الجمعة 22 نوفمبر 2024
أعلن مجلس السيادة الانتقالي السوداني يوم السبت عن التحام جيش سنار بجيش النيل الأبيض، وفتح طريق سنار- ربك، وقال المجلس إن هذه العملية تمت بإشراف عضو مجلس السيادة، نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول، ركن شمس الدين كباشي. وكانت قوات الدعم السريع مسيطرة على منطقة جبل موية، وذلك بعد اندلاع اشتباكات عسكرية في 25 يونيو/ حزيران الماضي بينها وبين الدفاعات المتقدمة للقوات المسلحة بمنطقة جبل موية الاستراتيجية. تربط هذه المنطقة ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض، وقد سمحت السيطرة عليها لقوات الدعم السريع بالاستيلاء على مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، في 29 يونيو/ حزيران، وعلى مدينة الدندر شرقي سنار، ما أدى إلى إغلاق طريق سنار- ربك، وفرض حصار على كامل ولاية النيل الأبيض.
في هذا السياق، يقول المحلل العسكري العميد ركن د. جمال الشهيد ل(جيسكا) إن ما حدث في سنار من التقاء جيش النيل الأبيض وجيش سنار يعتبر إنجازًا قامت به القوات المسلحة، التي ظلت قابعة لفترة طويلة في مواقعها، وتقوم بأعمال دفاعية بسيطة ومحدودة. لكن في ذلك الوقت كانت العمليات تتم بجمع معلومات عن عناصر العدو، وتواجده وانفتاحه وتمركزاته، وبالتالي تم التخطيط لهذه العملية بعناية. وتمت بالتزامن، وفقًا للخطة العامة التي وضعتها القيادة العامة، ووضعت لها هدفا استراتيجيا عسكريا يتمثل في القضاء على مليشيا التمرد الإرهابية -كما وصفها جمال- في كل المواقع داخل السودان.
تقع منطقة جبل موية في ملتقى الطرق المؤدية إلى ولاية سنار وولاية النيل الأبيض وولاية الجزيرة، وهي منطقة مفترق طرق مهمة جدًا. وقال جمال إنه، وبموجب هذا النصر، تم فتح الطريق إلى ولاية كردفان وولاية النيل الأبيض، كما يخدم الطريق حتى دارفور، وكذلك إلى ولاية الجزيرة، ويقطع إمداد العدو من هذه الولاية.
وقد أوضح المحلل العسكري بأن هذه المنطقة لها أهمية اقتصادية، وهي ترفد السودان بالحبوب الغذائية، ففيها مشاريع زراعية مهمة مثل: الدالي والمزموم وسكر سنار، وفي الفترة السابقة تعطل الموسم الزراعي تمامًا بسبب الحرب. مضيفا بأن إعادة الأمن لهذه المنطقة يتعبر إنجازًا وعودة للمواطنين الذين نزحوا من ديارهم إلى حياتهم الطبيعية، إلى جانب استمرار التنمية الزراعية والتنمية الاقتصادية الموجودة في المنطقة. هكذا أصبحت الطريق إلى مدني وسنجة والدندر في مرمى القوات المسلحة، ما يعني انقطاعا في إمداد العدو، وسيكون مدخلًا لتحرير تلك المدن.
أما بخصوص مشاركة الكباشي في هذه العملية، فيقول د.جمال إن وجوده في هذه العملية يؤكد بأن الهدف كبير، ويقف عليه نائب القائد العام شخصيًا، وفي ذلك نوع من الإصرار، وهو ما ساهم في دفع القوات المسلحة، لأن هنالك أشياء تحتاج إلى تفويض للسلطة وللتحرك، وعندما تكون القيادة موجودة وفي المواقع الأمامية، فذلك يساعد في إعطاء التوجيهات والصلاحيات للقوات بالتحرك، ودفع الروح المعنوية لها.
استيقظ السودانيون فجر الخميس 26 سبتمبر/أيلول على وقع عمليات عسكرية عنيفة ومفاجئة، قامت من خلاها القوات المسلحة السودانية بكل وحداتها؛ الجوية والبرية والبحرية، بشن هجوم على قوات الدعم السريع المتواجدة في الخرطوم والخرطوم بحري. ولأول مرة منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل/نيسان من العام المنصرم، أقدمت القوات المسلحة بعبور ثلاثة جسور في نفس التوقيت؛ جسر الحلفايا الرابط بين مدينة أم درمان والخرطوم بحري، وجسري النيل الأبيض والفتيحاب الرابطين بين مدينة أم درمان ووسط الخرطوم.
دارت هناك معارك عنيفة، كانت نتيجتها سيطرة القوات المسلحة على أجزاء واسعة من الخرطوم بحري، وذلك بعد التقاء القوات القادمة من أم درمان بقوات منطقة الكدرو العسكرية شمالي أم درمان، وتحرك القوتين جنوبًا، وتحقيق أهداف عسكرية. بينما أحرزت القوات القادمة عبر جسري الفتيحاب والنيل الأبيض تقدمًا ناحية وسط الخرطوم، بعد معارك ضاربة سيطرت جراءها على مؤسسات حكومية مهمة في تلك المنطقة.
تتكون العاصمة الخرطوم من ثلاث مدن (الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان) وتربطها 10 جسور، تقاسمها الفريقان، منذ اندلاع الحرب، حيث سيطرت قوات الدعم السريع على 6 جسور، وسيطرت القوات المسلحة على 3 جسور، فيما تعرض جسر شمبات الرابط بين أمدرمان ووسط بحري للتدمير في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
تحدث العميد ركن د. جمال الشهيد لـ"جيسكا" عن التقدم العسكري للجيش في الخرطوم، معتبرا أن هذه العمليات كلها متزامنة، وكان ذلك سبب وسر النجاح؛ أي اعتماد مبدأ التحرك في التزامن، الذي أتاح للقوات الفرصة للوصول لأهدافها بأسرع ما يكون. كما أنه، في الوقت نفسه، تكتيك من شأنه تشتيت جهود العدو الذي كان يعمل وفق قاعدة الحشد، وذلك بالدفع بقواته كلها في محل واحد. لكن حينما تتحرك القوات المسلحة في عدد من المحاور وفي مناطق مختلفة بالولايات، فهذا يفقد العدو توازنه. انتبهت القوات المسلحة لهذه الخطة بعد فترة طويلة جدًا، فظلت ترصد أسلوب قتال العدو وحركاته حتى توصلت إلى الأسلوب الأمثل لقتاله، وقد تمت هذه الخطة وفقًا لتقدير الموقف العسكري.
الحديث عن تقدير الموقف العسكري يعني دراسة منطقية لكل العوامل؛ عامل الأرض، وعامل العدو نفسه، وعامل الوقت والزمن، وعامل تقدير الواجبات، كلها مذكورة وموجودة في تقدير الموقف. لتخرج في النهاية بخطة يتم تنفيذها على عدة مراحل حسب الخطة، والقوات المسلحة الآن في المرحلة الأولى التي تمت بعبور الجسور الثلاث، ومن يمتلك هذه الجسور يسيطر على الحركة، والآن الحركة تنساب بشكل جيد.
لم تتم هذه العمليات إلا بعد جهد استخباري كبير لجمع المعلومات عن تمركزات العدو، ومواقع أسلحته وألغامه. وقد أعدت القوات المسلحة خطة متكاملة شاركت فيها كل الفروع الرئيسية لها. ظهرت في توتي القوى البحرية، وتحركت بعدد كبير جدًا من الغواصات والمراكب، وقامت بتطويق كامل للمنطقة، مما سهل من عملية ضرب العدو الذي تكبد خسائر كبيرة في المعارك داخل ولاية الخرطوم. وفي جبل موية أيضًا كانت المعارك ضارية، خلفت أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى، وهروب مقاتلين من أرض الميدان حيث ترك العدو أسلحة مهولة.
بالنسبة لأهداف العملية، يعتقد د. جمال أن القصد من ورائها تحقق، وهو عبور الكباري في المرحلة الأولى، والمقصود بالعملية فتح الطرق، وربط المناطق ببعضها البعض؛ المناطق العسكرية ومناطق الخدمات، وأن تكون أحياء السكان خالية من المتمردين وهو هدف الحرب. وكانت الحكومة والجيش السودانيين قد أعطوا المتمردين فرص كثيرة للتفاوض، وهُدن بغرض مراجعة مواقفهم، لكن كل تلك المساعي الدبلوماسية للوصول إلى حل سلمي مع هذه الميليشيا لم تفلح، لأن السبب الجوهري ظهر في منبر جدة، منذ يومي 11 و20 مايو/ آيار عام 2023، حيث كان هناك اتفاقان من شأنهما إيقاف الحرب. لكن أطماع المليشيا وانصياعها لتوجيهات قوة خارجية ساهم في انقضاضها، فهي موجودة نعم، ولكن الجزء الأكبر تحت الأرض قتلى، وما بقي يعيشون هلعا مستمرا، وهناك جرحى وفارين خارج أرض المعارك، بل إلى خارج السودان.
أما عن نتائج هذه العمليات، فيقول جمال إنها كانت ملموسة، والحركة الآن تنساب من القاهرة إلى بحري وما تبقى جزء قليل، مؤكدا أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالانتصارات. أما بالنسبة للدعم السريع، فيشهد – حسب الخبير العسكري – غياب القادة عن الميدان، ومنهم من لقى حتفه، وهذا مؤشر على أن القتال يفتقر للقناعة، كما نقول في القوات المسلحة؛ فموت عدد من القادة يعني محاولة إقناع المرؤوسين بالتقدم دون جدوى.
تزامنًا مع الانفتاح الواسع للجيش في العاصمة الخرطوم، شهدت مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، تطورات في مجرى العمليات الميدانية، ودارت معارك سماها حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بعاصفة الشمال، ووصفها بأكبر المعارك التي تشهدها إفريقيا بعد معركة العلمين. وأن دارفور قد حققت انتصارًا كبيرًا على قوات الدعم السريع، في تخوم منطقة زرق وشمالي كتم.
قال المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة الرائد أحمد حسين لـجيسكا: إن الموقف العملياتي والميداني في دارفور يسير بشكل ممتاز، وأن هنالك خطة لطرد مليشيات الدعم السريع ومرتزقتهم - كما وصفهم- من كل مدن ومحليات إقليم دارفور، وسوف ترى النور قريبًا. وقال أحمد حسين إن القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية وكل أبطال وميارم فاشر السلطان صدت 140 هجوما على مدينة الفاشر، وتم فيها هزيمة وتدمير القوة الصلبة لمليشيات الجنجويد ومرتزقتهم، والقضاء على كل قياداتهم الميدانية، وعلى رأسهم اللواء علي يعقوب وعبدالرحمن قرن شطة، وأيضًا مقتل قائد جبهة فاكت التشادية مهدي بشير وإدريس بركاوي.
أما بالنسبة للعمليات في محور غرب دارفور، فقد أكد أحمد حسين على أن القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية تمكنت من سحق مليشيات الجنجويد، كما سماها، في معركتي جبل أووم وكلبس، ومدينة الجنينة تبعد من هذه المناطق 38 كلم، وهي ليست ببعيدة.
وتحدث حسين عن معركة عاصفة الشمال واصفا إياها بالمعركة الفاصلة، وقال بأنها حققت أهدافا عديدة، أهمها القضاء على آخر قوة يمكن أن تعتمد عليها مليشيا الدعم السريع في دارفور مستقبلًا، وأيضًا إغلاق نهائي للشريان الذي تعتمد عليه المليشيا في إمداداتها اللوجستية والعسكرية والبشرية، وتأمين مثلث الحدود المصرية الليبية التشادية، وكذلك تأمين الطريق القاري الرابط بين مدينة الدبة ومحلية مليط والطريق الرابط بين مدينة الكفرة الليبية ومليط.