تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 16 أكتوبر 2024

رأي

أي مستقبل لحزب الله في أفريقيا بعد مقتل نصر الله؟

10 أكتوبر, 2024
الصورة
Tunis
عشرات الأشخاص، يحملون الأعلام التونسية والفلسطينية واللبنانية ورايات حزب الله، يتجمعون لإحياء ذكرى زعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي قُتل في الهجوم الإسرائيلي على لبنان، مع ملصقات في أيديهم في شارع الحبيب بورقيبة في تونس، تونس في 2 أكتوبر 2024. (تصوير ياسي
Share

يواجه حزب الله مرحلة مفصلية في تاريخه، تفوق بكثير المواجهة التي خاضها مع إسرائيل في عام 2006، بعدما فقد الحزب خلال المواجهات الجارية زعيمه التاريخي حسن نصر الله، ومعظم قيادات الصف الأول السياسية والعسكرية، في الغارات الجوية التي استهدفتهم من خلالها إسرائيل، منذ الحرب على غزة، التي اندلعت بعد عملية طوفان الأقصى، التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

انتقل التركيز الإسرائيلي بعد مرور عام على الحرب إلى استهداف الحزب، وصولًا إلى محاولات للغزو البري لجنوب لبنان، حيث موطن قوته. كما تتصاعد المواجهات في جبهات أخرى تشمل إيران والحوثيين في اليمن، والميليشيات الموالية لإيران في العراق، وتتنامى المخاوف من توسع الصراع في ظل تصاعده بين إيران وإسرائيل.

لطالما كانت أفريقيا على تماس مع الصراع العربي الإسرائيلي، وشهدت تنافسًا بين أطراف الصراع لعقود من أجل كسب الحلفاء، ما يطرح سؤالا هاما حول مدى نفوذ حزب الله في القارة، وكيف سيتأثر بمقتل حسن نصر الله؟

حزب الله في أفريقيا

يحظى حزب الله بنفوذ كبير في عدة دول أفريقية، خاصة في غرب القارة، وعلى رأسها دول ساحل العاج والكونغو الديمقراطية ونيجيريا وأفريقيا الوسطى، وذلك من خلال الجاليات اللبنانية المنتشرة هناك، خاصة المكون الشيعي البارز فيها. فقد عملت الجالية اللبنانية الشيعية على نشر التشيع الإمامي الإثني عشري بين مواطنين هذه الدول، كما تقوم إيران بدور كبير في الترويج للتشيع في القارة، حيث توجد العديد من الجمعيات والهيئات والمراكز الدينية الشيعية في دول القارة، مثل المنظمة الإسلامية في نيجيريا، وجمعية الشباب المسلم والمركز الإسلامي العربي الأفريقي وجمعية الغدير في ساحل العاج، والمؤسسة الخيرية للبحوث الإسلامية والرعاية الاجتماعية للمسلمين الجدد والجمعية الإسلامية - أهل البيت عليهم السلام- والإيخاء الإسلامي في الكونغو الديمقراطية، وغير ذلك.

تأتي دولة ساحل العاج (Côte d'Ivoire) في مقدمة هذه الدول، ويدين 42.5 من سكانها بالإسلام، ومعظمهم من السنة، مع ذلك تتمتع الأقلية الشيعية التي تتكون من اللبنانيين وبعض الأفارقة بنفوذ قوى في الاقتصاد، ويوجد فيها 11 مركزًا دينيًا ودعويًا شيعيًا.

يستفيد الحزب من النشاط التجاري الكبير للجاليات اللبنانية في غرب وجنوب القارة، فبحسب التقارير الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، والقضايا التي نظرتها محاكم غربية، وعمليات القبض والعقوبات التي فرضت على العديد من الشركات والأفراد في لبنان، وأفراد الجاليات اللبنانية في غرب أفريقيا، وفي دول أمريكا اللاتينية، يرتبط الحزب بشبكات واسعة من رجال الأعمال والمهربين، الذين يعملون في التجارة غير الشرعية للألماس، وتجارة وتهريب المخدرات، وغسيل الأموال، والموارد الطبيعية، بين أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.

من بين الشواهد على نفوذ الحزب، فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أربعة مواطنين لبنانيين بتهم جمع الأموال، وتجنيد أعضاء لحزب الله في غرب أفريقيا، من خلال عملهم في سيراليون والسنغال وساحل العاج وغامبيا. وقد اتهمت الوزارة الحزب بالاشتراك في تجارة المخدرات عبر غرب أفريقيا إلى أوروبا ودول في الشرق الأوسط.

 هذا، وكشف تقرير إدراج رجلي الأعمال اللبنانيين، ناظم سعيد أحمد وصالح عيسى المقيم في الكونغو الديمقراطية، على قوائم دعم الإرهاب الأمريكية، عن استفادة حزب الله من رجال الأعمال اللبنانيين المقيمين في أفريقيا. تعاون الرجلان في تجارة الألماس غير المشروعة في الكونغو الديمقراطية، وقاما بتبييض الأموال، والاشتراك في أعمال تجارية مع محسوبين على حزب الله، وقدما ملايين الدولارات للحزب. 

كما أدرجت الوزارة على لوائح دعم الإرهاب 52 فردًا وكيانًا تجاريًا، ضمن شبكة دولية تعمل في تبييض الأموال المرتبطة بالحزب من خلال شراء الألماس والأعمال الفنية. وكان لتلك الشبكة تواجد في دول أفريقية، وهي: الكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا وساحل العاج وأنغولا. وبالمثل، أُدرج رجال أعمال لبنانيين في دولة غينيا في غرب القارة على لوائح دعم الإرهاب، بسبب القيام بدعم وتمويل وتبييض أموال مرتبطة بالحزب. 

مقتل نصر الله

توجد حالات عدة ارتبط فيها اسم حزب الله بتجارة المخدرات، وتبييض أموال مرتبطة بها، من خلال النظام المصرفي اللبناني، وتزايدت هذه الاتهامات بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، وتورط النظام السوري في تجارة المواد المخدرة. لكن الاتهام لا يقتصر على الحزب فقط، ففي حالات عدة ثبت استغلال جماعات إسلامية مسلحة لهذه التجارة المربحة لتمويل أنشطتها. بناءً على ما سبق، يمكن القول إن الحزب يستفيد بشكل كبير من الجالية اللبنانية التي تشتهر بالأعمال التجارية في غرب أفريقيا، ضمن شبكاته الواسعة الممتدة في العديد من دول العالم، للالتفات على العقوبات الأمريكية والغربية.

بالعودة إلى الوقت الراهن، يظهر سؤال حول تأثير اغتيال حسن نصر الله على نفوذ الحزب في أفريقيا، ويمكن تحديد عدة عوامل ستؤثر سلبًا على هذا النفوذ وهي: الأول، سيخلق فقدان نصر الله والعدد الكبير من قيادات الحزب فجوة في التواصل مع شبكات النفوذ والعلاقات في العالم وأفريقيا، حيث نُسجت معظم هذه العلاقات مع شخصيات لقت مصرعها خلال الحرب الجارية، بمعنى أنّه بغياب هذه الشخصيات حدث انقطاع نسبي في التواصل مع هذه الشبكات، ولن يكون من اليسير تعويضها.

والثاني، سيتأثر التواجد بفقدان الحزب لقدراته المادية وبنيته وعلاقاته التجارية التي شكلت جزءًا من شبكات المصالح الخارجية. والثالث، أنّ التعامل مع الحزب بعد الحرب وتبعاتها بات يمثّل مخاطر أكبر قبلها، وبالتالي في ظل التوحش الغربي تجاه إيران ومحورها ستعيد العديد من الكيانات والمسؤولين في القارة تقييم علاقاتهم بالحزب. والخامس، أنّ أحد التأثيرات المباشرة للحرب على نفوذ الحزب في أفريقيا هو صعوبة التنقل ونقل الأموال، نظرًا لتأثير الحرب على الدولة اللبنانية، وتقييد الحركة الجوية إلى مطار بيروت، وربما فرض رقابة أشد على حركة الأموال من وإلى لبنان. تضغط الولايات المتحدة والغرب على الدول الأفريقية لفرض مزيد من الضغوط والقيود على الجاليات اللبنانية الشيعية.

حاضنة شيعية في أفريقيا

 إضافة إلى شبكات النفود والمصالح، تنتشر في إفريقيا حاضنة شعبية للحزب تحدد في فئتين، الأولى بين الجاليات الشيعية اللبنانية، والشيعة من مواطني الدول الأفريقية بشكل عام، والثانية من المتعاطفين من مواطني الدول الأفريقية، والذين لا يزيد دورهم عن التضامن والدعم المعنوي. أما الفئة الأولى، وخاصة اللبنانيين منها فهي جزء من المكون الشيعي في الوطن الأم، لبنان، ويوجد من بين أفرادها أعضاء وقيادات داخل الحزب، وتقدم الدعم المادي والبشري له، ولهذا ستتأثر بشدة بمسار الحرب الإسرائيلية عليه. 

يقدم مجتمع الشيعة اللبنانيين في مدينة أبيدجان، عاصمة ساحل العاج نموذجًا على هذا التأثير، حيث تنتشر مجالس العزاء التي تنظمها العائلات للأقارب الذين يُقتلون جراء العدوان الإسرائيلي. تكشف دعوات العزاء عن وجود فروع لمعظم العائلات الشيعية الكبيرة في دول المهجر، وخاصة غرب أفريقيا، وينتسب العديد من أبناء وأقارب هذه العائلات إلى حزب الله، ويمثلون جزءًا من حاضنته الاجتماعية، وداعميه الماليين، وأيضًا جزءًا من شبكة مصالحه في القارة كما سبق الذكر.

من بين الأمثلة اللافتة، بيان نعي نشرته صفحة جمعية الغدير في أبيدجان، للمهندس محمد يوسف عنيسي، الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية في بيروت، ووصفه الجيش الإسرائيلي بأنّه أحد أبرز مسؤولي مشروع إنتاج الصواريخ في الحزب. ومن خلال النعي، تظهر صلة القرابة بين أحد قيادات الحزب والعديد من أفراد الجالية اللبنانية، وتكرر الأمر نفسه مع عشرات المقتولين في الحرب. يعني ما سبق، أنّ الجاليات اللبنانية في أفريقيا باعتبارها جزءًا من حاضنة حزب الله ستعمل على تقديم الدعم للحزب بكل الوسائل الممكنة لتعويض خسائره الكبيرة في الحرب من جانب، وتمكينه من إعادة بناء قدراته بعد الحرب.

لا يغيب هذا التحليل عن إسرائيل وحلفائها، وتنشط الولايات المتحدة في متابعة وفرض عقوبات على من يثبت ارتباطه ماليًا وتقنيًا بإيران ومحورها، وفي القلب حزب الله، ولهذا فمن المرجح أنّ تزيد الرقابة على الجاليات اللبنانية الشيعية في أفريقيا، التي تُوصف غربيًا وإسرائيليًا بأنّها من أهم الممولين والداعمين للحزب. 

بشكل عام تأثر نفوذ حزب الله في أفريقيا والعالم بالسلب بعد مقتل حسن نصر الله، كجزء من سياق تراجع الحزب أمام إسرائيل، وسيتوقف مدى التأثير على النتيجة التي سيخرج بها الحزب من الحرب. 

ختامًا، لم تكن أفريقيا بعيدة عن مواجهة الولايات المتحدة مع حزب الله، وستزداد حدة المواجهات بعد تغير قواعد الاشتباك وانزياح الخطوط الحمراء في صراع إسرائيل المدعومة غربيًا ضد إيران وحلفائها، ولهذا تواجه القارة مخاطر التحول إلى احدى ساحات التنافس بين المحاور الدولية، ومنها الغربية ضد روسيا والصين وإيران وحلفائهم.