تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 15 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

التدخل الإماراتي واللامبالاة الغربية يشكلان مزيجا قاتلا في السودان

24 أبريل, 2024
الصورة
Sudan, Sudan war, displacement
أشخاص يجلسون على قطع أثاثٍ وأشياء أخرى فوق شاحنة تتحرك على طول الطريق من الخرطوم إلى ود مدني في محلية كاملين، على بعد حوالي 80 كيلومترًا جنوب شرق الخرطوم، في 22 يونيو 2023. (تصوير -AFP عبر Getty Images)
Share

إن ديناميكية الصراع الاستعماري الجديد تعصف بالسودان، وتقوض تطلعات السودانيين إلى السلام والعدالة والسيادة

 

مقدمة

للصراع في السودان جذور تاريخية عميقة، لكن تجلياته المعاصرة غالبا ما تقف خلفها قوى استعمارية جديدة من خارج المنطقة، تسعى إلى استغلال موارد البلاد، وتشكيل مشهدها السياسي. ومن بين هذه الجهات الفاعلة دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أدت مشاركتها في تسليح قوات الدعم السريع إلى تفاقم التوترات، وإطالة أمد معاناة الشعب السوداني. ويشكل موقف اللامبالاة الذي تتبناه الحكومات الغربية تجاه الصراع في السودان عاملا رئيسا في تفاقمه، لأنها لا تكبح جماح حلفائها في الخليج، ولا تمارس نفوذها لتحقيق الحوار.

إن ميل بعض القوى الغربية للمساواة بين ميليشيا قوات الدعم السريع والجيش السوداني - الأطراف المتحاربة في هذا الصراع - خلق سردا إشكاليا، يقوض الجهود المبذولة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، ومحاسبة الجناة. يستكشف هذا المقال الديناميكيات الاستعمارية الجديدة التي تلعب دوراً في الصراع السوداني، مع التركيز على الدور المدمر لدولة الإمارات العربية المتحدة. ويجادل بأن السلام والاستقرار الحقيقيين يرتبطان ارتباطا وثيقا بالحصول على سيادة وطنية حقيقية في السودان.

الاستعمار الجديد في السودان

بادئ ذي بدء؛ هناك فرق بين استقلال العَلَم والاستقلال الحقيقي، فاستقلال العَلَم يحدث عندما تهرب قوة امبراطورية، أو تُجبر على الخروج، أو تغادر طوعا، مما يسمح اسميا للناس في الأراضي التي كانت تحت السيطرة الاستعمارية بالبدء في التمتع بالدولة القومية ذات السيادة. يحصلون على العلم، ويعلنون الاستقلال. المهم أن المفكرين أدركوا أن استقلال العلم لا يعني إنهاء الاستعمار أو تحقيق هدفه، بل بداية نوع جديد من النضال.

من هؤلاء الرئيس الغاني الأول كوامي نكروما الذي صاغ مصطلح "الاستعمار الجديد"، لوصف الطرق التي تحتفظ بها القوى الإمبريالية بأدوات النفوذ التي تسمح لها باستخراج الموارد، ودعم القادة الموالين لها، وتقييد سيادة الشعوب المستقلة حديثا على نطاق واسع. وأعرب عن اعتقاده بأنه لا يمكن التغلب على هذه المشكلة سوى بتطوير القدرة على مقاومة هذا الإكراه الاستعماري الجديد، بأشكاله الاقتصادية والسياسية. وقال أمام الجمعية التشريعية في غانا، في عام 1956: "إن أفضل طريقة لمعرفة كيف تصبح دولة مستقلة ذات سيادة هي أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة".

في حالة السودان؛ فإن إرث الحكم الاستعماري جعل البلاد عرضة للتلاعب والتدخل الخارجي، كحال الدول الإفريقية الأخرى في مرحلة ما بعد الاستعمار. بعد استقلال السودان عن الحكم الاستعماري البريطاني والمصري، عام 1956، كافحت الأمة لتأكيد سيادتها وسط الصراعات الداخلية والضغوط الخارجية. لقد ترك الإرث الاستعماري ندوبا عميقة في النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للسودان - وهو إرث واضح حتى يومنا هذا - وقامت الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية باستغلاله.

دور دولة الإمارات العربية المتحدة

بدأت التقارير الأولية حول تورط الإمارات العربية المتحدة في السودان تظهر في وسائل الإعلام الغربية خلال الصيف الماضي، وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، في أغسطس/آب، أن الإمارات العربية المتحدة تقوم بتهريب الأسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر أوغندا، وتساءل الأكاديمي السوداني، خالد مصطفى مدني، في منشور على حسابه في موقع إكس (تويتر سابقا): "السؤال هو هل سيؤثر هذا التوثيق الرسمي لما هو معروف بالفعل على السياسة؟". تلا ذلك، تقرير آخر لصحيفة نيويورك تايمز. في سبتمبر/أيلول الماضي، ذكر بأن الإمارات كانت تستخدم مستشفى في تشاد لتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، وأشار إلى أنه "بالنسبة للمنتقدين السودانيين؛ يمثل التدخل الإماراتي ازدواجية شنيعة؛ دولة تتحدث عن السلام بينما تؤجج الحرب، وتدعي أنها تساعد اللاجئين السودانيين بينما تدعم المقاتلين الذين أجبروهم على الفرار في المقام الأول".

بحلول ذلك الوقت كان السر قد خرج إلى العلن، وأصبحت شكوك الكثير من الناس حول تورط الإمارات العربية المتحدة المباشر واضحة، وخرج ياسر العطا - القيادي البارز في الجيش - عن صمته، واصفا الإمارات بـ"دولة المافيا"، متهما إياها بإرسال طائرات "لدعم الجنجويد". وكانت الحكومة السودانية؛ التي أعيد تشكيلها في بورتسودان؛ قد طردت 15 دبلوماسيا إماراتيا. ودعمت الأمم المتحدة هذا الادعاء بتقريرها الخاص، وهو ما نفته الإمارات. وقالت مراسلة الجزيرة في السودان - هبة مرجان - لمجلة كولومبيا جورناليزم ريفيو: "أعرف حقيقة - على سبيل المثال - أن قوات الدعم السريع مدعومة من الإمارات العربية المتحدة، لكنك لا تسمع ذلك كثيرا". في حين دعت إلين جونسون سيرليف، رئيسة ليبيريا السابقة، الإمارات إلى "نبذ وقطع أية علاقات مع القوات الإجرامية التابعة لقوات الدعم السريع".

اتُهمت قوات الدعم السريع؛ التي أنشأتها الحكومة السودانية في البداية كقوة شبه عسكرية؛ بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفظائع ضد المدنيين، في مناطق النزاع مثل دارفور. لهذا السبب أثار الدعم الإماراتي قلقا واسع النطاق، فتوفير الإمارات العربية المتحدة للأسلحة والدعم المالي لقوات الدعم السريع، لا يؤدي فقط إلى استمرار أنشطتها القمعية، بل يقوض أيضا الجهود المبذولة لتحقيق السلام والمصالحة في السودان.

إن التدخل الإماراتي في السودان متعدد الأوجه، تدفعه مصالح مختلفة: من المنافسة الجيوسياسية مع منافسيها والرغبة في الهيبة والنفوذ الإقليمي، إلى مساعي ملموسة أكثر مثل الوصول والسيطرة على الموارد المعدنية والزراعية في السودان. توفر الموارد الطبيعية في السودان؛ بما في ذلك النفط والذهب والأراضي الصالحة للزراعة؛ فرصا مربحة للاستثمار والاستغلال، ويعتبر الذهب عاملا محفزا على وجه خاص. 

خلص تقرير لرويترز إلى أن الإمارات كانت "أكبر وجهة" للذهب الإفريقي. وتتصدر السودان - ثالث أكبر منتج لهذا المعدن النادر في إفريقيا - قائمة المصدرين إلى جانب مالي وليبيا. ويمتلك محمد حمدان دقلو (المعروف شعبيا باسم حميدتي)؛ القائد الماكر لما يعتبر "أكبر جيش خاص في أفريقيا"؛ عدة مناجم تولى السيطرة عليها بعد بسط نفوذه على أجزاء من دارفور. وخلص تقرير لمحققي الأمم المتحدة إلى أن عائدات مبيعات الذهب ساهمت في تأجيج الحرب.

أبو ظبي، كما قال أحد الأكاديميين الإماراتيين، "لا ترى الآخرين كأقران في السلطة، بل ترى نفسها تقود المجموعة". ونتيجة لذلك، ترى الإمارات العربية المتحدة السودان مسرحا استراتيجيا في المنطقة، وتسعى إلى تعزيز نفوذها فيه بوسائل مختلفة، بما في ذلك الدعم العسكري لقوات الدعم السريع. تعمل مشاركة الإمارات العربية المتحدة في تسليح قوات الدعم السريع على الحفاظ على علاقتها الاستغلالية مع السودان، مع تعزيز نفوذها في البلاد، عبر إحدى الجهات الفاعلة الرئيسة. حذرت ميشيل جافين، مبعوثة دبلوماسية أمريكية سابقة إلى إفريقيا، من أنه "في سعيها لتحقيق النفوذ والأمن، قد ينتهي الأمر بالإمارات العربية المتحدة إلى دفع المنطقة بأكملها إلى الفوضى"، كما حذرت جافين أيضا في مقالها من اللامبالاة الغربية تجاه هذه الديناميكيات الناشئة التي تزيد من تفاقم الديناميكيات الاستعمارية الجديدة.

بدلا من تعزيز التنمية المستدامة والرخاء للشعب السوداني؛ تؤدي أنشطة الإمارات العربية المتحدة غالبا إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، وتساهم في تهميش المجتمعات المحلية. يفضي استغلال موارد السودان، من قبل قوى خارجية مثل الإمارات العربية المتحدة، إلى إدامة دائرة الفقر والصراع وعدم الاستقرار. في حين أن ثروة السودان الطبيعية لديها القدرة على الارتقاء بالشعب، ودفع التنمية الاقتصادية؛ فإن الواقع غالبا ما يكون بعيدا عن هذا المثل الأعلى. وبدلا من ذلك، فإن استخراج الموارد يفيد قلة مختارة، بما في ذلك الشركات والنخب الأجنبية، في حين تتخلف غالبية الشعب السوداني عن الركب، وتعاني من الفقر. قامت قوات الدعم السريع، الوكيل الإماراتي، ببناء "واجهة من شبكات الشركات والبنوك" التي وسعت سيطرتها على القطاعات الرئيسة في السودان، بما في ذلك التعدين والاتصالات والزراعة، خلال الفترة الانتقالية. ويعد حميدتي شخصية رئيسة في الحرب الدائرة في السودان، وفي هذا "المجمع الصناعي شبه العسكري" الذي بناه، وأدى توطيده لسلطته إلى زيادة ترسيخ دائرة الفقر وعدم الاستقرار، حيث يتم تبديد الموارد التي يمكن استخدامها لتنمية البلاد.

اللامبالاة الغربية

"للحظة وجيزة، كانت أنظار العالم متجهة إلى السودان عندما اجتاحت الحرب الأهلية البلاد، في أبريل الماضي، في أعقاب انهيار اتفاق تقاسم السلطة الهش بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. ومنذ ذلك الحين، اختفى الصراع الوحشي من الأجندة الدولية بنفس السرعة التي دمر بها البلاد"، هذا ما كتبه فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في مقال نُشر على موقع الجزيرة، بالشراكة مع مارتن غريفيث رئيس وكالة الأمم المتحدة الإنسانية، وسيندي ماكين مديرة برنامج الأغذية العالمي، وكاثرين راسل مديرة اليونيسف.

انخراط كل هؤلاء في إيصال هذه الرسالة، يوضح مدى إلحاحها والتجاهل الذي تعاني منه أيضا، ووصفوا السودان بـ”الأزمة المنسية”، وحذروا من أن "8.5 مليون شخص أجبروا على ترك منازلهم، وفرَّ ما يقرب من مليونين عبر الحدود، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر هربا من إراقة الدماء. وأكثر من نصف أولئك الذين يبحثون عن ملاذ آمن هم من الأطفال". في أحد المخيمات في دارفور، ذكرت صحيفة الغارديان أن طفلا يموت كل ساعتين، وعلى الرغم من خطورة الوضع، فإن الغرب كان غير مبال إلى حد كبير. إن محاولة ألمانيا وفرنسا تسليط الضوء على هذه القضية، هي بمثابة تعقيب سريع مرحب به، ولكنها تأتي في وقت متأخر جدا من اللعبة.

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات وأجهزة في الإمارات، مرتبطة بقوات الدعم السريع السودانية. ومع ذلك؛ فإن هذه الإجراءات غير كافية، لأنها لا تستهدف زعيم قوات الدعم السريع حميدتي أو مؤيديه في الإمارات العربية المتحدة. تشير هذه العقوبات المستهدفة عن غير قصد إلى أن ميليشيا قوات الدعم السريع التي ارتكبت الإبادة الجماعية، لا تتحمل المسؤولية إلا جزئيا، ولا تعالج مصدر المشكلة.

البحث عن السيادة الحقيقية

يتطلب تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في السودان معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الاستغلال الاستعماري الجديد، والتدخل الخارجي. لقد تطلع الشعب السوداني، منذ فترة طويلة، إلى سيادة وطنية حقيقية، ودولة ديمقراطية متحررة من تأثير القوى الخارجية التي تسعى إلى التلاعب بمصيره، لتحقيق مكاسب خاصة بها. إن السيادة الحقيقية تستلزم الحق في تقرير المصير، والسيطرة على الموارد الوطنية، والقدرة على رسم الطريق نحو السلام والازدهار بشروطنا الخاصة.

كما يُخبرنا النقش الموجود أسفل تمثال نكروما خارج البرلمان الغاني: "نحن نفضل الحكم الذاتي المحفوف بالمخاطر على العبودية المفعمة بالسكينة"؛ فإن تحقيق السيادة الحقيقية في السودان ليس بالمهمة السهلة، حيث تتطلب مواجهة المصالح التي يتم التخندق حولها، وتحدي الوضع الراهن. لقد أظهر الشعب السوداني صمودا وتصميما في سعيه من أجل الحرية والعدالة، لكنه يواجه عقبات هائلة، بما في ذلك التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية.

خاتمة

لا يمكن فصل الصراع في السودان عن سياقه التاريخي المتمثل في الاستعمار والاستغلال الاستعماري الجديد، والدور المدمر الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في تسليح قوات الدعم السريع هو رمز للديناميكيات الأوسع للتدخل الخارجي، والاستغلال الذي لا تزال الأمة تعاني منه. ولا يمكن تحقيق السلام والاستقرار الحقيقيين، إلا من خلال تحقيق السيادة الوطنية الحقيقية، والتحرر من القوى الخارجية التي تسعى إلى استغلال موارد السودان، والتدخل في مشهده السياسي. وإذا ظل السودان بيدقا في ملعب الطموحات الجيوسياسية للقوى الخارجية؛ فسوف يستمر في تمزقه، بسبب الصراع وعدم الاستقرار. يمكن للسودان، فقط من خلال استعادة السيطرة على مصيره، وتأكيد سيادته، أن يأمل في التحرر من دائرة الاستغلال، وبناء مستقبل ينعم بالسلام والازدهار لجميع مواطنيه.