الخميس 21 نوفمبر 2024
تعتبر أفريقيا القارة الثانية الأكثر جفافا في العالم بعد أستراليا، وفقا لأحد التقارير التي تتحدث عن أن العام الماضي شهد أسوأ جفاف في المنطقة منذ قرن؛ فقد قضى على 3/4 المحاصيل في عدد من الدول، مثل زامبيا وزيمبابوي. وأضاف بأن 19 دولة أفريقية، في مختلف مناطق القارة، تواجه خطر انعدام الأمن المائي، منها إثيوبيا وجيبوتي والصومال والنجير والسودان وليبيا وجزر القمر...
يعزز تقرير مركز العلوم والبيئة في الأمم المتحدة هذه المعطيات، فقد سجلت القارة خلال عامي 2022 و2023 ارتفاعا بنسبة 34 ٪ في العنف المرتبط بموارد المياه، ما جعلها في صدارة قائمة الصراعات المتعلقة بمصادر المياه. يعزى ذلك إلى الخريطة المائية في القارة، فحوالي 85 ٪ تشترك في مصادر المياه من الأحواض النهرية، وثلث الموارد المائية العذبة في القارة يعبر الحدود بين أكثر من دولة، ناهيك عن اشتراك أكثر من دولة في طبقات المياه الجوفية.
تقع القارة الأفريقية بين المحيطين الأطلسي والهندي، إلى جانب فاصل مائي في الشمال يحول بينها وبين أوروبا، وآخر في الشرق؛ البحر الأحمر. وتمتلك، حسب أرقام برنامج الأمم المتحدة للبيئة، زيادة على احتياطيات الموارد الطاقية (النفط 12٪ والغاز الطبيعي 8٪ والذهب 40٪ والكروم 80٪ والبلاتين 90٪...)، أكثر من 65٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، ما يكفي لإطعام 9 مليارات نسمة.
يتحدث خبراء المياه عن أن 19٪ من المياه العذبة في العالم توجد في أفريقيا، و10٪ من مصادر المياه العذبة الداخلية المتجددة. بذلك تكون القارة من المناطق الغنية بالموارد المائية، لدرجة أن عدة دول في القارة تحمل أسماء مستمدة من المياه (السنغال وزامبيا...).
يجري في القارة 17 نهرا رئيسيا، أبرزها نهر النيل؛ أطول نهر في القارة، يغطي 11 دولة، بمسافة تصل إلى 6650 كلم. يليه نهر الكونغو في المركز الثاني قاريا (4700 كلم)، والثاني عالميا من حيث التدفق بعد نهر الأمازون، والأول من حيث مساحة الحوض. وفي الغرب الإفريقي هناك نهر النيجر؛ أو النهر الكبير كما يعرف محليا، على امتداد 4180 كلم، يقطع فيها خمس دول (غينيا ومالي والنيجر وبنين ونيجيريا). ثم نهر الزمبيزي؛ رابع الأنهار طولا (2574 كلم)، ينبع من زامبيا، مرورا بأنغولا ونامبيا وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق، ليصب في المحيط الهندي. وفي الغرب مجددا نهر فولتا الذي يمر بست دول (بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا ومالي وتوغو).
في قائمة الأنهار الموزعة على جهات القارة الأربعة، نذكر أيضا نهر السنغال وكونيني (أنغولا) وأوجوي أو الناصرة (الغابون) وكوانزا (أنغولا) وغامبيا والليمبوبو (بوتسوانا) وجوبا (الصومال) وروفيجي (تنزانيا) وروفوما (تنزانيا/ موزمبيق) وشبلي (إثيوبيا).
تعزز البحيرات في إفريقيا الثورة المائية في القارة، فالأرقام تتحدث، وفقا لقاعدة بيانات البحيرات العالمية (WORLDLAKE database)، عن احتضان الأراضي الإفريقية 677 بحيرة، تحتوي على نحو 30 ألف كلم مكعب من المياه، بذلك تكتلك أكبر مخزون مائي بين القارات.
تأتي أوغندا في الصدارة من حيث التوزيع، بامتلاكها 69 بحيرة، تليها كينيا في المرتبة الثانية ب 64 بحيرة، ثم الكاميرون 59 بحيرة، وتنزانيا ب 49 بحيرة، فإثيوبيا ب 46 بحيرة. أما عن الدول الأقل امتلاك للبحيرات، فنجد مالاوي (13 بحيرة) ثم بوتسوانا (12 بحيرة) والجابون (8 بحيرات).
تبقى بحيرة فيكتوريا، أكبر بحيرة مياه عذبة في القارة، بمساحة تقدر بنحو 68870 كلم، وعمق يبلغ 82 مترا، تطل عليها ثلاث دول هي: تنزانيا وأوغندا وكينيا. إضافة إلى بحيرة تنجانيقا التي تتشاركها أربع دول أفريقية، بنسب متراوحة كما يلي: الكونغو (45٪) وتنزانيا (41٪) وبورندي (8٪) وزامبيا (6٪).
واضح إذن أن أفريقيا تأوي مخزونا هائلا من الذهب الأزرق، بفضل مصادرها الغنية بالمياه العذبة؛ السطحية والجوفية على حد سواء، كما يؤكد على ذلك خبراء في المجال المائي، من أشهرهم الفرنسي فرانك غالان؛ صاحب مؤلفات رصينة حول الماء في العالم، وفي إفريقيا على وجه التحديد؛ "اللعب الكبير: كرونولوجيا الجغرافية السياسية للماء" (2014)، الذي تعرض فيه للموضوع بدقة وحساسية مفرطة.
لم تحل هذه الثروة المائية الهائلة دون توالي التحذيرات من مشكلة الأمن المائي بأفريقيا، فالأرقام تتحدث عن 500 مليون شخص يواجه مشاكل في الحصول على مياه الشرب، ولا يجد 3 من كل 10 أشخاص مياه للشرب أيضا. وزاد توماس فيري، المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، المشهد سوداوية، بحديثه عن أن "الجفاف التاريخي أدى إلى أسوأ أزمة غذائية حتى الآن في القارة، بتدمير حياة أكثر من 27 مليون شخص"، ما اضطرت الحكومات إلى هدر الثروات الحيوانية بإطعامها للسكان في كل من زامبيا وزيمبابوي، ما يضع إفريقيا والأفارقة أمام مفارقة حقيقة حيال مسألة الماء؛ الوفرة/ الخصاص.
يجيب سيلفان أوشر، رئيس الجمعية الإفريقية للمياه، عن الأمر بكشف تعقيدات قضية الماء في القارة، فهي وخلافا للاعتقاد السائد ليست قارة قاحلة، ولكنها تعاني من نقص في المياه، لأن الأفارقة لا يستخدمون سوى 5 ٪ من الموارد المائية، نتيجة ضعف البنية التحتية والخلافات السياسية. بذلك يكون الاستغلال هو العائق الأكبر، فالبلدان ذات الموارد المائية المنخفضة لديها إمكانية استغلال أكبر للمياه، من ذات الموارد المائية الغنية جذا.
فالمغرب البلد شبه الصحراوي، في شمال غرب القارة، يمتلك نسبة استغلال جد مرتفعة للمياه، توصف أحيانا بكونها غير معقلنة، عكس جمهورية الكونغو الديمقراطية ذات الموارد المائية الوفيرة، إلا أنها عاجزة على توفير المياه لقرابة نصف سكان البلد.
قراءة يؤكدها باحثون، في تقرير لصحيفة الغارديان، فحسب تيم ويترايت، رئيس منظمة "WaterAid" البريطانية، نتائج الدراسة التي قاموا بها "تكشف زيف الأسطورة القائلة بأن المياه في أفريقيا تنفد، ولكن المأساة هي أن الملايين من الناس في القارة ما زالوا لا يملكون ما يكفي من المياه النظيفة للشرب". تضيف الدراسة بأن "احتياطات هائلة من المياه تحت أقدام الناس، يتم تجديد مصادر الكثير منها كل عام بسبب هطول الأمطار والمياه السطحية الأخرى، لكن لا يمكنهم الوصول إليها لأن الخدمات في ذلك القطاع تعاني من نقص مزمن في التمويل".
زيادة على ذلك، تتحدث منظمة "WaterAid" استنادا إلى معطيات هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، عن أن معظم البلدان الأفريقية قادرة على مواجهة خمس سنوات من الجفاف، ويرتفع الرقم لدى البعض إلى 50 عاما، بفضل احتياطيات المياه الجوفية. فحسب ذات الدراسة، بمقدور كل دولة أفريقية جنوب الصحراء مثلا توفير 130 لترا من مياه الشرب للفرد يوميا من المياه الجوفية، دون استخدام أكثر من ربع ما يمكن تجديده من مصادر المياه الجوفية سنويا.
إن معضلة المياه في إفريقيا مرتبطة بالتدبير البشر أكثر من الطبيعة، فمن شأن الإدارة العقلانية للثروة المائية أن ترسم صورة أخرى لإفريقيا، بالاستثمار في المعدات والبنية التحتية لاستخراج المياه من باطن الأرض أو تخزين مياه الأمطار وما إلى ذلك، على غرار مشروع "شلالات روسومو الإقليمي للطاقة الكهرومائية" على نهر كاجيرا الموقع بين بوروندي ورواندا وتنزانيا الذي يمنح الثلاثي المشارك في إنجاز المشروع حق اقتسام العوائد بينهم بالتساوي.