الخميس 21 نوفمبر 2024
تعددت التصريحات الحكومية ببدء المرحلة الثانية من الحرب الشاملة ضدّ حركة الشباب، المصنفة إرهابيةً، منذ أكثر من عام، دون وجود مؤشرات على اقتراب موعد العمليات العسكرية، حتى أنّ حركة الشباب قللت على لسان المتحدث باسمها، علي راجي محمود، من تعهدات الرئيس بالقضاء عليها خلال عام واحد، وزادت من استهدافها للعاصمة مقديشو، في ظل عجز حكومي عن استعادة زمام المبادرة.
شهد العام الأول من حكم حسن شيخ، من أغسطس/ أب 2022 إلى يونيو/ حزيران 2023، المرحلة الأولى من الحرب الحاسمة ضد الحركة، والتي تكللت باستعادة نحو 70 بلدية وقرية ومدينة صغيرة في ولايتي غلمدغ وهرشبيلى من يد الحركة، بمساعدة المسلحين العشائريين المعروفين باسم "معويسلي". كان من المنتظر استكمال العمليات لتحرير كامل الولايتين، تمهيدًا للانتقال جنوبًا، لكن حسن شيخ عمل على استثمار تلك النجاحات في قضية تعديل الدستور، فأدخل البلاد في أزمة سياسية استهلكت قدرات الحكومة الفيدرالية، ومنحت الشباب فرصةً لالتقاط الأنفاس واستعادة المبادرة.
في أوج انتصارات الحكومة الفيدرالية، استضافت العاصمة مقديشو قمة لقادة دول الجوار، شارك فيها رئيس وزراء إثيوبيا، ورئيسا جيبوتي وكينيا، وسبقها اجتماع لوزراء دفاع الدول الأربع، مطلع العام الماضي، بهدف التحضير لمشاركة قوات من هذه الدول في المرحلة الثانية من الحرب. لكن لم تسفر هذه الجهود عن شيء يُذكر، ولم تعلق الحكومة الفيدرالية حول ذلك، فيما تصاعدت هجمات الشباب، ما أجبر الجيش الوطني وحلفائه على الانسحاب من مناطق سبق تحريرها.
يتطلب تحليل أسباب إخفاق الحكومة الفيدرالية في الاستمرار في الحرب ضدّ حركة الشباب، الرجوع إلى العوامل التي دفعت لإعلان هذه الحرب في المقام الأول، وعلى رأسها ثورة قبيلة "حوادلي" في إقليم هيران، في ولاية هرشبيلى ضدّ الشباب بالتزامن مع تنصيب حسن شيخ رئيسًا، والتي استفاد منها الأخير في إعلان الحرب الحاسمة من واشنطن، في أغسطس/ أب 2022، ما يعني أنّ الحكومة الفيدرالية لم تكن تملك خطة لمواجهة الشباب، فهي قامت فقط بتوظيف إنجازات المقاتلين العشائريين.
لعب هذا السبب دورًا مزدوجًا؛ فمن ناحية شجع الحكومة الفيدرالية على الدخول إلى جانب مقاتلي "حوادلي"، ما مكنهم من هزيمة الشباب في هيران، ثم تمكنت بمساعدة مقاتلي قبائل أخرى من تحقيق إنجازات في شبيلى الوسطى، وإقليمي مودغ وغالغادود، في ولاية غلمدغ، وحررت بلدات من بينها جيوب الاستراتيجية المطلّة على المحيط الهندي، التي كانت تغذي الحركة بالسلاح، وتُشكّل مصدرًا هامًا للدخل المالي.
ومن ناحية أخرى، تحولت القوة العشائرية إلى عامل مزعزع للاستقرار، حيث تنافست القبائل على الكعكة السياسية في المناطق المحررة، وأبرز الأمثلة مطالبة عشيرة "حوادلي" بولاية مستقلة في إقليم هيران، وصدامهم المسلح مع قبيلة أبغال في جوهر، والتي ينحدر منها رئيس الولاية، علي عبد الله حسين المعروف بـ"غودلاوي". وقد أقدم هذا الأخير على إقالة قائد معويسلي حوادلي، علي جيتي، من منصبه كمحافظ لهيران، في يونيو/ حزيران 2023، في ذروة الحرب ضد الحركة، في خطوة عكست تضارب مصالح حلفاء الحكومة.
ومن ناحية ثالثة، كان من المفترض وفق الاستراتيجيات العسكرية العمل على تأمين المناطق المحررة من الناحية الأمنية، وضبط السلطة المحلية، وتعزيز تواجد مؤسسات الدولة، خاصة أنّ حركة الشباب لم تنهزم كليًا في الولايتين بعد، إذ كانت ولا تزال تحظى بتواجد قوى فيهما، وبدلًا من ذلك شرَع حسن شيخ في استثمار هذه الإنجازات في موضوع تعديل الدستور، المثير للجدل.
تعود خطة التعديلات الدستورية إلى اجتماع المجلس الاستشاري الوطني في مايو/ أيار 2022، والذي خرج باتفاق في غياب رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، حول جملة من التعديلات الدستورية التي شملت إلغاء منصب رئيس الوزراء، واستبداله بنائب الرئيس، وإلغاء النظام الانتخابي العشائري المعروف بـ(4.5)، وإقرار الانتخاب الحرّ المباشر، وفق مبدأ (صوت واحد، لمواطن واحد)، وحصر الأحزاب السياسية القانونية في اثنين فقط.
أثارت تلك الخطة خلافات واسعة، وأدت إلى قطيعة بينت بونتلاند ومقديشو، ثم عقد المجلس بغياب بونتلاند اجتماعًا آخر في مايو/ أيار 2023، أقَّر تعديلات على الخطة الأولى، تضمنت الإبقاء على منصب رئيس الوزراء مع نزع صلاحياته، وحصر الأحزاب السياسية في ثلاثة أحزاب. تُرجمت الخطة لاحقًا في عملية تعديل الدستور التي لا تزال فصولها جارية، والتي أحدثت شقاقًا كبيرًا في البلاد.
اللافت للنظر، أنّه في نفس الشهر، أي مايو/ أيار 2023، عقدت حركة الشباب اجتماعًا بعنوان "الاجتماع التشاوري حول قضايا الجهاد في شرق إفريقيا"، بحضور أمير الحركة، أحمد ديريه الشهير بـ"أبو عبيدة"، خرج بعدة توصيات، وجدت صداها لاحقًا في سلسلة من العمليات العسكرية الناجحة للحركة، استهدفت القواعد العسكرية لبعثة "أتميس"، والقوات الفيدرالية والمقاتلين العشائريين في هرشبيلى وغلمدغ.
تمكنت الحركة منذ هذا التاريخ من إيقاع خسائر كبيرة بالقوات الأفريقية والفيدرالية والمقاتلين العشائريين، وفي أغسطس/ أب 2023، شنت الحركة هجومًا كبيرًا ضد معسكرات الجيش، في بلدة عوسويني في إقليم غلغدود وسط البلاد، وعلى إثره شرعت القوات الفيدرالية وحلفاؤها العشائريون في الانسحاب من العديد من البلدات والقرى التي سبق تحريرها.
كشف استعادة الحركة للعديد من البلدات، عن أنّ تدخل الاعتبارات السياسية في الحرب، وقيام الرئيس بدور في قيادة العمليات العسكرية، أخل بجوهر العمليات الحربية. من منظور آخر، يمكن القول إن عامل المفاجأة كان في صف الحكومة الفيدرالية، حيث لم تتوقع حركة الشباب إعلان الرئيس حربًا شاملةً ضدها، دُعم فيها من الإمارات وتركيا والولايات المتحدة، ودُفع فيها بقوات مدربة في إريتريا وأوغندا، لذلك خسرت الحركة مساحات واسعة في وسط البلاد، في الأشهر الأولى للحرب. وقال المتحدث باسم الحركة في إصدار مرئي، في أغسطس/ أب الجاري، عن هذه الخسائر، إنه "باستثناء معارك الكر والفر، التي تقتضي الانسحاب من مناطق معينة، لم تخسر الحركة أيا من قوتها، بل العكس، قتل العديد من الضباط المهمين لدى الجيش خلال العامين الماضيين".
الجدير بالذكر، أنّ كلا من الحكومة الفيدرالية وحركة الشباب تنشران بيانات عن خسائر كبيرة للطرف الأخر، ومكاسب لكل منهما، دون وجود مصادر موثوقة تقدم معلومات تخلوا من الدعاية والحرب النفسية، لكي يُبنى عليها في تحليل مجريات الصراع. مع ذلك، لم تنقطع المواجهات بين الطرفين، ومن المُلاحظ توقف استهداف بعثة "أتميس" مؤخرًا، واستمرار المواجهات المحدودة في ولايتي هرشبيلى وغلمدغ، مقابل زيادة العمليات في ولاية جوبالاند التي نجحت قواتها بمساعدة الجيش الوطني في صد هجوم كبير للشباب، في يوليو/ تموز الماضي، في إقليم جوبا السفلى.
رغم هذه الإخفاقات، أعلنت الحكومة الفيدرالية في أكثر من مناسبة عن قرب انطلاق المرحلة الثانية من الحرب، وفي سبيل ذلك، استدعت قوات معويسلي من غلمدغ للتدريب في العاصمة. لكن بعد أشهر صُرفت هذه القوات بسبب خلافات حول الرواتب والتسليح، وحين عادت القوات إلى معقلها قبل أيام في مدينة "حرر طيري" الاستراتيجية في إقليم مودغ، اشتبكت مع قوات الجيش الوطني، وهو ما يمثّل إخفاقًا جديدًا لمقديشو في تجميع القوات اللازمة لقتال الشباب.
استنادًا إلى متابعات حول وضع الجيش الوطني والمقاتلين العشائريين، يمكن تحديد عدة تحديات تواجه المرحلة الثانية؛ أولها عدم الانتظام في دفع أجور الجنود والمسلحين العشائريين، الأمر الذي دفع العديد منهم للفرار من جبهات القتال، وكان من بينهم ضباط، وثانيها النقص الواسع في التسليح، حيث طلبت الحكومة الفيدرالية من جنود معويسلي-مودغ إحضار أسلحتهم إلى معسكرات التدريب، ولم توفر لهم السلاح، في وقت تتكشف فيه قضايا الفساد المالي داخل الجيش الوطني.
ويتمثل التحدي الثالث في إخفاق الرئيس والحكومة في معالجة الصراعات القبلية المحلية، ومنها صراع عشيرة "حوادلي" في هيران مع عشيرة "أبغال" في جوهر، وبالمثل الصراعات في غلمدغ. واستثمرت حركة الشباب في ذلك، بتسليح العشائر في المناطق التي انسحبت منها، وتأليبها في مناطق سيطرتها ضد المقاتلين من العشائر الأخرى المتحالفة مع الحكومة.
أما التحدي الرابع فهو حسابات الرئيس السياسية التي هيمنت على مجرى العمليات العسكرية، فاندفعت القوات الفيدرالية والمسلحين العشائريين في مواجهات مفتوحة، دون تأمين خطوط الإمداد والمناطق المحررة، ما جعلها ضعيفة أمام الهجوم المضاد لحركة الشباب. يُضاف إلى ذلك، أنّ الرئيس أعلن الحرب استنادًا إلى تحالفات إقليمية هشة، على غرار توقعه الدعم من دول جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، وأيضًا استناده إلى الدعم المالي الإماراتي الذي تقلص بعد خلافات أبو ظبي معه.
أما العامل الخامس، فيتعلق بتضارب المصالح داخل تحالف القوات الحكومية والقبلية، حيث لدى الرئيس أجندة سياسية، تختلف عما لدى حلفائه من رؤساء الولايات والسلطات المحلية، والتي تختلف هي الأخرى عن حسابات العشائر التي تقدم المقاتلين الذين لهم الفضل الأكبر في هزيمة الشباب.
خلاصة ما سبق، أنّ الرئيس حسن شيخ مُطالب بالإجابة عن سؤال حول الهدف الأساسي من الحرب ضد حركة الشباب، هل هو القضاء على خطر الحركة وبسط الأمن، أم استثمار بعض الإنجازات العسكرية في تمرير مشروعه السياسي المثير للجدل، المتمثّل في التعديلات الدستورية، التي سيتبعها تمديد مدة ولايته الرئاسية، وربما ضمان فوزه بولاية جديد.
في المجمل؛ تحتاج إدارة حسن شيخ محمود إلى استخلاص الدروس من نتائج المرحلة الأولى، وإبعاد المشاريع السياسية قصيرة الأمد عن المواجهات المسلحة التي تتطلب تخطيطًا بعيد المدى، وتأمين تجهيزات عسكرية ولوجستية وفنية وبشرية لن تتوفر بمجرد إصدار أوامر عسكرية، ولن يغني عنها وجود الرئيس بزي عسكري في جبهات القتال.