تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

"آرن جان": قصة المواجهة بين الحرس القديم وسعيد دني في بونتلاند

13 يونيو, 2024
الصورة
Aaranjaan
الصراع بين حسن شيخ وسعيد دني في أحد أوجهه هو تنافس بين تركيا والإمارات على النفوذ في القرن الأفريقي
Share

تشهد ولاية بونتلاند، شرق الصومال، تنافسًا سياسيًا محمومًا، بين فريق رئيس الولاية، سعيد عبد الله دني، ومجموعة مُعارضة تُعرف باسم "آرن جان"، وهي بمثابة الحرس القديم الذي شكل المشهد السياسي في الولاية، منذ العام 2009 على الأقل. وكانت وراء صعود سعيد دني للرئاسة في 2019، قبل أنّ ينفرط عقد التحالف بينهما، ويتحول إلى عداء لا يتورع في الطرفان عن توظيف القوة المسلحة، والبحث عن حلفاء من خارج الولاية. فما هي قصة هذه المجموعة؟ وما هي أسباب الخلاف بين حلفاء الأمس؟ وكيف سينعكس ذلك على بونتلاند؟ 

الإبل المشاغبة

تتعدد الروايات حول نشأة مجموعة "Aaranjaan"، والتي تعني في اللغة الصومالية "الإبل المشاغبة"، وبحسب الكاتب محمود حسن هديدا، فكلمة "آرن" تُطلق على صغار الجِمال ما بين 3 و 5 أعوام، وكلمة "جان" من الجن. يُطلق الرعاة هذا المصطلح على الإبل الصغيرة المشاغبة، فيما يُرجع البعض إطلاق اللقب على المجموعة التي يتصدرها وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية، علي يوسف حوش، ورجل الأعمال محمد ورسمي فارح شدو، ووزير مالية بونتلاند السابق، حسن شري أبغال، إلى العام 1998، من قِبل أحد قادة العشائر، إبان اجتماعات تأسيس ولاية بونتلاند. كان لهذه المجموعة وقتها، خطاب جذاب ورؤى سباقة للولاية، فيما لم تكن  أعمار هؤلاء تتخطى الأربعين عامًا، فشبههم بالإبل المشاغبة، وصار لقبًا مقبولًا منهم، ويُعرّفهم الإعلام به.

يذهب الكاتب محمد حسني ورطيري إلى أنّ "آرن جان" فريق سياسي، تشكل أثناء رئاسة عبد الرحمن فرولي لولاية بونتلاند (2009-2014)، وينحدرون مثله من محافظة "نوغال"، وهم مجموعة من رجال الأعمال البارزين، الذين وظفوا نفوذهم السياسي خدمة لمصالحهم الشخصية. أما علي حراري؛ مدير "Somali American TV" ، فيرى أنّ جذور "آرن جان" تعود إلى عام 1992، حيث كانوا جزءًا من جماعة الاتحاد الإسلام (AIAI)، التي قاتلت جبهة (SSDF)، بقيادة الرئيس الراحل عبد الله يوسف أحمد، وبعد هزيمتهم في معركة "سليد"، تغير نهجهم من جماعة دينية مسلحة إلى "خلايا نائمة"، تعمل في مجال التعليم والاقتصاد. ثم يضيف بأنّ المؤسس الأول للمجموعة كان علي هيان، وتبعه في قيادتها خليف عيسى مدن.

يعتقد السياسي المستقل، عثمان طاهر آدم، في حديثه لـ"جيسكا"، أنّ المسيرة السياسية للمجموعة بدأتّ أثناء رئاسة عبد الله يوسف للولاية (1998-2001)، حين كانوا موظفين كبارا في الوزارات والمؤسسات، وحافظوا على مواقعهم في عهد خلفه جامع علي جامع، الذي عين محمد ورسمي فارح شدو وزيرا للمالية عام 2002، واحتفظ بالحقيبة ثم حاز بعدها التخطيط حتى عام 2008. وبرز نجمهم في عهد عبد الرحمن فرولي، وكانوا أقوى كتلة سياسية منظمة في تاريخ بونتلاند، حيث امتد تأثيرها إلى المجال السياسي والاقتصادي والسلطة العشائرية، فقد دعموا ترشيح سعيد عبد الله دني لرئاسة الولاية في انتخابات عام 2019. وكافأ دني هذه المجموعة بمناصب وزارية، في حكومة عام 2019، فكانت المالية من نصيب الرجل الثاني في المجموعة، حسن شري أبغال، إضافة إلى وزارات الأمن والتخطيط والداخلية، فضلًا عن مناصب عليا في حكومة الولاية.

المواجهة مع سعيد دني

اُنتخب سعيد عبد الله دني في 2019 لرئاسة بونتلاند، عملًا بتقليد سياسي ساري في الولاية منذ تأسيسها، يقوم على مُداورة المنصب بين الأفخاذ الثلاثة لعشيرة أولاد محمود سليمان، وهم بالترتيب: عمر وعثمان وعيسى. ينتمي سعيد دني إلى فخذ "عثمان"، وكان من المفترض أنّ يفسح المجال في الانتخابات الأخيرة لمرشح فخذ "عيسى"، الذي ينتمي إليه عبد الرحمن فرولي. لكنه خالف التقليد، وطرح تعديلات دستورية لتغيير نظام الانتخاب، من الاقتراع غير المباشر إلى الاقتراع العام المباشر، المعروف بمبدأ "صوت واحد، مواطن واحد". قبل أنّ يتراجع بسبب الضغوط السياسية، التي وصلت حد الاقتتال بين القوات الموالية له من جانب، وقوات فرولي وآرن جان من جانب آخر. 

كانت لسعيد دني خطة مُبيتة للبقاء في السلطة، ما دفعه، في سبتمبر/ أيلول 2022، إلى إعلان الحرب على مجموعة "آرن جان"، وقام بطردهم من السلطة، بدايةً بوزير المالية حسن شري أبغال، الذي كان شريكه في حرب بوصاصو، عام 2021، ضد قوات "PSF"، ودعمه في خطته إبان انتخاب رئيس الدولة مطلع عام 2022. كما أطاح برموز المجموعة من كافة مؤسسات الولاية، وعين إدارة جديدة لمحافظة نوغال، وكان وراء قرار النائب العام للولاية القبض على أربعة من قادتهم، في مايو/ أيار 2023، ليتمكن بذلك من تأمين فوزه بولاية رئاسية جديدة، مطلع العام الجاري، متجاوزا تقليدا سياسيا عمره 26 عامًا.

 الصراع بين حسن شيخ وسعيد دني في أحد أوجهه، هو تنافس بين تركيا والإمارات على النفوذ في القرن الأفريقي، وتقاطعت مصالح المعارضة في بونتلاند مع هذا التنافس. لم يستسلم معارضو سعيد دني، وهما: مجموعة "آرن جان" وقوة أمن بونتلاند  "PSF"، بقيادة الجنرال أسد ديانو، ولجأ الطرفان إلى الخصم اللدود لدني، الرئيس حسن شيخ محمود، الذي قام بتعيين زعيم "آرن جان" نائبا في مجلس الشعب، علي يوسف حوش، في منصب وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية، وشغل الرجل سابقًا منصب نائب وزير داخلية بونتلاند. والتقى الجنرال أسد ديانو، وسياسيون من مجموعة "آرن جان"، منهم حسن شري أبغال، وعبد الصمد محمد جالن، ومحمد ورسمي فارح شدو، المعروف بالعقل المدبر للمجموعة، بالرئيس حسن شيخ ومسؤولين فيدراليين، بهدف التنسيق لمواجهة سعيد دني.

يُعقب السياسي عثمان طاهر آدم، لـ"جيسكا"، بأنّ ديانو اتفق مع حسن شيخ محمود على أن تصبح قوات "PSF" كتيبة تابعة للجيش الوطني، تحصل على الرواتب والدعم والتسليح من مقديشو، وأنّ تقوم بتعزيز وجودها في مدينة "حافون"، بعد إجبارها قوات"PMPF"؛ الموالية لسعيد دني والإمارات، على الانسحاب منها. وذلك في ظل الحديث عن نوايا إماراتية لإقامة قاعدة عسكرية في المنطقة، ومعارضة حسن شيخ بدعم تركي لذلك.

هل يشتعل الصراع في بونتلاند؟

يسعى سعيد دني، وبدعم إماراتي، في الأثناء، إلى رفع عدد أفراد قوة الشرطة البحرية في بونتلاند "PMPF" إلى 10 آلاف فرد، بهدف التخلص من القوات الموالية للمعارضة، وهي قوة "PSF"، والقوة الخاصة بالولاية "دنب"، بقيادة الجنرال جمعالي جامع تكر، الموالية لمجموعة "آرن جان". وفي سياق متصل، شهدت مدينة بوصاصو، المركز التجاري والبحري للولاية، اشتباكات بين قوات "PSF" وقوات الشرطة في المدينة، في السادس من الشهر الجاري (يونيو/ حزيران)، وهو ما يعكس توترات سياسية مكتومة بين السلطة والمعارضة. 

يقول الباحث والسياسي، عمر شافي لـ"جيسكا"، إنّ الصراع بين حسن شيخ وسعيد دني في أحد أوجهه هو تنافس بين تركيا والإمارات على النفوذ في القرن الأفريقي، وتقاطعت مصالح المعارضة في بونتلاند مع هذا التنافس. هكذا، وجدت في التحالف مع مقديشو فرصةً لإضعاف خصمها سعيد دني، وبالمثل تفكر مقديشو التي تريد تضييق الخناق على الأخير، قبل أنّ يرشح نفسه لانتخابات رئاسة البلاد في 2026، ما ينذر بتصاعد الأمور إلى اشتباكات مسلحة بين قوات أسد ديانو والقوات الموالية لدني.

استنادًا إلى ذلك، ثمة تعقيدات تلقي بظلالها على المشهد السياسي في بونتلاند، لعل أولها؛ المدى الذي سيذهب إليه الصراع بين الرئيس حسن شيخ وسعيد دني، في ظل معارضة الأخير لمشروع الأول بشأن التعديلات الدستورية والنظام الانتخابي، وكذلك الموقف من إثيوبيا. وثانيها؛ تأثير التدخلات الأجنبية في ظل الفراق بين حسين شيخ والإمارات. وثالثها؛ الصراع بين سعيد دني والمعارضة، والذي من اليسير انزلاقه إلى صدام مسلح، على غرار ما حدث في بوصاصو، وما شهدته غروي خلال العام الماضي. مع ذلك، لدى سعيد دني أوراق قوة في المواجهة، منها علاقته الجيدة بإثيوبيا والإمارات، وصلاته بتحالف المعارضة في مقديشو، والعداء التاريخي بين معارضيه من مجموعة "آرن جان" وأسد ديانو، حيث من الممكن تفكيك التحالف إذا تصالح مع أحدهما، على غرار تصالحه مع خصمه عبد الرحمن فرولي، فضًلا عن الرفض الشعبي لمجموعة "آرن جان" التي تمثّل النظام القديم أو الحرس القديم، المُتهم بالفساد بين الكثيرين في الولاية.

المزيد من الكاتب