تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 21 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
فن

موجة جديدة من الأغاني السجالية بين صوماليلاند والصومال

17 يوليو, 2024
الصورة
sharma boy
Sharma Boy
Share

لطالما كانت الموسيقى واحدة من أقوى الوسائل المساعدة على تحرير الشعوب أو السيطرة عليها، كما أنها واحدة من أقوى الوسائل للتعبير عن إنسانيتنا، وآمالنا ومخاوفنا وتطلعاتنا. فهي تشكّل، بما لا يدعو مجالًا للشكّ، كيفية مثاليّة لاستقبال الناس للأحداث وتفاعلهم معها، ومع بعضهم البعض. فيقال أنّ خليل جبران، مثلًا، صرّح قائلًا: "الموسيقى لغة الروح". وأضاف أنها "تفتح سر الحياة الذي يجلب السلام ويبطل النزاع". غير أنّ هذا لا ينطبق على كل الموسيقى بالتأكيد، فالموسيقى المثيرة للجدل هي الموسيقى التي تدعم موقفًا محدّدًا، سواء دينيًا أو سياسيًا، بينما تقوّض في الوقت نفسه موقفًا آخر أو تهاجمه علنًا، سواء في المعنى أو الشكل.

وعلى الرغم من أن الموسيقى الصومالية الحديثة، كانت ما تحتوي دائمًا على خصائص عسكريّة وجدلية، إلا أن طبيعة هذه العناصر تغيّرت مع مرور الوقت. فخلال الحقبة الاستعمارية، جُنّدت الموسيقى الصومالية لأجل المساهمة في إخراج القوى الاستعمارية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، البث الموسيقي عبر إذاعة القاهرة، التي كان يعمل بها، في ذلك الوقت، طلاب قوميون صوماليون، وجّهوا غضبهم تجاه فرنسا. 

تقول كلمات أغنية بلادي الجميلة: "لقد تعهدت بهذا، لقد تعهدت بهذا. لبلدي الجميل. لنرفض الـ "وي/oui" وليعيدوا جيبوتي، ليعيدوا جيبوتي ويبنوا لها المصانع."

اختار النظام العسكري خلال عهد باري الموسيقيين للاحتفال بالحكومة الثورية، ولتحقيق هذه الغاية، ضاعف النظام تركيزه على الموسيقى المناهضة للاستعمار، وموسيقى عموم أفريقيا، مثل أغنية "ارفضوا لون الاستعمار" مع كلمات مثل: "من يكره بشرتك السوداء، من يكره مظهرك، لا توافق على [مظهره]".

إلّا أنّه وبعد سقوط حكم سياد باري، وخاصة بعد إعلان استقلال صوماليلاند، عام 1991، بدأت موسيقى السجال تتخذ شكل شعب ضد شعب، بدلاً من شعب ضد دكتاتورية أو قوّة استعمارية. فتضمّنت الموسيقى بين هاتين المنطقتين تقليديًا عناصر من الذكاء الإبداعي والأسلوب المجازي الذي يجذب العقل، ويضمن المتعة في آنٍ واحد. ومع ذلك، وبسبب التطورات الجيوسياسية الأخيرة، أصبحت هذه الثقافة أكثر وضوحًا وعدائية.

الخلفيّة

استمر السجال الخفي في الموسيقى الصومالية، منذ إعلان استقلال صوماليلاند، وإن ركّز طاقاته، بشكل متزايد، على النزاعات بين المنطقتين الجديدتين، بالنسبة لأولئك الذين استثمروا في المناقشة حول الصومال ومستقبل صوماليلاند. وتتخذ هذه الأغاني أحيانًا شكل تبادلات بين الشّعراء والموسيقيّين، وفي أحيان أخرى تكون مقطوعات موسيقية مستقلّة.

غالبًا، ما تؤكد الأغاني القوميّة من صوماليلاند على شرعية استقلالها، والمظالم الناجمة عن معاناة المنطقة في ظلّ حكم سياد باري، والحقوق التاريخية والإنسانية في الاعتراف الدولي. وكثيرًا ما تتضمن هذه الأغاني استعارات سجالية ضد الصومال، دون الإشارة صراحة إلى منطقة أو شعب معيّن.

أمّا في حالة الصومال، فكانت تلك السجالات كافية للدفع برواية الوحدة غير القابلة للمس إلى مقدّمة المواضيع التي تستحق التطرّق إليها، وكذا التركيز أكثر على الجوانب العامة للحرب الأهلية، دون الخوض في التفاصيل. ولعل الفشل هنا يكمن في عدم الاعتراف بمظالم سكان صوماليلاند، وتجاهل معاناتهم، مما أدّى إلى استنزاف الثقة في احتمالات المصالحة الحقيقية مع التاريخ. وعلى الرغم من أن الموسيقى الصومالية لا تتصارع جميعها مع هذه القضايا، فالحب موضوع آخر بارز يركز عليه الفنانون، إلا أنّ السجال الموسيقي منتشر في كل مكان. وقد انتقل هذا الأخير إلى مستوى غير معهود في الـ 26 من يونيو/ حزيران مع فرقة داياح – Dayax Band.

المذكّرة والشوارع

عندما أعلن موسى بيحي وأبي أحمد نتيجة اجتماعهما في يوم رأس السنة الجديدة، لا بدّ وأنهما توقعا الصدمات التي سيرسلها ذلك الاجتماع عبر المنطقة، وما يعقب ذلك من تقسيم شوارعها وكهربة أجوائها. بالنسبة للإثيوبيين، كان ذلك بمثابة تحقيق طموح طويل الأمد، ذاك المتمثّل في الوصول المباشر إلى البحر، مما قدم لأبي أحمد انتصارًا كبيرًا، بعد سنوات من الحكم المضطرب والعنيف. وبالنسبة لموسى بيحي، من المحتمل أن ذلك جعله أوّل زعيم في تاريخ صوماليلاند يحقّق تقدمًا ملموسًا نحو الاعتراف الدولي بإعلان الاستقلال. كان بالإمكان رؤية الابتسامة العريضة على وجهي كلا الزعيمين، عند خروجهما من المؤتمر الصّحفي، ولو أنّ العديد من الصوماليين لم ينظروا إلى الأمر على هذا النحو.

شكّل وزير دفاع صوماليلاند صوت المعارضة في الجمهورية المعلنة، من جانب واحد، حيث استقال بعد أيام من إعلانها مع انتقاد شديد لإثيوبيا. وبالمثل، فقد أثارت الحكومة الصومالية قصة دبلوماسية تتهم فيها إثيوبيا بمحاولة ضم أراضيها. وصرّحت مصر علنا، وهي التي لديها مشاكلها الخاصة مع إثيوبيا بشأن نهر النيل، إنها ستدعم الصومال في النزاع، لكنها لم توضّح ماهية هذا الدّعم.

لكن ما زاد الطين بلّة كان حقيقة أنّ المذكرة يكتنفها الغموض، فلا أحد يعرف ما الذي اتفق عليه بيحي وأبي أحمد. وليس من الواضح كذلك ما إذا كانت القاعدة البحرية الإثيوبية دائمة أم لمدة خمسين عامًا. وقالت صوماليلاند إن إثيوبيا ستعترف باستقلالها، وهو ما لم تؤكده أديس أبابا أو تنفيه بدورها. وليس من الواضح كذلك ما إذا كان ذلك يعني أن إثيوبيا ستضع ثقلها لدعم هرجيسا، في نزاعاتها الداخلية مع مناطقها الانفصالية. ولهذا السبب وصف أحد الدبلوماسيين الغربيين المذكّرة بأنها "مذكرة سوء تفاهم".

يتمثّل السياق التاريخي الأوسع، الذي عبر عنه وزير دفاع صوماليلاند السابق، في أن العديد من الصوماليين ما زالوا ينظرون إلى إثيوبيا باعتبارها قوة معادية وعدوانية وتوسعيّة في القرن الأفريقي. وقال عبد الغني عطية إن إثيوبيا هي "العدو العام رقم واحد" للصوماليين، بسبب "احتلالها" للمنطقة الصومالية، وهو الموضوع الذي استغله حسن شيخ محمود عندما قال: إن إثيوبيا "تضم" جزءًا من الصومال. كتب ابن الصومال الأكثر شهرة، الروائي نور الدين فارح، ذات يوم، مقالاً نارياً، ينتقد فيه محاولة إثيوبيا إرغام الصوماليين والإرتيريين على الخروج من الأرض، تحت عنوان "أي طريق إلى البحر؟". ونوّه إلى أنّ هذا الاتجاه من السياسة يعود إلى القرن السادس عشر، قائلًا إن إثيوبيا ناشدت الأوروبيين، آن ذاك في كثير من الأحيان، لدعم حروبهم العدوانية على أساس الإيمان المسيحي المشترك.

سارعت السّلطات في الصومال وصوماليلاند إلى تحديد تفاصيل هذا الحدث، وهنا تدخل الموسيقى إلى الساحة، باعتبارها ملجأ لكل أصحاب السلطة، بطريقة أو بأخرى.

أغنية فرقة داياح المثيرة للجدل

في ليلة الـ 26 يونيو/ حزيران، وخلال الاحتفالات باستقلال صوماليلاند عن سلطات الوصاية، قدمت فرقة داياح (القمر)، التي تضم شباب وشابات موهوبين ومفعمين بالحيوية، حفلاً بحضور الرئيس في هرجيسا. لقد قاموا بأداء للجمهور في القاعة والملايين الذين يشاهدون البث عبر الإنترنت. وقد أثارت إحدى أغانيهم، التي استعمل فيها بوق فورينلي، النموذجي للموسيقى الصومالية والأفريقية، سجالًا لا يرحم، هيمن، منذ ذلك الحين، على وسائل التواصل الاجتماعي. اتبعت الأغنية المسار المألوف للألحان القومية في البداية، حيث أشادت بإنجازات البلاد وأمجادها، وأكّدت سيادتها، وحقها في تحديد استخدام أراضيها و"بحارها"، واستحقاقها للاعتراف الدولي. 

ظل موضوع الأغنية غامضًا حتى أعلنت الفرقة الشعبية: "أكبر من حَمَرْ ]مقديشو]، ليس لي عدو، فالأمهري أقرب إلي من أولئك الذين يثرثرون في غاروي". كانت هذه الأبيات صريحة، على نحو غير عادي، في مدحها لإثيوبيا، بسبب أغنية قومية، وقوضت الولاءات العرقية للصوماليين لبعضهم البعض، على حساب أيّ عرق آخر، لا سيما العرق الذي يتقاسمون معه تاريخًا مريرًا.

وبالنظر إلى السياق الذي نتج عن مذكرة التفاهم، فإن هذه الأبيات – وهي إشارة إلى بيت شعر لعلي جامع هابيل، وهو شاعر صومالي يحظى باحترام كبير، منذ أكثر من قرن من الزمان – كانت حساسة بالنسبة لمعظم الصوماليين، حتى أولئك الذين يعيشون في صوماليلاند. وفقًا لكثيرين من الذين تحدثت معهم، شكلت هذه الأغنية خسارة لصوماليلاند في السيطرة على رواية ذلك الحدث السياسي، من الناحية الموسيقية على الأقل.

كان تأثير الأغنية واضحا من الردود الموسيقية العديدة التي أثارتها في نفس الأسبوع. جاء هؤلاء المغنّون من مناطق صومالية مختلفة، بما في ذلك فرقة وابري في مقديشو، مؤكدين أن "بنادير لا تحتاج إلى أحد"، وفرقة Xiddigaha Puntland من بونتلاند، الذين اتخذوا النهج الواضح أكثر من خلال تسمية أغنيتهم ​​"Abbagadha"، في إشارة إلى الزعيم التقليدي للأورومو الذي زار هرجيسا، في وقت سابق من هذا العام. إنّ هذه الردود، التي تناولت أغنية فرقة داياكس، بشكل مباشر أو غير مباشر، عكست بوضوح كيف استقبل العديد من الصوماليين البيتين المثيرين للجدل، وخاصة الأخير.

بالإضافة إلى ذلك، وبما أن كل أغنية تدعم فكرة الصومال الموحد من شأنها تقويض استقلال صوماليلاند، فغالبًا ما يُنظر إلى هذه الردود الموسيقية على أنها انتقامية. ويعدّ هذا صحيحًا، بشكل خاص، بالنظر إلى أن مثل هذه الاستجابات عادة ما تتخذ مسارات مجازية ضمنية. وهكذا، فإن أي أغنية تروّج للوحدة الصومالية، يُنظر إليها على أنّها هجوم مضاد من قبل الكثيرين على الإنترنت.

إلى جانب الفرق الوطنية، أنتج فنانون صوماليون يحظون باحترام كبير في صوماليلاند ردودًا أيضًا. تشمل الأمثلة البارزة أغنية "أنا الذي أحبك يا حمر" لنعمعان هيلاع، و"الاعتراف ليس هروبًا" لداياح دالنورشي، وأغنية "Masheegee" لشارما بوي، والتي أحدثت ضجة كبيرة، بسبب قدرة موسيقى الراب على نقل أبياتها بشكل أكثر قتالية. يقول في إحدى الأبيات: "كأخ لأمهري، لا يمكننا أن نكون في سلام أبدًا ... نحن لا نتملّق أحدًا". وقد حصلت الأغنية على أكثر من مليون مشاهدة في عشرة أيام فقط.

في الواقع، هذا السجال ليس جديداً على الإطلاق في الثقافة الأدبية الصومالية؛ حيث يمكن تصنيف بعض الموضوعات الرئيسة في الشعر الشفهي الصومالي ضمنه. ويمكن للمرء أن يقول إن الصوماليين أصبحوا غير مرتبطين تجاه هذه الأنواع من الخطابة، مع استخدام معظم المنتجات الكلاسيكية لهذه الثقافة حاليًا، لإثارة بعضهم البعض، أو تأجيج المحادثات في جلسات المقاهي الشعبية-  fadhi-ku-dirircai.

ومع ذلك، فإن مثل هذا الاستهداف الصريح للهويات المحلية في الموسيقى الصومالية، قد يؤدي إلى توسيع رقعة الانقسام بين الشعب الصومالي الذي، وعلى الرغم من الوضع السياسي الفوضوي، لا يزال يتعايش في زوايا مختلفة من الصومال وصوماليلاند والعالم. علاوة على ذلك، فإن الموسيقى الصوماليّة، هي أحد الأشياء التي لا طالما وحّدت الصوماليين أينما كانوا.

بحكم كونه موسيقيًا صوماليًا معروفًا، فإن الفنان يتجاوز الهوية العشائرية والإقليمية، وهذا ليس بالأمر السّهل القيام به في السياق الصومالي. لكن، ونظراً للتطوّرات الحالية، فإن المطربين في فرقة داياح قد لا يعنون شيئاً للعالم الناطق بالصومالية باستثناء صوماليلاند، والأمر نفسه بالنسبة لبقية المطربين والشعراء والموسيقيين، وخاصة أولئك الذين يحظون بإعجاب جميع الصوماليين تقريباً. فعلى وجه التحديد، في أغاني مثل "Masheegee" وغيرها، تٌذكر ندوب تاريخية مثل الإبادة الجماعية في هرجيسا، وهذا ما من شأنه أن يطلق العنان لصفارات الإنذار.

خاتمة

لا يمكن فصل السياسة عن الموسيقى أو أي عمل إبداعي آخر على الإطلاق. نحن نعتمد على العديد من العوامل والظروف والأحداث التي تشكّل تصوّراتنا، وتوجّه ذلك إلى ما نراه في الواقع. كانت الموسيقى – فعليًّا – دائمًا، وستظلّ حاملة للتجارب والأفكار والتعابير الإنسانية، بما في ذلك السياسة. ومع ذلك، ونظرًا لطبيعتها البشرية، فقد كانت دائمًا عرضة للاستخدام من قبل من هم في السلطة.

وهنا يبرز التساؤل، فإذا كان أولئك الذين في السلطة يعرفون كيف يمكنهم التحكّم في ردود أفعال الناس من خلال الفنون، فلماذا لا يستطيع الفنانون القيام بالمثل؟ يجب على الفنان أن يأخذ في الاعتبار رد الفعل العكسي المحتمل الذي قد يثيره العمل قبل نشره. وإذا كان الفن للناس، فماذا لو كان لنوع معيّن من العمل تأثير سلبي على الناس؟ هل يظل الأمر يستحق الطّرح والمخاطرة؟

المزيد من الكاتب