تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

سياسة

العودة المصرية إلى الصومال: الدلالات والأهداف

16 أغسطس, 2024
الصورة
saw
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (يسار) يتحدثان خلال مؤتمر صحفي مشترك في القاهرة، مصر في 21 يناير 2024. (تصوير الرئاسة الصومالية / نشرة / الأناضول عبر غيتي إيماجز)
Share

شهدت العاصمة المصرية، القاهرة، في 14 أغسطس/ آب الجاري، توقيع بروتوكول التعاون العسكري بين وزارتي الدفاع لدولتي مصر والصومال، خلال زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى القاهرة. وفي المؤتمر الصحفي المشترك، أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن رغبة بلاده في المشاركة بقوات عسكرية ضمن البعثة الأفريقية الجديدة، التي ستحل مكان "أتميس"، في بداية العام 2025 المقبل.

تمثّل هذه التطورات، وما سبقها من تدشين خطّ طيران مباشر بين عاصمتي البلدين، وافتتاح فرع لبنك مصر في مقديشو، ونقل السفارة المصرية إلى مقديشو بعد أنّ كانت تعمل لعقدين من العاصمة الكينية، نيروبي، نقلةً نوعية في علاقات البلدين.

أسباب حضور القاهرة المتجدد

أحدثت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وجمهورية صوماللاند، المستقلة من طرف واحد، تحولات كبيرة في إقليم القرن الأفريقي. وأعادت تشكيل العلاقات بين دوله من جانب، وكذا مع عدد من الدول المنخرطة في قضايا الإقليم، وخاصة مصر، التي تشترك مع إثيوبيا في نهر النيل، وتشتبك معها في قضية سدّ النهضة، من جانب آخر.

نظرت القاهرة إلى المذكرة التي تمنح أديس أبابا حقّ إقامة قاعدة عسكرية على خليج عدن، باعتبارها تهديدا لمجالها الحيوي في البحر الأحمر والمدخل الجنوبي لقناة السويس، وانتهاكا لسيادة واستقلال دولة الصومال. فضلا عن أن القاهرة لا تثق في النوايا الإثيوبية، وهو الدرس الذي خرجت به، بعد أكثر من عقد من المفاوضات غير المجدية حول سدّ النهضة.

وتراجع حضور القاهرة في الملف الصومالي بعد عام 1997، الذي شهد استضافة مؤتمر المصالحة الصومالية بين الفصائل المتناحرة، وغابت عن المفاوضات المتعددة التي أفضت إلى تشكيل الحكومة الانتقالية، بل تفهمت التدخل العسكري الإثيوبي، عام 2006، ضد نظام المحاكم الإسلامية. وحين حدثت الأزمة الإنسانية الحادة في عام 2011، لم يكن للقاهرة حضور يُذكر، وإن عاد ذلك جزئيًا إلى ما شهدته من موجة الربيع العربي التي أطاحت بنظام حسني مبارك.

جمعت علاقات محدودة بين البلدين، تمثّلت في تقديم الدعم الفني والإنساني المحدود إلى الصومال، وحاز البُعد الأمني على اهتمام القاهرة التي تعتبر من الدول الفاعلة في مجلس السلم والأمن الأفريقي. وفي هذا الصدد قدمت دعمًا عسكريًا إلى الجيش الصومالي في 2014، ودعمت خطوات مقديشو لرفع حظر واردات السلاح. كما قدمت مساعدات عسكرية وأمنية محدودة في 2016.

لم يُشجع الموقف الصومالي المحايد من أزمة سدّ النهضة على التقارب بين البلدين، حيث ظلت مقديشو حتى وقتٍ قريب ملتزمة بالحياد في الأزمة. وعارضت الإجماع العربي الذي طالما دعم حقوق مصر المائية، وبالمثل كانت جيبوتي، وهما دولتان كانت لإثيوبيا نفوذٌ كبيرٌ فيهما حتى وقتٍ قريب. لكن حين تولى محمد حسين روبلي منصب رئاسة الوزراء، في العام الأخير من حكم فرماجو، زار القاهرة، في أغسطس/ آب 2021، إبان أزمة الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي دفعته للصدام مع فرماجو، وتلقت العلاقات بين البلدين دفعة قوية مع تنصيب الرئيس حسن شيخ محمود في مايو/ أيار 2022، حيث شارك رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي في مراسم التتويج. أعقب ذلك، وتحديدا بعد شهرين، زيارة الرئيس حسن شيخ إلى القاهرة.

أعطى حسن شيخ دفعة قوية للعلاقات بين البلدين، حيث انتهج سياسة خارجية بعيدة عن صراعات المحاور، وأعلن عن موقف أقرب إلى رؤية مصر في ملف سدّ النهضة في ضرورة التوصل لاتفاق بين أطراف الأزمة، والابتعاد عن الخطوات الأحادية. والتقى ذلك مع انفتاح مصري على المحيط المجاور لإثيوبيا، بعد قيام الرئيس السيسي بزيارة  إلى جيبوتي، في مايو/ أيار 2021. تبع ذلك تنامي في علاقات البلدين، وزار رئيس وزراء الصومال، حمزة عبدي بري، القاهرة أكثر من مرة، ووقع البلدان مذكرات تفاهم مشتركة، وقامت القاهرة بلفتة إنسانية بإرسال طائرتين حملتا مساعدات طبية، وتولت عملية إجلاء جنود مصابين في هجوم لحركة الشباب، لتلقي العلاج في القاهرة، في سبتمبر/ أيلول 2022. وتعززت علاقات التعاون العسكري من خلال تخطيط البلدين لاستضافة ثلاثة آلاف جندي صومالي للتدريب في مصر.

ما بعد مذكرة التفاهم

حدثت الانعطافة الكبرى عقب توقيع إثيوبيا وصوماليلاند مذكرة تفاهم مطلع العام الجاري، والتي نصّت على منح الأولى وفق نظام التأجير قطعة أرض على ساحل خليج عدن لإقامة قاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال صوماليلاند، فضلًا عن بنود أخرى، منها منح حصة لصوماليلاند في شركة الاتصالات أو الطيران الإثيوبية. 

رأت مصر والصومال في المذكرة تهديدًا مشتركًا؛ فمصر ترى في حصول إثيوبيا على منفذ بحري تهديدًا لأمنها القومي، وذلك اتصالًا بخلافات البلدين الكبيرة حول قضية سدّ النهضة. أما الصومال التي ترفض الاعتراف باستقلال صوماليلاند، فرأت في المذكرة انتهاكًا لسيادتها ووحدة أراضيها، خاصة أنّ التوقيع جاء بعد يومٍ واحد من لقاء جمع الرئيس حسن شيخ، ورئيس صوماليلاند، موسى بيحي عبدي، في جيبوتي، وإزاء ذلك، التقت مصالح البلدين لمواجهة "الأطماع والنوايا الإثيوبية المهددة للسلم والأمن الإقليميين"، وفق رؤيتهما. 

كانت مصر من أولى الدول التي تواصل معها الصومال لمواجهة مذكرة التفاهم، من خلال الاتصالات على مستوى رفيع بين البلدين، ثم زيارة الرئيس حسن شيخ إلى القاهرة، ولقائه بالرئيس السيسي في 20 يناير/ كانون الثاني 2024، والذي شهد إعلان الثاني بوضوح دعمه لمقديشو، واستعداد بلاده للتدخل العسكري لحماية أمنها القومي إذا ما طلبت، حيث قال السيسي: "الصومال عضو في الجامعة العربية، وله حق في اتفاقية الدفاع المشترك".

تسارعت خطى التعاون بين البلدين لمواجهة ما يصفونه بالمخاطر الإثيوبية، وشملت مجالات التعاون الاقتصاد والتعاون الفني والثقافي والدبلوماسي والعسكري، فزار وفد من الشرطة المصرية مقديشو لتعزيز التعاون مع الشرطة الصومالية، في أبريل/ نيسان الماضي، كما عمل البلدان بسرية على صياغة اتفاقية تعاون دفاعي، تم الكشف عنها خلال جلسة الحكومة الصومالية في 19 يوليو/ تموز الماضي، والتوقيع المشترك عليها أثناء زيارة الرئيس حسن شيخ إلى القاهرة. تبع ذلك إعلان القاهرة عزمها المشاركة بقوات عسكرية في البعثة الأفريقية الجاري تشكيلها لتحل محل قوات بعثة "أتميس"، وهو الأمر الذي طالما تجنبته القاهرة لمدة 17 عامًا، لهذا تُفهم مبادرتها كأولى الدول للإعلان عن المساهمة بقوات في البعثة الجديدة، كتحول إستراتيجي في سياستها تجاه الصومال، والتصدي للأدوار الإثيوبية التي تراها مزعزعة للأمن الإقليمي في حوض النيل والسودان والقرن الأفريقي. 

من زاوية أخرى، حدث تحول في إستراتيجية السياسة الخارجية لمصر، حيث زاد الاهتمام بالتبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية، في ظل انفتاح مصري غير مسبوق على القارة الأفريقية. لهذا دشنت القاهرة خط طيران مباشر مع جيبوتي ومقديشو، وتخطط لافتتاح فرعين لبنك مصر في العاصمتين خلال الأشهر المقبلة، وفي السياق ذاته افتتح بنك "CIB" سادس فروعه في كينيا، خلال شهر أغسطس/ آب الجاري.

يتخوف بعض الصوماليون من نقل الصراع المصري الإثيوبي إلى الأراضي الصومالية، وهذا له مبرراته في ظل الصراع المصري الاثيوبي القائم حول سد النهضة.

مستقبل العلاقات

لئن كانت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند دفعت مصر والصومال إلى تعزيز وتعميق العلاقات بينهما، فهي ليست السبب الوحيد لوجود علاقات قوية بين البلدين، الذين يجمعهما تاريخ طويل من العلاقات القوية والمواقف المشتركة، خاصة في مرحلة التحرر من الاستعمار وما بعده، والتي قامت على رؤية مصر الناصرية للصومال كمجال حيوي في تحقيق الأمن القومي. كما توجد العديد من الدوافع التي تجعل البلدان يعززان علاقاتهما، ومنها التحديات الإثيوبية المشتركة، التي تحمل صبغة تاريخية، والاشتراك في ملف الأمن البحري، والفرص الاقتصادية المتاحة أمام البلدين، والروابط المشتركة على المستويات القارية والإسلامية والعربية، وغير ذلك.

يحضر متغير آخر في طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، يتمثّل في الاقتصاد والاستثمار، حيث تتطلع مقديشو للاستثمارات والخبرات الفنية المصرية، وترى القاهرة فرصًا لزيادة صادراتها إلى القرن الأفريقي، لتحقيق هدفها في الوصول بالصادرات إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، كما أنّ هناك فرصا واعدة أمام مجتمع الأعمال من البلدين.

ودلالةً على التحول الإيجابي في علاقات البلدين، كانت جيبوتي ومقديشو المحطة الخارجية الأولى لوزير الخارجية الجديد، بدر عبد العاطي، الذي وصل إلى العاصمتين على متن رحلة مصر للطيران، مدشنًا خطّ طيران مباشر بين عواصم الدول الثلاث. وفي سياق تبعات مذكرة التفاهم، استضافت العاصمة التركية، أنقرة، الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة بين الصومال وإثيوبيا، بمشاركة وزيري خارجية البلدين، بحثًا عن حلٍ للأزمة الدبلوماسية. وبحسب تصريحات وزير الإعلام الصومالي، داود عويس جامع، فالحلّ الذي تراه مقديشو يتمثّل في انسحاب إثيوبيا من مذكرة التفاهم مع صوماليلاند، والحصول على تسهيلات تجارية واستثمارية في موانئ أخرى في وسط وجنوب البلاد. وشدد جامع على أنّ "الطريق البحري لا يعني أي شيء خارج نطاق الأعمال". لكن إجمالًا، يتخوف بعض الصوماليون من نقل الصراع المصري الإثيوبي إلى الأراضي الصومالية، وهذا له مبرراته في ظل الصراع المصري الاثيوبي القائم حول سد النهضة.