الخميس 21 نوفمبر 2024
تتردد في بعض وسائل الإعلام مزاعم عن خطة إسرائيلية لإنشاء قاعدة عسكرية على ساحل خليج عدن في صوماليلاند، بدعم من دولة الإمارات العربية، بهدف مواجهة نفوذ إيران والحوثيين في اليمن. وتزعم تقارير أنّ صوماليلاند قبلت بالعرض استجابةً للإمارات، مقابل الحصول على اعتراف من إسرائيل، وضخ المزيد من الاستثمارات والمساعدات التنموية.
يظهر تتبع أصل هذه المعلومات أنّ مصدرها موقع إلكتروني يُدعى "إمارات ليكس"، متخصص في نشر دعاية تستهدف الإمارات منذ عدة سنوات، ثم تناقلته وسائل إعلام محسوبة على تيارات سياسية تتبنى الخط ذاته، فما هي صحة هذا الخبر؟
بدأت القصة التي تدور حول إنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية على سواحل جمهورية صوماليلاند المستقلة من طرف واحد، منذ ثلاثة أشهر، بمقال في صحيفة إسرائيلية. روج فيه الكاتب إلى أهمية إقدام حكومته على إقامة علاقات مع صوماليلاند، للحصول على تواجد عسكري في جنوب البحر الأحمر، لمواجهة نفوذ إيران في اليمن، متمثلا في جماعة أنصار الله "الحوثيين" الذين يشاركون في جبهة الإسناد العسكري لغزة.
نُشر المقال في يوليو/ تموز الماضي، وبعد شهر نشر موقع يُدعى "إمارات ليكس" معلومات على لسان مصادر دبلوماسية مجهولة عن تمويل الإمارات إقامة قاعدة عسكرية لإسرائيل في صوماليلاند. شهرين بعدها، نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" الذي يديره صحفيون تجمعهم علاقة بجماعة الإخوان المسلمين تقريرًا عن الموضوع ذاته، استنادًا لمصدر مجهول أيضًا. عقب ذلك تلقف عددٌ من صناع المحتوى السياسي على موقع "يوتيوب" الحديث، ومرروه إلى جمهورهم بصيغ وعناوين على شاكلة "إسرائيل تتحدى مصر وتتجه لتوقيع اتفاقية مع أرض الصومال لدعم إثيوبيا وأبي أحمد يحتفل".
يكشف ما سبق عن وجود تشويه متعمد، يستند إلى أفكار طرحها باحثون إسرائيليون، كانوا يخاطبون حكومتهم في المقام الأول، وذلك لأسباب عديدة على رأسها، الخصومة الممتدة مع الإمارات، والنيل منها باعتبارها من الدول العربية التي تجمعها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، واستغلال صناع المحتوى من دولة مصر الموضوع لمهاجمة إثيوبيا وصوماليلاند، وتوظيف الاهتمام العربي بما يخص إسرائيل من أجل جذب الجمهور.
عودا على تقرير "ميدل إيست مونيتور" كونه الذي المعتمد عليه عربيًا للترويج للادعاء بالصفقة سابقة الذكر، يبدأ التقرير بتحليل غير جديد حول أهمية الموقع الجغرافي لصوماليلاند، الذي يطل على الساحل الغربي لخليج عدن، حيث باب المندب الذي يعتبر المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. ينتقل بعد ذلك للحديث عن العلاقات بين الإمارات وصوماليلاند، ويزعم أنّ الأولى تملك قاعدة عسكرية على سواحل الثاني، وهو زعم يتكرر كثيرًا دون أدلة، ثم ينتقل بعدها لموضوع التطبيع بين الإمارات وإسرائيل. ويخرج بنتيجة استلزامية، بما أنّ الإمارات دولة مُطبعة، وبما أنّ إسرائيل مهتمة بوجود عسكري قرب باب المندب، فالدولتان تعملان من أجل تحقيق ذلك.
أما عن مصدر المعلومة، فلم يذكر التقرير سوى ما وصفه بـ"مصدر دبلوماسي"، وهو نفس ما ذكره موقع "إمارات ليكس" الذي يُعرّف نفسه بأنّه "موقع إخباري يهتم بفضائح وانتهاكات دولة الإمارات"، وهو ما يكشف عن انحياز الموقع، وافتقاره إلى قواعد الصحافة من مهنية وموضوعية.
زيادة على ذلك، سقط تقرير "ميدل إيست مونيتور" في خطأ فادح، حيث ذكر أنّ "الإمارات واحدة من أوائل العواصم التي اعترفت بجمهورية صوماليلاند"، بينما لم تعترف أبو ظبي باستقلال صوماليلاند، وإنّ كانت لديها علاقات قوية مع الجمهورية المُعلنة من طرف واحد، التي أعلنت استقلالها عام 1991، إسوةً بالعديد من دول العالم التي لديها ممثليات دبلوماسية فيها، دون أنّ تعترف باستقلالها عن دولة الصومال الفيدرالية.
يطرح ما سبق سؤالًا حول السبب وراء ترويج هذه الكذبة التي تضر بسمعة شعب وحكومة صوماليلاند، اللذان طالما اتخذا موقفًا داعمًا للحق الفلسطيني، ومن ذلك إدانة حكومة صوماليلاند اعتراف واشنطن بالقدس عاصمةً لإسرائيل على الرغم من علاقاتهما القوية، بل وتعويلها على الغرب وخاصة الولايات المتحدة في نيل الاعتراف بالاستقلال.
كما أنّ رئيس صوماليلاند موسى بيحي عبدي أعلن عن تضامنه مع غزة، وانتقد علانيةً التخاذل الدولي عن الدفع نحو وقف العدوان على غزة. وقال بيحي بعد أقل من شهر على اندلاع الحرب "بصفتنا شعب أرض الصومال، فإننا نقف متضامنين مع فلسطين، ونقدم دعمنا بقلوبنا وعقولنا. ورغم أن قدرتنا على إحداث تأثير كبير قد تكون محدودة، فإن التزامنا بالقضية الفلسطينية وسعيهم إلى الحرية يظل ثابتًا".
لا تحتاج صوماليلاند إلى من يدافع عنها، فهي ليست في موقع الاتهام، لكن مع ذلك وجب تحليل ما وراء الترويج لهذه الأكاذيب.
ليس بجديد ربط صوماليلاند بإسرائيل، ويعود أول اتهام بوجود ارتباط بينهما إلى عام 1991 الذي شهد إعلان الاستقلال عن دولة الصومال بعد سقوط نظام سياد بري، وجاء الاتهام على لسان الحركة الإسلامية في الصومال في كندا، والمعروفة -آنذاك- باسم "حركة الإصلاح"، وترتبط بفكر جماعة الإخوان المسلمين.
رأت الحركة في إعلان الاستقلال ما يلي: "إن السبب الحقيقي الكامن وراء الانفصال يتلخص فيما يلي: تنفيذ المخطط الاستعماري الذي حاربه الشعب الصومالي منذ ما يقرب من نصف قرن، والمتمثل في تقسيم أراضيه إلى خمسة أجزاء، وتحقيقًا للأغراض الاستعمارية فإن جهات أجنبية مشبوهة تتدخل في الشؤون الصومالية مستغلة مرحلة الضعف الحالية، وعلى رأسها إثيوبيا وإسرائيل".
لا يتجاوز ادعاء الحركة الإسلامية كونه تكرارًا لديباجة طالما كررتها النخب العربية في تشويه كل المخالفين بربطهم بإسرائيل، وتحليل كل شيء على أنّه صنيعة الاستعمار وإسرائيل، وذلك لتشويه الآخر ووصم قضاياه، انطلاقًا من تصورات تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة.
تعود قضية استقلال صوماليلاند إلى عام 1960، حين حصلت على استقلالها عن بريطانيا قبيل استقلال الصومال الجنوبي بخمسة أيام، ثم قرر ساستها الانضمام طوعًا مع الصومال الجنوبي، وتشكيل جمهورية الصومال.
عانى صوماليلاند خلال الوحدة من التهميش والاضطهاد، وقام نظام بري بقصف أهم مدنه بالطائرات ردًا على ثورة السكان الاستبداد، ثم بعد سقوط بري حاول الجنوبيون الانفراد ثانيةً بالسلطة ضد الشماليين (صوماليلاند). ونتيجةً للمآسي التي عاشها شعب صوماليلاند في ظل دولة الوحدة، قرر استعادة الاستقلال، وإقامة دولة مستقلة، وتمكنوا من إنقاذ منطقتهم من الفوضى التي عمت الصومال، وتأسيس نظام ديمقراطي إلى حد كبير، وترسيخ التداول السلمي للسلطة.
جدير بالذكر أنّ موقف صوماليلاند كان غائبًا في التقارير التي روجت لإنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية، في حين ربطه بعض صناع المحتوى المصريين بمذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكن ماذا عن صوماليلاند؟
يعتبر الحصول على الاعتراف الدولي بالاستقلال الهدف الأسمى لحكومة وشعب صوماليلاند، وانطلاقًا من هذا فإن المصلحة المفترضة هي اعتراف إسرائيل باستقلال صوماليلاند، وتقديم مساعدات وضخ استثمارات. لكن هذا الافتراض غير مقبول لعدة أسباب؛ أولها، أنّ هناك فارقا كبيرا بين اعتراف الجارة إثيوبيا باستقلال صوماليلاند عن إسرائيل أو غيرها من دول الإقليم – باستثناء الصومال – حيث لن يفيد اعتراف إسرائيل أو غيرها من الإقليم بالكثير، في حين أنّ اعتراف إثيوبيا له صدى أكبر لأهميتها، وموقعها في القرن الأفريقي.
والثاني أنّ شعب وحكومة صوماليلاند عبَّرا عن موقف ثابت وداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، انطلاقًا من المبادئ ذاتها التي ينطلقان منها في المطالبة بالاستقلال، وعلى رأسها حق الشعوب في تقرير مصيرها.
والثالث أنّه إذا كان البعض يروج لاستغلال إسرائيل لقضايا الأقليات في المنطقة لتعزيز نفوذها، كما في دعمها للأكراد في العراق، فإنّ صوماليلاند لا تمثّل قضية أقلية، فهي قضية يطالب فيها شعب باستعادة الاستقلال بعد إخفاق الوحدة الطوعية على مدار 31 عامًا. كما تملك الجمهورية المعلنة من طرف واحد كافة متطلبات الدولة من السيادة والأرض والشعب والمؤسسات.
والرابع أنّه ليس من مصلحة صوماليلاند إقامة علاقات سياسية مع إسرائيل، والسماح لها بإقامة قاعدة عسكرية بحرية، تكون قريبة من الحوثيين في اليمن، لأنّ ذلك سيجعلها مسرحًا للصراع بين إسرائيل من جانب وإيران وحلفائها من جانب آخر. علاوةً على وضعها في مواجهة مع دول أخرى في الإقليم.
والأخير، أنّ صوماليلاند تعول في نيل الاعتراف على الدول الغربية في المقام الأول، ثم الاتحاد الأفريقي في المقام الثاني.
استنادا لكل ذلك، يكون زعم إقامة قاعدة إسرائيلية في صوماليلاند مفتقدا لأي معلومة صلبة أو منطق سليم، ولا توجد مصلحة لصوماليلاند للقبول بمثل هذا العرض إن وجد أصلا، فضلًا عن أنّ الجمهورية المستقلة من طرف واحد تتبنى موقفًا داعمًا للحق الفلسطيني، ولم يُعرف عنها يومًا ما يخالف هذا.