تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الثلاثاء 22 أكتوبر 2024

رأي

العلاقات المغربية الإثيوبية: شراكة ممتدة وتحديات قائمة

9 أكتوبر, 2024
الصورة
Muhammad VI and Abiy Ahmed
Share

تسارعت الاحتجاجات المصرية غير الرسمية، عقب اتفاق تعزيز التعاون الأمني الإثيوبي المغربي، فربطته بمحدد الدعم المغربي لها في خطواتها إقليميا، إذ تصادف مع تصاعد حدة التوتر الإقليمية بين دول المنطقة، أي الانحياز لرؤية أديس أبابا في النزاع المصري-الإثيوبي حول سد النهضة، ما حدا بتصنيف هذا الاتفاق في خانة الإضرار بالمصالح المصرية. غير أن الاستقصاء عن تاريخ العلاقات بين البلدين، يؤكد بأنه مسار طبيعي لحركية متشابكة تمتد لسنوت، رسمت انعطافتها المحورية بعد جولة الملك المغربي محمد السادس في شرق إفريقيا، والتي توّجت بخطاب العودة للاتحاد الإفريقي، ومباحثات رسمية مع الرئيس الإثيوبي، وتوقيع اتفاقيات حددت ملامح التعاون المشترك بينهما.

كما تقاطعت التحركات المغربية شرقا مع رغبة إثيوبيا في تطوير محاور تحركاتها الخارجية، وإعادة ترتيب تحالفاتها الإقليمية والدولية، إذ انتبه المغرب لأهمية منطقة القرن الإفريقي، باعتبارها فضاء جيوسياسيا متحركا، يسمح بترسيخ توجهاته في القارة؛ وتأكيد نفوذه وحضوره الإقليمي دفاعا عن مصالحه. وأيضا تقديرا للدعم السياسي لدول المنطقة لعودته إلى الاتحاد الإفريقي، كما كانت محددا للاستمرار في نهج الانفتاح على شركاء جدد. 

المغرب إلى الشرق الإفريقي

تتحرك الدبلوماسية المغربية بالقارة الإفريقية بجهود سياسية متواصلة، قصد تطوير أدائها وترسيخ حضورها، وتستند على أبعاد تضامنية وإنسانية قوامها الدفاع عن قضايا الجنوب، وترسم ملامحه برهانات استثمارية، لتحقيق التكامل الاقتصادي وخدمة المصالح المشتركة بينهما. تُرجم هذا الاهتمام المتميز في صيغة مبادرات سياسية، وزيارات متبادلة متعددة، توّجت باتفاقيات متنوعة همّت عددا من المجالات في كافة الأقاليم الإفريقية.

أرسى الدستور المغربي التوجهات المحورية لتأكيد هذا الحضور المحوري بالعمق الإفريقي، استحضارا لمحددات التاريخ المشترك والروابط الممتدة والتقاطعات بين الشعوب الإفريقية. كما اقتضت استراتيجية التحول المستمر للتوجهات المغربية-الإفريقية الانتقال نحو إعادة ترتيبها ميدانيا، على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.

وضعت هذه المحاور معالم الانفتاح على القوى الإفريقية الصاعدة والأسواق الجديدة، كما سعت لإقامة تحالفات جديدة بالمنطقة، فشكلت الانعطافة للشرق الإفريقي محددا لهذا التوجه، وشكلت عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي بوصلة توجه هذه السياسية الجديدة. نجحت الزيارة الملكية للمنطقة في رسم معالم هذه الامتدادات، كما كان خطابه بأروقة للاتحاد الإفريقي تحولا محوريا في إرسائها، برهانات الدبلوماسية الاقتصادية والمقاربة التنموية، وبرؤية سياسية لمكانة المغرب الإقليمية.

فضلا عن ذلك، شكلت الزيارة إطارا عاما لإعادة ترتيب الأوراق، فراهنت على تعزيز التعاون والاستثمار، ورسمت الآلية الاقتصادية المحدد الأساسي لترسيخ معالم هذه العلاقات، إذ بفضلها كسب المغرب رهانات الحضور المتميز بغرب إفريقيا؛ كأول مستثمر في قطاعات متعددة. وتشكل محاور إعادة ترتيبها على قاعدة الامتداد إلى جبهات أخرى، على قاعدة إرساء دعائم شراكات غير تقليدية، محورية تعزيزا لمكانته الاستراتيجية، ولحجم الاستقطاب الدولي والإقليمي.

تقاطعت التحركات المغربية مع حركية إثيوبية داخلية، بدأت بعد وفاة رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق، ميليس زيناوي، في غشت/ آب 2012، وتعيين نائبه هايلي ماريام ديسالين خلفا له. وأعيد انتخابه عام 2015 إلى غاية استقالته، في عام 2018، عقب احتجاجات شعبية، لتتوج الانتخابات اللاحقة بصعود آبي أحمد. 

رُسمت خلال هذه السنوات ملامح الرؤية الاثيوبية لأدوارها الإقليمية، ورؤية للانفتاح على تنويع الشراكات الخارجية، فتقاطعت مع إرادة البلدين لتعزيز العلاقات بينهما.

الرباط-أديس أبابا: شراكة واعدة  

انطلق مسار العلاقات الإثيوبية المغربية بعد عشر سنوات على استقلال المغرب، وساهما معا في إرساء دعائم منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، الاتحاد الإفريقي حاليا، غير أن عامل البعد الجغرافي، وانسحاب المغرب من المنظمة بسبب قبولها عضوية جبهة البوليساريو، أضعف قطار العلاقات بينهما. 

أعطت الزيارة الرسمية لوزير الخارجية الإثيوبي إلى الرباط، في ماي/أيار 2015، زخما جديدا لتقوية العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد إعادة استئناف العلاقات بينهما عام 1997، وقد أسفرت المباحثات عن افتتاح سفارة بلاده بالرباط. لكن الانطلاقة الأساسية لهذه العلاقات كانت في أعقاب الزيارة الملكية لأديس أبابا في نونبر/تشرين الثاني 2016، حيث أعادت رسم ملامح العلاقات بين البلدين على قاعدة التعاون المشترك.

كانت الزيارة الملكية الممتدة بالشرق الإفريقي، من روندا إلى تنزانيا ثم إثيوبيا، محطة محورية لتثبيت التعاون مع دول المنطقة. وركزت على أديس أبابا استثمارا لإمكاناتها الاقتصادية الهائلة، ولأهمية نفوذها الجيوسياسي بمنطقة القرن الإفريقي، وداخل أروقة الاتحاد الإفريقي، ليس بمقتضى احتضانها لمقره، وإنما للرؤى الريادية التي تقدمها إقليميا، وتقديرا للدعم السياسي لعودة المغرب إلى رحاب المنظومة الإفريقية.

فرضت هذه الدينامية الجديدة للعلاقات المغربية الإفريقية تحويلا في محاور تحركاتها، لتتجاوز الأطر التقليدية إلى فضاءات جغرافية جديدة. كما راهنت على التعاون المكثف إطارا لترسيخ هذه التفاعلات، فيؤسّس التعاون الاقتصادي لمعالم هذه العلاقات بينهما. وبرزت إثيوبيا شريكا جديدا، حيث شكلت عشرات الاتفاقيات ومذكرات التعاون المبرمة، بمناسبة الزيارة، في مختلف القطاعات؛ مثل التجارة والخدمات حافزا على الاستثمار والتعاون. 

وفي التفاصيل، انتعشت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ليبلغ حجم الصادرات المغربية إلى اثيوبيا ما يناهز 118 مليون دولار عام 2022، وارتكزت على تصدير الأسمدة والسيارات، فيما لم تتعدى الصادرات الإثيوبية حوالي 2,5 مليون دولار منحصرة في المنتوجات الزراعية على رأسها البن الإثيوبي. لكن هذه الأرقام لا تزال دون مستوى تطلعات المستثمرين. غير أن مشروع بناء مصنع للأسمدة من طرف المكتب الشريف للفوسفاط المغربي اعتُبر أهم المشاريع الاستثمارية الناجحة بين البلدين، حيث تشير التقديرات بأن تتجاوز مردوديته الإنتاجية ثلاثة ملايين طن سنويا، واعتبر من الآليات المحورية لضمان الأمن الغذائي الإفريقي بصفة عامة والإثيوبي بصفة خاصة. 

فضلا عن ذلك، يُعد تعزيز التعاون العسكري محددا آخر لترسيخ العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما، تُرسي معالمه الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، آخرها زيارة رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الإثيوبية للرباط في غشت/أغسطس الماضي، وعلى هامشها أكد بلاغ للقوات المسلحة الملكية ارتياح البلدين لمستوى علاقة الصداقة والتعاون بينهما، وحرصهما على تعزيز التعاون في مجال الدفاع. ولا تخفي إثيوبيا أن هدف هذه الزيارات إرساء اتفاق عسكري رسمي مبني على روح الأخوة الإفريقية، حيث تستند على إرادة للتعاون والتنسيق المشترك بينهما، في ظل تنامي التهديدات، تأكيدا على التعاون والمؤازرة وتعزيز القدرات وبناء السلام والأمن بالقارة، لتشكل هذه العلاقات حافزا على تعميق الشراكة بينهما في كافة المجالات.

وارتباطا بجهود المغرب المكثفة لتنويع محاور التعاون بينهما، يراهن على مقاربته الرائدة للمجال الديني، إذ يدافع عن تجربته لتعزيز الأمن الروحي ومكافحة التطرف برؤية خاصة للإسلام المعتدل. وتحظى مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بتقدير خاص، باعتبارها قناة أساسية لهذه الرؤية، وإطارا للتنسيق بين علماء المغرب والأفارقة، وفي سياق التعاون مع أديس أبابا افتتحت فرعا للمؤسسة بإثيوبيا، حيث ساهمت في تنظيم أنشطة وفعاليات كثيرة، آخرها تنظيم مسابقة لحفظ وترتيل وتجويد القران الكريم في نسختها الخامسة. بهذا يشكل الحقل الديني قاعدة للتبادل الثقافي والتعاون الأكاديمي بين البلدين.   

تؤكد كل هذه المؤشرات بأن مستوى العلاقات بين البلدين يتضاعف، مما يؤكد على الإرادة المتبادلة لتقوية وتعزيز التعاون بينهما. ورغم ذلك، تؤكد السفيرة المغربية بأديس أبابا نزهة علوي، بأن العلاقات التاريخية بينهما لم تتحول إلى تعاون تجاري واستثماري بالقدر المنشود، طامحة لتعزيزها في كافة المجالات. وفوق ذلك، حديث عن محاولات من أجل سحب أديس أبابا لاعترافها بالبوليساريو، بعد ملامح عن مؤشرات سياسية على ذلك عقب تغيير مواقفها، والاعتراف بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، وذلك في أفق كسب الرباط لمعركة جمع التأييد الافريقي لتعليق عضويتها من المنظمة.

فرص وتحديات 

تشهد منطقة شرق إفريقيا تحولات جيوسياسية متسارعة، تتقاطع مع التحديات الاقتصادية والسياسية وتعقيدات الحالة الأمنية التي يزكيها كثافة الحضور الأجنبي، كلها عوامل تعرقل المسار الطبيعي للدورة الاقتصادية بالمنطقة. وواضح بأن الفاعل الدبلوماسي المغربي يستحضرها في مقاربة علاقاته في المنطقة ومع إثيوبيا، لكنه يعتبر الفرص المتاحة بينهما؛ كالإمكانات الاقتصادية ومجالات الاستثمار ومحاور التعاون المشترك، كفيلة بتجاوز هذه المعيقات.

يرسم البلدين ببطء ملامح علاقتهما الممتدة، وكلاهما يراهن على هذا المقتضى من أجل تعزيزها. ما يجعل هذه الشراكة بمثابة جسر استراتيجي يربط بين منطقتين مختلفتين، يؤكد من خلالها الطرفان بأن مصلحتهما القومية في العمل على تطويرها، حتى تشمل كافة المجالات. 

تعد محطة أساسية للرباط من أجل تعزيز مكانتها الإقليمية بانفتاحها على دول الشرق الإفريقي، كما تعتبر أديس أبابا الروابط بين البلدين فرصة لتطوير استثماراتها الخارجية، وانفتاحها الخارجي. وتقرأ الزيارات والشراكات المتبادلة بين العاصمتين، بمثابة حوافز للرغبة السياسية المشتركة من أجل تعميق العلاقات الثنائية بينهما. 

يتأكد بأن الإمكانات والفرص الاقتصادية التي توفرها إثيوبيا يمكن أن تشكل إطارا للتعاون مع المغرب، فتحتل الزراعة مجالا أساسيا في الاقتصاد الإثيوبي، بمساهمتها بحوالي ثلثي الناتج المحلي، ونصف الصادرات الإثيوبية، وبثروة حيوانية تعد الأكبر إفريقيا. لكن هذه الإمكانات تصطدم بمحدوديتها في تعزيز الأمن الغذائي، فشكّل التعاون المغربي الإثيوبي في المجال على صعيد مصنع الأسمدة فرصة للبلدين لتعزيز وتطوير المجال الزراعي الإثيوبي. بالإضافة إلى ذلك، تزخر إثيوبيا بإمكانات تعدينية وموارد طبيعية، بإمكانها دفع الرباط نحو مزيد من التعاون معها في هذا المجال، باعتبارها منصة بين إفريقيا وأوروبا.

ترسم هذه الارتباطات السابقة هوامش واسعة للتحرك بين البلدين، وأكدت السفيرة المغربية بإثيوبيا بأن البلدين توافقا على تحديد المجالات الرئيسية لتعميق الشراكة، فتبرز الزراعة والسياحة والطاقة المتجددة والتعليم باعتبارها قطاعات أساسية، يمكن للبلدين الاستناد عليها. ولترسيخ ملامح الارتباط المركزّ بينهما. من جانبه، يؤكد السفير الإثيوبي بالرباط أن البلدين يتقاسمان نفس الرؤى لنهضة القارة الإفريقية، للدلالة على تقاطع إرادتهما على استثمار خبراتهما لتطوير شراكة متينة في كافة القطاعات.

يراهن البلدين بالتركيز على الاقتصاد، على آفاق تطوير علاقاتهما، لأنها تفتح هوامش أخرى للشراكة في باقي المجالات، على اعتبار أن مساحات التعاون بينهما مفتوحة في قطاع الاستثمار والسياحة والزراعة والطاقة والتعدين وغيرها، مما عجّل بالتخطيط لعقد منتديات لرجال الأعمال، باعتبارها منصات للحوار واللقاءات الثنائية، كما شكّلت اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين إطارا رسميا لرسم معالم هذه العلاقات ومقاربة تحدياتها.

أمام هوامش التعاون المفتوحة بين البلدين، تتعاظم على الجانب الآخر تحديات تعرقل مساراتها، وليست المخاوف الخارجية وحدها ما يؤرق البلدين، فالتنافس الدولي والإقليمي بالمنطقة في أقصى ملامحه، إذ تعتبر محور الاستقطابات الدولية، وتصاعدت حدتها في الشهور الأخيرة، لأنها محددا لإعادة ترتيب التوازنات الدولية، لاسيما بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي، وتنعكس تقاطعاته على الأمن الإقليمي للمنطقة، وكلا البلدين على وعي بهذا المحدد الجيوسياسي.

 لكن إلى جانب هذه المخاوف، تتعاظم تحديات عدم الاستقرار الداخلي بالمنطقة، وعانت إثيوبيا في فترات من تاريخها من ويلات الحرب الأهلية؛ فشهد إقليم التيغراي، قبل أربع سنوات، حربا بين جبهة تحرير شعب تيغراي؛ الحركة المتمردة على قرارات الحكومة الفيدرالية احتجاجا على تأجيل الانتخابات، والجيش الفيدرالي مدعوما بقوات الدرك من مناطق أمهرة وعفر المجاورتين، ما خلف فاتورة بشرية واقتصادية كبيرة، وانتهت بتوقيع وقف إطلاق النار.

تأكد خلال هذه الحرب وغيرها من الأحداث، بأن عدم الاستقرار السياسي يؤثر على المستويات الإنسانية والتنموية والاقتصادية، مما ينعكس سلبا على الاستثمارات وديمومة العلاقات الاقتصادية، ففي هذه المرحلة عانى الاقتصاد الإثيوبي من إكراهات العمل العسكري بتكلفة اقتصادية باهظة الثمن، انعكست على القطاعات الاقتصادية، فساهمت في ركود اقتصادي وتباطؤ النمو الاقتصادي، إلى جانب تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية وانخفاض الصادرات الاثيوبية.

ومع ذلك، يحاول البلدين تحديد معالم التعاون المشترك لتطوير علاقاتهما باستثمار كل الآفاق والفرص المتاحة، وتجاهل التحديات وللإشكالات التي قد تعرق مسارها، فتتحدد الإرادة السياسية المتبادلة لترسيخ معالم هذه الشراكة قاعدة لعلاقاتهما الممتدة، برؤية التنسيق وتوحيد الجهود وتوسيع مجالات التعاون.

في الخلاصة، تُعتبر العلاقات المغربية الإثيوبية نموذجا لتعاون استراتيجي مستدام خارج الأطر الإقليمية، يراهن البلدين عليها كقاعدة لتحركاتهما واطارا لدبلوماسيتهما النشيطة. أثمرت المبادلات شراكة ممتدة بكافة المجالات، وإن كان حجم المبادلات لا يحقق تعاملات اقتصادية ضخمة، فإن مكاسبها السياسية والاستراتيجية تحفز على تطويرها. لذلك، تحرص أطرهما الدبلوماسية على رعايتها بآليات وبرامج وزيارات ممتدة بين الرباط-أديس أبابا لترسيخ معالم هذه الشراكة الاستراتيجية، كما تُعزّز هذه الدينامية برؤية مشتركة، تؤكد إصرارهما على إرساء هذه المعادلة الجديدة لشراكة أعمق بين البلدين.