الجمعة 22 نوفمبر 2024
مضت خمس سنوات ونيف منذ اندلاع القتال في العديد من مناطق ومقاطعات جنوب وغرب إقليم أوروميا في 2019، بعد إخفاق الحكومة الفيدرالية وجيش تحرير أوروميا (OLA) في التوصل إلى تسوية سياسية. خلق القتال المتواصل مأساة إنسانية في الإقليم، وبشكل خاص في منطقتي أرسي (Arsi) في وسط الإقليم، وهورو جودورو ووليجا (Guduru Wollega) في غربه، وتسبب في تهجير عشرات الآلاف من سكان القرى والمناطق النائية، وحصيلة كبيرة من الضحايا.
لم تقف معاناة المدنيين عند تبعات القتال، بل تفاقمت بإقدام طرفي الصراع على الزج بهم في أتون الصراع، من خلال عمليات القتل خارج إطار القانون والتجنيد الإجباري والخطف مقابل الفدية، وتدمير مقومات الحياة في القرى.
يعود الصراع في إقليم أوروميا إلى عقود سابقة، تمتد إلى عهد آخر الأباطرة هيلا سيلاسي، وتواصل من بعده في زمن الحكم العسكري. تأسست جبهة تحرير أوروميا (OLF) عام 1973، وانتهجت العمل المسلح بحلول عام 1976، وشاركت مع جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF) وجبهة تحرير شعب إريتريا (EPLF) في إسقاط نظام منقستو هيلا مريام العسكري عام 1991.
تعرضت جبهة تحرير أوروميا للتهميش على يد التيغراي، واستخدمت الأخيرة القوة لتفكيكها، وفر المئات من أعضائها إلى إريتريا، واستقروا في معسكرات في أراضيها.
بعد توقيع اتفاق السلام بين إريتريا وإثيوبيا في 2018، عقب تنصيب أبي أحمد رئيسًا لوزراء لإثيوبيا، وإنهاء حقبة هيمنة التيغراي على السلطة، عاد المئات من المقاتلين من جبهة تحرير أوروميا إلى البلاد، ووقع الجناح السياسي في الجبهة اتفاق سلام مع الحكومة الفيدرالية في 2019. رفض الجناح العسكري المعروف بجيش تحرير أوروميا (OLA) الاتفاقية، وحدث انشقاق بين الجبهة والجيش، وشاركت الجبهة في إدارة إقليم أوروميا بينما رفض الجيش وضع السلاح، ودخل في صراع مسلح مع حكومة الإقليم.
تمكن جيش تحرير أوروميا من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، في المناطق الريفية وشبه الحضرية في غرب أوروميا، واستفاد من الحرب بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي (2020-2022) في تجنيد الآلاف، وتعزيز قدراته العسكرية. من جهتها، لجأت الحكومة الفيدرالية ممثلة في حكومة الإقليم إلى القوة لحسم التمرد المسلح في البداية، ثم قبلت في عام 2023 بمحادثات سلام عُقدت في تنزانيا، لكنها انتهت بالإخفاق بعد ثلاث جولات من اللقاءات.
شهدت مقاطعة كارسا كيبيلي في منطقة أرسي أحدث الاعتداءات التي تعرض لها المدنيون، حين هاجمت القوات الحكومية المنطقة، واعتقلت نحو 15 من الشباب صغار السن، واقتادتهم إلى مكان مجهول. لاحقًا، عثر الأهالي على سبعة منهم مقتولين، فيما لا يزال ثمانية آخرين في عداد المفقودين. تعتبر هذه الحادثة مثالًا على سلوك القوات الحكومية الإقليمية بحق المدنيين، في مناطق القتال ضد جيش تحرير أوروميا، حيث تُنفذ عمليات اعتقال، وقتل خارج إطار القانون.
لا تقتصر الانتهاكات على واحد من طرفي الصراع فقط، وتقدم حالة الفتاة دوريتي جيرما من منطقة شرق بورانا "East Borana" مثالًا على تعرض المدنيين لانتهاكات من الطرفين. تعرضت جيرما لاعتداء جنسي على يد أفراد من القوات الحكومية أثناء عودتها من المدرسة في عام 2021، وظلت حبيسة المنزل لمدة عام حتى تعافيها البدني والنفسي، وأثناء عودتها من السوق في يوليو/ تموز 2022 تعرضت لاعتداء جنسي على يد أفراد من جيش تحرير أوروميا. وبحسب ممرضة في مستشفى هاركالو المحلي، تم استقبال 13 حالة طبية لفتيات تعرضن للاغتصاب على يد أفراد من القوات الحكومية وجيش تحرير أوروميا، خلال عام 2023 فقط.
يمثل الاحتجاز غير القانوني أحد الانتهاكات الأكثر شيوعًا، وترفض القوات الأمنية تطبيق الأحكام القضائية التي تصدر بالإفراج عن المحتجزين بتهمة دعم جيش تحرير أوروميا لعدم كفاية الأدلة. وثقت منظمات حقوقية العديد من حالات الاحتجاز غير القانوني في منطقة جوجي " Guji" جنوب الإقليم، ومن بينها شاب يدعي جارسو واكو (اسم مستعار) تعرض للاحتجاز على يد الشرطة، ورفضت الأخيرة إطلاق سراحه رغم صدور حكمين قضائيين لصالحه، وظل محتجزًا لعدة أشهر دون سند قانوني.
تزداد الانتهاكات بسبب العنف المفرط من القوات الأمنية في التعامل مع السكان، ومن ذلك التصدي بالعنف للاحتجاجات التي شهدتها مناطق في جنوب الإقليم، بعد إصدار الحكومة الإقليمية تعديلات إدارية على المقاطعات والمناطق عام 2022، شملت إنشاء منطقة شرق بورانا، ما أوقع ستة قتلى ومصابين برصاص الأمن.
توجد العديد من حالات القتل العمد للمدنيين حيث تم تبادل الاتهامات بين القوات الحكومية وجيش تحرير أوروميا. قُتل 36 من المصلين داخل كنيسة أرثوذكسية في شيركا في منطقة أرسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، واتهمت الحكومة جيش تحرير أوروميا بالمسؤولية، وهو ما نفاه الأخير متهماً الحكومة بارتكاب مذابح واسعة بحق السكان في المنطقة. تكرر نفس الاعتداء على كنيسة إنجيلية في مقاطعة جيدامي في منطقة كيليم ووليغا، حين اختطف مسلحون مجهولون تسعة من المصلين، وُجدوا مقتولين بعد أيام، واُتهمت القوات الحكومية بارتكاب الجريمة.
كما شجع القتال بين القوات الحكومية وجيش تحرير أورميا على انتشار الجريمة في الإقليم، وخاصة جريمة الاختطاف من أجل الفدية. وثق تقرير نشرته "أديس ستاندرد" العديد من حالات الاختطاف، التي شملت السكان المحليين والسائقين والعمال الأجانب وموظفي المنظمات الإنسانية الدولية والمسؤولين الحكوميين، وتتهم حكومة الإقليم جيش تحرير أوروميا بالوقوف وراء عمليات الاختطاف، من أجل تمويل أنشطته التي تصفها بـ"الإرهابية".
تختلف المعاناة التي يعيشها السكان من منطقة ومقاطعة لأخرى في أوروميا، حيث تزداد الانتهاكات في جنوب وغرب الإقليم، وخاصة في المناطق النائية والقرى، التي يصعب على وسائل الإعلام المحلية والدولية الوصول إليها، نظرًا للقيود الشديدة التي تفرضها الحكومة الإقليمية. يعاني سكان القرى في منطقة هورو جودورو ووليجا في غرب الإقليم بشكل خاص من التجنيد الإجباري المفروض من السلطات الإقليمية.
نشرت صحيفة "أديس ستاندرد" تحقيقًا صحفيًا حول معاناة سكان المنطقة، بسبب التجنيد الإقليمي المعروف باسم"Gachana Sirna"، الذي يُلحق فيه المجندين من الجنسين من أعمار متفاوتة بمعسكرات التدريب، لتوفير ميليشيات مؤهلة لتقديم الدعم العسكري للقوات الإقليمية والفيدرالية.
ينظم القانون هذا النوع من التجنيد، لكن في منطقة هورو جودورو ووليجا لا يلتزم المسؤولون الحكوميون بالضوابط في تطبيقه، ولا يراعون الآثار الاقتصادية والأمنية لفرضه على السكان المحليين، وتقدم حالة المزارع ديشاسا جورمو من مقاطعة جودورو مثالًا لمعاناة المزارعين من التجنيد الإقليمي.
قامت الشرطة بالقبض على جورمو وأربعة رجال آخرين أثناء عودتهم من السوق، واحتجزتهم لثلاثة أيام، ثم رحلتهم إلى معسكر تدريب في مدينة شامبو"Shambu"، وأُخبروا أنّ التدريب سيستمر لعدة أسابيع. لكنه طال لمدة شهرين، ما تسبب في تخلفه عن زراعة أرضه التي يعتمد عليها لإعالة أسرته المكونة من 6 أفراد.
يعاني المئات من المزارعين مثل جورمو من نظام التجنيد الإقليمي في مقاطعة جودورو، وتتنوع أساليب إلحاقهم بالمعسكرات، ومن ذلك الاحتجاز على يد الشرطة والترحيل للتدريب، والمساومة بربط الحصول على مستلزمات الإنتاج الزراعي من الأسمدة والبذور مقابل التجنيد.
لا تقف معاناة المزارعين على الآثار الاقتصادية، إذ يقوم جيش تحرير أوروميا بمهاجمة المنازل ليلًا، واختطاف من يشارك في التجنيد الإقليمي، والمطالبة بفدية مقابل إطلاق سراحه. تعرض ثمانية مزارعين في بارو كيبيلي للاختطاف على يد جيش تحرير أوروميا، بسبب مشاركتهم في التجنيد الإقليمي، ولم يُفرج عنهم إلا بعد فدية قدرها 800 ألف بير.
في السياق ذاته، تعرض المدنيين من عرقية الأمهرا في غرب أوروميا إلى اعتداءات على أسس عرقية، ففي يونيو/ حزيران 2020 لقي 400 شخص مصرعهم على يد مسلحين مجهولين، وتعرضت قرى ومباني للحرق والتدمير، ولم تستطع القوات الحكومة تقديم الحماية للسكان.
تشهد العديد من الأقاليم والمناطق في إثيوبيا نزاعات مسلحة، تتعدد أسبابها ودوافعها وأطرافها، إلا أنّ ما يجمع بينها هو الثمن الذي يدفعه المدنيون في المقام الأول. الأمر المؤسف إصرار أطراف الصراع على القوة لحسم الخلافات، على الرغم من إخفاق هذه المقاربة في معظم المرات، وإلى أنّ يجد السلام طريقه للصراعات في أوروميا وأمهرا سيظل المدنيون يدفعون من أرواحهم وأموالهم ومستقبلهم الثمن.