تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

ما هي أسباب تفشي جرائم الاغتصاب في بونتلاند؟

30 مايو, 2024
الصورة
Dhibbane
"في بلد ينتشر فيه العنف الجنسي، إذا تمت معاقبة أي شخص، فإنه غالبا ما يكون الضحية." (مصدر الصورة: كارل دي سوزا/ وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)
Share

حصلت منصة "جيسكا" على بيانات، من مكتب النائب العام في ولاية بونتلاند، حول جرائم الاغتصاب المُسجلة، وجاءت كالتالي: 120 جريمة عام 2016، وارتفع العدد إلى 123 في العام الموالي، ثم انخفض إلى 88 عام 2018، واستمر في التراجع بتسجيل 40 عام 2019، ف 20 جريمة في 2020، ثم عاد للارتفاع ب90 حالة في 2021، و53 حالة في 2022. 

تشهد ولاية بونتلاند والصومال بشكل عام، وفق ذات المصدر، جرائم اعتداء جنسي بحقّ النساء، سواء في معسكرات النزوح والريف والمدن، وتنقسم تلك الجرائم إلى: جرائم يرتكبها فرد واحد، وأخرى يرتكبها أكثر من فرد، وتُعرف بـ"الاغتصاب الجماعي".

يسلط هذا التقرير الضوء على تلك الجريمة الخطيرة التي تهدد النساء، وكيفية تعامل السلطات ومنظمات المجتمع المدني مع الضحايا، والأسباب التي تؤدي لشيوع تلك الجريمة، وعلى رأسها الإفلات من العقاب، الذي يتداخل مع الطبيعة القبلية للمجتمع.

تفشي الظاهرة

تصبح الجريمة مركبة حين يُقدم الجناة على قتل الضحية، وكان المدعي العام في بونتلاند، محمد حسن أوعثمان، قد صرح، مطلع العام 2017، بتسجيل 012 حادثة اغتصاب، في مختلف مناطق الولاية في العام 2016. وأرجع أوعثمان السبب إلى "قلة حالات الزواج، وارتفاع ملحوظ في نسبة عدد الشباب في الولاية ".

وسجلت الولاية في العام 2019، واحدة من أشد جرائم الاغتصاب والقتل، والتي راحت ضحيتها فتاة في الثانية عشرة من عمرها، كانت قد تعرضت للاختطاف بالقرب من منزلها على يد ثلاثة رجال، شمال مدينة غالكعيو، ونفذت السلطات حكم الإعدام الصادر بحقهم عن المحكمة، في عام 2020.

من المدينة ذاتها، تقول مريم عبد القادر محمد، إن إحدى بنات جارتها، عمرها تسع سنوات، تعرضت للاغتصاب من قبل رجل بالغ، يسكن في نفس الحي، أثناء ذهابها إلى مدرسة قرآنية قرب منزلها. وتذكر لـ"جيسكا"، أنّ الشرطة ألقت القبض على الجاني، وقُدم إلى العدالة.

تروي زينب محمود شيري شهادتها على إحدى الجرائم في مدينة غروي، قائلة: "كنت أنظف منزلي مساء الأحد الموافق 13 سبتمبر/ أيلول 2023، عندما سمعت صوتًا ينبعث من زقاق خلفي مجاور لبيتي، فعرفت أنه نداء استغاثة". وتضيف، أنّها "هرعت إلى المكان، فوجدت فتاةً ملقاة على الطريق، في وضعية يُرثى لها، ورأيت رجلًا يلوذ بالفرار، فقمت بالاتصال بأهل الفتاة، وبعدها تولت السلطات التحقيق".

شهد محمد روبلي، من سكان غروي، وقائع إحدى الجرائم، حيث يقول لـ"جيسكا"، "كنت قادمًا من بوصاصو إلى غروي، ودخلت المدينة الساعة التاسعة ليلًا عبر شارع "نبكو"، وبعد نزولي من مقر شركة "نبكو"، رأيت ثلاثة شبان واقفين أمام سيارة من نوع (Raum)". ويتابع بأنّه "في البداية ظننت أنّهم كالعادة شباب يسجلون مقاطع مصورة لتطبيق "تيك توك"، ولكن صدمني بكاء بنت كانت في السيارة، في حالة شبه عارية، وتظهر آثار ضرب على وجهها، واستنجدت "ساعدني يا عم"، فاتصلت بالشرطة، وتبين فيما بعد أنهم حاولوا اغتصاب الفتاة، بعد استدراجها بذريعة تسجيل مقطع فيديو".

أسباب اجتماعية واقتصادية

يرى الناشط الاجتماعي، جمعالي غرداد، في حديثه لـ"جيسكا"، بأنّ هناك أسبابا عدّة وراء تفشي جريمة الاغتصاب، ومنها: عزوف الشباب عن الزواج بسبب غلاء تكاليفه، وانتشار تعاطي المخدرات والخمور، والاستخدام السيء لمنصات التواصل الاجتماعي الذي يشجع البعض على ارتكاب الجرائم.

تعتبر روضة محمود حسن؛ الأستاذة في كلية "City Cot"، أنّ أسباب الاغتصاب تعود إلى البطالة المنتشرة بين الشباب، والظروف المادية الصعبة. وتزيد موضحا لـ"جيسكا"، إنّ الشباب العاطل عن العمل يندفع لارتكاب جرائم مثل: الشغب والسرقة والاغتصاب. وتلفت الانتباه إلى أنّ المجتمع يشجع على تلك جريمة الاغتصاب؛ حيث لا يشنع على المجرم، بل يجعله البعض بطلًا، في حين أنّهم يُحملون الفتاة الضحية المسؤولية. وتشير إلى أنّ بعض الأسر تدعي تعرض فتياتهم للاغتصاب، حين يكتشفون حمل الفتاة نتيجة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، بسبب العوز المالي. وتطالب الأكاديمية في حديثها، أولياء الأمور بتوعية الأبناء والبنات بخطورة الجرائم الأخلاقية، والاهتمام بشكل خاص بالبنات، وتلبية احتياجاتهن الأساسية، ومتابعة شؤونهن، خاصة في سن المراهقة.

ترى المسؤولة برنامج "GBV protection team" التابع لوزارة المرأة في بونتلاند، فاطمة عبد الولي أبشر، أنّ "الاغتصاب بات جريمة تهدد المجتمع، وكنّا في السابق نظن أنّها تطال النازحات في المخيمات، والنساء من القبائل المهمشة فقط، اللاتي لا يجدن الحماية، ولا يمكنهن الدفاع عن أنفسهن، ورفع دعاوى أمام المحاكم". وتسترسل في حديثتها لـ"جيسكا"، أنّه "حسب ما نرى لا يفرق الجناة بين فتيات القبائل المهمشة وغير المهمشة، وكذلك لا تقع الجريمة فقط في مخيمات اللجوء، بل تحدث في كل مكان، وحتى في الخلاوي القرآنية، والمدارس، وسيارات الأجرة، وأماكن العمل، دون فرق بين صغيرة وكبيرة". وتشدد على أنّ ظاهرة الاغتصاب باتت "أمرًا مخيفًا للغاية".

الإفلات من العقاب

حول دور وزارة المرأة في الرعاية التي تقدمها للضحايا من النساء، تقول فاطمة أبشر، إنّ هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الوزارة والمنظمات العاملة في حماية المرأة. وتذكر، أنّ الوزارة لديها برنامج متكامل للتعامل مع ضحايا الاغتصاب، حيث تقوم خلال الأيام الثلاثة الأولى لوقوع الجريمة بإجراء فحص طبي، لحماية الضحايا من الأمراض المنقولة جنسيًا، وتقديم أدوية للوقاية من الحمل. وتتابع بأنّه في حالة حدوث حمل، تُحول الضحية إلى مقر خاص للرعاية، وهو مركز خاص يتعامل مع الحوامل ضحايا الاغتصاب، يقدم لهنّ المسكن والطعام والرعاية الصحية، والعلاج النفسي، وذلك بالتعاون مع المنظمات المحلية العاملة في هذا المجال، مثل: منظمة "kaalo" ومنظمة "Tass".

تتحمل السلطات الأمنية مسؤولية كبيرة عن شيوع جرائم الاغتصاب، حيث تقع العديد من الحالات في شوارع المدن الكبرى، مثل: "غروي" و"غالكعيو"، التي تخلو من كاميرات المراقبة. يُضاف إلى ذلك، أنّ الشرطة تتأخر في الاستجابة لبلاغات النجدة، ما يسمح للجناة بالهروب، كما أنّ الدوريات الأمنية شبه معدومة، وهو ما يمنح الجناة شعورًا بالأمان لخطف الفتيات.

ورغم تسجيل بونتلاند العشرات من حالات الاغتصاب سنويًا، إلا أنّ سلطات الأمن في الولاية لم تضع خططا أمنية لمواجهة هذه الظاهرة، وتعقب الجناة بشكل فعال وحازم. القبلية بدورها تعيق تعقب الجناة، وربما يتجنب رجال الأمن ملاحقة الجناة خشية التعرض للأذى من قبائلهم، وفي أحيان عديدة يكون الجناة مسلحين، كما أنّ الشرطة تفتقد للآليات والتدريب اللازمين للتعامل مع تلك الجريمة، خاصة إذا كانت الضحية معرضة للابتزاز من الجناة إذا صوروا الجريمة.

سنّت حكومة بونتلاند، في محاولة لمواجهة الظاهرة، قانونًا عام 2016، يختص بالجرائم الجنسية، فضلًا عن وجود المادة (398) من قانون العقوبات الصومالي لعام 1962، التي تنصّ على "من جامع شخصًا من الجنس الآخر بالعنف أو التهديد عُوقب بالسجن من 5 إلى 15 سنةً".

ومع هذا، صرح المدعي العام لبونتلاند، محمد حسن أوعثمان، بأنّ العديد من القضاة لا يطبقون القانون في قضايا الاغتصاب، ما يشكل تهديدًا خطيرًا. ووفق تقرير حول الظاهرة صدر عن "صندوق الأمم المتحدة للسكان"، حكم قاضي بعقوبة السجن لعامين على متهم بالاغتصاب.

يقول المحامي، ياسين فارح علي، إنّ سلطات بونتلاند تلجأ إلى مقاربات تقليدية في بعض جرائم الاغتصاب، مثل "الصلح العشائري"، فيدفع الجاني أموال إلى الضحية، وبعدها يصبح حرًا طليقًا. ويضيف أنّه في حالة تعرض الضحية إلى القتل، تصل القضية إلى المحكمة، ويكون الحكم بالإعدام بسبب جريمة القتل. ويلفت إلى أنّ القانون الجنائي في بونتلاند، ينصّ في جريمة الاغتصاب على عقوبة تتضمن غرامة مالية يحددها القاضي، وعشرة سنوات سجنا.

كان لعدد من رجال الدين دور في جهود مكافحة الاغتصاب، فقد دعا الشيخ الراحل، نور بارود جرحن؛ نائب رئيس هيئة علماء الصومال السابق، إلى "قتل مغتصبي النساء". مستشهدًا بأنّ علماء الإسلام أفتوا بقتل مغتصب النساء، بالمثل في حكم قطاع الطرق، ووصف الشيخ جرجن الاغتصاب بـ "العمل الشنيع والمرض الذي يجب القضاء عليه".