تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتداعياتها

18 أبريل, 2024
الصورة
 العميد يحيى سريع
المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي اليمنية العميد يحيى سريع وهو يدلي ببيان عسكري في 19 مارس/آذار 2024، في صنعاء، اليمن) .تصوير حركة الحوثي عبر (Getty Image
Share

تحمل الهجمات على سفن الشحن التي تشنها جماعة الحوثيين في اليمن في الطرق البحرية للتجارة العالمية، تأثيرات جمة، لا سيما بين آسيا وأوروبا.وقد تسببت هذه الهجمات، التي تستهدف السفن على أساس بلد المنشأ أو الملكية، في حدوث اضطرابات وتكاليف إضافية للشاحنين المرتبطين بإسرائيل. وقد استغلت هذه الحملة الانتقائية الانقسامات الدولية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأخير الذي بدأ في أكتوبر الماضي.، إذ كانت هنالك هجمات على 30 سفينة حتى أواخر مارس الماضي.

يستخدم الحوثيون أسلحة مصنعة محليًا، إلا أنها متطورة تقنيًا. وتقوم الهجمات على إنذار السفن التجارية، التي تتبع للدول الداعمة لاسرائيل في حربها على غزة، بعدم المرور بباب المندب، والهجوم عليها في حالة عدم الانصياع. ويستفيد الحوثيون من أنظمة الرسائل الآلية للسفن وتفاصيل التسجيل للتمييز بين السفن المستهدفة والسفن الصديقة.

مباغتة مربكة

أجبرت هذه الهجمات السفن التجارية، بين آسيا وأوروبا، على تغيير مسارها، واللجوء إلى مسارات أخرى طويلة وأكثر تكلفةً، حيث يواجه الشاحنون، والشركات التي تتخذ من أوروبا ومصر مقرًا لها، والذين يدعمون إسرائيل، زيادة في التكاليف ومدة أطول للرحلات، في حين حصل المناهضون للهجمات الاسرائيلية، مثل الصين وروسيا، علي إعفاءات عبور ومزايا أخرى.

يتزايد عدد الضحايا في هجمات الحوثيين، حيث قُتل ثلاثة بحارة على متن سفينة ترو كونفيدنس، وغرق اثنان من مشاة البحرية الأمريكية، واحتجاز سفينة تابعة لإسرائيل في اليمن، وغرق السفينة روبمار التي ترفع علم بليز في البحر الأحمر.

تشبه هذه الهجمات ما حدث في 1973 من حظر للنفط العربي بمثابة عقوبات اقتصادية على مؤيدي اسرائيل، خلاف أنه لم يكن ثمة استثناء لدول في 1973.

تفرض هذه الاستراتيجية مواجهات جديدة مع المعايير العالمية، حيث قيد الحوثيون بذلك حرية الملاحة العالمية، كما عطلوا حركة نقل البضائع بين الدول المختلفة.

ردود فعل قوية

لم يصمت المجتمع الدولي وشرع في تنظيم هجمات جوية مضادة، قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الناتو، بريطانيا بالتحديد، والتي استهدفت مواقع الحوثيين في اليمن، ما نجم عنه مقتل 34 يمنيًّا، الذي أدى بدوره إلى توليد إستياء آخر لدى الحوثيين تجاه الغرب. قادت هذه الهجمات المضادة الحوثيين إلى تكثيف هجماتهم على السفن التجارية في مضيق باب المندب في البحر الأحمر. وبذا، فشلت الهجمات المضادة في ردع الحوثيين، الأمر الذي دفع الغرب إلى التفكير في عقد مفاوضات مباشرة مع الحوثيين، وأخرى غير مباشرة مع إيران_ أكبر داعمي الحوثي.

إصرار كبير

قد لا يلتزم الحوثيون بما يمكن أن تتفق عليه إيران مع الغرب، إذ لم تتوقف هجمات المليشيات العراقية والسورية المدعومة من إيران بعدما نفذت أمريكا هجمات في سوريا والعراق انتقامًا لمقتل ثلاثة جنود أمريكيين بالأردن في 28 يناير الماضي. وقد أثبت الحوثيون، منذ بداية أحداث اليمن في صنعاء في 2014، أنهم لا ينصاعون لأي محاولات ردع، بالنظر إلى التكلفة البسيطة لصناعة أسلحتهم، مقارنة مع التكلفة الباهظة للأسلحة اللازمة للردع التي يستخدمها الغرب.

اكتسب الحوثيون شعبية كبيرة داخل اليمن بفضل هذه الهجمات، وقاموا على إثر ذلك بتجنيد العديد للانضمام إليهم. أعلن الحوثيون بعدها، في 14 مارس الماضي، أنهم سيقومون بتوسيع رقعة هجماتهم لتشمل بحر العرب والمحيط الهندي.

تكلفة باهظة وأرباح

تستفيد بعض شركات الشحن من تلك الحوادث، حيث زادت تكلفة الشحن، معللةً ذلك بطول الرحلات وسعة السفن، بجانب تكلفة تأمين البضائع وموظفي الشحن عند المرور بقناة السويس. ويُلاحظ أن مسار السفن بين آسيا وأوروبا هو أكثر مسار تسلكه السفن منذ بدء هجمات الحوثي.

تظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن قناة السويس هي الأكثر تأثرًا بهذه الأحداث. وتظهر هذه المخططات أيضًا أن سفن ميرسك الدنماركية، وZIM  الإسرائيلية، وMitsui OSK  اليابانية، وWallenius Wilhemsen  السويدية النرويجية وغيرها لجأت إلى مسار رأس الرجاء الصالح، بينما قالت شركة CMA CGM الفرنسية في مارس أنها ستستخدم مسارات مختلفة، وفقًا لظروف كل رحلة. بالإضافة إلى ذلك، يسلك الشحن من قطر طريق رأس الرجاء الصالح، لمخاوف تتعلق بالسلامة وليس دعم اسرائيل، كما لا تزال بعض سفن الشحن الصينية تستخدم البحر الأحمر، إلى جانب شركة إيفرغرين التايوانية من خلال شركات أخرى. من الجدير بالذكر أيضًا أنه ثمة شركات شحن صينية صغيرة تقدم خدمات جديدة في البحر الأحمر بأسعار أعلى، علاوة على أنه قد يزداد شحن النفط الخام السعودي، بسبب طريقه الآمن إلى أوروبا وما بعدها.يكمن السؤال في اللحظة الراهنة فيما إذا كانت هذه التكلفة الباهظة للنقل البحري كافية لدفع الدول إلى التعاون والعمل على تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط.وبلا شك، يمكن أن يؤدي وقف دائم للحرب الإسرائيلية المسعورة على غزة إلى تقليل هجمات الحوثيين، الذي قد يكون هدفًا جيدًا للتفاوض، إلى جانب أهداف أخرى. لكن قد لا يكون وقف الاعتداءات على غزّة كافيًا، حيث يمكن للاستياء المتزايد في اليمن بسبب الهجمات المضادة الأمريكية البريطانية على مواقع الحوثيين في اليمن أن يحث الحويثيين على الاستمرار في هجماتهم في البحر الأحمر.

ثمة سبب آخر بوسعه عرقلة آي حلول لهذه الاضطراب في الحركة الملاحية، وهو رغبة الحوثيين في الحفاظ على اهتمام وسائل الإعلام بالمنطقة، ما يساعد في اعتقادهم في اكتساب المنطقة بعض السلطة والقوة.

إن من شأن الضغط الاقتصادي على أنصار الحوثيين الإيرانيين والمحادثات الدبلوماسية أن تقود إلى تقليل هذه الهجمات، وقد تتدخل الصين في ذلك، نظرًا للأثر السلبي الكبير المحتمل الذي يمكن أن تُحدثه الهجمات على اقتصادها وسوقها العالمي.

في الختام، يمكن ملاحظة الطبيعة غير التقليدية لهجمات الحوثيين باعتبارها شكلًا من أشكال العقوبات الاقتصادية المستهدفة القائمة على المظالم السياسية. وبوسع هذه الهجمات أن تشكل سابقة خطيرة، تقوض المعايير الراسخة حول الأدوار الرقابية للقوى الكبرى وحرية الملاحة البحرية. وتشكل المزايا غير المتماثلة التي تمتلكها جماعات مثل الحوثيين في السيطرة على نقاط الاختناق البحرية الحيوية والوصول إلى الأسلحة المتطورة تحديًا للأمن العالمي.