الخميس 21 نوفمبر 2024
تتناول غلينس العنصرية الكامنة في إعادة إنتاج النظرة الأوروبية الأمريكية للأدب.
أصدرت النيويورك تايمز مؤخرًا قائمة "أفضل مائة كتاب في القرن الواحد وعشرين"، وكعادة التايمز انتشرت القائمة بسرعة، وحظيت بالنقاش والاحتفاء على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.
تضم القائمة 61 كاتبا من أمريكا، وكتابان أفريقيان فقط هما: "أمريكانا"، لشيماماندا أديشي، والذي يتضمن عنوانه كلمة "أمريكا"، ويتمحور حول تجربة المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ و"العودة"، لهشام مطر، الكاتب البريطاني الليبي المولود في أمريكا. رغم الوجود القوي للكاتبات، والنسبة القريبة من 10% في القائمة للكُتاب الأمريكيين السود، يبقى الاكتساح من نصيب أوروبا وأمريكا. وحظيت الإيطالية إيلينا فيرانت بثلاثة من أصل 13 كتابًا مترجمًا في القائمة، فيما 23 كتابًا نُشروا بواسطة نفس المؤلفين العشرة. ونُشر أكثر من نصف الكتب في القائمة بواسطة نفس الناشرين الخمسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي لا يرون، حيث كُتبت "أفضل مائة كتاب في القرن الواحد والعشرين" على رسومات ملونة بالحروف العريضة، على أنها "الأفضل، وفقًا للنيويورك تايمز". فقد ضاعت، في ثنايا التفاصيل الدقيقة، حقيقة أن استطلاع الرأي كان يقتصر على الكتب التي نُشرت في الولايات المتحدة.
طلبت النيويورك تايمز من المطّلعين على المجال في أمريكا النظر، فحسب، في الكتب المنشورة في الولايات المتحدة، ما أفرز بشكل متوقع وشائن عن قائمة أوروبية أمريكية. لكن التايمز تطالبنا، مع ذلك، باعتبار هذه الكتب "الأهم والأكثر تأثيرًا في هذه الحقبة"، وليست مجرد تفضيل من مجموعة محدودة وضئيلة إحصائيًّا، بالنظر إلى الفضاء الأدبي العالمي.
إذا كانت القائمة محاولة لكتابة قصة آخر 25 عاما من النشر بالإنجليزية، فإنها تبقى قصة واهية. لأنها، وباختصار، لا تعكس حجم وتنوع النشر في العالم، وتُشوه القرن الواحد والعشرين، إحدى الفترات الأكثر إنتاجًا وتنوعًا في تاريخ الأدب. لقد تم اختزال العصر الذي تداخلت فيه الأسواق وجماهير القُراء، واحتشدت إلى تفضيلات من مشاهير الأدب الأمريكي. كما تُعد قصة الكتب الأمريكية التي تُعرِّف القرن عرضًا افتتاحيًّا، إن لم تُنتقَد، لما يمكن أن يصبح مسرحية ثانية للتعصب الاثني الثقافي الذي أُبتُلِيَ به النشر في القرن العشرين.
لقارئة إفريقية وباحثة في الأدب وأمينة ثقافة الكتب مثلي، يعد استبعاد الكُتّاب الأفارقة من قائمة الكتب الأكثر تأثيرًا، المكتوبة بالإنجليزية، في آخر 25 سنة سهوا لا يُغتفر، بالنظر إلى الدليل الساطع لخلاف ذلك. فالصعود النيزكي للنشر في إفريقيا هو أحد أبرز القصص في الربع قرن الأخير. وإذا أردت تصوير الكيفية التي أعاد بها القرن الواحد وعشرين اختراع معنى القراءة والكتابة والنشر، فما عليه سوى الذهاب إلى إفريقيا.
شهد القرن العشرين تزايدًا تدريجيًّا في تأثير الكُتاب الأفارقة على المستوى العالمي، بيد أنه انتهى بأزمة تولّدت عن الاضطرابات السياسية واسعة النطاق، إلى جانب الانتكاسات الاقتصادية. بخلاف القرن الواحد والعشرين، الذي عرَف انعكاسًا دراماتيكيًا؛ فبظهور التكنولوجيا الرقمية، وتتويج قرن من بناء القدرات، اقتحم الكُتّاب الأفارقة الساحة العالمية. وفيما يتعلق بالنمو، فقد توسّع سوق نشر الكتب الأفريقية بسرعة أكبر من معظم الأسواق الأخرى.
لطالما مد الكُتّاب الأفارقة اللغة الإنجليزية بالابتكارات الفريدة، فهم يبتدعون وفرة من تشييد العوالم وأكوانًا متعددة الطبقات وسردًا بارعًا. وبوجود قوي على منصات التواصل الاجتماعي ودعم الثقافة الأدبية التي توحد الشتات والقارة الأم، تُقرأ الكتب الأفريقية من قبل جماهير متنوعة على مستوى العالم. يقبع كُتّاب مثل جينيفر نانسوبوغا ماكومبي، وأكوايكي إيميزي، وناموالي سربل، وإيفون أديامبو أوور، ويا غياسي، وبرناردين إيفاريستو، وهيلون هابيلا، وشيميكا جاريكس، وأميناتا فورنا، ونوفيوليت بولاوايو، ونامينا فورنا، وننيدي أوكورافور، وتيجو كول. بالإضافة إلى شولاستيكي موكاسونغا، ومحمد مبوغار سار، وشارون دودوا أوتو، الذين تُرجمت أعمالهم إلى الإنجليزية، في واجهة هذه النهضة الأدبية. أضف إليهم أمثال عبد الرزاق غرنه الذي حاز على جائزة نوبل عام 2021، وتسيتسي دانجاريمبغا، وبن أوكري، وزاكس مدا، والعديد من الآخرين الذي أنتجوا أعمالا عديدة خلال القرن الواحد والعشرين.
لا يمكن سرد قصة النشر في آخر 25 سنة دون إعطاء القارة الأفريقية حقها، ولا يغفل إهمال اسهاماتها جزءًا أساسيًّا من الأدب المعاصر فحسب، لكنه يفشل كذلك في الاعتراف بالطبيعة الديناميكية والمتطورة للعالم الأدبي المتحدث بالإنجليزية. ما اعتبرته التايمز "الأفضل في القرن" ليس بقائمة، بل هو فعل محو ثقافي. لا يقتصر العالم على الولايات المتحدة الأمريكية وحسب، بطريقة التايمز، ولم يحدث القرن الواحد والعشرين فيها فقط. لا يمكنك تجاهل ثقافة أدبية عالمية بالكامل، جعلت آخر 25 سنة حقبة عظيمة للأدب.
فكّرتُ مليًّا، في الأسابيع القليلة الماضية، في السبب الذي دفع التايمز لنشر مثل هذه القائمة. أيُّ عجالةٍ دفعت المحررين إلى الاعتقاد أنه لا بأس في كتابة تاريخ للقرن الواحد والعشرين، يغيب فيه أغلب العالم؟ ذكرَّتني بهاكتي شرنجاربور، وهي مؤسسة مجموعة الكتب الراديكالية(Radical Books Collective) ، في واحدة من محادثاتنا العديدة في الوقت القريب، أن التايمز، "ملتزمة بالحفاظ على آخر بقايا ثقافة البيض، في عالم يشعرون أنه متخبط ومتخمٌ بالعديد من الأصوات المتنوعة." أوافقها الرأي.
منذ إطلاق التايمز قسم الكتب خاصتها في 1896، ظلت تؤثر في مادة القراءة وأسلوبها للأمريكيين. وكانت على طول القرن الواحد والعشرين، إحدى الفضاءات الكبيرة للناطقين بالإنجليزية لقراءة العالم. تم استعراض كُتّاب مثل: آموس توتولا وتشينوا أشيبي، اللذان ساعدا في تقديم الكتابة الأفريقية إلى العالم الناطق بالإنجليزية، في التايمز، رغم تكلفة ذلك. كان استعراض أعمال أشيبي في التايمز سلبية ومتعالية على الدوام، وهي موثقة بشكل جيد في "نشأة الرواية الأفريقية" (The Emergence of African Fiction)، لتشارلس لارسون.
بيد أن تأثير التايمز قد تضاءل في القرن الواحد والعشرين مع صعود الثقافة الرقمية، وسياستهم المثيرة للتساؤل على نحو متزايد. مجتمع البوكتوك (BookTok) في عالم اليوم أكبر تأثيرًا من التايمز، وشبيهاتها من المؤسسات الإعلامية المعنية بالكتب، في تحديد ما تقرأه الجماهير، يمكنني أن أرى لمَ بدَت قائمة كهذه فكرةً جيدةً. المؤسسات القديمة مثل التايمز مُصابةٌ بمتلازمة "تكرار العظمة"(great-again syndrome) . فقد أصبحوا يائسين، بشعورهم أنهم منقطعين عن العالم وبلا صلة به، رغم الثراء والتأثير المؤسسي، وضاعفوا من التعصب الاثني، الذي يجعلهم بلا صلة في الأساس. أصبح فضاء النشر أكثر تنوعًا واحتشادًا، غير أن التايمز تبدو أقل قدرة على إفساح المجال للأدب غير الأوروبي والأمريكي، وغير الأبيض بلا حرج.
مع أن للتايمز الحق الكامل في إعداد أي قائمة حسب ما ترغب، إلا أنه لا يجب أن تُسمَح بعرض "إحصائيات" سيئة وذاتية بمثابة حقيقة ثقافية. لا تتعلق المسألة في هذه القائمة بالعمل المشكوك فيه، من حصر إصدارات 25 سنة في مائة كتاب. فثمة مساحة لهذا النوع من القوائم، رغم الإثارة الثقافية الشديدة التي يحدثها. القوائم ليست مثالية على الإطلاق، ولا يُفترض بها أن تكون موضوعية، فهي تثير السخرية في الحقيقة، ومعيبة بطبيعتها. لكننا نحبها رغم ذلك، لا لشيء سوى لأنها على الأقل تمنحنا ما نتجادل بشأنه، ونحن نُطيل قائمة ما نود قراءته. في الحقيقة، إن النقائص وعدم الاكتمال هي ما يجعل القوائم، أو البوادر المشابهة المتعارف عليها، وثائق تاريخية قوية. لا تكمن مشكلة هذه القائمة في أنها لم تشمل الكل (فذلك غير ممكن)، بل في أنها لم تشمل أيٍّا ممن لم تقرأه المؤسسة الأدبية المعتمدة من التايمز.
ألا زلنا في حاجة إلى هذا القوائم الملحمية والمحددة بالفترات؟ ربما لا، نظرًا للكيفية التي أضحت بها الأسواق، وجمهور القرّاء؛ متشظيين وجذريين(rhizomatic) للغاية. لكن إن كانت الإجابة نعم، يجب على قائمة تزعم تمثيل القرن أن تعكس السوق الأدبي العالمي، وجماهير القراء غير المحدودة التي تغذيه. ويجب على عملية الاستطلاع أن تكون طامحة بما يكفي، للأخذ في الاعتبار مجتمعات العاملين على مجال المعرفة في الفضاء الأدبي: الكتاب الذين لا ينشر لهم الخمس الكبار، والكتاب من الدول الأخرى، والنقّاد من المنشورات الصغيرة، ومن يصنعون البودكاست (Podcasters)، وأولئك في بوكتوك وبوكستقرام (Bookstagram) وغيرهم. من الواضح أن الطريقة القديمة في إحلال الإصدارات الغربية محل العالم، لا يمكن الدفاع عنها بعد الآن.
يجب فضح التعصب الإثني الذي يسمح للتايمز بتمرير قائمة يغلب عليها الطابع الأوروبي الأمريكي، على أنها تمثل القرن. لا وجود لعالم، حتى في السياقات الأكثر توهمًا، يمكن أن تُعتبر فيه قائمة تضم 61 عنوانًا أمريكيًا الأفضل في القرن. إن التايمز تقودنا إلى الاحتفال بقرن لم يعش ويقرأ فيه سوى الأمريكيون: إنها تقودنا إلى الاحتفال بكذبة!