الجمعة 22 نوفمبر 2024
يصفها المنظمون بأنّها "واحدة من أمتع وأخطر المغامرات الحقيقية المتبقية في العالم"، هي رحلة سياحية استكشافية على متن حافلة، تنطلق من المغرب، نزولًا بموازاة الساحل الغربي للقارة، إلى دولة جنوب أفريقيا، ثم صعودًا منها شمالًا، بموازاة الساحل الشرقي، إلى وجهتها الأخيرة في مصر، وتقطع 38 دولةً، في 326 يومًا، يختبر فيها السياح المغامرون تنوع وثراء الطبيعة في دول القارة، ويواجهون خلالها تحديات ومصاعب جمة، وهي بتعبير المنظمين "مغامرة ليست للمبتدئين"، وتُعرف باسم "Africa Encompassed".
تكشف تلك الرحلة عن الفرص المتعددة التي تزخر بها القارة في قطاع السياحة والسفر، ومنها سياحة المغامرات، التي تقدم تجربة تلامس روح الإنسان التواقة إلى الاستكشاف والتفاعل اليومي مع بيئات أصيلة، لكن ثمة تحديات أمام الاستفادة من موارد القارة ككل أو في بلدانها على حدة من هذه الفرص.
تُنظم شركة "Madventure"، ومقرها مدينة أكسفورد، في المملكة المتحدة، الرحلة الاستكشافية كل عام، وستنطلق رحلتها المقبلة، في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، من مدينة "فاس"، شمال شرق المغرب، وتمتد إلى 25 سبتمبر/ أيلول، العام المقبل، حتى وجهتها الأخيرة في مصر، وتمرّ على أشهر الدول السياحية في القارة، ومنها موريتانيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا والسودان وإريتريا وأوغندا، ونظرًا للخلافات الحدودية والمخاطر الأمنية في جغرافيا واسعة من القارة، تتخذ الرحلة مسارات التفافية حول دول بعينها، مثل تجنب بوركينا فاسو، كما حين تصل الحافلة إلى إثيوبيا تبتعد عن الصومال، وتستبدله بزيارة مدينة هرجيسا عاصمة صوماليلاند، ثم منها إلى مدينة "جيبوتي"، لتعود إلى إثيوبيا ثانيةً، ومنها إلى إريتريا، ومن الملاحظ أنّ الخلافات الحدودية بين جيبوتي وإريتريا تجبر الحافلة على تجنب الحدود المشتركة بين البلدين.
تتخذ رحلة "Africa Encompassed"مسارات التفافية حول دول بعينها، مثل تجنب بوركينا فاسو، كما حين تصل الحافلة إلى إثيوبيا تبتعد عن الصومال، وتستبدله بزيارة مدينة هرجيسا عاصمة صوماليلاند، ثم منها إلى مدينة "جيبوتي"، لتعود إلى إثيوبيا ثانيةً، ومنها إلى إريتريا
تبلغ تكلفة الرحلة للفرد الواحد، نحو 17.5 ألف دولار، تنقسم إلى 12.5 ألف دولار دفعة مقدمة، وخمسة آلاف دولار لتغطية النفقات اليومية، وتغطي هذه المدفوعات، النقل والإقامة وبعض تذاكر العبارات والقطارات، والوجبات ورسوم الدخول إلى المتنزهات والمحميات الوطنية، وإصلاح مركبة الرحلة، وإصلاح واستبدال معدات التخييم، بما في ذلك المقاعد ومعدات الطبخ والأواني. ولا تشمل هذه الدفعات التأشيرات والموافقات الأمنية وخطابات الدعوة، والتي تُكلف الفرد نحو 2800 دولار، فضلًا عن ذلك، يحتاج الفرد الواحد إلى ميزانية خاصة تبلغ خمسة آلاف دولار، لتغطية نفقات مثل الوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية والوجبات والاحتياجات الشخصية والرحلات الترفيهية وغير ذلك خلال فترات توقف الحافلة، ما يعني أنّ الرحلة تكلف الفرد الواحد نحو 25.5 ألف دولار في المتوسط، لتغطية ما سبق ذكره.
وتقدم الشركة المُنظمة العديد من الخيارات، منها الاشتراك في جزء من الرحلة، ويخصص البرنامج لكل دولة عدّة أيام، وتشمل الأنشطة زيارة مدن ومناطق ومعالم تاريخية وطبيعية، ومشاركة السكان المحليين العديد من الأنشطة والعادات، والتخييم في مناطق طبيعية مفتوحة، وتقدم الشركة عبر موقعها الإلكتروني كافة التفاصيل حول برنامج الرحلة، وفق كل دولة على حدة، كما تقدم بنود تعاقدية عديدة، تشمل تحديد المهام للمسافرين، وكيفية إدارة العلاقات بين الركاب وقائد الرحلة، ومن بين تلك البنود مشاركة الركاب الإلزامية في جميع الأعمال اليومية، من إعداد أماكن التخييم، وطهي الطعام، والتنظيف وغير ذلك، وإجمالًا فهي مغامرة، وليست رحلة سياحية ترفيهية.
وتنطلق الرحلة على متن حافلة مُعدلة، تناسب بيئات غير ممهدة، وأحوال جوية متنوعة ومُتقلبة، وكذلك توفر مساحات كافية لتخزين متعلقات الركاب، والوقود والغذاء والمياه والمستلزمات، التي تكفي ركاب يتراوح عددهم بين 15 - 30 فردًا، ولا توفر الصور الخلابة للمعالم المميزة في دول القارة، واللقطات التي تبرز التنوع والثراء البشري والاجتماعي، فهمًا شاملًا حول الرحلة، التي لا تتصف بالراحة بأي حال، حيث القيادة عبر طرق ليست جميعها ممهدة لمدة أيام متواصلة دون توقف، غير وقتٍ قصير للراحة، وتعتبر تلك احدى السلبيات التي عبر عنها مشاركون سابقون، واشتكى البعض من أنّ البرنامج يكاد في بعض الأحيان يقتصر على كونه "قيادة دون توقف".
كما تواجه الرحلة العديد من الصعاب غير المتوقعة، بسبب مدتها الزمنية التي تكاد تقارب العام، ومرورها عبر 38 دولة، من غرب إلى وسط إلى شرق وشمال القارة، بما تشهده العديد من هذه الدول من اضطرابات سياسية وأمنية، منها مخاطر الجريمة المنظمة والجماعات المُصنفةً إرهابيةً كما في حال نيجيريا، وكذلك الحرب في السودان الذي ستجبر سائق الحافلة على الالتزام بمسار في أقصى شرق البلاد، وصولًا إلى مصر، فضلًا عن المخاطر الصحية الكبيرة من انتقال العدوى، والافتقاد أثناء الرحلة إلى رعاية صحية في ظل ضعف الخدمات الصحية، واقتصار توفرها على المدن الكبيرة. توجد تحديات أخرى، تتعلق بالطقس، حيث تعايش الرحلة أجواء جوية، تتقلب من البرودة الشديدة إلى درجات الحرارة المرتفعة، وهطول الأمطار والظروف المناخية الأخرى، ويؤثر ذلك على حالة الطرق، ما يزيد من المخاطر التي قد تتعرض لها الحافلة، وقد تسبب تعديلات إجراءات العبور بين دول القارة مشاكل جمة، وعلى سبيل المثال في العام 2021، واجهت الرحلة مشكلة خطيرة، بسبب رفض السلطات الغانية عبور الحافلة إبان إغلاق الحدود وقت جائحة كورونا، ما اضطر السائق إلى المخاطرة بعبور بوركينا فاسو على الرغم من المخاطر الأمنية.
لئن كانت تحديات جمة تنتظر الرحلة، فليس جميعها مُحتم الحدوث، كما أنّ هذه التحديات جزءٌ من المغامرة، ومع ذلك إن نجحت دول القارة في تدشين إطار عمل وتفاهمات قارية لمثل هذه النوعية من الرحلات، بما يشمل تقديم تسهيلات للعبور بين الدول وتوفير مسارات برية آمنة والاستثمار في البنية التحتية المحلية، فستصبح القارة وجهةً لكل راغب في تجربة سياحية غير تقليدية، ومع وجود خطط تسويقية واسعة، ستجذب سياحة المغامرات ملايين السائحين من مختلف الدول، ورغم غياب مثل هذه التفاهمات، تنظم العديد من الشركات الأوروبية والأمريكية جولات عابرة للحدود في القارة، وتتركز جميعها في جنوب ووسط القارة، حيث تجمع دول الإقليم العضوية في مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي "SADC".
ساهم قطاع السفر والسياحة في القارة بأكثر من 186 مليار دولار أمريكي عام 2019 من إجمالي الدخل القومي لدول القارة، حيث استقبلت القارة نحو 84 مليون مسافر دولي، ووفر القطاع سبل العيش لنحو 25 مليون شخص، ما يعادل 5.6% من إجمالي الوظائف في القارة
إجمالًا، تقدم رحلة "Africa Encompassed" ومثيلاتها تجارب فريدة أمام المغامرين لاستكشاف مئات المجتمعات المحلية في القارة، ومئات المدن والتجمعات السكانية الحضرية والريفية والقبلية، والتعرف على عادات وتقاليد تتسم بالأصالة والارتباط بالطبيعة والتراث الإنساني القديم، علاوةً على التمتع بمشاهدة العديد من الشواطئ البحرية المتنوعة، على المحيطين الأطلسي والهندي، ومشاهدة تنوع جغرافي هائل من الصحراء القاحلة إلى الغابات والسهول والجبال، وزيارة الحدائق والمحميات الوطنية التي تزخر بتنوع وثراء كبير في الحياة البرية النباتية والحيوانية، وغير ذلك من التجارب الشخصية والجماعية التي يكتسبها المسافر.
ساهم قطاع السفر والسياحة في القارة بأكثر من 186 مليار دولار أمريكي عام 2019 من إجمالي الدخل القومي لدول القارة، حيث استقبلت القارة نحو 84 مليون مسافر دولي، ووفر القطاع سبل العيش لنحو 25 مليون شخص، ما يعادل 5.6% من إجمالي الوظائف في القارة، ويتوقع خبراء المجال أنّ القطاع قادرٌ على مضاعفة تلك الإيرادات بحلول العام 2030، شريطة إدخال العديد من الإصلاحات، مثل تبسيط إجراءات التأشيرات، وتوسيع الربط الجوي بين دول القارة، وتخطيط حملات تسويقية لتسليط الضوء على ثروة الوجهات في هذه القارة الخلابة.