تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

فكر

لماذا تعارض وسائل التواصل الاجتماعي المصرية فكرة وجود الفراعنة السود؟

14 مايو, 2024
الصورة
الفن الفراعنة
Share

سيطرت على وسائل التواصل الاجتماعي المصرية حالة من الغضب، بسبب تصريح الممثل الكوميدي الأمريكي من أصل أفريقي كيفن هارت بأن السود كانوا ملوكًا في مصر القديمة. يمكن للمرء أن يشاهد على الإنترنت رجالًا مصريين يجادلون بأن كلمات هارت تعكس "مزاعم مركزية أفريقية خطيرة"، بأن المصريين المعاصرين هم غزاة لمصر السوداء السابقة. ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها اعتبار مقاربات المركزية الأفريقية لمصر القديمة بمثابة إهانة على وسائل التواصل الاجتماعي المصرية. مؤخرًا، تناول الباحث هشام عايدي جدلاً مماثلاً في مقالته "مصر والأفروسنتريين". فما الذي يحدث بالضبط؟

قد يكون الدافع الأول لهذا هو القول بأن وسائل التواصل الاجتماعي المصرية ترد ببساطة على المفكرين الموصوفين بالمستشرقين السود، فالمؤرخون التنقيحيون الأوائل في حركة الأفروسنتريك - مثل الشيخ أنتا ديوب - اعتبروا المصريين المعاصرين سودًا، وجادلوا بأن مصر القديمة كانت كذلك، تمامًا مثلما رأى مالكوم إكس في مصر المعاصرة دولة سوداء. من ناحية أخرى، يردد المستشرقون السود، الأساطير العربية في العصور الوسطى، بأن المصريين المعاصرين هم جميعًا مستوطنون عرب من الخليج، بدلاً من أن يكونوا السكان الأصليين لمصر الذين تزاوجوا مع العديد من المجموعات المختلفة على مرّ القرون. هذا سجال عنيف حول معنى الأصلانية، كما هو مرتبط بمطالب الانتماء إلى الدولة القومية الحديثة. ومع ذلك، لا يفسر رد الفعل العنيف ضد المستشرقين السود تمامًا سبب رد فعل المصريين بقوة ضد وصفهم أو اعتبارهم سودًا.

عوضًا عن ذلك، أحاجج أن المشكلة الحقيقية، مع النزعة المركزية الإفريقية بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي المصرية، هي أن دراسة مصر القديمة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالهوية الوطنية المصرية الحديثة، التي درستها إيف تروت باول في كتابه "ظل مختلف من الاستعمار". وقد كان مجال علم المصريات - وما زال - مجالًا عنصريا بشدة، وبقيت ممارسة علم المصريات استعمارية بشكل كبير، حيث تحتفي تفسيرات "علم المصريات القديمة" البريطانية الشهيرة بالجماليات الاستعمارية، وجهود الحكومة في الحفاظ على الآثار التاريخية غالبًا ما تصور المصريين العاديين كأعداء للتاريخ القديم، وغالبًا ما تمحو الاحتفالات بعلم المصريات المصريين الذين عملوا على اكتشاف الكنوز التي نعرفها اليوم. لكن الطبيعة العنصرية لعلم المصريات، على وجه التحديد، لم يتم تصفيتها من تأثير الاستعمار بشكل صحيح في مصر أيضًا، وهذا يخلق ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي حول المركزية الأفريقية بعدة طرق.

أولاً، استخدم علماء المصريات الاستعمارية علم العرق للقول إن مصر القديمة كانت "آرية"، وبالتالي سيطرت على الدول المجاورة التي يُنظر إليها على أنها "زنجية". أدى ذلك؛ كما يشرح سكوت ترافتون في كتاب "أرض مصر: العرق والهوس الأمريكي لمصريات القرن التاسع عشر"، إلى سنوات من المحو الأكاديمي لفراعنة النوبة والأسرة الخامسة والعشرين في كوش. إليوت كولا أشار بدوره، في كتاب "آثار الصراع" لكيفية استخدام النخب المصرية، في القرن التاسع عشر، هذه الحجج لتبرير هيمنتهم الجديدة على السودان، في عام 1820، على أنها مجرد استمرار للعصور القديمة. يساعد هذا في تفسير سبب استمرار المصريين المعاصرين على وسائل التواصل الاجتماعي في ربط صور البشرة الداكنة من مصر القديمة بالسودان، وكونهم "غير مصريين"، ولماذا يقلل المصريون المعاصرون من أهمية الأهرامات في السودان باستخدام لغة عنصرية.

ثانيًا، قام علماء المصريات الاستعماريون بتعميم استخدام علم العرق كطريقة لتصنيف الهوية المصرية الحديثة. في حين جادل علماء المصريات الاستعماريون البريطانيون، في البداية بأن مصر القديمة كانت "أريو-سامية"، وأن مصر المعاصرة كانت "زنجية"، بدلاً من ذلك جادلت النخبة المصرية، في مطلع القرن العشرين، بأن المصريين المعاصرين هم الورثة والأحفاد المباشرون للفراعنة.  واستخدمت المقالات الأكاديمية، حتى الستينيات، بشكل علني، مصطلحات علم العرق لوصف هوية المصريين. وحاليا، تم إحياء عُرْف الادِّعاء بأن المصريين لا يرتبطون بالأفارقة السود بشكل كبير عبر الإنترنت، من خلال ما أطلقت عليه دوروثي روبرتس اللغة الجينية المعاد إنشاؤها لعلم العرق.

ثالثًا، أجادل في أطروحتي القادمة أن استخدام علم العرق في المصريات قد وفر نقطة دخول للغة تحسين النسل، لتتسلل إلى مصر في أوائل القرن العشرين. لقد أدى انتشار علم تحسين النسل "الناعم"، من خلال خطاب السيطرة على الأسرةو من قبل النخبة في مصر إلى "علم" مُثُل الجمال العنصرية، وتنتشر لغة تحسين النسل هذه في مصر اليوم. على سبيل المثال، فإن الفكرة العنصرية لـ "تحسين النسل" الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي المصرية، هي ببساطة المقابل لمصطلح "mejorar la raza"  في أمريكا اللاتينية أو "تحسين العرق". وهذا هو السبب في رؤية رجال مصريين، على وسائل التواصل الاجتماعي، يقولون صراحةً إنه يجب عليهم الزواج من نساء ذوات بشرة فاتحة، لمكافحة "غزو الأفارقة"، واصفين السود على أنهم وافدون على مصر.

لكن علم المصريات وحده لا يستطيع أن يفسر لماذا يخلق المصريون الآن على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الضجة ضد فكرة الفراعنة السود؟ بدلاً من ذلك، يجب قراءة إرث علم المصريات في سياق مراقبة الحدود في القرن الحادي والعشرين. على عكس لحظة منتصف القرن ذات الطابع الرومانسي في السياسة المصرية الأفرو-عمومية، أصبحت الحدود المصرية محكومة بشدة ضد الهجرة. كما شوهد مؤخرًا في تونس ما بعد الانقلاب، وشوهد قبل ذلك في ليبيا القذافي، يَستخدم القادة السياسيون عبر البحر الأبيض المتوسط خطاب "الاستبدال العظيم" الفاشي والمناهض للمهاجرين، لفرض حدودهم الحديثة بعنف، ومنع اللاجئين من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. 

في هذه السياقات، تصبح مراقبة الحدود وسيلة أكثر عنصرية للسيطرة على هوية مصرية ثابتة، وتواجه جميع التحديات التي تواجه تلك الهوية الثابتة ضجة اجتماعية، كما رأينا في عمليات التفريق العنيفة للمحتجين المهاجرين السود في حيّ المهندسين في 2005.

لكي نقوم بتصفية علم المصريات من الاستعمار، لا ينبغي فقط دراسة علم الأعراق في التاريخ، بل يجب علينا أيضًا أن نقف ضد الكيفية التي تعيد الحدود بصورة غير مرئية إحياء العرق في حياتنا الحديثة من الولايات المتحدة إلى مصر اليوم.