الخميس 21 نوفمبر 2024
حققت صوماليلاند وتايوان، الجمهوريتان المعلنتان من طرف واحد، تقدمًا كبيرًا في علاقاتهما الثنائية، منذ تدشينها في عام 2020، انطلاقًا من عدة مبادئ منها المطالبة باعتراف المجتمع الدولي بحق شعبيهما في تقرير المصير، وتشابه نضالهما من أجل نيل الاعتراف بهما دولا ذات سيادة، والرهان على الدول الغربية في ذلك. لم تكن المبادئ السابقة هي الدافع الوحيد وراء تقاربهما، خصوصا في حالة صوماليلاند التي تتطلع إلى تعويض ما ضحت به من علاقات اقتصادية مع الصين، سواء من تايوان والولايات المتحدة، فماذا تحقق لهرجيسا من هذه العلاقات؟
شجع تمرير الكونغرس الأمريكي قانون "المبادرة الدولية لحلفاء تايوان للحماية والتعزيز" المعروف بـ(TAIPEI) Act of 2019، صوماليلاند على إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان، وفق مقال محمد حاجي رئيس مكتب تمثيل صوماليلاند في تايبيه. لقيت المبادرة ترحيبًا من تايوان، ووقع الطرفان اتفاقية لتبادل مكاتب التمثّيل في فبراير/ شباط 2020، وافتتح المكتبين في يوليو/ تموز من العام نفسه، بعدها بشهر وقعا الطرفان اتفاقية للتعاون الفني بين الحكومتين.
حاولت جمهورية الصين الشعبية ثني الولايات المتحدة عن إصدار قانون تايبيه، لكنها أخفقت، وحين كشفت تايبيه وهرجيسا عن تدشين علاقاتهما الثنائية، سعت بكل السبل لصد الثانية عن المضي قدمًا، بدايةً بإصدار تحذير على لسان سفيرها في مقديشو، ثم إرساله إلى هرجيسا، لكن رئيس صوماليلاند موسى بيحي عبدي رفض لقاءه. لم تقطع الصين العلاقات كليًا بصوماليلاند، فعلى الرغم من افتتاح مكتب تمثّيل تايوان في عاصمتها هرجيسا، وقعت اتفاقية تعاون في مجالات الاقتصاد وإنعاش التجارة والتنمية معها.
رفضت الحكومة الفيدرالية الصومالية بدورها العلاقات بين تايوان وصوماليلاند، واعتبرتها عدوانًا على سيادتها. واكتفت الولايات المتحدة بتغريدة، على صفحة مجلس الأمن القومي على منصة إكس، أشادت فيها بالخطوة التي عدتها نصرًا لتايوان، دون إشادة مماثلة بموقف صوماليلاند. وصف محمد حاجي في مقاله الموقف الأمريكي بـ"الفاتر"، وأشار إلى أنّ وزارة الخارجية الأمريكية ظلت على سياستها القائمة على فكرة "الصومال الواحدة".
تعود قضية جزيرة تايوان إلى عام 1949، الذي شهد سيطرة الشيوعيين على السلطة، وفرار حكومة الجمهورية الصينية المعروفة بـ"كومينتانغ" إلى الجزيرة التي اتخذوها مقرًا لحكومتهم. تنافست حكومة الكومينتانغ مع حكومة بكين الشيوعية على تمثّيل الجمهورية الصينية حتى عام 1971، حين مُنح مقعد الصين في مجلس الأمن الدولي إلى بكين، ووظفت الأخيرة قوتها الاقتصادية في إضعاف علاقات تايوان مع دول العالم، وهو الأمر الذي حققت الكثير فيه.
تحققت لصوماليلاند العديد من المكاسب من خلال علاقاتها مع تايوان، بشكل خاص في مجالات التعاون الفني والمساعدات والمنح المالية. ومن ذلك، التعاون الفني والدعم التنموي في الصحة والتعليم والتكنولوجيا، وتحديث الخدمات الحكومية والزراعة والتجارة والأمن الغذائي. كما تمول تايبيه العديد من المشاريع التنموية في مجالات البنية التحتية والصحة والابتكار والخدمات التكنولوجية. ويعمل الطرفان على استكشاف آفاق أوسع للتعاون، في مجالات الطاقة والثروات الطبيعية والتجارة والاستثمار المباشر.
ويمثّل التعاون في الانتخابات معلمًا بارزًا لعلاقات الطرفين، فقدمت تايوان منح مالية لدعم الانتخابات في صوماليلاند، ويحرص رئيس بعثتها الدبلوماسية على حضور العديد من فعاليات الأحزاب والجمعيات السياسية. ومن بين المكاسب الثنائية الاعتراف المتبادل بجوازات السفر الوطنية الذي سهل التنقل بين البلدين، لأغراض التعليم والتجارة وغير ذلك. علاوةً على الأهمية المتأتية للخطوة من حيث كونها تطبيقًا عمليًا للاعتراف المتبادل بالاستقلال والسيادة.
تُصنف تايوان واحدة من الدول ذات الاقتصاديات المتقدمة، خاصة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وقطاع الخدمات الذي يشكل نحو ثلثي الناتج المحلي الاسمي البالغ 653 مليار دولار، وفق إحصاءات عام 2022. يمكن لصوماليلاند الاستفادة من علاقاتها مع تايوان في تطوير قطاع الخدمات الذي يعتمد في المقام الأول على الموارد البشرية المؤهلة، والذي يناسب الدول ذات الاقتصادات الناشئة التي لا تملك وفرة في المواد الخام والطاقة المطلوبة للصناعة التقليدية.
مقابل هذا، توفر صوماليلاند مدخلًا هامًا للاقتصاد التايواني للتوسع في أفريقيا، التي باتت محط تنافس الاقتصادات الكبرى، بما يعنيه هذا من مكاسب سياسية مبنية على الاقتصاد، على غرار السياسة الصينية في القارة.
لم يُقْدم البلدين بعد على ترقية علاقاتهما الثنائية على الرغم من التعاون الكبير بينهما، والاعتراف المتبادل باستقلال بعضهما البعض، حيث يقتصر التمثّيل الدبلوماسي على مكتب تمثيل، بخلاف وجود سفارات لتايوان في دول أخرى، منها مملكة إسواتيني في أفريقيا. وربما يكون ترقية العلاقات الدبلوماسية من الأهداف المستقبلية، كما أشار محمد حاجي في مقاله، حيث كتب "العلاقة بين صوماليلاند وتايوان متينة ومتنامية. وما يجعل هذه العلاقة فريدة من نوعها هو طبيعتها، فهي علاقة رسمية في جوانب عديدة، ولكنها ليست دبلوماسية. بعبارة أخرى، تعتبر الشراكة الثنائية رسمية بسبب توقيع وزيري خارجية البلدين، ومن ناحية أخرى، تختلف عن علاقات تايوان مع حلفائها الدبلوماسيين الأكثر رسمية".
يبدو وضع الشراكة القوية التي لم ترتق لعلاقات دبلوماسية كاملة مناسبًا للطرفين، فمن ناحية لا يريد أيًا منهما الدخول في عداوة مع البلدين المشتبكين معهما في قضية الاستقلال، وهما: الصين في حالة تايوان، والصومال في حالة صوماليلاند. يعبر حاجي عن تلك القضية بقوله: "تنظر صوماليلاند إلى تايوان باعتباره كيانا منفصلا عن الصين، وتعترف بمساهماتها الإيجابية في المجتمع الدولي. وبالتالي، لا يوجد غموض في موقفها، وتستند علاقتها بتايوان إلى الواقع على الأرض، من خلال احترام سيادتها، وقيمتها كشريك، مع الاعتراف بنفوذ الصين العالمي". ويتابع بأنّ "تايوان ترد على هذا الشعور بالاعتراف باستقلال الصومال والاعتراف بصوماليلاند أمة على أساس الظروف الفعلية، ويشكل هذا الاحترام المتبادل الأساس لعلاقتهما، دون أي تناقضات".
يوجد تناقض في مواقف الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، تجاه قضيتي تايوان وصوماليلاند، ففي حين تتشابه القضيتان في أحقيتهما بالاعتراف بهما دولا مستقلة، يتخذ الغرب موقفين مختلفين. في حالة تايوان لا يمنع الغرب من الاعتراف باستقلالها سوى خشية ردّ الفعل الصيني، الذي سينعكس سلبًا على الاقتصاد الدولي، وقد يؤدي إلى نشوب نزاع مسلح، يؤثر على كافة حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا. لكن في حالة صوماليلاند، فالرفض الغربي ينطلق من مصالح سياسية، إذ لا تملك الصومال القدرة على عرقلة المصالح الغربية، بل قد تستجيب لضغوط الغرب بشكلٍ أو بآخر، حيث تعتمد عليه بدرجة كبيرة في تمويل الموازنة العامة ورواتب القوات الأمنية والعسكرية ومشاريع التنمية وأكثر.
لهذا، فمن الناحية السياسية، لم يتحقق لصوماليلاند الكثير من علاقاتها مع تايوان، فلم تقدر الولايات المتحدة اصطفافها مع سياستها تجاه الصين. كما تعززت علاقات الصين والصومال تجاه مسألتي تايوان وصوماليلاند. إلى ذلك، لم يكن متوقعًا أنّ تتخذ الصين موقفًا مؤيدًا لاستقلال صوماليلاند، لتعارض هذا مع المبدأ الذي تستند إليه في مطالبتها باستعادة تايوان، وحرصًا على علاقتها القوية بالصومال الفيدرالية، لهذا فقد حققت صوماليلاند الكثير من المكاسب من علاقتها بتايوان، التي تعتبر واحدة من الدول الأكثر تقدمًا في العالم.
رغم هذه المكاسب، لم ترتق الشراكة التي تقدمها تايوان لما تعرضه الصين أمام دول القارة، حيث لا تزال الاستثمارات التايوانية في صوماليلاند ضعيفة، ولم تخلق بعد نموذج الشراكة التنموية الجاذب لدول القارة.