تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 6 أكتوبر 2024

سياسة

إبادة الثروة الحيوانية لإطعام الجياع في إفريقيا

24 سبتمبر, 2024
الصورة
Drought
ماشية في مزرعة في ماتوبو، ماتابيليلاند، في 12 مايو 2024. قال العلماء إن الجفاف في جميع أنحاء جنوب إفريقيا كان مدفوعًا في الغالب بنمط الطقس النينيو، وليس تغير المناخ. (تصوير ZINYANGE AUNTONY/AFP عبر Getty Images)
Share

يبدو أن الحيوانات أضحت الحائط القصير أمام الحكومات الإفريقية بحثا عن حلول لأزماتها المتفاقمة، فبعد ناميبيا جاء الدور على زيمبابوي، التي أعلنت وزيرتها للبيئة، سيثيمبيسو نيوني، في البرلمان، يوم الأربعاء الماضي، عن إصدار الحكومة تعليماتها إلى هيئة المنتزهات والحياة البرية، قصد إعدام 200 فيل، لإطعام سكان البلد الذين يتربص بهم خطر المجاعة. 

دافعت الوزيرة عن القرار بكون البلاد "لديها أفيال أكثر مما تحتاج"، فزيمبابوي، وفق أحدث الإحصائيات، تعد موطنا لحوالي 100 ألف فيل، ما يجعلها صاحب ثاني أكبر قطيع من الفيلة في العالم بعد جارتها الغربية بوتسوانا. وأضافت في تصريح صحفي "نحن نجري مناقشة... للقيام بما فعلته ناميبيا، حتى نتمكن من إعدام الأفيال وتعبئة النساء لتجفيف اللحوم وتعبئتها والتأكد من وصولها إلى بعض المجتمعات التي تحتاج إلى البروتين".

استندت الحكومة في تبرير هذا النهج، ومواجهة انتقادات المنظمات التي تعنى بالحيوانات المهددة بالانقراض، إلى تقارير هيئة الأمم المتحدة التي تفيد بأن نحو 42 ٪ من سكان البلد في فقر. وزادت دفاعا عن هذا الموقف، واستنادا إلى تقديراتها الخاصة، بأن نحو 6 ملايين شخص سيحتاجون إلى مساعدات غذائية خلال موسم الجفاف، ما بين شهري نوفمبر/ تشرين الثاني ومارس/ آذار المقبل، عندما يصبح الغذاء نادرا.

كانت ناميبيا في جنوب غرب افريقيا سباقة إلى قرار إعدام الحيوانات البرية، مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، بقرارها ذبح 723 حيوانا بريا من أجناس مختلفة (الفيلة والجواميس والحمير الوحشية والنو الأزرق...) لتوفير الطعام للجياع في البلد، وتخفيف الضغط على المراعي التي يقوضها تعاقب مواسم الجفاف وشح التساقطات. 

استطاعت الحكومة في ويندهوك، وفقا لتصريحات وزيرة البيئة، روميو مويوندا، لوكالة فرانس بريس، بعد تنفيذ الشطر الأول من العملية الذي أودى بحياة 160 حيوانا بريا، بما في ذلك 83 فيلا، توفير أزيد من 56800 كيلوغرام من اللحم، أملا في إنقاذ حوالي 1,4 مليون ناميبي؛ أي أكثر من نصف السكان، من شبح انعدام الأمن الغذائي، وفق إفادة برنامج الأغذية العالمي، بعد استنفادها، شهر غشت/ آب الماضي، أكثر من 80٪ من احتياطاتها الغذائية.

تتزايد المخاوف في أوساط الباحثين الأفارقة والمدافعين عن البيئة من تبني حكومات أخرى بالقارة لهذا النهج، ما يعني مزيدا من المجازر الجماعية بحق الحيوانات البرية، لتحقيق مآرب وغايات خاصة، تحت غطاء الحاجات الإنسانية. لا سميا، وأن نطاق المجاعة في اتساع بدول الجنوب الإفريقي، بسبب توالي موجات الجفاف الناتجة عن ظاهرة النينو التي دمرت المحاصيل الزراعية، ما انعكس على الأوضاع المعيشية لأكثر من 68 مليون مواطن إفريقي.

تحدث إلياس ماغوسي؛ الأمين العام للمجموعة الإنمائية لمنطقة جنوب إفريقيا، على هامش الدورة 44 لاجتماع رؤساء المجموعة الإنمائية (SADC)، بحضور ممثلي أعضائها 16، منتصف غشت/ آب الماضي، في هراري عاصمة زيمبابوي، عن حاجة 17 ٪ من سكان المنطقة إلى مساعدات غذائية. فيما أعلنت ثلاث دول في المجموعة، وهي: زيمبابوي وزامبيا وملاوي، عن حالة الطوارئ بسبب المجاعة، ودعت كل من ليسوتو وناميبيا إلى مساعدات إنسانية عاجلة لمواجهة تداعيات الجفاف.

يمثل تفاقم الأوضاع الإنسانية في هذه الدول بسبب تغير المناخ، تهديدا مباشرا لواحدة من أكبر مجموعات الأفيال في العالم، حيث تشير التقديرات إلى وجود أزيد من 200 ألف فيل في المنطقة (زيمبابوي وزامبيا وبوتسوانا وأنغولا وناميبيا)، باتت حياتها في خطر، بعدما صارت التضحية بها الخيار الأسهل لدى بعض الحكومات في المنطقة، لتخفيف من وطأة المجاعة التي تشهدها.

أيا تكن دفوعات هؤلاء لتبرير إبادة الثروة الحيوانية الإفريقية، من قبيل أن القتل من باب التخفيف على الموارد الطبيعية وحماية الموائل، وقبل ذلك مساهمة في إنقاذ الأشخاص من خطر المجاعة الحال بسبب الجفاف. يبقى السؤال عن مدى فعالية الإجراء بلا جواب قاطع؟ بمعنى أخر، هل هي خطوة ناجعة ومستدامة أم فقط تمديد للأزمة وترقيع مؤقت لها، مع توالي التقارير التي تؤكد بأن المؤشرات تفيد استمرار وتفاقم الظواهر المناخية المتطرفة في المنطقة؟

ناهيك عن تنامي مخاوف لدى مراقبين من ارتباط حملات الإعدام الجماعي لهذه الحيوانات، بما فيها تلك المهددة بالانقراض مثل الفيلة، بحسابات وأهداف انتخابية لدى بعض الحكومات، بالحديث مثلا عن عزم حكومة ناميبية توزيع اللحوم المتحصل عليها من وراء هذه العملية في المناطق التي يواجه فيها الحزب الحاكم معارضة قويا، لضمان كسب الأصوات في الانتخابات العامة المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

هناك توجس كذلك من سعي المدافعين عن القرار إلى تحقيق مكاسب خاصة لهم، من وراء هذه العملية، من خلال بيع تراخيص الصيد الممنوحة للصيادين. وحذر آخرون من إمكانية تشجيع هذا القرار انتعاش تجارة العاج في افريقيا، التي يخوض العالم ضدها حربا لأزيد من ربع قرن، منذ عام 1989، بعد تبني اتفاقية "سايتس" لمنع الاتجار في العاج.

دون الاستغراق في البحث عن دواعي اتخاذ القرار، وعلى فرض صحة مبررات الحكومات بمنطقة الجنوب الإفريقي، للإقدام على هذه السياسة، فإنها تظل سياسة عرجاء يشوبها قصر نظر واستعجال واضح. فالمجاعة نتيجة التغيرات المناخية حقيقة متعينة على أرض الواقع، يتطلب التصدي لها البحث عن حلول مستدامة وصديقة للبيئة، تتيح فرصا للتعايش مع هذه الأوضاع الطارئة، وتسمح بالحفاظ على ثروات القارة. 

وليس الإجهاز على ثروة من ثروات إفريقيا بحثا عن الغذاء، خصوصا وأن هذه الثروة الحيوانية الغنية والفريدة، على اعتبار أن بعض هذه الحيوانات حكر على افريقيا، عامل رئيسي لإنعاش النشاط السياحي بدول المنطقة. بذلك يصبح هدرها مرادفا لإسقاط الجنوب الإفريقي من قائمة الوجهات السياحية العالمية، بفضل وحيش البراري الإفريقية الذي يجلب السياح من مختلف بقاع العالم.

كعادتهم سقف المسؤولين الأفارقة محدود بزمن البقاء في المنصب، ما يدفعهم إلى البحث عن أسهل الحلول وأيسرها لضمان البقاء في السلطة أولا، ومواجهة الأزمات والمشاكل التي تعكر أيامهم فيها ثانيا. لهذا لا تجد أيا أثر لفكرة الاستدامة والاستمرارية في السياسات الحكومية عند التعاطي مع الموارد والثروات؛ طبيعية كانت أو حيوانية أو حتى بشرية؟