أضع هذا في هذا السياق، باعتباره أحد صادرات إسرائيل، جنبًا إلى جنب مع بيع الأسلحة، ومع تصدير القوات الهجومية الإسرائيلية كذلك.
وقبل شهر أكتوبر بقليل، كانت القوات الإسرائيلية الهجومية في الكونغو لتدريب الجنود. وبمجرد بدء الإبادة الجماعية في فلسطين، كان عليهم العودة. وهذا لا يشمل شركات التكنولوجيا فحسب، كما قلت، بل يمتد إلى بنوك الاستثمار في وول ستريت. إنّ صناديق التقاعد هي، كما تعلمون، متجسّدة في المواطن الأمريكي العادي أو المواطن البريطاني العادي، وصناديق التقاعد الخاصة بهم مستثمرة في هذه الشركات، التي تعمل على إحداث الفوضى في المجتمعات والمنظمين والناشطين الشعبيين والمعارضين في أجزاء مختلفة من العالم.
إنّ أجهزة المراقبة الإسرائيلية، معظم هذه الكاميرات والمعدات تستخدم عند نقاط التفتيش، والتي يعدّ الفلسطينيون الأشخاص الوحيدين المطلوب منهم استخدامها. إذن، لديك حكومة تجمع كميات هائلة من البيانات عن مجموعة عرقية واحدة، والعالم يقف متفرجًا، ويقول، لا بأس.
إيمان: كما تعلم، إنه أمر قبيح للغاية. ولكن العالم يقول حرفيًا بعدها، "أوه، كيف تفعلون ذلك؟ دعوني أحصل على بغض من ذلك."
موريس: نرى ذلك، بوضوح شديد، في الدولة الأمنية في الولايات المتحدة، وكيف تُدرّب قوات الشرطة على يد الإسرائيليين. لذا، إذا كان هناك سبب، كما رأينا مع فيرجسون، لتضامن السود في المدن الأميركية مع الفلسطينيين، فمن المؤكد أنه يتلخص في الاحتجاج ضد الدولة الأمنية في الولايات المتحدة التي تعاونت مع الدولة الأمنية الإسرائيلية.
إيمان: كما اختبرت إسرائيل التعقيم على النساء الفلسطينيات.
الترجمة العربية للمقابلة التي أجرتها نايلة إقبال محمد على موقع موندويس