تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

موزمبيق.. بؤرة تنافس دولي تصنعها الجغرافيا

30 يونيو, 2024
الصورة
Mozambique
Share

تحوّلت موزمبيق إلى نقطة اهتمام دولي بعدما كانت مجرد رقعة جغرافية في جنوب شرق افريقيا، لحرب بالوكالة بين المعسكرين الشرقي والغربي. فهذه الدولة الواقعة على الساحل الجنوبي التي استقلت حديثا، عن المستعمر البرتغالي عام 1975، ذات مساحة شاسعة (35عالميا) تتجاوز مساحة دولة تركيا، أضحت موضع منافسة محتدمة بين القوى الكبرى في العالم.

بدأ الصراع على بلاد "موسى بن بيق" (بيك)؛ أول تاجر زار المنطقة وسميت باسمه، بسبب عوامل داخلية مرتبطة أساسا بما في باطن الأرض من موارد طاقية ومعادن خضراء، في إشارة إلى تلك المعتمدة في مجال الطاقة النظيفة. وتعزز بعوامل أخرى خارجية، تمثلت في التوترات العالمية في منطقة البحر الأحمر، ما دفع بجزء كبير من التجارة الدولية نحو رأس الرجاء الصالح، عبر قناة موزمبيق في غرب المحيط الهندي.

  لعنة الموارد والموقع 

تتوفر موزمبيق على احتياطات هائلة من الموارد التقليدية (النفط والغاز الطبيعي والفحم)، فضلا عن عدد من المعادن النفسية (اليورانيوم والياقوت...) التي توصف بذهب القرن 21. ناهيك عن إمكانيات هائلة لتوليد الطاقة المتجددة، ولا سيما الطاقة الشمسية والمائية، بذلك أضحت مرشحة بقوة لتصبح ضمن البدائل التي يراهن عليها الاتحاد الأوروبي لتعويض الموارد الطاقية الروسية.

يتوفر البلد على واحد من أكبر الاحتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، يتعدى 100 تريليون قدر مكعب، فأحدث حقل في السواحل الشمالية تم اكتشافه، عام 2011، على يد شركة إيني الإيطالية، يحتوي على نحو 425 مليار متر مكعب من الغاز، وهو جزء فقط من حقل كبير يحتوي على 2,4 تريليون متر مكعب. ما وضع البلاد تحت الرصد والمراقبة، من لدن المستثمرين، فأمامهم فرص مغرية تعد بالشيء الكثير، ودول أوروبية عدة وجهت بوصلتها نحوه.

ذلك ما حدث فعلا، فقد طور المستثمرون مشروعا الغاز الطبيعي في حوض روفوما الذي عمل على تصدير أول دفعة من محطة كورال سول؛ أول محطة عائمة للغاز المسال في إفريقيا، بعمق مائي يصل إلى ألفي متر، باستثمار ثلاثي (كوريا الجنوبية واليابان وفرنسا)، وقدرة إنتاجية تصل إلى إلى 3,4 مليون طن سنويا، نحو أوروبا، في نوفمبر/ تشرين الأول 2022، ما أدى إلى رفع الإنتاج والتصدير بنسبة 218٪ خلال عام 2023.

جغرافيا، تحظى موزمبيق بموقع جغرافي استراتيجي يجعلها بوابة الدول الكبرى نحو العمق الإفريقي، فلدى مابوتو حدود مع ست دول إفريقية، هي: مالاوي وجنوب افريقيا وإسواتيني وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوي، وتقع جزر القمر شمال شرق سواحلها، وتفصلها قناة موزمبيق عن مدغشقر التي تقابلها في المحيط الهندي.

تعزز قناة موزمبيق الممتدة على طول 1600 كلم بدروها، الأهمية الاستراتيجية لموزمبيق، في ظل احتدام الصراع على الممرات المائية الاستراتيجية، فهي طريق محوري لحركة النقل والشحن البحري الدولي، كونها معبرا لنحو 30٪ من حركة الناقلات العالمية. ويتوقع أن تزيد الاستثمارات الضخمة في مشاريع الغاز والنفط من أهميتها، مع توالي التوترات بمنطقة البحر الأحمر. ما يعد القناة بسالف أمجادها، فقد كانت الطريق التجاري الرئيسي في المحيط الهندي، قبل افتتاح قناة السويس عام 1869، والذي كام يربط الهند بالشرق الأوسط وشرق آسيا بأوروبا والبرازيل. 

  مكاسب ومخاطر ومحاذير 

ثمار الصراع الدولي على موزمبيق كثيرة، فمن شأن تزايد الاهتمام بالبلد أن يجلب منافع جمة على حكومة مابوتو. وفي المقابل، يدفع بها نحو معارك بالوكالة؛ كلفتها أيام حكم الاشتراكيين (1982-1992) قرابة المليون قتيل، أو يزج بالبلد مكره في حرب اصطفاف ما أحوجه إلى الابتعاد عنه.

داخليا، يتوقع، بانتهاء العام الحالي، أن تشرع أكبر محطة للكهرباء تعمل بالغاز في البلاد شيِّدت السنة الماضية، ما لم تتأخر بفعل التوترات والقلاقل السياسية في البلاد، على غرار ما حدث مع سد كاهورا باسا؛ ثالث أكبر محطة لإنتاج الكهرباء في إفريقيا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 2075 ميغاوتا، من قبل حركات المتمردين.

يمثل الأمن أكبر العقبات التي تعيق قدرات مابوتو، في استغلال منافسة الكبار عليها، فتصاعد نشاط المتطرفين (حركة الشباب) في شمال البلاد، حيث تنتشر حقول الغاز الطبيعي، يؤثر بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية هناك. مع تنامي المخاوف من نتائج عكسية، فهذا الوضع قد يصبح مطية يستغلها المتنافسون، في ظل كثرهم العددية، للتدخل في البلاد بدعوى حماية المصالح والاستثمارات الأجنبية.

  سعار القوى الكبرى للسيطرة على المحيط الهندي يجعل موزمبيق حاضرة في كل المعادلات، فواشنطن تدرك جيدا أن منطقة المحيط الهندي قطعة محورية في صراع النفوذ، ما يدفع باستمرار للتحرك قصد تطويق الصين وروسيا الحاضرين هناك؛ فموسكو ماضية في نشر قوات فاجنر بأكثر من دولة مجاورة، أما بكين فمصممة على الهيمنة بدبلوماسية الاقتصادية الناعمة (الحزام والطريق)، وحتى الخشنة أحيانا بإنشائها لقاعدة عسكرية في جيبوتي.

الهند بدورها، تسعى لضمان موطئ قدم هناك، فلديها مصالح عميقة في القناة، فنيودلهي ترى منطقة جنوب شرق القارة امتدادا لأمنها البحري، لذلك عملت على تأسيس قاعدة عسكرية، في جزيرة الأغاليغا بأرخبيل موريشيوس، بناء على صفقة، شبه سرية، بين حكومتي البلدين عام 2015، رغم النفي المتكرر للخبر على لسان رئيس وزراء موريشيوس، كانت آخرها في جلسة برلمانية شهر مايو/ آيار 2021.

حتى وقت قريب، كان حظيت موزمبيق بنصيبها من الاهتمام الدولي في سياق العودة الجديدة للقوى الكبرى نحو افريقيا، بيد أن التوترات الطارئة على المشهد العالمي؛ وتحديدا الحرب الروسية الأوكرانية والاضطرابات في البحر الأحمر، سرعت وثيرة التنافس بين الكبار بحثا عن الموارد وتوطيدا للنفوذ وحماية للمصالح ما يهدد الاستقرار الهش بالبلد والمنطقة برمتها.