الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
ينتشر في الآونة الأخيرة اعتقاد لدى بعض مراكز التفكير، يفيد وجود علاقة تعاون بين جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين)، وحركة الشباب في الصومال، تشمل التنسيق في التوجهات حول منطقة جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتجارة وتهريب السلاح، ونقل الخبرات من الحوثيين إلى الشباب.
ينبع هذا الاعتقاد من عدة منطلقات، أولها وجود ادعاء تنسيق بين تنظيم القاعدة العالمي وإيران، وكذلك بين تنظيم القاعدة في اليمن والحوثيين، ورصد حالات تهريب السلاح ونقل الخبراء من الحوثيين إلى الشباب وداعش في الصومال، والاشتراك في بعض الأهداف بين إيران ومحورها، وتنظيم القاعدة وحلفائه، وكذا العدو المشترك الذي يهدد كلاهما.
تستبعد النظرة غير المتعمقة للجماعات الدينية المسلحة إقدامها على التعاون مع أعدائها، خاصة الذين يفترقون معها أيديولوجيًا، وفي حالة تنظيم القاعدة وحلفائه وإيران وحلفائها توجد خصومة مذهبية بين الطرفين، تتأتى من الصراع السنّي الشيعي، المحمل بتاريخ من العداء والرفض والطعن في أصول الاعتقاد.
يقدم تنظيم القاعدة العالمي المثال الأبرز، حيث طور علاقات قوية مع جمهورية إيران، التي تمثّل التجلي الأهم لخصومه المذهبيين من الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وذلك بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، حين اضطر للبحث عن ملاذ لقياداته وأسرهم، فوجد في طهران هذا الملاذ. مرة ثانية، تقارب التنظيم مع إيران بعد تعرضه لهزائم واسعة في العراق وسوريا واليمن، وزاد الأمر أكثر بعد مقتل زعيمه الثاني، أيمن الظواهري، في أغسطس/ آب 2022، وبروز اسم القيادي المقيم في إيران، محمد صلاح الدين زيدان، الشهير بسيف العدل، زعيما محتملا للتنظيم.
قاد سيف العدل قطاعا واسعا من تنظيم القاعدة، ونجح في فرض هيمنته على فرع اليمن، الذي يعتبر أهم فروع التنظيم، وأرسل ابنه خالد الشهير بـ"ابن المدني" إلى اليمن، وظل فاعلًا حتى موته الغامض في حريق بمقر إقامته. تقدم رؤية سيف العدل القيادية نموذجًا على البراغماتية التي مارسها تنظيم القاعدة العالمي في علاقته بإيران، سواء من حيث إقامته في الثانية، أو من خلال سياسة التعاون بينهما.
لئن كان التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة، وبين الحوثيين والقاعدة في اليمن عليه دلائل عديدة، فليس من السهل افتراض وجود نفس العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب في الصومال، لعدة أسباب:
أولا، أنّ الحوثيين وحركة الشباب يتمتعان باستقلالية في التوجهات والرؤى والقرار، فلا تتلقى الشباب تعليمات أو توجيهات من تنظيم القاعدة العالمي، رغم إقرارها بفضل ومكانة التنظيم، وبالمثل لا يلتقى الحوثيون توجيهات مباشرة من إيران، ويتمتعون باستقلالية كبيرة في القرار، رغم وجود تحالف وتعاون وثيق، وتقارب مذهبي نسبي بينهما.
ثانيًا، يعتبر الحوثيون والشباب جماعتين محليتين في المقام الأول، ويتسع نفوذهما إلى الجوار الإقليمي المحدود، لذا فمصالحهما المرتبطة بمحيطهما المحلي والإقليمي مقدمة على المنظور العالمي الذي تتبناه إيران وتنظيم القاعدة.
ثالثًا، ينبغي البحث عن مصالح مشتركة تجمع الطرفين، وتكون نابعة من اهتماماتهما المحلية في المقام الأول، وفي هذا السياق فإنّ علاقة التعاون ستبدأ من التسليح وتبادل الخبرات العسكرية، والتعاون لمواجهة التواجد العسكري البحري الغربي في المنطقة، الذي يؤثر على وصول السلاح من إيران إلى الحوثيين، وأيضًا إلى الشباب.
إضافة إلى هذا، اتهم وزير الداخلية في صوماليلاند، محمد كاهن، في لقاء عبر قناة العربية، حركة الشباب بإقامة تحالف مع الحوثيين لتهديد الأمن في المنطقة، دون الإفصاح عن طبيعة هذا التهديد. كما أنّ قوات أمن ولاية بونتلاند صادرت العديد من شحنات الأسلحة المهربة عبر البحر إلى مدينة بوصاصو، بعد تتبع شبكات تهريب لها علاقة بكل من داعش وحركة الشباب في البلاد، وبعمليات التهريب من اليمن.
البحث عن أدلة ذات اعتبار حول علاقة الطرفين ينبغي أنّ تتعلق بالتعاون في مجال التسليح والخبرات العسكرية، فغالبًا ما يكون هذا من أهم الدوافع للتحولات البراغماتية لدى الجماعات الجهادية المسلحة. يجدر الأخذ في الاعتبار عدة حقائق قبيل التطرق إلى التعاون بين الطرفين في التسليح والتدريب، أولها، الاتصال الجغرافي والبشري والتجاري، الضارب في القدم بين اليمن ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام، عبر مياه خليج عدن والمحيط الهندي. وثانيها، وجود شبكات تهريب بين اليمن والصومال عبر البحر، تعمل في تجارة السلاح وتهريب السلع منذ عقود. وثالثها، ما هو معروف عن اليمن من انتشار واسع للأسلحة التقليدية، التي تتناسب مع تسليح حركة الشباب وداعش، وجماعات التمرد المسلح في المنطقة.
ارتباطًا بكل ذلك، يجوز القول إنّ حركة الشباب ومن بعد الحوثيين استفادوا من شبكات التهريب التقليدية بين اليمن والصومال، وهو ما كشفته وزارة الخزانة الأمريكية في تقريرها الذي تضمن تصنيف كيانات وأفراد تنشط في مدينة بوصاصو التجارية، في ولاية بونتلاند، شرق الصومال، على قوائم دعم الإرهاب.
ذكرت الوزارة أنّ "هذه الشبكات تعمل بشكل أساسي بين اليمن والصومال، ولديها علاقات قوية مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحركة الشباب". وتطرق التقرير إلى العلاقة بين إيران وشبكات التهريب التي تنشط في شرق بونتلاند، بين مناطق رأس هافون "Ras Xaafuun" وقاندلا" Qandala"، والتي أطلقت عليها الوزارة اسم شبكة "حافون – قاندلا".
عمل المهربون وشركات إيرانية مع شبكة "حافون – قاندلا" في تهريب الأسلحة من إيران واليمن إلى داعش في بونتلاند وحركة الشباب، وشارك الطرفان في عمليات صيد الأسماك غير الشرعية، عبر المراكب الصغيرة قبالة السواحل الصومالية، التي كانت بمثابة غطاء لشبكة واسعة من تهريب ونقل الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، وغسيل الأموال.
أثبت تقرير وزارة الخزانة الأمريكية، في عام 2022، وجود تنسيق بين شبكات تهريب السلاح والصيد غير الشرعي في الصومال واليمن، ويشمل التنسيق أفراد محسوبين على تنظيم داعش، أو لهم صلات بالتنظيم وبحركة الشباب، مع رجال أعمال ومهربين يمنيين وإيرانيين لهم علاقات وطيدة بالحوثيين. كما ذكر تقرير آخر صادر عن مركز "SOUFAN" أنّ الحوثيين أرسلوا ثلاثة من خبراء صناعة المتفجرات لمساعدة الشباب على تطوير قنابل ومتفجرات حديثة. كما أشار إلى أنّ الشباب أعادت في المقابل تهريب أسلحة إيرانية، حصلت عليها للحوثيين.
تبقى مسألة تهريب الأسلحة بين الشباب والحوثيين غير واضحة بعد، والمؤكد أنّ الشباب حصلت على أسلحة تقليدية عبر اليمن وإيران، بينما يحيط الغموض بما يمكن للشباب تقديمه للحوثيين، ومن المرجح أنّ الأولى قد توفر للثانية منفذًا لتهريب السلاح عبر مناطق من القارة الأفريقية، وربما المواد الخام اللازمة لصناعة السلاح لدى الحوثيين، وبعض التكنولوجيا التي يمكن الحصول عليها من شبكات التهريب في أفريقيا.
في السياق ذاته، يرى باحثون أنّ الحوثيين يسعون للتنسيق مع حركة الشباب لاستهداف الوجود العسكري الغربي في خليج عدن والبحر الأحمر والمحيط الهندي، وهي المنطقة التي يطل الحوثيون على شرقها، وتتواجد حركة الشباب في غربها. لكن بخلاف الحوثيين لم يصدر عن حركة الشباب ما يفيد بتحويل أولوياتها من الاهتمام المحلي إلى الاشتراك في أهداف لا تخدمها بشكل مباشر، خاصة في ظل ما تواجهه من تحديات كبيرة، تتمثّل في خسارة العديد من الأراضي لصالح القوات الحكومية والإقليمية في جنوب الصومال. كما أنّ الحركة ستضع في حسبانها ردّ الفعل الأمريكي، فهي وإنّ كانت تتعرض لهجمات من القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" من خلال الغارات بطائرات دون طيار، ومن خلال تعاون القوات الأمريكية في تسليح وتدريب قوات صومالية، فهي تدرك أنّ الاصطفاف مع الحوثيين ومحور إيران، في استهداف المصالح الغربية، سينقل ردّ الفعل الغربي إلى مستويات أكبر.
لم يتكشف بعد حجم التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب، وإنّ كان يقتصر على التعاون في التسليح والتهريب أم توسع ليشمل تنسيق العمليات والأهداف لاستهداف المصالح الغربية. كما أنّ انتقال حركة الشباب للعمل بشكلٍ مباشر مع محور إيران، من خلال استهداف الوجود الغربي في المياه الدولية والإقليمية في خليج عدن والمحيط الهندي لا يزال مشكوكًا فيه، حيث لا تملك الحركة قدرات عسكرية متطورة على غرار الحوثيين، من صواريخ باليستية وقدرات بحرية من القوارب المسيرة المفخخة.