الخميس 21 نوفمبر 2024
تصعب الإجابة على السؤال في هذه المساحة المحدودة مهما أفضت في الرد. ما أزال تحت وقع ودهشة ما لقيته في الصومال. أجبتُ الدعوة دون تردد وفي ذهني الكثير من التوقعات، لكن الأمر كان مختلفاً من يومي الأول هناك، بدءاً بالرفقة الشابة المثقفة ومروراً بالبرنامج العربي في معرض الكتاب في مقديشو، وليس انتهاء بالشارع الصومالي وكرمه بمجرد أن يعرف الواحد فيها أني زائر للبلد. ذكرتُ مراراً أني وعائلتي ندين للصومال بفضل قديم، وهاهو يتجدد؛ فالصومالي أينما مررت في العاصمة كان يبذل جهده كي لا أشعر بالغربة.
لفت انتباهي كيف يتحدث الناس في المقاهي بحرية كبيرة، لفتني عدد الجامعات في العاصمة وحدها، وعدد المسؤولين من فئة الشباب. لمستُ تعافي الصومال وأتمنى من كل قلبي أن يعبر ما مضى إلى المكانة التي يستحقها
تظل الإجابة على هذا السؤال رهن القارىء غير الإرتري على الدوام، من جهتي، تصلني مثل هذه الأصداء وأفرح بها لكني لا أملك حق تثبيتها والانطلاق منها كمسلّمة. أستمر في التركيز على مشروعي الروائي على أن تأتي النتائج كنتيجة لذلك وليس ابتداء.
الأمران معاً. لا أرى تعارضاً في كون الكتابة مغرضة، وأن تكون غرضا في الآن نفسه. نستطيع قول الكثير عن الكتابة ومآلاتها من الخارج، لكننا نكتشف أموراً أخرى ما إن نبدأ الكتابة؛ نعرف أنفسنا، ولماذا نكتب وكيف، إلى آخر تلك الأسئلة التي لا تكفّ تهطل على الكاتب، ولهذا فقد اتضح لي كيف أنّ الكتابة غاية في حد ذاتها دون أن يعيق ذلك إيصالنا إلى غايات أخرى.
لم تكن هذه محاولتي الأولى في كتابة الرواية التاريخية، ولذا مررت بنفس الخطوات تقريبا في التجهيز للنص، لكن المختلف هنا ربما هو المساس بشخصية ملتبسة وتحظى بتقدير كبير في الأوساط العربية والغربية على حد سواء. عموما أنا أتحرك بين الوقائع التاريخية كروائي وهذا يمنحني الكثير من المرونة خلاف المؤرخ، فأنا مهجوس بما لم يحدث انطلاقاً مما جرى، دون أن أعبث بالثابت من التاريخ. هي لعبة المرور بين الحفر والفخاخ دون التعثر، لكن في الآن نفسه، القدرة على صوغ حكاية جديدة من قلب الحكاية القديمة.
ورواية رامبو الحبشي تتسق ومشروعي الروائي حيث الإضاءة على هذه المنطقة من العالم، على إنسانها وحاضرها وماضيها
تفتقد منطقة القرن الإفريقي لصنعة النشر، فالمبدعون الذين يعيشون داخله يجدون صعوبة في النشر والوصول إلى القارىء، وأفضل التجارب ذهبت باتجاه التعامل مع المطابع وليس دور النشر وهذا ليس حلا. بمجرد أن تزدهر حركة النشر سنجد انعكاسا كبيرا على الحركة الإبداعية في كافة الأجناس الأدبية.
نعم أتفق مع هذا بشكل كبير، وفي ذهني أسماء لكتّاب لم يغادروا إرتريا فظلّت كتاباتهم رهن الواقع الخانق هناك. لكن في المقابل يجب ألا ننسى أن الغياب التام عن الوطن كما هي حالة غالبية الأدباء الإرتريين، تظهر آثاره على الكتابة أيضا. هي معضلة بشقين، وثنائية بقدر ما تعطي تأخذ منا.
الترجمة مهمة للغاية وبدونها يراوح الكاتب مكانه، لمستُ ذلك بنفسي فبمجرد أن تُرجم عملي الرابع إلى الإنجليزية حتى بدأ قرّاء يتعاملون معي ككاتب عمل أول. يبعث الأمر على الغيظ لكنه الواقع للأسف. ومع هذا، لست مع فكرة العالمية المستندة على الترجمة، بقدر التأثير وجودة النصوص، فكم من الأعمال تُرجمت دون أن تُحدث أثراً لدى قارئها
هناك مشاريع مؤجلة في هذا الصدد آخرها يخص اللغة الصومالية. أنا حريص على الترجمة بلغات القرن الإفريقي وأتمنى أن يحدث ذلك قريبا.
بحكم نشأتك وعيشك خارج إريتريا، هل يمكن تصنيف كتابتك بأنها "أدب شتات" من الخليج؟ أم أنك ضد مثل هذه التصانيف؟
التصنيف أياً يكن يأتي من الخارج، وهو وسيلة فهم أو إقصاء، والكاتب عادة لا يملك إزاءه شيئاً. أتعامل بمرونة مع هذه الأمور، بحيث أترك للقارىء أن يضع كتابتي في المرتبة التي يريد، هي مساحته الخاصة بعد أن أكون قد فرغت من دوري في الكتابة.
هناك العديد من الكليشيهات التي تنبذ فكرة الرضا عن الإنتاج الإبداعي، لكني في المقابل أجدني راضيا دون أن يمنع ذلك فكرة التجويد والاستمرارية، هو رضا السير في الطريق وليس رضا الامتلاء أو الاكتفاء.
حالياً أقضي فترة استرخاء أتمنى أن تطول، فالكاتب ليس مسؤولا في ظني عن خط إنتاج دوري يلهث في إنجازه. أستمتع بالقراءة ومشاريع ثقافية أخرى.